الخرطوم- أعاد مشهد دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة السودانية، مشهد حرب 15 أبريل/نيسان الماضي إلى ذهن مريم عليّ التي نزحت إليها من أهوال معارك الخرطوم، ليعيد التاريخ نفسه بالصورة ذاتها.

وتقول مريم للجزيرة نت، "عندما رأيت أول عربة عسكرية للدعم السريع تصل إلى صينية (مدخل) السوق المركزي، شعرت بالخيبة، والانكسار والرعب، وقرب انتهاء الحياة".

وأوضحت النازحة أنه قبيل دخول قوات الدعم إلى المدينة واندلاع الاشتباكات شرقها يوم 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تصاعدت أعمدة الدخان وازدحمت الطرقات بالمواطنين الذين حزموا أمتعتهم، وظهر الانفلات الأمني وتفاقمت الأوضاع في اليوم التالي وتزايدت أعداد الفارين من المدينة.

ما زالت مريم موجودة في حي المنيرة بود مدني لأن أسرتها ممتدة وتتكون من 22 شخصا، وتقول "ومع ارتفاع أسعار الإيجار في الولايات، قررنا الترتيب وضمان وجود منزل، وعندما تهيأت الأوضاع أُغلق الطريق".

وتعيش مريم وعائلتها في خوف خشية وقوع اعتداءات أو عنف جنسي من قوات الدعم وتؤكد "نرتدي عددا من الملابس والأغطية، نحاول أن نحمي أنفسنا".

تصعيد كبير في القتال في السودان..
سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني تؤدي لنزوح نحو ربع مليون في الأيام الأخيرة، وسلاح الاغتصاب يهدد السودانيات مع تفاقم الأزمات الصحية.
ما آخر تطورات الوضع في السودان؟ pic.twitter.com/4FWQekEQC7

— AJ+ عربي (@ajplusarabi) December 21, 2023

"مدينة أشباح"

"لا أحد يتجول في المدينة، تمت استباحة كل شيء فيها، سُرقت المتاجر، والمخازن، والمنازل وباتت مثل مدينة الأشباح"، هكذا يصف شهود عيان  -للجزيرة نت- ما آلت إليه الأوضاع في ود مدني بعد أن كانت نابضة بالحياة.

ونفى شهود عيان من المدينة -للجزيرة نت- وجود قوات للجيش فيها أو وقوع اشتباكات.

وقال مواطن في أحد أحيائها -فضل حجب اسمه- إن أسواق ود مدني مغلقة باستثناء اثنين في أطرافها مع تذبذب خدمات الاتصال والكهرباء التي شهدت انقطاعا دام حوالي 5 أيام في عدد من قرى ولاية الجزيرة، مشيرا إلى نهب السيارات ومعاناة الحصول على الأدوية جراء سرقة المستشفيات والصيدليات.

وأضاف أن قوات الدعم لديها قائمة بأسماء من وصفوهم بالمنتمين للنظام السابق، وأنه يتم أحيانا نهب أموال المواطنين وهواتفهم.

ووصفت الشابة "د.ح" الوضع في المدينة بالعادي، و"لا أصوات رصاص باستثناء إطلاق عشوائي في الأيام الماضية كإرهاب للمواطنين".

وقالت -للجزيرة نت- إن هذه القوات نهبت المخازن والمحالّ التجارية وشحنتها في شاحنات للخرطوم، وإنها أغلقت الطريق إلى ولاية سنار وأرغمت عددا من المدنيين على العودة بينما سلك آخرون الطريق الترابي للخروج من المدينة.

وتشهد ود مدني وبعض قرى ولاية الجزيرة إغلاق المرافق الحيوية مع استمرار معاناة النازحين والمُهجّرين قسريا بسبب شح الغذاء والدواء.

ومع انعدام وسائل النقل وشح الوقود وسرقة السيارات، تضاعفت تكلفة خروج المواطنين في وقت قطع فيه آخرون مئات الكيلومترات سيرا على الأقدام، وفق تأكيد شهود عيان من ود مدني للجزيرة نت.

وقال رب أسرة أحد مرضى السرطان -جاء من أم درمان لعلاج ابنه- إن قوات الدعم السريع طلبت منهم إخلاء مقر استراحة مرضى أطفال السرطان واتهمتهم بالانتماء للاستخبارات العسكرية.

وأضاف للجزيرة نت، "خرجت بمعية 5 أشخاص متوجهين إلى ولاية سنار سيرا على الأقدام، قطعنا حوالي 100 كيلومتر واستغرقنا يومين للوصول إليها"، وأكد أن وضعه المادي لا يسمح بتغطية تكاليف السفر.

أوضاع مأساوية

ومع تفاقم معاناة المدنيين في ولاية الجزيرة، تصف لجان مقاومة الحصاحيصا -ثاني أكبر مدينة بالولاية تسيطر عليها قوات الدعم- الوضع بالمأساوي وتقول إن الولاية تشهد حالة من السيولة الأمنية والنهب وتهديد قوات الدعم بالاغتصاب ونهب الأسواق والمستشفيات.

وأضافت اللجان -للجزيرة نت- أن الانتهاكات لم تتوقف منذ دخول قوات الدعم المنطقة في ظل غياب الجيش والشرطة، كما تهدد المجاعة مواطن ولاية الجزيرة خاصة مع فشل العروة الشتوية للموسم الزراعي.

وأشارت إلى أن قوات الدعم تعهدت بحسم "انفلات" أفرادها لكنهم يفقدون السيطرة عليهم ولا توجد رقابة، وانعدمت وسائل الحركة ويلجأ الناس للتنقل عبر الدواب.

ووردت تقارير تفيد بوقوع عدد من حالات العنف الجنسي في ود مدني، وتعيش عدد من أسر المنتمين للأجهزة النظامية حالة من الذعر خشية "التصفية حيث تستهدفهم قوات الدعم وأخفوا أنفسهم للحيلولة دون الوصول إليهم".

ورصدت الجزيرة نت حالة تنقل عدد من مواطني قرى جنوب الجزيرة عقب دخول الدعم السريع وغادر بعضهم إلى ولايات سنار، وبورتسودان، والقضارف والخرطوم، وتوجه آخرون إلى قرى توصف بالنائية، لكن قوات الدعم وصلت إلى بعضها ونهبت السيارات التي خبأها أصحابها.

وقال الصحفي عزمي عبد الرازق إن معظم سكان مدينة ود مدني قرروا البقاء فيها، وإنه تم نهب ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح، ووقعت إصابات هائلة في صفوف المدنيين، وحالات اغتصاب للنساء.

وأضاف للجزيرة نت، "لا توجد وسيلة لنقل المرضى والأطفال والنساء إلى مناطق آمنة، كل ولاية الجزيرة تمت استباحتها، وتعذر الخروج على آلاف المواطنين وسط حالة من الفوضى والرعب والحصار، وتحولت المدينة إلى سجن كبير".

وتابع عزمي "تم منع أُسر كثيرة قررت المغادرة مشيا، عنوة من قبل مليشيا الدعم السريع، وجعلت منهم دروعا بشرية، وفُتحت معسكرات تدريب وأُجبر الشباب على حمل السلاح، وتوجد جثث مدنيين في الشوارع وداخل البيوت لم يتم دفنها بعد".

بعد أيام من سيطرة الدعم السريع.. جميع المرافق الصحية في مدينة ودمدني تخرج عن الخدمة ونقابة أطباء #السودان تحذر من كارثة صحية وخيمة pic.twitter.com/uDFlSqcJU8

— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 23, 2023

"انتهاكات غير مقبولة"

بالمقابل، وصف عزت الماهري المستشار السياسي لقائد الدعم السريع وقوع الانتهاكات بغير المقبول ولا يمكن التسامح معه.

وقال الماهري للجزيرة نت، "إذا كانت هنالك مجموعات منفلتة تتبع الدعم السريع لا بد من لجمها ولو باستخدام القوة، ممتلكات وحياة المواطنين أهم، وإذا كانت هنالك عناصر من استخبارات الجيش أو النظام البائد تريد خلق حالة هلع في الجزيرة، يجب مواجهتها".

وتابع "الجزيرة منطقة واسعة لا بد من تعاون بين المجتمع المحلي وقوات الدعم لمواجهة حالة الانفلات والنهب، توجيهات قيادة الدعم واضحة في هذا الصدد".

من جهتها، أفادت وزارة الصحة الاتحادية بأن دخول "مليشيات الدعم السريع" أدى إلى خروج مراكز الكلى بالجزيرة عن العمل ما يهدد حياة ألفي مريض كلى كانوا يتلقون الخدمة من خلال 19 مركزا، تعمل منها الآن 9 فقط.

وقال المتحدث باسم اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان سيد محمد عبد اللّه، "بعد هجوم هذه القوات، أصبحت مستشفيات ود مدني خارج الخدمة".

وأضاف للجزيرة نت أن أكثر من 90% من الخدمات الطبية كانت تُقدم في مستشفيات ود مدني وأنه تم "اغتيال بعض الكوادر الطبية واعتقال آخرين واختفاء بعضهم". وناشد المنظمات المحلية والإقليمية بالتدخل لإنقاذ الوضع الصحي خاصة مع انتشار الأوبئة.

وقالت مفوضية اللاجئين الأممية في السودان إن النزاع في ولاية الجزيرة أجبر مئات الآلاف من الأشخاص على الفرار، ولجأ أكثر من 7 آلاف منهم إلى ولاية القضارف.

ووفق المنظمة الدولية للهجرة، فر ما بين 250 ألفا إلى 300 ألف شخص من مدينة ود مدني والمناطق المحيطة بها منذ بدء الاشتباكات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ولایة الجزیرة مدینة ود مدنی الدعم السریع قوات الدعم للجزیرة نت عدد من

إقرأ أيضاً:

قائد قوات الدعم السريع: سنبقى في الخرطوم ولن نخرج من القصر الجمهوري

دبي- الشرق/ قال قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو "حميدتي"، السبت، إن قواته لن تخرج من العاصمة الخرطوم أو من القصر الجمهوري الذي تسيطر عليه منذ اندلاع الحرب مع الجيش في 15 أبريل 2023، في وقت أعلنت القوات المسلحة تطويقها للقصر وتقدمها نحو بسط السيطرة على كامل وسط الخرطوم.

وأضاف حميدتي في خطاب مسجل بثته "الدعم السريع" على قناتها بتليجرام: "الوضع الآن مختلف جداً الحرب الآن داخل الخرطوم ولن نخرج من القصر الجمهوري ومنطقة المقرن".

وتوعد الجيش السوداني بأن يكون 17 رمضان الجاري الذي قال إنه "يصادف ذكرى معركة بدر الكبرى وذكرى تأسيس قوات الدعم السريع" يوم "حسرة" على الجيش، مشيراً إلى أن قواته ستنتصر في نهاية المطاف.

وتأتي تصريحات حميدتي وسط احتدام المعارك بين قواته والقوات المسلحة السودانية في محيط القصر الجمهوري مع إعلان الجيش عن تقدمه في وسط العاصمة الخرطوم.

وفي 25 يناير الماضي أعلن الجيش إكمال المرحلة الثانية من العمليات الحربية في الخرطوم بربط قواته القادمة من أم درمان وشمال بحري بجنوده الموجودين في مقر سلاح الإشارة أقصى جنوب مدينة بحري وهي خطوة أنهت رسمياً حصار القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم، كما بسط الجيش سيطرته على كامل محليتي بحري وشرق النيل.

"الدستور الجديد"
وأعلن حميدتي عن ترحيبه بما اسماه "الدستور الجديد"، في إشارة إلى الإعلان الذي وقعته قوات الدعم السريع وحلفائها خلال الأيام الماضية في العاصمة الكينية نيروبي.

وفي 5 مارس وقعت قوات الدعم السريع، وجماعات متحالفة معها دستوراً انتقالياً، ما يمهد لإنشاء حكومة موازية، وينذر بتقسيم البلاد، على أن يحل محل الدستور الذي تم توقيعه بعد أن أطاح الجيش وقوات الدعم السريع بالرئيس السابق عمر البشير خلال انتفاضة عام 2019.

ومن بين الموقعين على الوثيقة الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، وهي حركة نافذة ذات توجه علماني تسيطر على مناطق شاسعة من ولاية جنوب كردفان السودانية، وتنشط تحت مظلتها جماعات أخرى أصغر حجماً.

وتوجه حميدتي خلال خطابه، السبت، بالشكر لكينيا على استضافتها للحدث، مشيراً إلى أنها دولة ديمقراطية نموذجية ظلت "أبوابها مفتوحة لكل المهمشين"، مشيراً إلى أن التاريخ سيسجل مواقف نيروبي تجاه السودانيين.

واعتبر أن ما اسماه بـ"الدستور الجديد" عالج قضايا كانت تصنف ضمن المسكوت عنه منذ استقلال السودان، مشيراً إلى أنهم في قوات الدعم السريع كانوا "مخدوعين" حول مفهوم "العلمانية" لكنهم الآن أصبحوا حلفاء للحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو ذات التوجه العلماني، معلناً عن ترحيبه بالتحالف مع الحلو.

وزعم حميدتي أن الدعم السريع يتمتع الآن بـ"أكبر تحالف سياسي وعسكري"، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة تماماً بالنسبة لقواته، متوعداً الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش بـ"السحق" والهزيمة في إقليم دارفور غربي البلاد.

وقال إن قواته ترصد عن كثب تحركات الحركات المسلحة نحو إقليم دارفور وإنها في انتظارها لإلحاق الهزيمة بها، وأضاف قائلاً: "نحن سننتصر بالتأكيد ونعد الشعب السوداني أن تكون هذه آخر الحروب".

واستنكرت وزارة الخارجية السودانية في بيان سابق، موقف الحكومة الكينية، و"تبنيها الحكومة الموازية التي تنوي مليشيا الإبادة الجماعية وتابعيها إعلانها في بعض الجيوب التي تبقت لها"، على حد تعبيرها.

وشدد البيان، على أن الحكومة السودانية ستمضي في اتخاذ الخطوات الكفيلة بالرد على هذا "السلوك العدائي غير المسؤول"، ووصفته بأنه "سابقة خطيرة، وخروج كامل على ميثاق الأمم المتحدة، والأمر التأسيسي للاتحاد الإفريقي، وتهديد بالغ للأمن والسلم الإقليميين".

البرهان: عازمون على تحرير البلاد
والخميس الماضي، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن الجيش عازم على تحرير البلاد من "المرتزقة والعملاء والقضاء على الدعم السريع".

وجاءت تصريحات البرهان خلال كلمة مقتضبة بمدينة أم درمان غربي الخرطوم، خلال تأدية واجب العزاء في اللواء الركن بحر أحمد بحر، الذي لقى مصرعه في حادثة تحطم طائرة عسكرية في أم درمان في 25 فبراير الماضي، وفق بيان للجيش السوداني.

وأكد البرهان أن "القوات المسلحة السودانية ستظل سداً منيعاً ضد كل من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار السودان" .

وأضاف: "نجدد العزم على تحرير البلاد من المرتزقة والعملاء والقضاء على مليشيا الدعم السريع الإرهابية".  

مقالات مشابهة

  • قائد «درع السودان» يتبرأ من جرائم «الدعم السريع» ويؤكد أنه جزء من الجيش
  • رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»
  • مقتل 6 وإصابة العشرات في هجوم لـ الدعم السريع ضد مدنيين
  • مقتل وجرح العشرات بقصف لـ«قوات الدعم السريع» في السودان
  • الجيش السوداني يضيق الحصار على الدعم السريع ويقترب من القصر الرئاسي
  • السودان.. «الدعم السريع» يهدد بالتصعيد ويحدد خريطة عملياته
  • ضبط مخزن أسلحة ومحكمة عشوائية لـ”الدعم السريع” 
  • قائد قوات الدعم السريع: سنبقى في الخرطوم ولن نخرج من القصر الجمهوري
  • الكشف عن بئر استخدمتها الدعم السريع للتخلص من جثث الضحايا
  • الدعم السريع تنهب سكان 10 قرى وعمليات نزوح واسعة