أمريكا بين هوية المواطنة وهوية الزبون
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
فوزي عمار
تهتم الدول عادة بالمواطنة كعامل يعتبر مؤسساً للحياة العامة بيننا يعتمد النموذج الأمريكي على مفهوم الزبون، الذي لديه القدرة على الشراء ودفع الضرائب أكثر من مفهوم المواطنة.
لا تجد فرقًا كبيرًا بين أمريكي حامل لجواز السفر الأمريكي ومقيم أجنبي يعمل ولديه دخل؛ بل ربما يكون وضع المُقيم أفضل من المواطن الأمريكي، إذا توفر له المال القادر على دفع تكاليف الدراسة والعلاج له ولأسرته؛ فالتعليم والصحة في بلد العم سام بمقابل لكل مواطن ومُقيم، والمثل الأمريكي يقول: "لا يوجد شيء مجاني في أمريكا! There is No free lunch in America".
أمريكا تختلف في هذا حتى مع أختها الأكبر بريطانيا التي توفر العلاج المجاني من خلال هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وأيضًا التعليم لمواطنيها؛ لذلك لا معنى للمواطنة في أمريكا دون مال وعمل.
وحالة المواطن الأمريكي جيدة ما دام يعمل ويدفع ضرائب؛ فالدولة تشاركه في دخله بنسبة تصل إلى 30% وأكثر أحيانا، حتى لو عمل خارج أمريكا، فعليه دفع الضرائب لأمريكا! تساعدك الحكومة الأمريكية على كسب المال لجني أرباح الضرائب وتفتح باب الهجرة للعقول لتغذي مصانعها. كما تشعل الحروب وتتدخل في العالم بما يسمح لها إمداد النفط وبيع السلاح والتقنية مستفيدة من ماكينة إعلانية ضخمة تسوق لمشروعها "الحلم الأمريكي"، ومُستفيدة من مجموعة من المتحمسين للمشروع الأمريكي من دول العالم الثالث متوقعين لعب دور "كارازي" في دولهم، مجبورين تحت وطأة حالة الغربة التي تقود إلى اغتراب بين مُنبطح للتغريب ومعادٍ لها قد يتحول إلى داعشي، ربما تحركه المخابرات الأمريكية، ثم ينتهي به الأمر في معتقل جوانتانامو.
فأمريكا تعرف كل شيء عنهم!
أمريكا اليوم تلعب الدور الإمبراطوري الذي لعبته بريطانيا عندما كانت لا تغيب عنها الشمس لتتحول بريطانيا إلى جزيرة لا تشرق فيها الشمس ومثل أسبانيا التي احتلت أمريكا اللاتينية ومازال شعوبها يتكلمون لغتها.. إنها حالة مراحل الدول التي يشبهها ابن خلدون بمراحل الإنسان من طفولة وشباب وشيخوخة.
طبعًا هذا لا ينفي نجاحات المؤسسات في أمريكا من جامعات ومستشفيات ومراكز بحث علمي، ولكنه نجاح للمؤسسات والشركات بالدرجة الأولى. وإذ يظهر التعدد وانفتاح السوق بيد أن الواقع غير ذلك؛ فشركة "أبل" هي الشركة شبه المحتكرة لسوق الهواتف الذكية في أمريكا، وشركة "بوينج" هي المُهيمنة على سوق الطائرات، كما إن جميع الشركات الكبرى ترزح تحت لوبيات المال في "وول ستريت"؛ بل حتى الأحزاب الحاكمة، فهما حزبان فقط قال عنهما المفكر الأمريكي جور فيدال "في أمريكا حزب واحد يحكم بجناحين هو حزب الملكية".
أمريكا تعتمد على الدخل والمال كحاكم مهم للهوية لأن الأمريكي الأحمر صاحب الأرض لم يعد له حضور؛ فهو يعيش في مجمعات سكنية مغلقة أشبه بالسجون داخل أمريكا الديمقراطية بعد أن استعملت البارود في القضاء عليه حين اكتشفت الأرض الجديدة أول مرة.
أمريكا التي تؤمن باقتصاد السوق الحر ولكنها لا تؤمن بالحرية عندما تكون لصالح غيرها فهي نفسها تمنع بيع الحديد الصيني بحجة سياسة عدم الإغراق! هي نفسها أمريكا التي منعت شركة مواني دبي من الاستحواذ على إدارة الموانئ الأمريكية بحجة الأمن القومي!
أمريكا تفعل ما تريد ولن تعدم الوسيلة في إيجاد مبرر، ولن تتعب في إيجاد المنافقين لها، أو خائن جديد لأي شعب من شعوب الأرض يقيم على أرضها، ما دام الدولار هو العملة الأقوى في العالم، وما دامت اتفاقية البترودولار قائمة وكل بنوك العالم الثالث تعمل على تخزين أموالها في أمريكا، والدولار هو من يحدد الهوية الأمريكية وليس أي شيء غيره. فأنت إما مالك لإحدى الشركات المهيمنة في السوق أو تملك المليارات ليحق لك دخول الانتخابات الرئاسية، أما غير ذلك فأنت مواطن لا قيمة له إلا بقيمة حسابك البنكي فقط!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"أكسيوس": تغير ملحوظ في التوجهات العالمية استعدادا لتولي ترامب الرئاسة الأمريكية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ركز موقع "أكسيوس" الأمريكي على الأثر الفوري لانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة على مستوى الحكومات وقطاع الأعمال والشركات في جميع أنحاء العالم، استعدادا للتعامل مع سياساته المعهودة من فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض التي انتهت في 2020.
وأوضح الموقع أن الرئيس المنتخب ترامب سيظل مواطنا عاديا لمدة شهرين آخرين، لكن وصوله الرئاسي الوشيك يغير العالم بالفعل، وذلك استعدادا للتعامل مع وعوده الانتخابية بمزيد من الحمائية الوطنية، وتقليل الإنفاق والتدخل الأمريكي خارج حدودها، وتشكيل نظام هرمي جديد، حيث يمكن للتحالفات الإيديولوجية بين القادة أن تكون أكثر أهمية من التحالفات التعاهدية بين البلدان.
وأشار أكسيوس إلى أنه بالنسبة لرؤساء الوزراء في حكومات الدول المختلفة، وكذلك الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبيرة والصغيرة في جميع أنحاء العالم، لم يعد هناك وقت لإضاعته، ولذلك بدأوا في اتخاذ خطوات سريعة مباشرة بعد إعلان فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية هذا الشهر.
وأضاف أكسيوس: لكن تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية لا تنطبق فقط على الصين، بل أيضًا على الحلفاء، ولذلك اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين شراء المزيد من الغاز الطبيعي الأمريكي في محاولة لاسترضاء ترامب، بحسب "أكسيوس".
وتحدث أيضا قادة في دول أوروبية متعددة، بما في ذلك ألمانيا، عن الحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي خلال الأسبوع الماضي، وذلك لمواكبة هدف ترامب برفع الميزانية الدفاعية لحلف شمال الأطلسي إلى 2٪، وأيضا لأن الحلفاء يتوقعون أن تكون الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب أقل التزاما بالأمن الأوروبي بشكل عام وأوكرانيا بشكل خاص.
وهناك تحول حذر يجري في كييف حاليا، حيث يستعد المسؤولون الأوكرانيون للمشاركة في محادثات سلام محتملة مع روسيا، بحسب ما نقله موقع "أكسيوس".
ونوه الموقع عن أن إيران شهدت أيضا تحولا دبلوماسيا خلال الأيام الماضية، حيث تسعى إلى فتح محادثات مباشرة مع حكومته، مع وجود تقارير إعلامية عن اجتماع بين مسؤولين إيرانيين وإيلون ماسك رجل الأعمال الأمريكي وأحد أكبر داعمي حملة ترامب الإنتخابية.
وأشار إلى أن إيران لم تنفذ حتى الآن ضربتها الانتقامية ضد إسرائيل والتي اعتقد المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون أنها كانت وشيكة قبل يوم الانتخابات، وقال مسؤول إسرائيلي كبير لموقع أكسيوس، "إن هذا هو تأثير ترامب، لقد أوقف الإيرانيون هذا الأمر (الضربة الانتقامية) بعد فوزه في الانتخابات".
وذكرت مصادر إسرائيلية لموقع "أكسيوس"، دون الكشف عن هوياتهم، أن نتنياهو يرغب أيضا في التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع حزب الله لإنهاء القتال في لبنان قبل وصول ترامب.
واختتم الموقع التقرير بأن العالم الذي سيستقبل ترامب في 20 يناير المقبل، سيكون مختلفا بشكل ملحوظ عن العالم الذي كان موجودا يوم 5 نوفمبر قبل انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة.