التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية.. ماذا يعني وهل يستمر؟
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
القدس المحتلة- أجمعت تقديرات المحللين ومراكز أبحاث الأمن القومي على أن التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية مصلحة مشتركة مع إسرائيل التي توظفه لخفض التوتر وتجنب مواجهة شاملة مع الفلسطينيين، وكذلك للسلطة التي تعي أن غياب التنسيق يعني حلها وإسقاط حكمها في الضفة الغربية.
ولكونه مصلحة مشتركة، فإن التنسيق الأمني الذي شهد صعودا وهبوطا على مدار 3 عقود، وباعتراف الجانب الإسرائيلي، لم ينقطع ولم يتوقف بشكل كلي، وحتى عند الأزمات والتوترات بين حكومات إسرائيل المتعاقبة والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، مما أبقى على قنوات الاتصالات العليا التي تعتبر المظلة الجامعة لهذا التنسيق الأمني.
ومؤخرا، عادت قضية تعليق أو وقف التنسيق الأمني إلى الواجهة مجددا في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وذلك بعيد الذكرى الـ30 لاتفاقية أوسلو، وتتشكل الملامح الأولية للتنسيق الأمني الذي تحول لورقة ضغط وآلية ابتزاز سواء من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي أو حتى السلطة الفلسطينية التي لوحت عشرات المرات بوقف التنسيق.
نموذج الضفة
رغم تأكيد قيادة السلطة الفلسطينية يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على استمرار وقف التنسيق الأمني بسبب الحرب على غزة، إلا أن الجانب الإسرائيلي أكد أن التنسيق لم يتوقف أصلا، بل تعزز منذ معركة "طوفان الأقصى" في وقت تعالت الأصوات حتى في حركة فتح للمطالبة بإعادة النظر في فكرة التنسيق الأمني.
وفي الجانب الإسرائيلي، هناك من دعا إلى إعادة هيكلة المنظومة الأمنية للسلطة الفلسطينية، في سياق المقترح الأميركي لإعادة بناء السلطة الفلسطينية تمهيدا لما يدعى احتمال تولي الحكم مستقبلا في قطاع غزة فيما يسمونه اليوم التالي للحرب، وذلك بحسب تقدير موقف صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب.
وبينما تتقدم الحرب في غزة، يقول الباحث رام كوهين رئيس قسم بحث العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية بالمعهد "حينما يكون الهدف هو القضاء على وجود حماس في قطاع غزة، يتعين على إسرائيل أن تعمل من أجل إنشاء سلطة فلسطينية فاعلة مدنيا وأمنيا، تكون قادرة على التعامل مع غزة على غرار نموذج الضفة، وهو مصلحة إسرائيلية قبل أن تكون فلسطينية".
لقاء المصالحوفي ظل لقاء المصالح، فإن الجانب الإسرائيلي يهدف من خلال التنسيق الأمني إلى إحباط "العمليات المسلحة" وتقويض المقاومة الفلسطينية، بينما السلطة الفلسطينية سعت من خلاله إلى إضعاف المعارضة الفلسطينية والإبقاء على السلطة في الحكم، في تقاطع مصالح بين تل أبيب ورام الله بضمان تنسيق الشؤون المدنية والخدماتية والاقتصادية والضريبية وتشغيل العمال والتنقل والسفر وإصدار التصاريح للفلسطينيين.
وحتى عملية "الجدار الوقائي" عام 2002، لم توافق السلطة الفلسطينية على التعاون في السياق الأمني الذي أملته عليها إسرائيل، ثم أدركت أن فرص بقائها بالحكم دون التنسيق الأمني ستكون منخفضة.
وتطور التنسيق الأمني، وتوسع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بعد 3 أحداث حاسمة، هي وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004، والنصر الساحق الذي حققته حماس في انتخابات عام 2006 وتوليها الحكم في قطاع غزة عام 2007، حيث أصبح التنسيق ذا جدوى وأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل.
ووفقا للتقديرات الإسرائيلية، فقد برز دور وأهمية التنسيق الأمني حتى عند التهديد بتعليقه من قبل السلطة، خلال عملية "كاسر الأمواج" حيث نفذت قوات الجيش حملات اقتحامات وتفتيشات واسعة بالضفة يوميا.
وخلال الاقتحامات اليومية، يُعْتَقَل نشطاء فلسطينيون من حركتي حماس والجهاد الإسلامي وحتى من حركة فتح، حيث تتم هذه الحملات، بحسب الجانب الإسرائيلي "بناء على معلومات استخباراتية من الجيش والشاباك، وبالتنسيق مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وذلك لتجنب الاحتكاك والصدام مع القوات العسكرية".
انتشار واسع لقوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة دوار المنارة والشوارع المؤدية لوسط رام الله.. مراسلة الجزيرة جيفارا البديري تطلعنا على المستجدات#الأخبار pic.twitter.com/DQuVyUKnx0
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 8, 2023
ووصف العقيد احتياط موشيه إلعاد، المحاضر في الكلية الأكاديمية بالجليل الغربي ورئيسها، وقف التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بـ"التهديد الفارغ وعديم الجدوى".
وأوضح إلعاد -في مقال له نشره موقع القناة 13 الإسرائيلية- أن التهديدات والمناقشات التي تدور في أروقة حركة فتح برئاسة عباس، بشأن وقف التنسيق الأمني، ما هي إلا محاولة من السلطة للترويج للجمهور الفلسطيني بقطع العلاقات مع إسرائيل، بحيث يُصَوَّر عباس على أنه زعيم قومي متشدد.
وأشار إلى أن عباس دائما ما كان يتوخى الحذر عند تعليق التنسيق الأمني حيث كان الإعلان عن وقف التنسيق صوريا، قائلا "عمليا لا يوجد انقطاع، وإذا حدث مثل هذا الأمر، فإنه يعني إنهاء حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية".
مصلحة مشتركةإن التنسيق الأمني القائم اليوم، يقول إلعاد "يختلف جوهريا عن التنسيق الأصلي الذي أقيم في الضفة الغربية عام 1995، الذي أعقب اتفاقية أوسلو، حيث كان تنسيقا ظاهريا للجمهور الإسرائيلي والفلسطيني، وتضمن دوريات مشتركة ووحدات احتياط متحركة وعملا مشتركا في غرف العمليات، وكانت تغطيتها الإعلامية جزءا لا يتجزأ من النشاط الأمني المشترك".
وأضاف إلعاد أن "التنسيق اليوم مصلحة مشتركة لإسرائيل والسلطة، وأصبح ملموسا وأكثر أهمية من أي وقت مضى عندما يتعلق الأمر باستمرار وجود السلطة الفلسطينية، ويشمل ذلك نقل معلومات استخباراتية من الجانب الفلسطيني إلى إسرائيل والمساعدة بشكل أو بآخر في اعتقال أعضاء من حماس والجهاد، والتنسيق بمثابة رادع لمنع تولي حماس الحكم بالضفة".
وخلص للقول إن "دافع أبو مازن (عباس) لإظهار الشعور بالانفصال ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل ينبع فقط من الرغبة في تصوير نفسه كزعيم قومي متشدد، وبالتالي إنقاذ بعض الدعم الذي لا يزال يحتفظ به في الشارع الفلسطيني".
ورغم إعلان السلطة الفلسطينية تعليق التنسيق الأمني مع إسرائيل يوم 26 يناير/كانون الثاني 2023، عقب العملية العسكرية في جنين ومخيمها، فإن التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الذي شهد صعودا وهبوطا "لم يتوقف وهو متواصل على عدة مستويات" بحسب سابير ليبكين مراسلة القناة 12 الإسرائيلية للشؤون العربية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة الجانب الإسرائیلی التنسیق الأمنی مع فی الضفة الغربیة مصلحة مشترکة مع إسرائیل قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
هكذا مهدّت السلطة الفلسطينية الطريق أمام جيش الاحتلال لاجتياح مخيم جنين
يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانا وحشيا على مخيم جنين منذ صباح الثلاثاء، ما أسفر عن استشهاد 8 أشخاص، وإصابة أكثر من 35.
اجتياح مخيم جنين الواسع الذي تم عبر عشرات الآليات، بغطاء جوي، جاء بعد أكثر من شهر من استنزاف أجهزة أمن السلطة لكتائب المقاومة داخل المخيم، بحجة الحرب على "الخارجين عن القانون".
ووثقت كاميرات مواطنين في جنين لحظة خروج أجهزة أمن السلطة من محيط المخيم، تزامنا مع دخول آليات الاحتلال الإسرائيلي، في مشهد وصفه ناشطون بأنه "تنسيق وتبادل أدوار واضح"، قبل أن يعلن جيش الاحتلال إطلاق اسم "السيف الحديدي" على العملية.
وبرر الناطق باسم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، الانسحاب المتزامن مع اقتحام جيش الاحتلال، بأنه يهدف إلى "تجنب مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي".
ونفى رجب وجود أي تنسيق، قائلا إن جيش الاحتلال باغت الجميع باجتياحه، وأطلق النار بشكل عشوائي وأصاب العديد من رجل أمن السلطة، ما أدى إلى مقتل أحدهم، مضيفا "لا يمكن أن يكون نحن وجيش الاحتلال في نفس المكان".
فيما نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر قولها، إن مسؤولين فلسطينيين كبارا تبلغوا من قبل الجانب الإسرائيلي بضرورة الانسحاب، قبيل بدء الاجتياح.
ولمدة 47 يوما، نفذت أجهزة أمن السلطة حملة ضد المقاومة في جنين، بزعم وجود "خارجين عن القانون"، وحاولت "كتيبة جنين" وغيرها من فصائل المقاومة تجنب المواجهة المباشرة عدة مرات.
ومنذ أيام، انهارت جهود لجنة إصلاح ووساطة بين الأجهزة الأمنية والمقاومين، وذلك بعد الانتهاكات العديدة التي سجلها أهالي المخيم ضد الأجهزة الأمنية، واستمرار الحصار الخانق، ومنع حركة المواطنين بشكل سلس.
واللافت أن فصائل المقاومة في مخيم جنين أكدت مرارا أنها لا ترفض تواجد السلطة، لكنها لا تريد تسليم سلاحها الموجه ضد الاحتلال فقط.
وقال الكاتب الفلسطيني ياسين عز الدين، إن الاجتياح الوحشي لمخيم جنين نتيجة حملة "حماية وطن" التي شنتها السلطة في المخيم جنين، مضيفا "تركت الطريق ممهدة أمام جيش الاحتلال. يجب أن لا تمر جريمة السلطة مرور الكرام".
ارتفع عدد الشهداء في جنين إلى أربعة وإصابة 35 نتيجة اقتحام جيش الاحتلال وإطلاق النار بشكل عشوائي على المواطنين.
هذه نتيجة حملة "حماية وطن" التي شنتها السلطة في مخيم جنين، تركت الطريق ممهدة أمام جيش الاحتلال.
يجب أن لا تمر جريمة السلطة مرور الكرام.
ياسين عز الدين — yaseenizeddeen (@yaseenizeddeen) January 21, 2025
فيما قال الخبير العسكري الأردني اللواء فايز الدويري، إن "من سخريات الأفعال أن تنسحب أجهزة أمن السلطة من محيط مخيم جنين بعد اقتحامه من قبل جيش الاحتلال".
وتساءل الدويري "هل ذلك تكامل أدوار، أم تبادل أم ماذا؟".
من سخريات الأفعل أن تنسحب اجهزة أمن السلطة من محيط مخيم جنين بعد اقتحامه من قبل جيش الاحتلال، هل ذلك تكامل أدوار ، أم تبادلها أم ماذا؟ — Fayez Al-Dwairi I اللواء فايز الدويري (@FayezAldwairi) January 21, 2025
بدوره، قال الصحفي في قناة "الجزيرة" صهيب العصا، إنه وبعد ساعات قليلة من إعلان الناطق باسم أجهزة أمن السلطة اعتقال 40 فلسطينيا من جنين، ومصادرة أسلحة وعبوات ممن وصفهم بـ "الخارجين عن القانون" ضمن عملية "حماية وطن"، قامت قوات الاحتلال بشن عملية "السيف الحديدي" على المخيم.
وقال الخبير في الشؤون المقدسية زياد ابحيص، إن مشاهد انسحاب أجهزة أمن السلطة مقابل دخول آليات إسرائيلية لمخيم جنين، هي "تسليم واستلام مرتب".
وأضاف أن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية أكملت فصلا من مهمتها في "تسليم الوطن"، على حد وصفه.
مقطع فيديو يوثق انسحاب مدرعات وسيارات أجهزة أمن السلطة الفلسطينية اليوم من محيط #مخيم_جنين بالتزامن مع دخول مدرعات الجيش الصهيوني في مشهد تسليم واستلام مرتب.#خيانة_وطن pic.twitter.com/1XaqdANBTQ — زياد ابحيص (@ZiadIbhais) January 21, 2025
وكانت حركة "حماس" أدانت بشدة العدوان على جنين، وقالت إن "ما يثير الاستغراب سلوك أجهزة السلطة التي انسحبت من محيط مخيم جنين بالتزامن مع بدء العملية العسكرية للاحتلال".
إخفاق.. وهدية لسموتريتش
قالت القناة "12" الإسرائيلية، إن إخفاق أجهزة أمن السلطة في حملتها ضد المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين، سرّعت من اجتياح المخيم من قبل جيش الاحتلال.
ولفتت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن الاجتياح اليوم هو بمثابة الهدية المقدمة من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لوزير المالية المتطرف بتسئيل سموتريتش، مقابل عدم استقالته من الحكومة.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرنوت"، إن نتنياهو كان قد وعد سموتريتش بالفعل باجتياح مخيم جنين، منذ أسابيع.
وعلق سموتريتش عقب بدء الاجتياح الذي قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنه قد يستمر لأسابيع: "اليوم بدأنا بتغيير العقلية الأمنية في الضفة، كما فعلنا ذلك في قطاع غزة وجنوب لبنان".
وفي وقت سابق، أكد أمير بار شالوم، المراسل العسكري لموقع "زمن إسرائيل" دعم الاحتلال للعملية العسكرية في جنين.
وأشار المراسل إلى أن العملية منسقة مسبقا بين الجانبين، فضلا عن كون الأمريكيين في قلبها، بما فيها الخطط التفصيلية التي عرضت عليهم، ومتطلبات التسليح التي يجب أن تقرها "إسرائيل".
تنسيق معلن
أشار أحد بنود اتفاق أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، على التنسيق الأمني المعلن.
واتفق الجانبان على إنشاء "قوة شرطة فلسطينية"؛ لحفظ النظام العام والأمن الداخلي في الضفة وغزة.
وإثر الاتفاق، تم تأسيس لجنة مشتركة للتنسيق من ممثلين من الأجهزة المختلفة، بقيادة ضابط إسرائيلي برتبة عميد وآخر فلسطيني برتبة لواء.
وطيلة السنوات الماضية، قامت السلطة بتسليم جيش الاحتلال مئات الفلسطينيين الذين يتهمهم الاحتلال بتنفيذ عمليات.
طلب تمويل
مطلع كانون ثاني/ يناير الجاري، كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن السلطة الفلسطينية طلبت من الولايات المتحدة الموافقة على خطة أمنية لمساعدتها، بقيمة 680 مليون دولار لمدة 4 سنوات، مقابل القضاء على المقاومة في مخيم جنين.
ونقل الموقع عن مصدر أمريكي وآخر مقرب من السلطة قولهما، إن الخطة الأمنية تتضمن تدريب القوات الخاصة للسلطة، وتعزيز إمداداتها من الذخيرة والمركبات المدرعة.
ولفت الموقع إلى أن السلطة قدمت طلبها في منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وذلك خلال اجتماع مع مسؤولين أمنيين أمريكيين في وزارة الداخلية الفلسطينية برام الله، أي بعد أيام من بدء حملتها على جنين.
وقال مصدر لـ"ميدل إيست آي" إن "مسؤولي السلطة طلبوا خلال الاجتماع تلبية احتياجاتهم من المركبات المدرعة والذخيرة بشكل عاجل في ظل صعوبة الاشتباكات وعدم قدرتهم على حل الوضع في مخيم جنين".
وقال مسؤول استخباراتي أمريكي سابق لـ"ميدل إيست آي" إن طلب السلطة الفلسطينية للحصول على تمويل وأسلحة إضافية كان منطقيا لأن "الولايات المتحدة كانت تضغط على السلطة منذ أشهر لتكثيف العمليات الأمنية في الضفة الغربية المحتلة".