تشو شيوان

مع اقتراب نهاية العام الجاري 2023، وبما أنها مقالتي الأخيرة التي ألتقي بها معكم لهذا العام، أردتُ التركيز أو استعراض كيف كانت علاقة الصين بالشرق الأوسط خلال ذلك العام، وما أبرز الأحداث التي مرَّت على المنطقة؟ وكيف ساهمت الصين بشكل أو آخر في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة؟ والسعي لحل قضاياها العالقة.

يُمكنني القول بداية إنَّ الصين ورؤيتها لمنطقة الشرق الأوسط تتناسب تمامًا مع تطلعات شعوب المنطقة الطامحة للتطور والسلام والمضي قدمًا نحو مستقبل مزدهر بعيدًا عن الحروب والنزاعات، وهذا تمامًا ما تريده الصين وتسعى إليه بخلاف ما تسعى إليه بعض القوى الغربية التي كان لها تدخلات سافرة أدت لحروب ونزاعات عميقة في المنطقة.

في مارس من هذا العام، نجحت الصين في تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران وربما يكون استئناف العلاقة الدبلوماسية بين السعودية وإيران واحداً من أبرز العناوين السياسية في المنطقة، خصوصًا وأن مثل هذه المصالحة التي اعتبرها البعض تاريخية قد ألقت بظلال إيجابية في المنطقة بأكملها وجعلت الأمور تأخذ منحنيًا تدريجيًا نحو الاستقرار؛ الأمر الذي وجد فيه المحللون من جميع أنحاء العالم نموذجًا لتسوية الخلافات عبر الحوار والتشاور، وبعد شهرين فقط وبفضل دعم الصين وجهودها الحثيثة عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية رسميًا، وقد حضر الرئيس السوري القمة العربية مرة أخرى بعد غيابه لسنوات عديدة؛ الأمر الذي أطلق صوت التضامن والتقوية الذاتية بين الدول العربية، وأجد أن هذين الحدثين من أهم ما حدث في المنطقة؛ لكونهما يؤسسان لمرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية.

أيضًا ومنذ تصعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في أكتوبر الماضي، أعلنت الصين عن موقفها الواضح، ولعبت دورها كالمعتاد وبصفتها الرئيس الدوري لمجلس الأمن الدولي، دعت الصين إلى العدالة والسلام، كما إن الرئيس الصيني شي جين بينغ ألقى كلمة مهمة بشأن القضية الفلسطينية في القمة الافتراضية الاستثنائية لمجموعة "بريكس"، وترأس عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير الخارجية وانغ يي، الاجتماع رفيع المستوى بشأن القضية الفلسطينية في مجلس الأمن، وأوضح موقف الصين الثابت من وقف إطلاق النَّار ورفض الصين لأي عملية تصعيد في المنطقة والعالم. وفي كل مناسبة وموقف تُظهر الصين بأنها على استعداد كامل للعمل مع جميع الأطراف لوقف إطلاق النار والحوار ومفاوضات السلام والحل السياسي، وأيضًا خلال هذا العام وتحديدًا في يونيو قد زار الصين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقد أجرى محادثات مُهمة مع الرئيس الصيني، وقد أكد الرئيس شي أن الصين وفلسطين شريكان وثيقان يتبادلان الثقة والدعم، وقد كانت الصين من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، وظلت تدعم بثبات القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروع، وأيضًا قد قدم الرئيس الصيني مقترحات هامة لحل القضية الفلسطينية.

ورغم أنَّ الصين تبعد عن الشرق الأوسط آلاف الأميال، إلا أننا نجد الصين حاضرة لمؤازرة شعوب المنطقة في الأزمات والكوارث، فعندما ضرب الزلزال المُدمِّر تركيا وسوريا مطلع العام الجاري، أرسلت الصين المساعدات وفرق الإغاثة المتمكنة لتقديم المساعدة؛ وعندما ضرب الزلزال المغربَ واجتاح الإعصار ليبيا في منتصف العام، وصلت المساعدات الإنسانية العاجلة من الصين في اللحظة الأولى عابرة الجبال والبحار. وأيضًا عندما اندلع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الآونة الأخيرة وغرق سكان غزة في الصعوبات الكبرى، قدمت الصين المساعدات النقدية عبر قنوات مختلفة، ودخلت الأغذية والأدوية وغيرهما من المساعدات المادية الصينية إلى قطاع غزة. وكل هذا جاء من مبدأ مهم تشاركه الصين مع دول الشرق الأوسط مفاده أن الصين معكم في السراء والضراء.

إنَّ عام 2023 أظهر حكمة الصين في التعاون مع الشرق الأوسط وقضاياه، فقد كسرت الصين الجمود بين دول المنطقة وعملت على تقارب وجهات النظر، فعلى مدى سنوات كثيرة عانت المنطقة من تدخلات سلبية وضعت المنطقة في مستنقع الحرب، وما قامت به الصين خلال السنوات الماضية تجاه الشرق الأوسط من دعم لقضايا دولها والوقوف معها في الكوارث والأزمات وأيضًا العمل المشترك؛ سواء سياسيًا أو اقتصاديًا وضع الصين كشريك وحليف موثوق بالنسبة لدول المنطقة وشعوبها. وبعكس النظرة السائدة عن التدخلات الخارجية، فقد كانت تدخلات الصين إيجابية تراعي خصوصية المنطقة وخصوصية قضاياها وموضوعية في حل النزاعات والخلافات وهو تمامًا عكس ما سعت إليه بعض القوى الغربية التي أرادت استغلال الفرص لتدمير المنطقة وبث النزاع بين أطرافها.

في النهاية.. يجب أن نعترف بأن المقال مهما طال أو توسع لن يستطيع أن يركز على كافة ما حدث في هذا العام، ولكن هذا كان جزءًا مُهمًا يُظهر نوايا الصين وجهودها تجاه منطقة الشرق الأوسط، ونأمل أن تكون السنة القادمة 2024 سنة أمل وسعادة لشعوب المنطقة، والمزيد من التعاون بين دول الشرق الأوسط والصين في مختلف المجالات.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة وإسرائيل.. الأولويات بشأن التصعيد في الشرق الأوسط

قال مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، لينكولن بلومفيلد إن مخاوف الإدارة الأميركية بشأن إمكانية حدوث تصعيد أوسع في النزاع بين إسرائيل من جهة وإيران والجماعات المتحالفة معها من جهة أخرى، قد يتطلب زيادة القوات الأميركية في المنطقة.

وأشار بلومفيلد، في مقابلة مع قناة "الحرة"، إلى أن عدد الجنود الأميركيين الموجودين حاليا في المنطقة يبلغ حوالي 40 ألف جندي، وقد أعلنت واشنطن خلال الأيام القليلة الماضية عزمها إرسال تعزيزات إلى المنطقة. وشدد على أن "هذا التزام لا ينفصل من جانب الولايات المتحدة".  

19 موقعا بـ12 دولة.. أين تتمركز القوات الأميركية في الشرق الأوسط؟ كثفت الولايات المتحدة تواجدها العسكري بمنطقة الشرق الأوسط، وسط التوترات المتصاعدة ببين إيران والجماعات الموالية لها من جهة، وإسرئيل من جهة أخرى.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الاثنين، أن الولايات المتحدة سترسل "بضعة آلاف" من القوات الإضافية إلى الشرق الأوسط لتعزيز الأمن والدفاع عن إسرائيل، إذا لزم الأمر، وذلك عقب الضربات الإسرائيلية الأخيرة في لبنان، واغتيال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، في تصعيد كبير للنزاع في الشرق الأوسط، وقبل أن تقوم إيران بشن هجوم بنحو مئتي صاروخ على مناطق مختلفة في إسرائيل الثلاثاء.

وقالت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، للصحفيين إن هذا الوجود الإضافي للقوات سيأتي من القوات الجوية، وعدة أسراب من الطائرات المقاتلة.

بضعة آلاف.. قوات أميركية "إضافية" إلى الشرق الأوسط أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الاثنين، أن الولايات المتحدة سترسل "بضعة آلاف" من القوات الإضافية إلى الشرق الأوسط لتعزيز الأمن والدفاع عن إسرائيل، إذا لزم الأمر، وفق أسوشيتد برس.

والأربعاء، قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، إنه لا يؤيد شن هجوم على المواقع النووية الإيرانية كرد إسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني.

وأضاف بايدن للصحفيين أنه سيتم فرض المزيد من العقوبات على إيران، مشيرا إلى أنه سيتحدث قريبا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو.

وتعهدت إسرائيل بالرد على الهجوم الإيراني، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن إيران ارتكبت "خطأ جسيما".

وقال مسؤولون إسرائيليون، إن بلادهم ستبدأ "ردا قويا" على الهجوم الإيراني الصاروخي الذي استهدف إسرائيل، مساء الثلاثاء، في غضون أيام، وقد يشمل ذلك استهداف منشآت نفطية ومواقع استراتيجية إيرانية أخرى.

الأولويات الأميركية والإسرائيلية

يرى بلومفيلد في مقابلته مع "الحرة" أن الإدارة الأميركية تريد إيقاف القتال في غزة وإنهاء أزمة الرهائن وألا تستمر الأزمة إلى ما لا نهاية حيث يعاني المدنيون من تبعات هذا النزاع.

أما بشأن أولويات إسرائيل، فقال إنها "إخراج الرهائن من غزة وترك الإسرائيليين يعودون إلى بيوتهم في جنوب إسرائيل وإضعاف النظام الإيراني".

يُظهر بلومفيلد تفاؤلا حذرا في أن التهديدات التي تتعرض لها إسرائيل قد تفتح الأبواب لحوار استراتيجي مع دول الجوار. ويقول: "إذا استطعنا إضعاف النظام الإيراني، فإن كثيرا من اللاعبين الإقليميين سيبدؤون في إعادة تقييم مواقفهم".

ويشيد بلومفيلد بالدور الأميركي الاستخباري على الأقل بتحذير إسرائيل من هجوم إيراني بساعات قبله، معتبرا أن "هذه الصواريخ الباليستية خطيرة".

يلفت بلومفيلد إلى أهمية فهم التهديد الإيراني الذي يمتد عبر ميليشيات متعددة في المنطقة، مثل حزب الله والحوثيين.

"أوفينا بالتزامنا".. وزير الدفاع الأميركي يعلق غداة الضربة الإيرانية أكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مجدداً على موقف الولايات المتحدة من الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل. تمكين الجيش اللبناني

يستذكر بلومفيلد تجربته في مكتب لبنان بوزارة الدفاع أثناء اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، حيث كان شاهدا على الأحداث التي شكلت المنطقة.

يقول: "كنت مع انتشار الجيش اللبناني عندما غادرت المنظمة إلى تونس. حزب الله سيطر على الجنوب ولديه أسلحة في كل مكان". يوضح بلومفيلد أنه يجب أن يكون جزءا من استراتيجية إسرائيل هو عدم التورط مجددا في لبنان، لكنه شدد على أن "تدمير 150 صاروخا يمتلكها حزب الله يمثل حقا دفاعيا لإسرائيل".

الضربات الإسرائيلية على لبنان في الأول من أكتوبر 2024

ويشير بلومفيلد إلى أن "60 ألف إسرائيلي نزحوا من بيوتهم في الشمال، لذلك يجب أن تكون هناك استراتيجية لعودتهم". ويرى أنه إذا انتهت العمليات الإسرائيلية بتمكين الحكومة اللبنانية، فإن ذلك قد يؤدي إلى وقوف العالم العربي بأكمله مع إسرائيل بدلا من إيران.

"اجتماع طارئ" لجامعة الدول العربية الخميس بناءً على دعوة العراق مع استمرار العمليات الإسرائيلية البرية في جنوب لبنان، وما خلفه الصراع من أوضاع إنسانية صعبة، تعقد جامعة الدول العربية غدا الخميس اجتماعاً طارئاً على مستوى المندوبين الدائمين؛ لبحث الوضع في لبنان بدعوة تقدم بها العراق. تحذير من انخراط أميركي

في المقابل، حذر الخبير العسكري، الباحث في مؤسسة أولويات الدفاع، دانيال ديفيس من العواقب المترتبة على الانخراط الأميركي المباشر في النزاع في الشرق الأوسط.

واعتبر في مقابلة مع قناة "الحرة" أن وجود جنرالات أميركيين في الاجتماعات قد يعطي انطباعا خاطئا بأن الولايات المتحدة هي جزء من المعركة، بدلا من أن تكون داعما محايدا.

ويرى ديفيس: "إن إرسال حاملات الطائرات والقوات الإضافية قد يوحي بأننا نتدخل فعليا في الصراع. هذا الأمر يشكل طريقا شائكا، وقد يؤدي إلى تعرض قواتنا في العراق وسوريا للخطر".

ويشير إلى أن العمليات العسكرية التي قد تنفذها إسرائيل ضد المنشآت الإيرانية قد تؤدي إلى تصعيد الوضع، مما يضع القوات الأميركية في موقف حرج.

بايدن يعارض ضرب المواقع النووية الإيرانية قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، إنه لا يؤيد شن هجوم على المواقع النووية الإيرانية في أعقاب الضربات على إسرائيل. استراتيجيات مختلفة لأهداف متباينة

يلفت ديفيس الانتباه إلى أن إسرائيل، مع قوتها البشرية، لا تستطيع خوض حرب على ثلاث جبهات في آن واحد.

ويعتقد أن النية الإسرائيلية تتمثل في جلب الولايات المتحدة إلى جانبها، وهو ما يتطلب من واشنطن أن تكون واضحة في مواقفها. "على أميركا أن تقول بوضوح إنها لا ترغب في خوض حرب إلى جانب إسرائيل"، يقول ديفيس.

ويتحدث أيضاً عن التحولات في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، حيث لم يعد الاعتماد على نفط المنطقة كما كان في السبعينيات والثمانينيات.

ويقول: "الأمور تغيرت، والدعم الأميركي في المنطقة أقل بكثير من السابق، ولكن البعض لا يزال يريد من الولايات المتحدة أن تكون موجودة بشكل عسكري في المنطقة قدر الإمكان".

ويؤكد ديفيس أن "الأولويات يجب أن تكون واضحة، وأن على الولايات المتحدة أن تعمل على تقليل التوترات بدلاً من الانخراط المباشر في النزاع".

مقالات مشابهة

  • باحثة سياسية: الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تسير الأمور في الشرق الأوسط
  • حذر من التصعيد في المنطقة.. الرئيس السيسي يؤكد على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية لإرساء السلام للجميع
  • صراع الشرق الأوسط يؤجج أسعار الذهب في مصر: ارتفاعات غير مسبوقة وسط التوترات
  • الصين: الوضع في الشرق الأوسط "على شفا الهاوية"
  • الولايات المتحدة وإسرائيل.. الأولويات بشأن التصعيد في الشرق الأوسط
  • الصين تعارض انتهاك سيادة لبنان وتدعو لتجنب حدوث المزيد من الاضطرابات بالمنطقة
  • ديفيد هيرست: الفوضى التي تبثها إسرائيل في الشرق الأوسط ستعود لتلاحقها
  • الصين تحض قوى العالم على منع “تدهور” الوضع في الشرق الأوسط 
  • شولتس يحذّر من إشعال الشرق الأوسط
  • والز وفانس يشتبكان في مناظرة نائب الرئيس الأميركي