في العمق : نهج التسامح الديني والتوازنات الفكرية فـي سلطنة عمان .. نتاج لكفاءة الإجراءات وثبات معايير المتابعة والرقابة
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
مع الإيمان بأنَّ التسامح الديني والتوازن الفكري في سلطنة عُمان ممارسة أصيلة تتجاوز المواقف اللحظيَّة والطارئة، حتَّى أصبحت ثوابت ومرتكزات جسَّدتها الشخصيَّة العُمانيَّة وعزَّزتها قوانين الدَّولة ومؤسَّساتها، تجلَّت بوضوح في التنوُّع الديني والمذهبي منذ وقت طويل، وتنوُّع المساحة الفكريَّة الَّتي تتجه نَحْوَ التوازن والحياديَّة في قراءة الأحداث والتعامل مع المستجدَّات بلا إفراط أو تفريط، أو غوغائيَّة أو ارتجاليَّة، أو تهوُّر أو صراخ، أو فرض الأمْرِ الواقع أو مصادرة الفكر، فقَدْ عرفت الأديان السماويَّة طريقها إلى عُمان منذ ما قَبل الإسلام، ولَمْ يمنع إسلام العُمانيِّين أن يعيشَ بَيْنَهم بعض المنتمين للديانات الأخرى، وحرص أئمة عُمان وسلاطينها العظام على رعاية حقوق أهل الذمَّة، وتوفير الحماية لَهُم وحُسن معاملتهم حيث تمَّ إعفاء الصبيان والشيوخ والفقراء والنِّساء من دفع الجزية، على أنَّ هذه الروح الإيجابيَّة الَّتي حملتها شخصيَّة الإنسان العُماني وتشرَّبتها الأرض العُمانيَّة الطيِّبة ـ الَّتي لا تنبت إلَّا طيِّبًا ـ شجَّع غير المُسلِمين على العيش في سلطنة عُمان؛ لِمَا يتَّسم به أبناء ُعُمان من روح التسامح والاحترام لمبدأ العقيدة وعدم الإكراه في الدِّين؛ باعتبارها ثقافة أصيلة ومِنْهج حياة وطريقًا للتعايش والعيش المشترك.
غير أنَّ استمرار هذه الصورة الإيجابيَّة وتعمُّقها في الشخصيَّة العُمانيَّة وقدرتها على التعايش والتحوُّل والتكيُّف مع مختلف المراحل والحقب والعقود والقرون التاريخيَّة الَّتي مرَّت بها سلطنة عُمان، وظلَّت حاضرةً في تفاصيل الحياة اليوميَّة إلى يومنا هذا، دُونَ أن تؤثِّرَ محاولات التشويه للقِيَم والشخصيَّة العُمانيَّة في جوهرها، رغم ما أتاحته التقنيَّات والمنصَّات الاجتماعيَّة من فرص لإثارة هذه التباينات والخلافات، في حين ظلَّت الخصوصيَّة العُمانيَّة محافِظة على مرتكزاتها ومبادئها الدَّاعية إلى السَّلام والتعاون والمَحبَّة والحوار والتعايش والتكامل بَيْنَ الشعوب وحلِّ الخلافات بالطُّرق السلميَّة؛ إنَّما يأتي في إطار حرص الدَّولة على احترام الخصوصيَّة الدينيَّة المذهبيَّة وتعزيز السَّلامة الفكريَّة والعقديَّة ما يمنع إثارة أيِّ مدخل يفرِّق بَيْنَ أبناء الوطن الواحد بسبب الدِّين أو المذهب، أو اللَّون أو الجنس أو غيرها من المنغِّصات الَّتي باتَتْ تهدِّد تماسك المُجتمعات وقدرتها على النُّمو، فلا يوجد في سلطنة عُمان تحزبات سياسيَّة أو تجمُّعات فكريَّة أو عقديَّة أو غيرها من أشكال التنظيم الأخرى في كيان الدَّولة ومنظوماتها. فسلطنة عُمان لجميع العُمانيِّين، وولاء العُمانيِّين جميعهم لجلالة السُّلطان المُعظَّم، وحقُّ كُلِّ مواطن مكفول بنَصِّ النِّظام الأساسي للدَّولة الصادر بالمرسوم السُّلطاني (6/2021) حيث جاء في المادَّة (٢١) «المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهُمْ متساوون في الحقوق والواجبات العامَّة، ولا تمييز بَيْنَهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللَّون أو اللُّغة أو الدِّين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي».
واتَّخذت جهود الدَّولة مسارات واضحة في تحقيق هذا الاستحقاق الوطني، والمحافظة على استدامته في السلوك والممارسات والخِطاب والقرار، في إطار موجِّهات قائمة على التنويع والتشاركيَّة والحوار والتجانس والتناغم، انعكس ذلك في شكل الخِطاب الرَّسمي وبرامج التنمية الَّتي شملت مختلف الولايات والمحافظات والقرى والمُدُن، بل سَعَتْ بكُلِّ مرونة ويُسر إلى احتواء المواقف وإدارة المعطيات المرتبطة بهذا الجانب والعمل على حلِّها بصورة جذريَّة في وفاق متكافئ واحترام لحقِّ الآخر، فعزَّزت من احترام المرجعيَّات الدينيَّة والمذهبيَّة وآليَّة الرجوع إلى علماء الشريعة كُلٍّ بحسب مذهبه، وراعت خصوصيَّة الولايات والمحافظات في ما يتعلق بالأبعاد الدينيَّة والمساجد وتعليم الطلبة أمور صلاتهم ودينهم دُونَ فرض رأي واحد بقدر ما هو إطار مشترك يعمل الجميع على تحقيقه في إطار المحافظة على قدسيَّة الوطن وسلامة البناء الفكري لأبنائه وتجنيبه كلَّ أسباب الفرقة والخلاف، بل وقفت وعَبْرَ منظوماتها الأمنيِّة والدينيَّة والتربويَّة والاجتماعيَّة بحزم أمام مجرَّد التفكير في استغلال هذا التنوُّع في التأثير على البناء الفكري والدِّيني للمُجتمع؛ بل صنعت من هذا الاختلاف الفطري مساحة للتكامل وصناعة القوَّة وإعادة إنتاج الممارسة المُجتمعيَّة بما يتناغم مع مبادئ الدَّولة وثوابتها.
لقَدْ كان لهذا المسار محطَّاته الاستراتيجيَّة الَّتي عكست روح التغيير الَّتي جاء بها المغفور له بإذن الله حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ في الثالث والعشرين من يوليو من عام 1970، فحالة الانقسام والخلاف والصراع الَّتي عاشتها الدَّولة العُمانيَّة قَبل هذه الفترة، وما ولَّدته من نزاعات وحروب وفِتن داخليَّة وولاءات قبليَّة، وغياب الإطار الوطني الَّذي يحافظ على كفاءة النسيج الاجتماعي الوطني وتكامل مقوِّماته لصالح البناء الوطني وتعزيز قواعد الدَّولة وفرض النِّظام وتطبيق الإجراءات وسيادة القانون، عزَّز من أولويَّة جلالة السُّلطان الراحل ـ طيَّب الله ثراه ـ على تثبيت قواعد الأمن والنِّظام والاستقرار ووحدة الصَّف والضَّبط والرَّبط كمنطلقات لتثبيت دعائم البناء الشامل وتحقيق السِّيادة الوطنيَّة وإزالة كلِّ الملوِّثات الَّتي قَدْ تشوِّه صورة المستقبل. فكان الأمن والأمان والاستقرار الَّذي تنعم به سلطنة عُمان ويشهد به الجميع، منذ ما يزيد على خمسة عقود مضت، إحدى ثمار مبادئ الضَّبط والرَّبط، وكفاءة أدوات المتابعة والرقابة الَّتي انتهجتها الدَّولة، وأصَّلتها في عمل ومهام واختصاصات المنظومات العسكريَّة والأمنيِّة والمَدَنيَّة والقانونيَّة والقضائيَّة والضبطيَّة، ومع تعدُّد العوامل الَّتي صاغت نهج التسامح الديني والتوازنات الفكريَّة في سلطنة عُمان وحافظت على أصالته في إطار كفاءة الإجراءات وثباتها وتكامل الأُطر، فيما أظهرته السِّياسة الخارجيَّة من ثبات ومصداقيَّة ودبلوماسيَّة حكيمة نالت تقدير العالَم واحترامه كراعية للسَّلام والتنمية والتفاهم الدولي، في ترسيخ مبادئ الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، وحُسن الجوار، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، دُونَ أن يعنيَ ذلك انعزالًا أو انكفاء داخليًّا، في مصداقيَّة وثبات وحياديَّة متوازنة راعت كلَّ المعطيات وحافظت على الخصوصيَّة العُمانيَّة والمصالح الوطنيَّة؛ باعتبارها الغاية الأسمى وطريق القوَّة لضمان الحفاظ على فاعليَّة الدَّور الحضاري لسلطنة عُمان، أو ما اعتمدته السِّياسة الداخليَّة العُمانيَّة، من مرتكزات شموليَّة التنمية والحوار الاجتماعي المشترك والشراكة المُجتمعيَّة، وتعزيز دَوْر المرأة والحقوق والواجبات، وتشجيع العِلم والتعليم والمعرفة الأصيلة والفكر الناقد البنَّاء، والتزام الإعلام سياسة الحياديَّة في الخِطاب، وتفعيل الأُطر المُجتمعيَّة المرتبطة بالتكافل الاجتماعي ومراعاة حقوق الفئات الخاصَّة في المُجتمع، وغيرها كثير؛ حيث قدَّم هذا التنوُّع المنتظم والاستيعاب المتكافئ للأحداث الَّذي يراعي في أولويَّاته مؤتلف الإنسانيَّة وقِيَم العيش المشترك؛ نموذجًا فريدًا في التوافق الاجتماعي والتعايش الدِّيني والفكري والحوار الداخلي الَّذي يفتقده الكثير من المُجتمعات.
إنّ سلطنة عُمان وهي تجسِّد نهج التسامح الديني والتوازنات الفكريَّة ممارسة أصيلة وقواعد حاكمة والتزامات تاريخيَّة وإنسانيَّة في ظلِّ مستويات عالية من الثبات والمصداقيَّة المتناغمة مع طبيعة التحوُّلات الجديدة في محطَّات النهضة العُمانيَّة المُتجدِّدة، تنطلق من إيمانها بأنَّ تربية الناشئة العُمانيَّة على التوازنات الدينيَّة والفكريَّة في إطار الهُوِيَّة والخصوصيَّة والقِيَم والأخلاق العُمانيَّة الأصيلة، ومبادئ الحقِّ والعدل والمساواة، إنَّما يضْمن بذلك طريق القوَّة في استيعاب لأحكام الشريعة ومنظوراتها للحياة والكون والإنسان وولاء متفردًا للإنسان العُماني لله والعقيدة وللوطن وجلالة السُّلطان بما يجنِّبه الشَّطط والأحكام المسبقة أو الانحراف الفكري والإفلاس القِيَمي، وقَدْ أكَّد حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في أكثر من خِطاب على أهمِّية هذه الثوابت والقِيَم في تحقيق التوازنات الَّتي انتجتها سلطنة عُمان، واستطاعت من خلالها أن يكُونَ لها موقعها الحضاري في السِّياسة الدوليَّة التنمويَّة والإصلاحيَّة. وقَدْ جاء في بيان ترؤُّس جلالة السُّلطان لاجتماع مجلس الوزراء في الثالث من يناير من عام 2023: «وفي سياق الحديث عن مستجدَّات الساحتَيْنِ الإقليميَّة والعالَميَّة، ونظرًا لِمَا يشهده العالَم من تغيُّرات في السلوكيَّات والمفاهيم وترسيخ البعض لمفاهيمهم، واستغلال مبادئ حقوق الإنسان، وغيرها من المبررات لفرض رؤى وبرامج وسلوكيَّات لا تتَّفق مع الثوابت والمبادئ السائدة.. فقَدْ أكَّد جلالته ـ أبقاه الله ـ على أهمِّية العمل على ترسيخ المبادئ والقِيَم العُمانيَّة الأصيلة المستمدة من تعاليم دِيننا الحنيف، وحثّ الأُسر على الأخذ بأيدي أبنائها وتربيتهم التربية الصَّالحة».
وعَلَيْه، فإنَّ المحافظة على السَّمْت العُماني والصورة المشرِقة للتسامح الديني والاعتدال الفكري في سلطنة عُمان؛ يؤكِّد أهمِّية المحافظة على ثبات الإجراءات الَّتي اعتمدتها الدَّولة العُمانيَّة في ترسيخ الأمن والاستقرار والسَّلام والتعايش والحوار مع إضافة التجديد عَلَيْها بما يتناغم مع أدوات العصر ومتطلباته، ويستفيد من توظيف التقنيَّة والفضاءات المفتوحة في إعادة آليَّات الخِطاب الديني والإعلامي والتربوي وطريقة التعامل مع الأدوات وآليَّة استخدامها، والمحافظة على السِّياسات الَّتي انتهجتها الدَّولة العُمانيَّة في ما يتعلق بالاهتمام بالثوابت والخصوصيَّات ومن بَيْنَها رسالة المسجد، الَّذي صبغ حياة العُمانيين وكوَّن شخصيَّاتهم على مرِّ العصور، والَّذي يجِبُ أن يبقى محافظًا على مكوِّناته في تحقيق هذا النهج.
من هنا فإنَّ إسقاط ما أشرنا إليه من مرتكزات وثوابت يؤكِّد أهمِّية الوقوف الواعي والمتأمل للحالة العُمانيَّة حَوْلَ ما أثاره توجُّه وزارة الأوقاف والشؤون الدينيَّة الموقَّرة بشأن سَحْبِ أئمَّة المساجد من المساجد الَّتي لا تقام فيها صلاة الجمعة وما تركه هذا الأمْرُ من فراغ الأئمَّة، وحجم التداعيات الأمنيِّة والاجتماعيَّة والفكريَّة والدينيَّة الَّتي ارتبطت به، بما يؤكِّد على أمرَيْنِ أوَّلهما: أنَّ إعادة هيكلة وحوكمة منظومة المساجد وأوقاف المساجد وأموال المساجد ينبغي أن لا تؤثِّرَ في مسار تعيينات الأئمَّة ذلك أنَّ التعيين إنَّما يُعبِّر عن مسؤوليَّة وطنيَّة في منظومة العمل والتشغيل واستيعاب الكوادر الوطنيَّة من مخرجات العلوم الشرعيَّة أو غيرها من الكليَّات من خارج السَّلطنة، أو أن تتبنَّى توجُّهًا بوقف هذه التخصُّصات حتَّى لا تضعَ الحكومة نَفْسها أمام تكدُّس المخرجات، والأمْرُ الآخر يتعلق بإعادة رسم ملامح الدَّور القادم لأئمَّة المساجد وهو دَوْر تربوي وتثقيفي وتوجيهي وتوعوي، يتناغم مع متطلبات تحقيق رؤية عُمان 2040 في محور الهُوِيَّة والقِيَم، وتعزيز صناعة القدوات وبناء القدرات وإنتاج النماذج الوطنيَّة.
أخيرًا.. لَسْنا ملائكة، ولَسْنا المُجتمع الفاضل، والتحدِّيات الفكريَّة الَّتي يواجهها ناشئة اليوم كفيلة بتغيير هذه الثوابت لدَيْهم إن لم يجدوا مَن يعمل على تثبيتها فيهم قولًا وعملًا، وفكرًا وممارسة. ونعتقد بأنَّ الحفاظ على أصالة نهج التسامح الديني والتوازنات الفكريَّة؛ إنَّما جاءت عَبْرَ جهود مضنية حرصت الدَّولة على ضرورة إبقاء خيوط التكامل فيها وجسور التواصل بَيْنَ القِطاعات الأمنيِّة والمَدَنيَّة والمُجتمعيَّة والدينيَّة ممتدَّة، في إطار من إدارة المشاعر ومراعاة الخصوصيَّات واستيعاب البُعد الثقافي المُجتمعي، وتشخيص المتغيِّرات ومعالجتها في إطار من التوافقيَّة والهدوء وصمت العمل، المعزّزة بكفاءة الإجراءات وثبات معايير المتابعة والرقابة، وأنَّ المحافظة على قوَّة هذا الخيط وتماسكه وترابطه إنَّما يتعلق باستشعار وطني بأهمِّية الحفاظ على هذا المسار الَّذي يُشكِّل المسجد ركيزته الأساسيَّة.
د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: المحافظة على ة الع مانی الم جتمعی والق ی م فی إطار ة والق من الم ة والم
إقرأ أيضاً:
التضخم في سلطنة عمان من بين أدنى المعدلات عالميا
مسقط - العُمانية
ظلت ظاهرة التضخم المتفاقم عالميًّا موضع الاهتمام والمتابعة طوال السنوات الماضية لاحتواء معدلاته ضمن مستهدفات السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية لسلطنة عُمان, وتجنب تفاقمه للمعدلات التي شهدها الكثير من الدول المتقدمة والناشئة والنامية، مما أثر على نمو الاقتصاد وعلى مستويات المعيشة في هذه الدول.
وأدى تفشي الجائحة في عام 2020 وما صاحبها من إغلاقات وقيود على الحركة والأنشطة الاقتصادية إلى مشكلات في سلاسل التوريد والإمداد وحركة التجارة العالمية وارتفاع كلفة الخدمات وأسعار الغذاء، وواصلت الصعود بفعل تداعيات الأزمة في أوكرانيا وتأثيراتها على أسعار الطاقة والخدمات وكلفة الشحن والتأمين، والسلع الغذائية مثل الحبوب والبذور والزيوت النباتية والحليب، وأسفرت كافة هذه التطورات عن تفاقم التضخم عالميا ليصل إلى أعلى مستوياته خلال عام 2022.
وفي ظل هذه الأزمة، انعكست تأثيرات الارتفاعات العالمية على الأسواق المحلية مع استيراد الاحتياجات من السلع والمنتجات، وقد أسهمت التدابير والسياسات الاستباقية لسلطنة عمان في إبقاء معدلات التضخم عند مستوى معتدل حتى خلال ذروته عالميًّا في عام 2022, وكان التضخم في أسعار المستهلكين في سلطنة عُمان من بين أدنى المعدلات في العالم وضمن الحدود الآمنة المستهدفة في الخطة الخمسية العاشرة 2021-2025.
وتشير بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن متوسط معدل التضخم وفقا للأرقام القياسية لأسعار المستهلكين في سلطنة عُمان سجل نحو 1.7 بالمائة خلال الفترة من 2021-2023, وانخفض إلى ما يقل عن واحد بالمائة في نهاية عام 2023, وخلال العام الجاري 2024, بلغ معدل التضخم في أسعار المستهلكين نحو 0.8 بالمائة خلال الفترة من يناير حتى أكتوبر الماضي .
وتفاوتت معدلاته بين مختلف المحافظات حيث سجل التضخم أدنى المعدلات في محافظة جنوب الباطنة بنسبة 0.4 بالمائة, وبنسبة 0.6 بالمائة في محافظتي مسقط وظفار, وبنسبة 0,7 بالمائة في كلٍّ من محافظتي الظاهرة والبريمي, و0.8 بالمائة في محافظة شمال الباطنة, في حين تم تسجيل أعلى معدل للتضخم في محافظة جنوب الشرقية بنسبة 1.9 بالمائة وفي كل من محافظتي مسندم والوسطى بنسبة 1.6 بالمائة ومحافظة شمال الشرقية بنسبة 1.3 بالمائة ومحافظة الداخلية بنسبة 1.1 بالمائة, وبشكل عام يرتبط تفاوت معدلات التضخم على النطاق الجغرافي بعدد من العوامل أهمها الموقع الجغرافي ونشاط الاقتصاد المحلي في كل محافظة.
ويأتي تراجع التضخم على أساس سنوي بنهاية أكتوبر من عام 2024 مقارنة مع نفس الشهر من عام 2023 في ظل استقرار الأسعار القياسية لمجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى, ومجموعة الاتصالات, ومجموعة التبغ, وتراجع الأرقام القياسية لأسعار مجموعة النقل بنسبة 2.6 بالمائة, مع ارتفاع أسعار مجموعة السلع الشخصية المتنوعة والخدمات بنسبة 4.8 بالمائة ومجموعة المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 3.5 بالمائة ومجموعة الصحة بنسبة 3.2 بالمائة, مع زيادات محدودة في مجموعات المطاعم والفنادق, والملابس والأحذية, والأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة, والتعليم.
وأشار التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي في نوفمبر الماضي إلى تراجع التضخم في سلطنة عُمان إلى 0.6 بالمائة خلال الفترة من بداية العام الجاري وحتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري 2024، مقابل نسبة تضخم بلغت 0.9 بالمائة في عام 2023, لتظل معدلات التضخم في أسعار المستهلكين عند مستويات منخفضة في سلطنة عمان.
وتتوقع وزارة الاقتصاد أن يظل معدل التضخم معتدلا وضمن المستهدفات على المدى المتوسط، كما تتابع الوزارة من خلال مؤشر تنافسية المحافظات تطورات التضخم في مختلف المحافظات بهدف تحديد تفاوتات الأسعار والعوامل المؤثرة على التغير في الأسعار للمساعدة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات تحد من هذه التفاوتات وتحقق توازن الأسواق والأسعار.
وأكدت وزارة الاقتصاد على أن تعزيز الإنفاق الاجتماعي وعلى الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم والإسكان يمثل أولوية حافظت عليها سلطنة عُمان لتحسين مستويات المعيشة وتخفيف أعبائها وترقية الخدمات حتى إبان فترة تأثر الوضع المالي للدولة بتبعات الجائحة وتراجع أسعار النفط, حيث تم إطلاق حزمة من المبادرات الاجتماعية التي أسهمت في مساندة الفئات المتأثرة بتبعات الأزمات العالمية.
ومن المتوقع أن ينخفض التضخم الكلي عالميًّا إلى نسبة 5.8 بالمائة في 2024, مما يشير إلى أن جهود البنوك المركزية تحقق نجاحا متزايدا في احتواء التضخم, وبناء على هذه التطورات, قام صندوق النقد الدولي بخفض توقعاته للتضخم خلال العام المقبل, وبعد أن كانت التوقعات تشير إلى معدل تضخم متوقع يبلغ 4.4 بالمائة في عام 2025، تم خفض التوقعات إلى 3.5 بالمائة مع حلول نهاية العام القادم 2025.