أرسل الله الأنبياء والمرسلين عليهم السلام لِنُصح أقوامهم وإرشادهم لِمَا فيه صلاحهم وتحذيرهم مما يُفسدهم ويسبب لهم غضب الربّ ويكون سبباً في هلاكهم، كما ذكر الله في كتابه على لِسان نُوح عليه السلام في خطابه لقومه {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف-62)، وأيضا على لِسان هُود عليه السلام عندما قال {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (الأعراف-68)، وهو ما يؤكد عِظَم مكانة النصيحة في الدين وخاصة عندما تكون من الأنبياء، وفي هذا العصر الذي طغت فيه المادة نحن أحوج ما نكون فيه لنصيحة صادقة ومفيدة، وكيف ستكون هذه النصيحة إذا أتتك من سيد البشر نبينا مُحَمَّدْ عليه أفضل الصلاة والسلام الذي قال له الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء-107).
من النصائح الغالية التي قدَّمَها الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه نختار هذه النصيحة الثمينة والكنز العظيم للصحابي شداد بن أوس بن ثابت وابن أخي الصحابي حسان بن ثابت حين قال له “يا شدَّادُ بنُ أوسٍ إذا رأيتَ النَّاسَ قَدِ اكْتَنزُوا الذَّهَبَ والفضَّةَ، فاكنِز هؤلاء الكَلِمَاتِ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشدِ، وأسألُك موجِباتِ رحمتِك، وعزائمَ مغفرتِك، وأسألُك شُكرَ نعمتِك، وحُسنَ عبادتِك، وأسألُك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألُك من خيرِ ما تعلَمُ، وأعوذُ بِكَ مِنْ شرِّ ما تَعْلَمُ، واستغفرُك لِمَا تَعْلَمُ، إنَّكَ أنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ” (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
ولو أمعنا النظر في بداية هذا الحديث وتوقيت النصيحة في عصر المادة الذي ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام والذي يهتم فيه الناس بكنز الذهب والفضة لَعَلِمْنا أن كنز هذه الكلمات أنفع وأبقى من كنز الذهب والفضة الذي يَفْنَى، ونبدأ بالنصيحة التي افتُتِحَتْ بسؤال الله عز وجل “الثبات في الأمر” أي الثبات في الدين والطاعة، “والعزيمة على الرشد” والعزيمة هي القصد الجازم المتصل بالفعل، والرُّشْد هو الصلاح والفلاح والصواب، “وأسألك موجبات رحمتك” وهي جميع الأفعال والأقوال والصفات التي تُوجِبُ لقائلها رحمة الله، أمَّا “عزائم مغفرتك” فهي جمع عزيمة أي الأعمال التي يفوز بها العبد بمغفرة الله، “وأسألك شُكر نعمتك” أي التوفيق للعرفان بالنعم وإظهارها والثناء بها بالقلب واللسان والجوارح، “وحسن عبادتك” أي القيام بها على الوجه الأكْمَل والأتمّ من صدق وإخلاص وإتباع لسُنَّة النبي عليه الصلاة والسلام، “وأسألك قلبا سليما” بمعنى قلباً صالحاً نقياً من الشِّرك والذنوب والشهوات، “ولسانا صادقاً” أي محفوظاً من الكذب وهو أول الطريق للصدِّيقِيَّة التي هي أعلى الدرجات بعد الأنبياء، “وأسألك من خير ما تعلم” وهو سؤال جامعٌ لكل خير يعلمه الله في الدنيا والآخرة، “وأعوذ بك من شر ما تعلم” وفيها استعاذة شاملة من كل الشرور التي لا يعلمها إلا الله، “واستغفرك لما تعلم” وهو ختم أول للدعاء بطلب الاستغفار العام من كل ما يعلمُه الله من الذنوب والمعاصي، وأما الشطر الثاني من ختم الدعاء قوله “إنك أنت علَّام الغيوب” كان بصفة عظيمة من صفات الله عز وجل والتي تدل على سِعَة عِلمه وكثرته وشموله وفيها توسل جليل وتعظيم من السائل لهذه المَطَالِبْ العُليا في الدين والدنيا والآخرة.
وأختم بالفائدة العظيمة التي نستخلصها من هذه النصيحة في حديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام وهي أن الثبات على الدِّين لابد أن يكون مطلب لكل مُسلم صادق يرغب أن يَسْلُكَ طريق الاستقامة ورضا رب العالمين المؤدي إلى جنات النعيم خاصة في عصر المادة وانشغال الناس بالدنيا وشِدَّة حرصهم عليها، وأنَّ هذا الثبات لا يكون مؤقتاً وإنما يكون ثباتاً حتى الممات بعزيمة قوية وصادقة تُترجمها أفعال وأقول وصفات المسلم وتُوجب له رحمة الله ومغفرته، التي تقوده إلى التوفيق في شكر المولى عز وجل على نِعَمِهِ التي لا تُعدُّ ولا تُحصى بحُسْن أداء العبادات وتمام كمالها وإتباع سنة النبي الأميِّ عليه الصلاة والسلام بقلبٍ طاهرٍ سليم ولسان صادق برئ من الكذب والغيبة والنميمة، وسؤال الله جوامع الخير والاستعادة من كافة الشرور، والدوام على الاستغفار العام وتعظيم الرب بأسمائه الحُسنى وصِفَاته العُلى كما قال تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأعراف-180).
خالد عمر حشوان
@HashwanO
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: علیه الصلاة والسلام وأسأل ک ة التی
إقرأ أيضاً:
في تشييع الشهيدين السيدين القائدين… حشود عظيمة تبادل الوفاء بالوفاء
يمانيون |
منذ فجر يوم التشييع اصطفت الملايين من الجماهير على طول الطريق المؤدي من المدينة الرياضية إلى طريق المطار، في انتظار مرور موكب التشييع المهيب للشهيدين السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
لم تثنهم برودة الطقس أو تعب الانتظار الطويل عن الوفاء لهذين القائدين العظيمين، بل امتلأت قلوبهم بمشاعر الإيمان والوفاء، مجسدة تصميمهم الراسخ على أن يكون وداع الشهيدين على خير وجه.
بدموع غزيرة وإصرار على الوفاء والبيعة وإكمال المسيرة، انطلقت مواكب الحشود المليونية المشاركة في تشييع الشهيدين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين من مدينة كميل شمعون الرياضية باتجاه المقام الذي سيوارى فيه الشهيد نصر الله الثرى في مثواه الأخير.
واستمرت الحشود المليونية من المدينة الرياضية ومحيطها إلى محيط مسار التشييع وصولاً إلى مقام الشهيد السيد حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت.
حملت الحشود الغفيرة التي تجاوزت المليون رايات وأعلاماً، وعبرت عن عزمها على التضامن الكامل مع المقاومة، لتثبت للعالم أجمع أن الروح التي زرعها الشهيدين ستبقى حية في النفوس إلى الأبد، وفق وكالة أنباء نيوز.
وتمت الصلاة على جثماني الشهيدين الطاهرين من قبل ممثل الإمام علي الخامنئي في لبنان وعضو شورى حزب الله الشيخ محمد يزبك في المدينة الرياضية في بيروت.
عد انتهاء مراسم التشييع الرسمية للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين في مدينة كميل شمعون الرياضية في بيروت، انطلقت مسيرة المليونية نحو مقام الشهيد السيد نصر الله، والتي ستسلك طريق المطار إلى مكان الضريح حيث سيوارى الرفات الثرى، على أن يدفن الشهيد صفي الدين في مسقط رأسه دير قانون النهر في جنوب لبنان يوم الاثنين.
يواصل موكب نعش الأمينين العامين لحزب الله السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين مسيرته وسط الحشود المليونية من المدينة الرياضية باتجاه المقام حيث يوارى الشهيد نصر الله الثرى في مثواه الأخير.
انطلق موكب تشييع الشهيدين السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين من المدينة الرياضية حيث تجمع آلاف المعزين والمحبين في مشهد مهيب يليق بمكانة الرجلين اللذين قادا المقاومة وأصبحا رمزاً للصمود والإيمان بالقضية.
اتجه الموكب نحو مثواه الأخير على طريق المطار، وهو الطريق الذي شهد وداع أحد أعظم القادة في تاريخ لبنان والمنطقة.
امتلأت الشوارع بالحشود التي ملأت الشوارع على طول الطريق الذي سلكه الموكب، حيث كانت الأعلام ترفرف والقلوب تودع أحد أبرز القادة الذين ضحوا بكل شيء من أجل الوطن.
حمل مشهد الحشود رسائل متعددة، من التضامن العميق مع تضحيات الشهيدين إلى التأكيد على أن المقاومة مستمرة مهما كانت التحديات.
لم يكن الموكب جنازة جسدية فحسب، بل تجمعاً شعبياً يعبر عن الوفاء والإيمان بمبادئ المقاومة التي زرعها السيد نصر الله.
تفاعل الجمهور كان شاهداً على التأثير العميق الذي تركه هذا الرجل في نفوس الجميع، حيث تابعوا الموكب بحرارة وعلى أمل أن تبقى رسالته حية في كل تفاصيل الحياة اليومية.
ومن أبزر مشاهد التشييع تلك التي حاصر فيها سيل من المحبين الحافلة التي تحمل نعشي الشهيدين السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
وكان هذا التجمع الضخم، الأكبر من نوعه في العالم، رسالة من الشعب اللبناني إلى العالم بأن الوفاء للمقاومة والشهداء لا حدود له.
تم التحضير لهذا الحدث التاريخي بدقة وإتقان، حيث اعتبر هذا التشييع الأكبر في العالم، ولم يشهد العالم مثله منذ مئة عام.
بدأت مراسم التشييع عند الواحدة ظهراً، حيث يتم تنظيم عدد من الفعاليات المتعلقة بالحدث، من بينها قراءة جماعية للقرآن الكريم، تليها قراءة جماعية للقرآن الكريم عبر فرقة “آيات”، وقراءة النشيد الوطني ونشيد حزب الله عبر الفرقة المركزية لكشافة الإمام المهدي.
بدأت مراسم التشييع عند الواحدة ظهراً، حيث أقيمت فعاليات متعلقة بالحدث، من تلاوة جماعية للقرآن الكريم عبر فرقة “آيات”، وعزف النشيد الوطني ونشيد حزب الله عبر الفرقة المركزية لكشافة الإمام المهدي، ثم كلمة ممثل الإمام الخامنئي في لبنان، وكلمة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم والصلاة على النعوش وسط الحشود.