هكذا هم البلطجية والجبناء، حين تثير الحلقة القوية فيهم الرعب؛ يلجؤون إلى الحلقة الضعيفة؛ فيستقوون على الأطفال والنساء، ظنا منهم أنهم يحققون بذلك انتصارا على الأقوياء بقتل أبنائهم ونسائهم، وهو ذات أسلوب عصابات المافيا التي تلجأ إلى قتل أبناء غريمها أو اختطافهم حين تعجز عن مواجهته.. إن الخسة والإجرام والوحشية التي يمارسها جيش الاحتلال في هذا العدوان الهمجي، هي العنوان الأبرز لجريمة ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.



بتاريخ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر صرحت الأمم المتحدة بأن القوات الإسرائيلية قتلت خلال شهر من حربها على قطاع غزة الفقير والمحاصر من الأطفال، بما يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا في 22 صراعا مسلحا حول العالم خلال 4 سنوات، وكان عدد الشهداء من الأطفال حينها نحو 4 آلاف، وحين يتضاعف الرقم اليوم؛ فإن ذلك يعني أن القتلى من الأطفال أصبح أكثر ممن قتلوا في 44 صراعا حول العالم في 8 سنوات، إن صحت العملية الحسابية بهذه الطريقة. إلا أن الجريمة لا يمكن التحدث عنها بالأرقام، بقدر ما يمكن التحدث عنها بلون الدم، ومشهد البطون المبقورة، والعظام المهشمة، والجماجم المفلوقة..!!

لا يمكن لي وأنا الذي عشت أو تابعت عددا كبيرا من المعارك منذ 1967 حتى اليوم، أن أتخيل مجرد تخيل مثل هذه الفظاعة التي يتم من خلالها سفك دم الأطفال ومنهم الرضع بهذه الوحشية والهمجية، بل إنني لا أستطيع أن أتخيل موت أطفال العدو بهذه الطريقة أو أقل منها، وهو الذي يحتل أرضنا ويغتصب حقولنا ويهدم بيوتنا ويقتل أبناءنا ويجرف أحياءنا، ويدنس مقدساتنا..

على الرغم من الخسارات الفادحة لأهل غزة في الأرواح والمنشآت الخاصة والعامة، إلا أن القهر الذي أصاب العدو كان أفدح بكثير مما أصابهم، على الرغم من أنهار الدم التي لم تترك مكانا إلا خلفت فيه حمرة قانية ودمارا مهولا؛ فقد كان من مخرجات هذا العدوان الغاشم أن باتت الرواية الفلسطينية هي الأبرز والأصدق في عين البشرية وقلبها؛ فقد كان من أهم التحولات في المشهد الفلسطيني أن أصبحت السردية التاريخية الفلسطينية محل وعي الشعوب واهتمامها
إنهم يقتلون الأطفال والنساء نوعا من الانتقام من كل ما هو فلسطيني، ولأنهم يعدّون كل طفل فلسطيني مشروع مقاوم؛ وكل امرأة مشروع أم ولود، لذلك يقتلونهم بدم بارد، فهم يخوضون حربا جبانة ليقوضوا كل شيء يمت لفلسطين التاريخية بصلة.

إنهم ينتقمون بهذه الطريقة لأنهم لا يملكون وسيلة أخرى للانتقام من خزيهم وعارهم الذي تجرعوه في اجتياح المقاومة لغلاف غزة، وقتل من قتلوا من الضباط والجنود وأسر من أسروا من العسكريين والمدنيين الذين تعاملت المقاومة معهم بكثير من التحضر والإنسانية والأخلاق التي أقرها الإسلام، وقد فاقم التعامل الأخلاقي مع الأسرى حقدهم على المقاومة وحاضنتها الشعبية؛ بما كان من دور للإعلام من كشف فضائحي لسلوكهم الجبان وكشف إنساني لسلوك المقاومة المتحضر، وقد كان الدور الأكبر في معركة الإعلام ما قام به الشباب العربي والإسلامي وكثير من المنصفين في العالم من بث على مواقع التواصل الاجتماعي.

فعلى الرغم من الخسارات الفادحة لأهل غزة في الأرواح والمنشآت الخاصة والعامة، إلا أن القهر الذي أصاب العدو كان أفدح بكثير مما أصابهم، على الرغم من أنهار الدم التي لم تترك مكانا إلا خلفت فيه حمرة قانية ودمارا مهولا؛ فقد كان من مخرجات هذا العدوان الغاشم أن باتت الرواية الفلسطينية هي الأبرز والأصدق في عين البشرية وقلبها؛ فقد كان من أهم التحولات في المشهد الفلسطيني أن أصبحت السردية التاريخية الفلسطينية محل وعي الشعوب واهتمامها، بل إن أعدادا كبيرة من الناس في الغرب اعتنقوا الإسلام جرّاء ما رأوا من سلوك المقاومة وقوتها وعنفوانها وعدم رضوخها الذي أذهل العالم، وأسهمت الأسيرات اليهوديات المفرج عنهن بشكل كبير في الكشف عن حقيقة المقاومة وأدائها الذي هيّج العالم ضد الكيان المحتل..

بعد سنوات طويلة من العمل الإعلامي والسينمائي والشعبي والرسمي لرسم صورة مشرقة للاحتلال؛ تغير المشهد تماما، وبات كثير من مؤيدي الأخير وأنصاره في المعسكر المضاد للصهيونية بوعي وإدراك، فقد بات العالم ينظر لهم كعصابة لصوص وقتلة، ناهيك عن الإجلال الذي حازته المقاومة بعد سنوات من وصمها بالإرهاب وهو ما كان مستقرا في روع هؤلاء الذين انقلبوا على ساستهم بعد أن اكتشفوا كذبهم وخداعهم، وما التظاهرات التي غصت بها الشوارع الرئيسية في العواصم الغربية إلا دليل دامغ على هذه التحولات الجذرية..

ولم تتوقف هذه التحولات على الغربيين، بل مست شريحة كبيرة من اليهود داخل مجتمعهم في أرض فلسطين بطريقتين: الأولى تتصل بإحساس كثير منهم بأن ثمة ظلما يقع على الفلسطينيين، وأن حكومتهم قاتلة وظالمة، والثانية التحول القائم على الخوف والقلق من القادم الحتمي؛ فقد غادر الكيان مئات الآلاف، وبات كثيرون يبحثون عن بلد آمن لاستقبالهم، وكانت البرتغال هي الدولة المجمع عليها بسبب قوانين الهجرة التي تواتيهم.

نعم لقد قتلوا أطفالنا ونساءنا ودمروا بيوتنا وجوّعوا أطفالنا، لكنهم لم يكسروا روحنا المعنوية، ولم يفتوا في عضدنا، بينما كسرنا نحن روحهم المعنوية وقتلناهم رعبا وتربصا لما سيكون في السنوات القليلة القادمة، فباتوا يعيشون في دائرة الكوابيس التي لا تنتهي ولن تنتهي
كذلك فقد كان لما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من اجتياح المقاومة لغلاف قطاع غزة أثر كبير على الفلسطينيين بخاصة والعرب بعامة؛ بحيث أصبح إيمانهم باقتراب تحرير فلسطين أمرا مسلّما به، لا سيما أن ثمة نبوءات إسلامية وأخرى توراتية وتاريخية تؤشر على ذلك، وهو ما جعل هؤلاء أكثر تمسكا بخيار المقاومة، وأكثر شغفا بالمقاومين وشدة بأسهم.

كذلك فقد كشف السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عن الجبن الذي يسكن قلوب أفراد جيش الاحتلال، والارتعاد من مشاهدة المقاوم الفلسطيني والرعب من مواجهته؛ فقد هرب كثير من الضباط من غلاف غزة تاركين خلفهم الجنود لمصيرهم الأسود، وشكل استسلام كثير منهم لمقاتلي القسام وهروب آخرين أكبر هزيمة نفسية مني بها الكيان الصهيوني منذ نكبة 1948حتى اليوم، فقد تأكد لنا أنه جيش هش منهار من الداخل، بعد أن تحطمت صورته الوهمية التي تقول بأنه جيش لا يقهر..

ويكفي هنا أن نتحدث عن ملياري شيكل رصدها الاحتلال لمعالجة الحالات النفسية للمستوطنين الذين تحدث نصفهم عن عدم قدرتهم على النوم بدون أقراص منومة..

وأخيرا.. نقول: نعم لقد قتلوا أطفالنا ونساءنا ودمروا بيوتنا وجوّعوا أطفالنا، لكنهم لم يكسروا روحنا المعنوية، ولم يفتوا في عضدنا، بينما كسرنا نحن روحهم المعنوية وقتلناهم رعبا وتربصا لما سيكون في السنوات القليلة القادمة، فباتوا يعيشون في دائرة الكوابيس التي لا تنتهي ولن تنتهي حتى تحرير آخر شبر من فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر. 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأطفال الاحتلال غزة فلسطيني فلسطين غزة الاحتلال أطفال جرائم حرب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الرغم من فقد کان من کثیر من

إقرأ أيضاً:

مسؤولية المفكر في الأزمات التي نعيشها

لماذا يتجه الجميع نحو السياسيين أو المسؤولين عند الحديث عن الأزمات الكبيرة التي يعاني منها العالم؟ وإلى أي مدى يُعد من الصواب أن ننتظر من السياسيين التحرك لمنع الأزمات، أو الحروب، أو لإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية؟ أعتقد أن هذا من أكبر الأخطاء.

فكل سياسي يفكر أولًا في مصلحة بلده، ثم في مصلحته الشخصية وبقائه في السلطة عندما يحاول التعامل مع الأزمات التي تؤثر على العالم بأسره، وهذا بدوره يؤدي إلى تعميق الأزمات بدلًا من حلها.

يجب أن ننظر إلى الصورة الكاملة

الأزمات التي يعيشُها العالم اليوم ستكون لها عواقب مؤلمة ومدمّرة. وأوّل الأمثلة على ذلك يمكن رؤيته في حرب أوكرانيا وروسيا، واحتلال فلسطين، والحرب الأهلية في سوريا، والصراعات في القرن الأفريقي. وللأسف؛ هذه مجرد البداية.

إذا استمعنا إلى المسؤولين، فسنجد تصريحات، مثل: "الحل السياسي، وقف فوري لإطلاق النار، موقف سلمي"، وهي لا تتعدى كونها تصريحات سطحية لا تجدي نفعًا. أما فيما يتعلّق بأسباب هذه الأزمات، فنجد تحليلات ضحلة لا تلامس عمق المشكلة، بل تركّز على تفسيرات محلية فقط.

هذا هو أقصى ما يمكن للسياسيّ أو البيروقراطي أو المسؤولين فعله، ولكنْ هناك فئةٌ من الناس يجب عليها أن ترى الصورة الكاملة، وتصف لنا هذه الأزمات التي نعيشها: المثقّفون، والعلماء، والأكاديميون، أو لنقل باختصار: هم المفكرون.

مسؤولية المفكّر تظهر بشكل واضح في مثل هذه الأوقات، فعندما يكون الجميع مشغولًا بوصف جزء صغير من الصورة الكاملة، يجب على المثقف أن يرى الصورة بأكملها؛ ليتمكّن من إرشاد الناس وتنويرهم. فقط عندها يمكننا إدراك أن مشكلتنا أكبر وأعمق وأوسع انتشارًا مما نعتقد، وإلا فسنستمرّ في الوقوع في خطأ تفسير الحروب، والاحتلالات، والفوضى بأنّها مجرد انتهاكات للحدود أو صراعات بسيطة أو إرهاب، بينما الحقيقة تكون أكثر تعقيدًا بكثير.

الحاجة إلى أفكار مغايرة

ارتفاع العنصرية في أوروبا ليس المهاجرون سببه، واحتلال غزة لا يمكن اختزاله في  7 أكتوبر/تشرين الأول، وصعود ترامب لا يمكن تفسيره فقط بشيخوخة بايدن. وحرب أوكرانيا وروسيا لا يمكن تفسيرها فقط باعتداء روسيا، والصراعات في القرن الأفريقي ليست مجرد مسألة انتهاك حدود أو إرهاب، وتخلُّف العالم الإسلامي ليس فقط بسبب الاستعمار.

تحديد الأسباب الحقيقية لهذه الأزمات يتطلب رؤية الصورة الكاملة، وهذا هو واجب المفكرين في المقام الأول. وبعد ذلك؛ يجب على المفكرين أن يقدموا حلولًا، لكن هذه المرحلة أكثر صعوبة، ويتطلب الأمر أفكارًا غير تقليدية، خارجة عن المألوف.

إنّ حل مشكلة القومية المتصاعدة في أوروبا يمكن أن يتحقق فقط من خلال تحقيق العدالة في توزيع الثروة، وليس من خلال منع دخول المهاجرين. ومنع تدفّق المهاجرين من المكسيك إلى الولايات المتحدة لا يتحقق ببناء جدار، بل بوجود حكومات عادلة وقوية في أميركا اللاتينية. وقف احتلال غزة يمكن فقط عندما تتخلّى الولايات المتحدة عن طموحاتها الإمبريالية.

أنا واثق أن لدينا في العالم مفكّرين قادرين على إنتاج أفكار أقوى وأكثر تأثيرًا من هذه. لكن في الوقت الحالي، لا نرى شجاعة في مواجهة المألوف من قِبل المثقفين في أوروبا، أو أميركا، أو العالم الإسلامي. وهذا هو لبّ مشكلتنا الكبرى.

بدون أفكار لا يمكن إيجاد حلول

جذور الأزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي نعيشها تعود إلى المشاكل الاجتماعية. لفهم هذه الأزمات؛ يجب مراقبة المجتمع، وفهمه، وتحديد احتياجاته. وهذا يتطلب من المفكرين التفكير بعمق وتقديم أفكار لتحسين حياة البشرية.

إذا لم توجد أفكار، فلن تتطور السياسة، ولن تُحل الأزمات، بل ستزداد تعقيدًا. وإذا لم توجد أفكار، فإن الفوضى ستتسع؛ لذا نحن بحاجة إلى الأفكار الشجاعة من المفكّرين.

أين المفكّرون الأوروبيون الشجعان الذين يمكنهم القول بأن أساس المشكلة في أوروبا يعود إلى الاستعمار والاحتلال في الشرق الأوسط وأفريقيا؟ أين المفكرون المسلمون الذين يستطيعون التصريح بأن سبب تخلف العالم الإسلامي هو في طريقة فهمنا للإسلام وفي الحكومات الفاسدة؟ وأين المثقفون الأفارقة الذين يمكنهم التعبير عن أن سبب الفقر الذي تعانيه القارة هو الجشع؟

يبدو أنّ هؤلاء المفكرين بحاجة إلى إعادة تقييم ذاتهم، والقيام بنقد ذاتي، والعودة إلى أدوارهم الفكرية الحقيقية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • المقاومة الشعبية المسلحة بمحلية دنقلا تكرم أسر شهداء معركة الكرامة
  • لجان المقاومة: الفيديو الذي نشرته الجماعات اليهودية يهدف للسيطرة على المسجد الأقصى
  • جراح سعودي يجري أول عملية زراعة قلب في العالم بالروبوت (صور)
  • لأول مرة.. مستشفى سعودي يجري عملية زراعة قلب بالروبوت في العالم
  • صهاينة أميركا.. ماذا تعرف عن الشخصيات الخفية التي أنشأت إسرائيل؟
  • مستشار الرئيس الفلسطيني يحذر من تحريض منظمات الاستيطان الإسرائيلية
  • مسؤولية المفكر في الأزمات التي نعيشها
  • ماذا يحدث للجسم عند تناول خل التفاح في الوجبات يوميًا؟.. نتائج غير متوقعة
  • ماذا يحدث لجسمك حال الاستحمام بالماء الساخن بعد الأكل مباشرة؟
  • ما هي الأعراض التي تشير إلى مقاومة الأنسولين؟