جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-27@11:53:09 GMT

من نحن في أدبيات الحركة الصهيونية

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

من نحن في أدبيات الحركة الصهيونية

 

عزان بن حمد المعولي

"عندما اقتحم الجنود اليهود القرية رشقوا البيوت بنيران المدافع الرشاشة متسببين بقتل كثير من سكانها ومن ثم جمعوا بقية القرويين في مكان واحد وقتلوهم بدم بارد وانتهكوا حرمة أجسادهم، في حين اغتُصب عدد من النساء ومن ثم قُتِلن، روى فهيم زيدان الذي كان عمره آنذاك اثني عشر عامًا كيف رأى بأم عينيه عائلته تُقتل: أخرجونا واحدا تلو الآخر قتلوا رجلا عجوزا بالرصاص وعندما بكت إحدى بناته قتلوها هي أيضًا، ثم استدعوا شقيقي محمد وقتلوه أمامنا وعندما صرخت أمي باكية وهي منحنية فوقه وبين ذراعيها أختي الرضيعة خضرة، قتلوها هي أيضًا".

ليس هذا النص اقتباسًا من رواية درامية أو تجسيدا لمشهد سينمائي، بل هي رواية واحدة تصور أحداثًا حقيقية لجرائم الإبادة والتطهير العرقي التي ارتكبها الجيش الصهيوني في طليعة احتلاله لأرض فلسطين، يوثق المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، المقيم في المملكة المتحدة والمُعارض البارز للصهيونية في كتابه "التطهير العرقي لفلسطين.. فظائع الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل"، من خلال شهادات يرويها ناجون فلسطينيون أو من خلال وثائق إسرائيلية بريطانية مؤرشفة.

وكان من الممكن أن يشكك في هذه الرواية على سبيل المثال متحضر غربي يتقن تدليس السياسيين ومكرهم، ويتابع قنوات السي أن أن وفوكس وغيرها ويثق بإسرائيل ثقة عمياء وله قاعدة شعبية عريضة من المتابعين، لكن ذلك كان قبل الحرب المُستمرة على غزة، فقد اختلف الوضع اليوم تمامُا لأن قوة العدسة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي فرضت على العالم تصديق مثل هذه الروايات، حيث يرفع الطفل الفلسطيني البسيط عدسة هاتفه ويصور الجحيم الهاطل من فوقه كالمطر وهو يصرخ تحيا فلسطين.

يشهد العالم إذن على إعادة تصوير مشاهد النكبة الفلسطينية بإبادة أهل غزة ومحاصرتهم واستهداف الأطفال والنساء للانتقام من المقاومين والصحفيين والأطفال في ضحكاتهم، ويحدث هذا في اللحظة الآنية في عام 2023.

في المقابل يروي الصحفي الصهيوني عاميت سيغال حكاية إسرائيل في كتابه قصة السياسة الإسرائيلية من بن جوريون حتى بينيت المترجم إلى اللغة العربية والصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ولا يخفي المؤلف صهيونيته وتطرفه لفكرة الأرض الموعودة للشعب اليهودي حتى لو كانت تلك الفكرة وليدة العقل الأوروبي الحديث الذي أراد إخراج اليهود من القارة الأوروبية عندما اكتشف الخطأ اللاواقعي في هولوكست أدولف هتلر، لكن إسرائيل بالنسبة لعاميت ليست طردا أوروبيا لليهود إلى أرضهم الموعودة بل إنها تمثل فكرة الوكيل الأوروبي في الشرق الأوسط، يقول متفاخرا: خُطِّطَت دولة إسرائيل على طاولة الرسم في أوروبا لتكون وكيلا أوروبيا.. بُنِيَت في عجالة بأوامر من رجل واحد".

وإذا كان الأمر كذلك فليس بمستغرب تصنيف الكاتب لأهل فلسطين وجوارهم العربي بصفة العدو العربي، لا لشيء سوى أنهم أهل الأرض التي قرر رجل أوروبي واحد أنها دولة للصهيونية وسط المجتمع العربي، يقر الكاتب باحتلال فلسطين وكأنه حق لا لبس فيه فالظالم هنا هو صاحب الأرض بالضرورة، والمظلوم هو القادم من بعيد لاحتلال الأرض وتهجير وقتل أصحابها، من ثم فلا غرابة في قوله: "كانت الجلسة التي حددت طريقة اختيار الشعب الإسرائيلي ممثليه في أواخر عام 1948 قصيرة جداً وشارك فيها 3 أشخاص فقط، هُم: بن جوريون رئيس الوزراء الأول، وإسحاق غرينبويم وزير الداخلية، وبنحاس روزن وزير العدل، ويمكن تفهم سبب العجلة، إذ كانوا يحتاجون إلى اختيار شعار للدولة وجلب مهاجرين جُدد على أجنحة الطائرات والسفن المتهالكة وشق الطريق نحو القدس واستئصال العدو العربي وكل ذلك قبل وجبة الغداء. ص 26".

بالنسبة للمؤلف فإنَّ احتلال فلسطين وإبادة الشعب الفلسطيني الأعزل وتهجيره من وطنه وممارسة الفصل العنصري عليه، تمثل إنجازات عسكرية للجيش الإسرائيلي بوصف قادتها كأبطال وطنيين حتى لو كان ذلك الجيش تحت مظلة الجيوش الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وغيرها الداعمة لتأسيس دولة الاحتلال واستمرارية التوسع الاستيطاني فيقول: "قاد الحزب الحاكم الدولة إلى إنجاز تلو الآخر في ميدان القتال، فتحت قيادته وسعت حدود الدولة بشكل كبير خلال حرب الاستقلال وبعد ذلك بثماني سنوات احتل الجيش الإسرائيلي غزة وسيناء في عملية مشتركة مع فرنسا وبريطانيا بأوامر من الحزب، وبلا شك وصل الحزب إلى ذروة مجده في حرب الأيام الستة وجعل الانتصار المدوي على الدول العربية كلها قادة الجيش شخصيات مشهورة" ص 64"، "المستوطنات تتزايد والوضع الأمني صامد وهذا نتيجة لسياسات متزنة وشجاعة" ص 65. "وحتى لو كان هؤلاء القادة يسرقون في الخفاء آثار التاريخ المصري العظيم فهو جزء لا يتجزأ عن السياسة المتزنة الشجاعة في عصر لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي تفضح فيه ممارسات كيان الاحتلال كما هو اليوم وهو ما يعلق عليه المؤلف بقوله: "كانت جولدا مائير السيدة الوحيدة في الحكومة ودأب دايان [موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي] على سرقة الآثار المصرية في سيناء دون أن يغرد أحد".

لكن قصة سياسة التوسع الاستيطاني المتزنة والشجاعة- حسب تعبير عاميت- مبتورة ومُضلِّلة، فخلف الكلمات تختفي مأساة الإبادة للفلسطينيين وتهجيرهم والاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم ومزارعهم، وليس ذلك بغريب على السياسة الإسرائيلية التي تخفي الحقيقة بقناع من المكر والكذب، تختبئ قصة التضليل للحقائق عند إسرائيل في ثنايا التصريحات السياسية كل مرة، وهذه المرة يعترف عاميت مثلا بأن إسرائيل بدأت بكذبة وهو يصفها بالإنجاز السياسي لبن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيل، يقول: "ومنذ البداية.. دفع بن جوريون مهاجرين لا يملكون شيئا من الولايات المتحدة وبلاد الشرق إلى استيطان الصحراء وأجبر مسؤلي الجيش على تغيير أسماء عائلاتهم لأنه اعتقد أن الجنود العبريين يجب ألا يقودهم إلا ضباط بأسماء عبرية".

لكن من هم العرب في النصوص الإسرائيلية خلافا للمسلمة الضرورية والبديهية أن العربي هو العدو، استغرب المجتمع المتحضر وصف يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي للفلسطينيين بقوله: "لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام، نحن نقاتل الحيوانات البشرية ونتصرف وفقا لذلك"، لكن هذا التعبير يرد أيضا على كلمات مؤلف الكتاب في صورة سينمائية تصور العرب بحيوانات مفترسة في غابة تتربص ببيت فاخر وسط هذه الغابة، يقول: "اشتعلت النيران في الغابة المذكورة في المثل المشهور: إسرائيل فيلا في غابة، وخرجت عن السيطرة وحينها تحديدا أغلق الإسرائيليون الذين نظروا من النافذة إلى الغابة لمدة 60 عاما بتوتر لرؤية هل كانت هناك حيوانات مفترسة أو سامة المصراعين في حالة من اليأس".

ولعلي اختتم هذا المقال باقتباس للمؤلف نفسه في استشرافه لمستقبل إسرائيل التي بدأت طلائعه تبدو واقعية أكثر من أي وقت مضى.

"قلبنا في الغرب ولكننا نسكن الشرق الأوسط.. ومن حولنا يتحدثون العربية بعدد لا يحصى من اللهجات.. ويكمن لدينا خوف رهيب تحت غطاء غربي أن نستيقظ صباح يوم ما ونكتشف أن دولة إسرائيل قد اختفت ومن المؤكد أن هناك سببا تاريخيا لذلك..".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أمن إسرائيل الصهيونية.. اللغز والمدلول

 

د. عبدالله الأشعل **

 

ألِفْنَا أن إسرائيل وحلفاءها يرددون عبارة "أمن إسرائيل"، لكن لم يشرح أحد لنا معنى "أمن إسرائيل"، وقد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الضربة الإيرانية لإسرائيل أنها ملتزمة بأمن إسرائيل وأنها سوف تمدها بكل أنواع الأسلحة، لكنها لا توافق على أنه من الضرورى أن ترد إسرائيل على الضربة حتى لا تتسع رقعة النزاع وتصبح حربًا إقليمية.

وفى عام 1967 أصرّت إسرائيل على ما يُسمى بالحدود الآمنة واشترطت لأى تسوية للصراع العربى الإسرائيلى أن تحفظ أمن إسرائيل، لكن الممارسات أوضحت أن أمن إسرائيل مسألة نفسية، وأن أمن إسرائيل مفهوم العصابة الصهيونية وتدرك إسرائيل تمامًا أنها زُرِعَت فى أرض الغير وأنها تعتدى على الدول المجاورة وأنها تشترط لانسحابها من الأراضي العربية المحتلة اعتراف الدول العربية بها؛ فالانسحاب مقابل الاعتراف رغم أن الانسحاب التزام قانوني على الطرف الذي بدأ الهجوم، ولذلك تصر إسرائيل على الدفاع الشرعي عن النفس. وقد فهمت النفس على أنها حسبما تفسره إسرائيل؛ فالنفس الإسرائيلية تختلف عن نفس غيرها، وهذا راجع إلى اغتصاب الأرض والمشروع الصهيوني الذي يهدف إلى تفريغ فلسطين من أهلها وإحلال يهود العالم محلهم.

العالم كله يتحدث عن احتلال إسرائيل للأراضي العربية المحتلة، بينما إسرائيل لا تعترف بأنه احتلال وإنما هو مكافأة النصر ومقابل التفوق العسكري؛ فإسرائيل فى ناحية والمجتمع الدولي في ناحية أخرى. ولذلك أغفلت إسرائيل جميع قرارات الأمم المتحدة التى استوجبت انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة على أساس أن المفهوم الإسرائيلي لا يعترف بالاحتلال.

وقد أبلغنا الغرب تبريرًا لزرع إسرائيل فى المنطقة بأن إسرائيل امتداد لحضارة الغرب وأنها زرعت فى المنطقة العربية لكي تنتشلها من التخلف إلى التقدم ولكن ملحمة غزة أظهرت لنا حقيقة الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط وأنها ترتكب جرائم الإبادة دون وازع ديني أو أخلاقي أو إنساني أو قانوني والسبب أن الولايات المتحدة أمّنت إفلات إسرائيل من العقاب impunity ووضعتها فوق القانون الدولي.

والصحيح أن إسرائيل ليست دولة محتلة وإنما مُغتصِبَة للأرض؛ ولذلك فإن مبادرات التسوية التى اقتراحتها إسرائيل واتفاقات السلام التى وقعت عليها، كانت تركز على الحكم الذاتى للإنسان الفلسطيني، بينما الأرض من نصيبها بعد ذلك. والحقيقة أن الاستعمار الغربي لم يكن سيئًا بقدر سوء إسرائيل؛ لانها تريد الأرض وإبادة السكان والحلول محلهم بينما المستعمر لا يريد ذلك وكانت النتيجة أن المحتل والمستعمر عادوا إلى بلادهم دون أن يدعوا ملكية اراضي المستعمرات وحتى فرنسا فى الجزائر التى اعتمدت سياسة الاندماج بين فرنسا والجزائر وتركت عددا من الفرنسيين يتحكمون فى الجزائر، وكانت تسمى الجزائر مستعمرات ما وراء البحار، وكانت تعد الجزائر أراضي فرنسية خارج أوروبا، لولا أن شارل ديجول التزم بالواقعية السياسية ولمصلحة فرنسا أجبر الفرنسيين على إعلان استقلال الجزائر عام 1962.

وأمن إسرائيل يعنى العناصر الآتية:

أولًا: السماح لإسرائيل بالعدوان على أي دولة مجاورة.

ثانيًا: ضم أراضيها الى أراضي إسرائيل.

ثالثًا: ارتكاب أعمال الإبادة وإفلات إسرائيل من العقاب ولذلك فإن مايسمى بحل الدولتين غير واقعى فلا إسرائيل تريد الفلسطينيين ولا الفلسطينيون بعد عمليات التوحش الإسرائيلى يقبلون بهذا الحل والجديد في الموضوع أن الفلسطينيين بعد أن أحرجوا إسرائيل وكشفوها وفضحوا حقيقتها وكسروا جيشها وكشفوا فشل القيادات العسكرية والسياسية في إسرائيل لن يقبلوا بحل الدولتين كما أن حل الدولتين غير مقبول من جانب إسرائيل وفقا للمشروع الصهيوني.

مما يذكر أن الفلسطينيين كانوا قد قبلوا حل الدولتين عندما قبلوا قرار التقسيم وقرار مجلس الأمن رقم 242 فى عام 1988، ولكن الأحداث اللاحقة أقنعتهم أنه لا يمكن التعايش مع البربرية الإسرائيلية، كما ثبت من خلال الممارسات أن إسرائيل أمنت العقاب فأساءت الأدب، وأصبحت تهدر قيمة القانون الدولي بلا حياء وذلك بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية.

الخلاصة.. إن فكرة أمن إسرائيل فكرة شريرة غير واقعية؛ فالمفهوم أن تأمن إسرائيل على نفسها من الفلسطينيين والعرب مقابل ألا يأمنوا من إسرائيل، وهذه الفكرة رفضتها إسرائيل مرارًا فى مبادرات السلام وآخرها المبادرة العربية التي قدمتها السعودية في القمة العربية فى بيروت عام 2002، ولذلك لا يُمكن أن يؤخذ أمن إسرائيل مأخذ الجد، ولا يُمكن تحقيقه؛ لأنَّ تحقيقه يعني السماح لإسرائيل بكل هذه الممارسات غير القانونية.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى يحذر من العبث بأمن مصر ومحاولة تحقيق مصالح ضد الدولة
  • أمن إسرائيل الصهيونية.. اللغز والمدلول
  • الهيئة الدولية لدعم فلسطين: الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جرائم ضد الإنسانية في غزة
  • فلسطين : الاحتلال يمارس جرائم حرب ضد الإنسانية في قطاع غزة
  • كاتب إسرائيلي: كيف سنواجه حزب الله بعد غرق جيشنا في غزة؟
  • محللون: الصهيونية ستنهار وحرب غزة تكشف عقلية الثأر القبلية لإسرائيل
  • ‏المحكمة العليا في إسرائيل تقضي بتجنيد طلاب المدارس الدينية اليهودية في الجيش
  • حماس تنتصر- فأين تكمن قوتها؟
  • (الصهيونية الوهابية) ودورها في تدمير العرب والمسلمين..! 1-2
  • لتخفيف الازدحام المروري.. استحداث حارات التفاف ودوران في سيهات