جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-22@09:47:09 GMT

أمريكا بين هوية المواطنة وهوية الزبون

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

أمريكا بين هوية المواطنة وهوية الزبون

 

فوزي عمار

تهتم الدول عادة بالمواطنة كعامل يعتبر مؤسساً للحياة العامة بيننا يعتمد النموذج الأمريكي على مفهوم الزبون، الذي لديه القدرة على الشراء ودفع الضرائب أكثر من مفهوم المواطنة.

لا تجد فرقًا كبيرًا بين أمريكي حامل لجواز السفر الأمريكي ومقيم أجنبي يعمل ولديه دخل؛ بل ربما يكون وضع المُقيم أفضل من المواطن الأمريكي، إذا توفر له المال القادر على دفع تكاليف الدراسة والعلاج له ولأسرته؛ فالتعليم والصحة في بلد العم سام بمقابل لكل مواطن ومُقيم، والمثل الأمريكي يقول: "لا يوجد شيء مجاني في أمريكا! There is No free lunch in America".

أمريكا تختلف في هذا حتى مع أختها الأكبر بريطانيا التي توفر العلاج المجاني من خلال هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وأيضًا التعليم لمواطنيها؛ لذلك لا معنى للمواطنة في أمريكا دون مال وعمل.

وحالة المواطن الأمريكي جيدة ما دام يعمل ويدفع ضرائب؛ فالدولة تشاركه في دخله بنسبة تصل إلى 30% وأكثر أحيانا، حتى لو عمل خارج أمريكا، فعليه دفع الضرائب لأمريكا! تساعدك الحكومة الأمريكية على كسب المال لجني أرباح الضرائب وتفتح باب الهجرة للعقول لتغذي مصانعها. كما تشعل الحروب وتتدخل في العالم بما يسمح لها إمداد النفط وبيع السلاح والتقنية مستفيدة من ماكينة إعلانية ضخمة تسوق لمشروعها "الحلم الأمريكي"، ومُستفيدة من مجموعة من المتحمسين للمشروع الأمريكي من دول العالم الثالث متوقعين لعب دور "كارازي" في دولهم، مجبورين تحت وطأة حالة الغربة التي تقود إلى اغتراب بين مُنبطح للتغريب ومعادٍ لها قد يتحول إلى داعشي، ربما تحركه المخابرات الأمريكية، ثم ينتهي به الأمر في معتقل جوانتانامو.

فأمريكا تعرف كل شيء عنهم!

أمريكا اليوم تلعب الدور الإمبراطوري الذي لعبته بريطانيا عندما كانت لا تغيب عنها الشمس لتتحول بريطانيا إلى جزيرة لا تشرق فيها الشمس ومثل أسبانيا التي احتلت أمريكا اللاتينية ومازال شعوبها يتكلمون لغتها.. إنها حالة مراحل الدول التي يشبهها ابن خلدون بمراحل الإنسان من طفولة وشباب وشيخوخة.

طبعًا هذا لا ينفي نجاحات المؤسسات في أمريكا من جامعات ومستشفيات ومراكز بحث علمي، ولكنه نجاح للمؤسسات والشركات بالدرجة الأولى. وإذ يظهر التعدد وانفتاح السوق بيد أن الواقع غير ذلك؛ فشركة "أبل" هي الشركة شبه المحتكرة لسوق الهواتف الذكية في أمريكا، وشركة "بوينج" هي المُهيمنة على سوق الطائرات، كما إن جميع الشركات الكبرى ترزح تحت لوبيات المال في "وول ستريت"؛ بل حتى الأحزاب الحاكمة، فهما حزبان فقط قال عنهما المفكر الأمريكي جور فيدال "في أمريكا حزب واحد يحكم بجناحين هو حزب الملكية".

أمريكا تعتمد على الدخل والمال كحاكم مهم للهوية لأن الأمريكي الأحمر صاحب الأرض لم يعد له حضور؛ فهو يعيش في مجمعات سكنية مغلقة أشبه بالسجون داخل أمريكا الديمقراطية بعد أن استعملت البارود في القضاء عليه حين اكتشفت الأرض الجديدة أول مرة.

أمريكا التي تؤمن باقتصاد السوق الحر ولكنها لا تؤمن بالحرية عندما تكون لصالح غيرها فهي نفسها تمنع بيع الحديد الصيني بحجة سياسة عدم الإغراق! هي نفسها أمريكا التي منعت شركة مواني دبي من الاستحواذ على إدارة الموانئ الأمريكية بحجة الأمن القومي!

أمريكا تفعل ما تريد ولن تعدم الوسيلة في إيجاد مبرر، ولن تتعب في إيجاد المنافقين لها، أو خائن جديد لأي شعب من شعوب الأرض يقيم على أرضها، ما دام الدولار هو العملة الأقوى في العالم، وما دامت اتفاقية البترودولار قائمة وكل بنوك العالم الثالث تعمل على تخزين أموالها في أمريكا، والدولار هو من يحدد الهوية الأمريكية وليس أي شيء غيره. فأنت إما مالك لإحدى الشركات المهيمنة في السوق أو تملك المليارات ليحق لك دخول الانتخابات الرئاسية، أما غير ذلك فأنت مواطن لا قيمة له إلا بقيمة حسابك البنكي فقط!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم (الحلقة 5)

فبراير 20, 2025آخر تحديث: فبراير 20, 2025

محمد الربيعي

بروفسور متمرس ومستشار علمي، جامعة دبلن

في قلب ولاية كاليفورنيا المشمسة، حيث تتراقص اضواء التكنولوجيا وتتلاقى عقول المبتكرين، تقبع جامعة ستانفورد، شامخة كمنارة للعلم والمعرفة. ليست مجرد جامعة، بل هي قصة نجاح ملهمة، بدات بحلم، وتحولت الى صرح عظيم، يضيء دروب الاجيال.

منذ سنوات خلت، تشكلت لدي قناعة راسخة بجودة جامعة ستانفورد، وذلك من خلال علاقات علمية بحثية مشتركة في مجال زراعة الخلايا. فقد لمست عن كثب تفاني علماء الجامعة وتميزهم، وشهدت انجازات علمية عظيمة تحققت بفضل هذا التعاون المثمر.

ولعل ما يزيد اعجابي بهذه الجامعة هو شعار قسم الهندسة الحيوية (الرابط المشترك بيننا) والذي يجسد رؤيتها الطموحة: “بينما نستخدم الهندسة كفرشاة، وعلم الاحياء كقماش رسم، تسعى الهندسة الحيوية في جامعة ستانفورد ليس فقط الى الفهم بل ايضا الى الابداع”. انه شعار ينم عن شغف اعضاء القسم بالابتكار وتطوير المعرفة، ويؤكد التزامهم بتجاوز حدود المالوف.

البداية: قصة حب ملهمة

تعود جذور هذه الجامعة العريقة الى قصة حب حزينة، ولكنها ملهمة. ففي عام 1885، فقد حاكم ولاية كاليفورنيا، ليلاند ستانفورد، وزوجته جين ابنهما الوحيد، ليلاند جونيور. وبدلا من الاستسلام للحزن، قررا تحويل محنتهما الى منحة، وانشا جامعة تحمل اسم ابنهما، لتكون منارة للعلم والمعرفة، ومصنعا للقادة والمبتكرين.

ستانفورد اليوم: صرح شامخ للابداع

تقف جامعة ستانفورد اليوم شامخة كواحدة من اعرق الجامعات العالمية، ومنارة ساطعة للابداع والابتكار. فهي تحتضن بين جدرانها نخبة من الاساتذة والباحثين المتميزين الذين يساهمون بشكل فعال في اثراء المعرفة الانسانية ودفع عجلة التقدم الى الامام. ولا يقتصر دور ستانفورد على تخريج العلماء والمهندسين المهرة، بل تسعى جاهدة ايضا الى تنمية مهارات ريادة الاعمال لدى طلابها، لتخريج قادة قادرين على احداث تغيير ايجابي في العالم.

ويعود الفضل في هذا التميز لعدة عوامل، لعل من ابرزها تبنيها لمفهوم الحريات الاكاديمية. وكما اجاب رئيس الجامعة على سؤال لماذا اصبحت ستانفورد جامعة من الطراز العالمي في غضون فترة قصيرة نسبيا من وجودها اجاب لان: “ستانفورد تكتنز الحرية الاكاديمية وتعتبرها روح الجامعة”. هذه الحرية الاكاديمية التي تمنح للاساتذة والباحثين والطلاب، هي التي تشجع على البحث العلمي والتفكير النقدي والتعبير عن الاراء بحرية، مما يخلق بيئة محفزة للابداع والابتكار.

من بين افذاذ ستانفورد، نذكر:

ويليام شوكلي: الفيزيائي العبقري الذي اخترع الترانزستور، تلك القطعة الصغيرة التي احدثت ثورة في عالم الالكترونيات، وجعلت الاجهزة الذكية التي نستخدمها اليوم ممكنة.

جون فون نيومان: عالم الرياضيات الفذ الذي قدم اسهامات جليلة في علوم الحاسوب، والفيزياء، والاقتصاد. لقد وضع الاسس النظرية للحوسبة الحديثة، وكان له دور كبير في تطوير القنبلة الذرية.

سالي رايد: لم تكن ستانفورد مجرد جامعة للرجال، بل كانت حاضنة للمواهب النسائية ايضا. من بين خريجاتها المتميزات، سالي رايد، اول امراة امريكية تصعد الى الفضاء، لتثبت للعالم ان المراة قادرة على تحقيق المستحيل.

سيرجي برين ولاري بيج: هذان الشابان الطموحان، التقيا في ستانفورد، ليؤسسا معا شركة كوكل، التي اصبحت محرك البحث الاكثر استخداما في العالم، وغيرت الطريقة التي نجمع بها المعلومات ونتفاعل مع العالم.

هؤلاء وغيرهم الكثير، هم نتاج عقول تفتحت في رحاب ستانفورد، وتشربت من علمها ومعرفتها، ليصبحوا قادة ومبتكرين، غيروا وجه العالم. انهم شهادة حية على ان ستانفورد ليست مجرد جامعة، بل هي منارة للعلم والمعرفة، ومصنع للاحلام.

وادي السيلكون: قصة نجاح مشتركة

تعتبر ستانفورد شريكا اساسيا في نجاح وادي السيلكون، الذي اصبح مركزا عالميا للتكنولوجيا والابتكار. فقد ساهمت الجامعة في تخريج العديد من رواد الاعمال الذين اسسوا شركات تكنولوجية عملاقة، غيرت وجه العالم. كما انشات ستانفورد حاضنات اعمال ومراكز ابحاث، لدعم الطلاب والباحثين وتحويل افكارهم الى واقع ملموس.

ولكن، كيف اصبحت ستانفورد شريكا اساسيا في هذا النجاح؟

الامر لا يتعلق فقط بتخريج رواد الاعمال، بل يتعدى ذلك الى عوامل اخرى، منها:

تشجيع الابتكار وريادة الاعمال: لم تكتف ستانفورد بتدريس العلوم والتكنولوجيا، بل عملت ايضا على غرس ثقافة الابتكار وريادة الاعمال في نفوس طلابها. وشجعتهم على تحويل افكارهم الى مشاريع واقعية، وقدمت لهم الدعم والتوجيه اللازمين لتحقيق ذلك.

توفير بيئة محفزة: لم تقتصر ستانفورد على توفير المعرفة النظرية، بل انشات ايضا بيئة محفزة للابتكار وريادة الاعمال. وشجعت على التواصل والتفاعل بين الطلاب والباحثين واعضاء هيئة التدريس، وتبادل الافكار والخبرات.

انشاء حاضنات الاعمال ومراكز الابحاث: لم تكتف ستانفورد بتخريج رواد الاعمال، بل انشات ايضا حاضنات اعمال ومراكز ابحاث، لتوفير الدعم المادي والمعنوي للطلاب والباحثين، ومساعدتهم على تحويل افكارهم الى شركات ناشئة ناجحة.

جذب الاستثمارات: لم تكتف ستانفورد بتوفير الدعم للطلاب والباحثين، بل عملت ايضا على جذب الاستثمارات الى وادي السيليكون، من خلال بناء علاقات قوية مع الشركات والمستثمرين، وعرض الافكار والمشاريع المبتكرة عليهم.

وبفضل هذه العوامل وغيرها، اصبحت ستانفورد شريكا اساسيا في نجاح وادي السيليكون، وساهمت في تحويله الى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.

ومن الامثلة على ذلك:

شركة غوغل: التي تاسست على يد اثنين من طلاب ستانفورد، وهما سيرجي برين ولاري بيج.

شركة ياهو: التي تاسست ايضا على يد اثنين من طلاب ستانفورد، وهما ديفيد فيلو وجيري يانغ.

شركة هيوليت-باكارد: التي تاسست على يد اثنين من خريجي ستانفورد، وهما ويليام هيوليت وديفيد باكارد.

هذه الشركات وغيرها الكثير، هي دليل على الدور الكبير الذي لعبته ستانفورد في نجاح وادي السيليكون، وتحويله الى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.

ستانفورد: اكثر من مجرد جامعة

ستانفورد ليست مجرد جامعة، بل هي مجتمع حيوي، يجمع بين الطلاب من جميع انحاء العالم، ليتبادلوا الافكار والخبرات، ويبنوا مستقبلا مشرقا لانفسهم ولوطنهم. كما انها مركز للبحث العلمي، حيث تجرى ابحاث رائدة في مختلف المجالات، تساهم في حل المشكلات العالمية، وتحسين حياة الناس.

الخلاصة: ستانفورد، قصة نجاح مستمرة

باختصار، جامعة ستانفورد هي قصة نجاح ملهمة، بدات بحلم، وتحولت الى واقع ملموس. انها صرح شامخ للعلم والمعرفة، ومصنع للقادة والمبتكرين، ومركز للابداع والابتكار. وستظل ستانفورد تلهم الاجيال القادمة، وتساهم في بناء مستقبل مشرق للانسانية جمعاء.

 

مقالات مشابهة

  • عاجل.. كوريا الشمالية تهدد أمريكا وإسرائيل تؤكد هوية جثة شيري بيباس وحزب الله يستعد لتشييع نصر الله
  • تعرف على أعلى 7 رياضيين من أمريكا اللاتينية دخلاً في العالم
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم (الحلقة 5)
  • الرئيس الأمريكي يؤكد أهمية الاستثمارات التي تولد عوائد مالية
  • إسرائيل تؤكد هوية أحد الجثامين التي استلمتها من حماس
  • اقتصادية أبوظبي: الإمارة باتت مركزاً عالمياً صاعداً للصناعة وتُعرف بـ"عاصمة رأس المال"
  • إيلون ماسك: غرق أمريكا يعني غرق العالم
  • العوامل التي أجبرت أمريكا والكيان على التراجع وتأجيل تهجير أبناء غزة
  • بوتين: المحادثات الروسية الأمريكية التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض كانت “إيجابية”.. ويسعدني لقاء ترامب
  • رئيس وزراء بريطانيا السابق: السعودية محظوظة بالقائد الشجاع الأمير محمد بن سلمان