تحرير العقل الجمعي من الغوغائية
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
عندما نتحدث عن العلم، فأننا نتحدث على ركيزة مهمة في عملية بناء المستقبل، في مواجهة حالة الانهيار العام، ونركز على العقل في مواجهة غوغائية التملق للجماهير لاستغلال مشاعرها، وكسب ودِّها وإثارة غوغائية بعضها، لهدف فقدان استقلالية الفكر ليتبع عقلية القطيع، في مشروع ظاهره بنا، وباطنه خراب.
منذ أن وعيت على هذه الأرض الطيبة، وعشنا تجربة الكفاح المسلح، واحلام الاستقلال والحرية والسيادة على الأرض، تنهار تلك الاحلام ويخذل الناس، حتى وصلنا لما وصلنا إليه من تدمير للإنسان والفكر والقيم والاخلاقيات، فقدنا الإرادة الحقيقة في حق تقرير المصير والسيادة على الأرض، والحرية اليوم مصادرة والقرار مرتهن، ومشاريعنا الوطنية بكل تعددها تنهار امام اعيننا، وافكارنا لا تجد بيئة صالحه لتبلورها، حيث لا فرصة للعقل والمنطق، وصارت الغوغائية تحكمنا، وخطاب التملق للجماهير يصدح، ليصنع ضوضاء سلوكية وفوضى فكرية، تشوش الصورة، وتتوه الناس، وتصنع لهم أعداء من بينهم، لتطويق رقابهم كخطام بيد السياسي الجاهل في مقود العقل الجمعي، ويصبح صنم كل قرارته محل ثقه للتابعين، يبدأ الجهل من هنا يقود الناس للكارثة، نصنع له كاريزما القائد الملهم على العقل والمنطق، يصرح هنا وهناك، بقليل من الكلام الذي يدغدغ مشاعر الناس ويرضي فضولهم، بكلام عفوي غير مترابط يشعل الحماس الغوغائي، ويشعرهم انه واحدا منهم.
ولهذا نرى أن قضيتنا اليوم هي التصدي للجهل وهد معبد الغوغائية، وتدعيم ركائز العلم والعقل والمنطق، تعزيز شريحة البناء، وهي الشريحة التي تضم كل طاقات المجتمع ومن اجل نصرة الفكرة، التي تبدأ بتعزيز دور المجتمع، وإصلاح ما خربته الغوغائية، تعافي المجتمع لإعادة الروح اليه، نصنع وعيا جماهيريا يجمع الناس، وتخشى منه السلطة، أكبر انجاز يمكن ان يحققه مناضل اليوم ان يحرك المجتمع ليدافع عن مصالحه.
مع الأسف، أن الغوغائية آفة من إنتاج الجهل والتخلف، حتى وان وجدنا بعض المتعلمين ومن يدعون الثقافة في قطيع الغوغائية، فهم ضمن قطيع المصالح والنفعية البراغماتية والديماغوجية السياسية، يتبعون القطيع، قطيع يقوده من لا يستطيع ان يقرأ المتغيرات السياسية، ولا يستطيع ان يدير عملية سياسية، ولا تحالفات سياسية، مجرد قائد مقاد من أطرف كبرى، مهمته السيطرة على القطيع حتى لا يتمرد على المخطط، قائد مرتهن وجد من اجل تنفيذ اجندات واطماع خارجية، أو مرتهن لفكر شاذ وماضي تعيس.
عندما ندعو لمحاربة الجهل، فنحن ندعو لقطع دابر الغوغائية، التي نشهدها اليوم من عدة أطراف، وتصب خدمتها لنفس المشروع، الغوغائيين لا يطيقون الحديث عن الأفكار النيرة، ولا يفهمونها، واليوم يعيش العقل والمنطق في أزمة مع الغوغائية، ويناضل ويكافح بصعوبة في مواجهة الجهل والغوغائية التي عطلت كل مشروع وطني وفكر انساني تحرري، كل نضال الشرفاء في مواجهة المؤامرة لتدمير وطن وإهانة أمة وكرامة الإنسان فيها وحق تقرير المصير للأرض والهوية.
ولهذا ندعو كل العقلاء والصادقون والشرفاء المناضلون التصدي للغوغائية من اجل الانطلاق للمستقبل، متحررين من كل قيود الماضي أو الارتهان لمشاريع استعمارية كانت وما زلت تعيق تطورنا، وان شاء الله وصلت الفكرة.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: كتابات يمن مونيتور فی مواجهة
إقرأ أيضاً:
القراءة في عقل الأزمة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الأزمات و التحديات التي تواجه القوى السياسية، تعد أهم الاختبارات التي تواجه العقل السياسي، و هي التي تبين إذا كان العقل السياسي سليما قادارا على تجاوزها، أم به من العلل التي تعجزه أن يقدم مبادرات يتجاوز بها هذه الأختبارات، و إذا كان العقل معلولا تجده يبحث عن تبريرات يداري بها هذا العجز.. و علة العقل السياسي ظهرت في أول أختبار مرت به، عندما سلم ذات العقل المعلول قيادة الجيش السلطة طواعية عام 1958م، خوفا من نتائج الصراع السياسي مع الآخرين باعتباره حلا يمكن تجاوزه بدخول عامل جديد في الصراع على السلطة، أهمل العقل دراسة هذه الواقعة و نتائجها إذا كانت سالبة أو إيجابية، ثم تكررت التجربة في 1969م و أيضا إهملت تماما، و أيضا في 1989م، كلها تجارب ماذا كان دور القوى السياسية حيال هذه التجارب، هل استطاعت أي قوى سياسية يسارا أو يمينا كانت، أن تقدم نقدا لهذه التجارب لكي تستفيد منه القوى السياسية الأخرى.. أم أهملت نقد التجارب؟.. الأهمال نفسه يبين أن العقل السياسي في أعمق مراحل الأزمة التي عجز أن يتجاوزها..
إذا عرجنا إلي الشعارات التي ترفعها القوى السياسية بكل مدارسها الفكرية "لعملية التحول الديمقراطي" في البلاد، من هي القوى السياسية التي استطاعت أن تكون مقنعة للشعب بأنها تعد مثالا للديمقراطية داخل مؤسستها أو خارجها من خلال إنتاجها الفكري و الثقافي الذي يقنع الجماهير بأنها بالفعل جادة قولا و فعلا في تنزيل الشعار لأرض الواقع الإجتماعي.. الديمقراطية فكر و ثقافة و قوانين و سلوك و ممارسة يومية و ليست شعارات تزين بها الخطابات السياسية.. و الذي يحصل في الساحة السياسية هو صراع ليس من أجل توعية و تثقيف الجماهير بالديمقراطية، أنما صراع بهدف الإستحواز على السلطة بأي ثمن كان..
الآن هناك البعض يرفع شعار البحث عن " طريق ثالث" رغم أن الذين يرفعون هذا الشعار هم من الذين ظلوا يدعمون " الميليشيا" و هم الذين اقنعوها بأن تقوم بالانقلاب، كما قال قائد الميليشيا أن أصحاب " الاتفاق الإطاري" كانوا وراء اشعال الحرب.. بعض من هؤلاء يرفعون شعار " الطريق الثالث" و لم يعرفوا الآخرين ما هو المقصود بهذا الشعار؟ ما هو التصور " للطريق الثالث" الذي يجب أن يتجاوز الحرب، و أيضا الأزمة السياسية التي تعيشها القوى السياسية، العقل المأزوم هو الذي يعلق انتاجه السياسي بالشعار، و لا يستطيع أن يقدم أطروحات فكرية تخدم الشعار الذي يرفعه، هؤلاء هم الذين عطلوا عقولهم طواعية، و اعتمدوا على شخص واحد يفكر نيابة عنهم، و عندما رحل مفكرهم، و جدوا انفسهم أمام تحديات عجز عقلهم التعامل معها..
أن الذين اعتقدوا أن الأزمة التي تعيشها البلاد أنها بسبب " الكيزان و الفلول" هؤلاء أنواع البعض منهم يحاول أن يغطي علاقته بالنظام السابق في اعتقاد أن تركيزه على ذلك سوف سغطي أفعاله، و البعض الأخر بسبب العجز الثقافي و الفكري الذي يعاني منه، أعتقادا أن التركيز على هذا الخطاب سوف يجعله من الذين يطلق عليهم " قوى تقدمية" رغم أن هذه الثقافة قد قبرت كما قبرت الحرب الباردة، و هؤلاء سدنة الأفكار التي تجاوزتها البشرية في مسيرتها التاريخية.. و أخرين يتعلقون بأهداب الخارج ليشكل لهم رافعة للسلطة، و يعتقدون كلما كانوا اشدا بأسا على الكيزان و الفلول " كانوا مقنعين لهذا الخارج بأنهم رجال مرحلة لهم، و هناك الذين يعتقدون أن " الكيزان و الفلول" جزء من الأزمة التي تعيشها كل القوى السياسية، و بالتالي معالجتها تأتي من المعالجة العامة للأزمة السياسية في البلاد...
أن الحرب التي يشهدها السودان هي أعلى مراحل الأزمة السياسية، و هي أزمة العقل السياسي، الذي بدأ يتراجع منذ أن بدأت القوى السياسية تبحث عن حلول للأزمة داخل المؤسسة العسكرية.. أن تحدث فيها أختراقا لكي تقوم بانقلاب عسكري يسلمها السلطة، و الغريب كل القوى السياسية التي أحدثت انقلاب بواسطة عسكريين عجزوا أن يستلموا منهم السلطة.. و حتى الآن لم يبينوا لماذا فشلوا في ذلك.. ما عدا إفادات الدكتور الترابي لأحمد منصور في " قناة الجزيرة" البقية تعلقت " بالنكران و الهروب" الحرب و فشل نقد السياسسين للتجارب السابقة تمثل أعلى درجات أزمة العقل السياسي، و هناك الأمارات التي تدخلت بشكل سافر في الأزمة لكي تحولها لمصلحتها، و استطاعت أن تتاجر في الاستحوا ز على عقول الأزمة في السودان، لعل تنجح مؤامرتها على البلاد، و من وراءها مثل بريطانيا و أمريكا و الايغاد و الاتحاد الأفريقي و بقية المنظمات الإقليمية.. هل تستطيع القوى الجديدة التي سوف تفرزها الحرب أن تدرك دورها و مسؤوليتها السياسية، و تقدم أطروحات سياسية و أفكار تخلق بها واقعا جديدا، و أيضا تتجاوز بها الأسباب الحقيقية التي أدت للأزمة و تنشل العقل السياسي منها.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com