عربي21:
2024-07-03@20:00:43 GMT

معركة القلوب بين إسرائيل وغزة

تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT

الحرب الوحشية التي تخوضها إسرائيل على سكان قطاع غزة هي أيضا حرب صور ومعلومات، المؤكد فيها أن إسرائيل خسرت معركة الرأي العام مثلما خسرت الحرب العسكرية على الرغم مما تسببه من إبادة جماعية وخراب هائل في غزة.

أُرجّح أن القادة الغربيين يقولون وراء الأبواب المغلقة عن إسرائيل وجيشها وقادتها كلاما لاذعا لا يختلف عن الذي يقوله الشارع العربي.



منذ اليوم الأول للحرب شكَّل حلفاء إسرائيل عبر الدول الغربية شبكة تأثير خطيرة ووضعوا استراتيجية محكمة وفعَّالة صبّت جهدها في ثلاثة محاور: الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي والأوساط الأكاديمية والجامعية. مَن يتابع الإعلام الغربي هذه الأيام يعرف أن انحيازه الفاضح لإسرائيل هو نتيجة للاستراتيجية المذكورة آنفا. ومَن تابع فصول الإرهاب الفكري والإداري الذي تعرَّض له قادة جامعات هارفارد وبنسيلفينيا ومعهد ماستشوستس (وآخرون) يدرك كذلك أنها ليست من فراغ بل ثمرة الاستراتيجية ذاتها.

إحدى أخطر مجموعات الضغط تشكّلت في بداية الحرب عبر تطبيق واتساب وضمّت نحو ثلاثمئة من كبار الشخصيات اليهودية النافذة في السيليكون فاليه والأوساط السياسية والأكاديمية في الولايات المتحدة تحديدا والغرب عموما. الهدف: اصطياد كل صوت مسموع مناهض للحرب على سكان غزة.

بفضل عملها المحكم والدقيق نجحت هذه المجموعة في حظر فعاليات سياسية وأكاديمية هامة عديدة، منها محاضرة لعضو مجلس النواب الأمريكي رشيدة طليب، وأخرى في جامعة فيرمونت. ونجحت في طرد عدد من العاملين في مؤسسات وهيئات كبرى بسبب تغريدات أو تدوينات متعاطفة مع الفلسطينيين.

تقوم حملات التأثير هذه غالبا على الكذب. يدرك القائمون عليها أن الكذبة في السياسة والحرب أقوى من تفنيدها، مثل الرصاصة، لا يوجد جهد يمحي أثرها بعد خروجها.

ضمن هذا المنظور المدروس، وضع القائمون على الدعاية الإسرائيلية خطط عمل دقيقة تهتم بأصغر التفاصيل. من النصائح التي عُمِّمت بين أعضاء مجموعة واتساب المذكورة، التركيز على وقائع بعينها ثم البناء على أدق تفاصيلها مع حرص خاص على ما يثير منها عواطف الرأي العام الغربي. من الأكاذيب التي اقترح أعضاء المجموعة العمل عليها، كذبة الأربعين رضيعا الذين جزَّت حماس رقابهم.

النصيحة الأولى: تكريس الكذبة بتكرارها. النصيحة الثانية: الوقوف عند التفاصيل مثل القول إن الرضَّع ذُبحوا وعُلّقت جثثهم في حبال الغسيل بحمَّالات صدور أمهاتهم. لاحظ التفاصيل: رضَّع، ذبح، حبل غسيل، تعليق الجثث، ليس بحبل عادي أو أي شيء آخر. لا، بحمَّالات صدور أمهاتهم!

وتكررت كثيرا واقعة الحفل الموسيقي الذي كان يحضره فتيان وفتيات في مقتبل العمر «قبل أن يفترسهم وحوش حماس». هنا نُصح مروجو الدعايات بتفادي العموميات والأرقام والوقوف عند التفاصيل… ذكر الأسماء، الأعمار، استعمال الأوصاف، اصطناع الحزن والأسى عند الحديث عنها لوسائل الإعلام. مثلا: (مارشا) فتاة في العشرين، كانت مثل الوردة مقبلة على الحياة، لكن «وحوش» حماس اغتصبوها المسكينة ثم قتلوها ومزّقوا جسدها الطري. تخيّل مارشا ابنتك!

ليس مُهماً لدى هؤلاء أن تكون (مارشا) موجودة أصلا، وإنْ وُجدت لا يهم أن تكون تفاصيل قتلها دقيقة وموَثقة. الأهم ترويج الكذبة حتى ترسخ في الأذهان بشكل يجعل تفنيدها أمرا مستحيلا. والأهم من كل شيء الوقع النفسي الصادم على المتلقي الغربي عندما يسمع تفاصيل حياة (مارشا) وموتها.

رغم هذا العمل الجبَّار وغيره، خسرت إسرائيل معركة الرأي العام إلى الأبد.

لا يمكنني بعد هذا ألَّا أقارن عملهم بما يُبذل في المعسكر الآخر. من الإنصاف الاعتراف بأن جهدا هائلا يُبذل بين العرب والمسلمين وفي المجتعات الغربية للتصدي للأكاذيب الإسرائيلية. لكن من المؤسف القول إنه مجهود مشتت وغير منظم، واستنتاجا فعاليته أقل بكثير مقارنة بالجهد المقابل.
إذا نجحت قضية غزة في تحريك العالم كله وألَّبته ضد إسرائيل، فالأمر يعود أولا لعدالة القضية وإنسانيتها، ثم للمجهود البشري بالدرجة الثانية.

عدد الأسرى الإسرائيليين لدى حماس مجموعين يقل أحيانا عن عدد الأطفال والنساء الفلسطينيين الذين يقتلهم جيش الاحتلال في يوم واحد. ومع ذلك فهؤلاء معروفون بالصور والأسماء والأعمار وبتفاصيل أخرى، بينما الآخرون مجرد أرقام: استشهاد 19 فلسطينيا وإصابة 41 في قصف إسرائيلي على مدرسة في خان يونس. العشرات بين قتيل ومصاب في سقوط صاروخ على مبنى سكني في دير البلح. وغير ذلك من الصياغات المكررة.

أذهب إلى ناد رياضي عدة مرات في الأسبوع. يحدث أن في النادي شاشة عملاقة يصعب تفاديها تبث «بي بي سي» العالمية لا أعرف من اختارها وفرضها على الرواد. غالبا يصادف توقيت وجودي نشرة أخبار رئيسية. أذكر أن في الأسابيع الأربعة الأولى من الحرب لم يمر يوم لم تستضف القناة واحدا من عائلات الأسرى الإسرائيليين. بعضهم يُستضاف أكثر من مرة في الأسبوع حتى حفظتُ أسماءهم وقصصهم وخشيت أن أبدأ بالشعور بأنهم أصدقاء لي أنا المتعاطف مع غزة. تخيّل أثر حضورهم المكثف على الجمهور الغربي المحايد.

يستطيع أنصار غزة والإنسانية، خصوصا في العالم العربي، فعل الكثير. المقاطعة سلاح فتّاك لكن يبدو أن الوعي بأهميته ناقص. يستطيعون جمع تبرعات لبناء نُصب تذكارية تساعد فيها البلديات تُنقش عليها أسماء أطفال غزة الضحايا، لكن المجتمعات تفتقد للتنظيم الكافي لمثل هذا العمل. تستطيع نقابات الصحافيين تخليد أسماء الزملاء الذي أبادتهم صواريخ جيش الاحتلال بأكثر من طريقة. في إمكان المنظمات النسائية، حكومية وأهلية، تقديم شيء للنساء اللواتي أودى بهن القصف الإسرائيلي من خلال تكريم أرواحهن وتخليد أسمائهن بأكثر من طريقة. تستطيع الحكومات العربية، الثرية بالخصوص، إنقاذ المؤسسات التعليمية والثقافية الكثيرة التي يجري خنقها في الغرب بداعي أنها مؤيدة للفلسطينيين، لكنها نائمة أو لا تريد. هناك إمكانية الاستفادة من الغربيين الذين يتلذذ العرب بمشاركة فيديوهاتهم اللاذعة ضد إسرائيل على واتساب أو فيسبوك، لكن لا يبدو أن هناك شيئا من هذا.

العرب، ومعهم سكان غزة، يدفعون اليوم ثمن عنصرية العالم وجاهزيته لمعاداتهم. لكنهم يدفعون أيضا ثمن قلة تنظيمهم وشلل قوى المجتمع المدني لديهم (مسؤولية الحكومات هنا كبيرة وتاريخية) حتى بات أي عمل ناجع يحتاج للبداية من الصفر، وربما تأخر الوقت. أما حلفاء إسرائيل فلم يبدأوا من العدم، بل فعَّلوا شبكات موجودة وحرّكوا ماكينات كانت جاهزة لمثل هذه اللحظة.

(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال غزة الاحتلال جرائم اعلام مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

محللان سياسيان: إسرائيل تعيش صراعا على هويتها والجيش أدرك خطوة الوضع الراهن

قال محللان سياسيان إن التلاسن المتزايد بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة من جهة والمؤسسات الأمنية والعسكرية من جهة أخرى يعكس الصراع الكبير من أجل السيطرة على إسرائيل وتحديد هويتها المستقبلية.

ففي الوقت الذي يواصل فيه الجيش تسريب أنباء تفيد برغبته في وقف الحرب على قطاع غزة، يواصل نتنياهو الحديث عن الاستمرار بالقتال حتى تحقيق "النصر المطلق" على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وكانت آخر الصدامات بين الطرفين ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن قادة عسكريين إسرائيليين بشأن رغبة بعض القادة في البدء بوقف إطلاق النار في غزة حتى لو أدى ذلك إلى بقاء حماس في السلطة مؤقتا.

لكن نتنياهو رد على هذه التصريحات بقوله إنه لا يعرف من هي "المصادر المجهولة" التي تتحدث عن وقف الحرب، مؤكدا أن القتال لن يتوقف قبل تحقيق كافة الأهداف التي تم إعلانها وفي مقدمتها القضاء على حماس.

في الوقت نفسه سادت حالة من السجال بين وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير وجهاز الاستخبارات الداخلية (الشاباك) بسبب الإفراج عن مدير مستشفى الشفاء الدكتور محمد أبو سلمية، حيث قال بن غفير إن إسرائيل "فيها دولة داخل الدولة".

وتعليقا على هذه التطورات، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية أشرف بدر، إن ما يحدث الآن في إسرائيل هو كشف لشروخات كانت موجودة منذ عقود، وهي خلافات دينية وإثنية وطبقية ومصلحية.

وخلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، قال بدر إن خلافا قديما موجودا داخل إسرائيل وقد ظهر بقوة خلال الاحتجاجات الكبيرة التي خرجت ضد التعديلات القضائية لكنه طفا بقوة بعد الحرب ليؤكد على حالة الفشل التي تعيشها إسرائيل.

ويرى بدر أن هذا التراشق لن يتوقف وربما يتفاقم مستقبلا طالما أن نتنياهو لم يشكل لجنة للتحقيق في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مشيرا إلى أن عدم وجود تحقيق سيدفع كل طرف لتحميل الطرف الآخر مسؤولية الفشل.

وفسر الخبير في الشأن الإسرائيلي التسريبات التي تخرج عن الجيش بأنها محاولة لاستهداف نتنياهو من خلال القول إنه لم يستثمر النجاحات العسكرية التي تحققت في غزة سياسيا.

تغير في تفكير الجيش

بدوره، يرى المحلل السياسي ساري عرابي أن التصريحات الخارجة عن الجيش تعكس تغيرا كبيرا في أفكار القادة العسكريين بسبب إدراكهم للوضع الهش الذي أصبحت إسرائيل تعيشه ومعرفتهم أن المؤسسة العسكرية لن تكون قادرة على التعامل مع كل هذه التحديات التي خلقتها الحرب.

لذلك، فإن هذا التغير النابع من نظرة إستراتيجية عميقة لمصلحة إسرائيل ربما ينعكس بشكل كبير على العمليات في غزة، وفق عرابي الذي يعتقد أن الجيش يعاني نقصا في القوة والذخائر والدوافع.

ورغم فشل الجيش في منع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول ثم الفشل في القضاء على المقاومة إلا أنه بدأ الآن التفكير بشكل إستراتيجي وأكثر مسؤولية من نتنياهو، وفق عرابي.

الرأي نفسه يدعمه بدر بقوله "إن الجيش يتحرك وفق نظريات أمنية وتجارب متراكمة ويعرف أن النصر المطلق الذي يتحدث عنه نتنياهو غير قابل للتحقق لأنه يعني محو الطرف الآخر تماما من على الأرض وعدم الإبقاء ولو على 50 مقاتلا منه لأنهم سيقضون مضجعه".

ومن هذا المنطلق، فإن الجيش -برأي بدر- تبنى إستراتيجية توجيه الضربات العنيفة للمقاومة والتي تجعلها غير قادرة على إعادة بناء قوتها بسهولة، وهو الآن يحاول إيصال رسالة إلى الداخل والخارج مفادها "ما الذي يمكننا فعله؟ لقد نفذنا حرب إبادة كاملة وقضينا على كل مقومات الحياة في غزة وقتلنا أكثر من 37 ألف إنسان في القطاع، لكن حماس لم تزل موجودة".

وبناء على ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي الآن يرى أن على إسرائيل القبول بوجود حماس أضعف مما كانت عليه قبل الحرب بدلا من مواصلة الحرب.

خلاف كبير

وأكد بدر أن هناك أزمة كبيرة داخل إسرائيل لأن الكثير من القادة داخل الجيش لا يتفقون مع كل شيء، مشيرا إلى أن الجنرال السابق إسحاق بريك نقل عن ضباط في الجيش أنهم يخشون تحول الأمور لحرب استنزاف ضد إسرائيل، وطالب المسؤولين بحل سياسي.

ويتفق عرابي مع حديث بدر، بقوله إن ما يقوم به نتنياهو يعكس حجم الخلاف القائم بين المؤسسات الإسرائيلية، وإن الجيش يحاول تمهيد الرأي العام في الداخل والخارج للقبول بوقف الحرب.

وقال عرابي إن أي مسؤول سياسي في مكان نتنياهو لن يكون قادرا على اتخاذ قرار جريء بوقف الحرب لأن الأمر لا يتعلق فقط بالمستقبل السياسي ولا بالمسؤولية عن السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وإنما أيضا عن الفشل في تحقيق أهداف الحرب.

وفي جانب آخر من الخلاف، تحدث الضيفان عن صراع حقيقي وقديم -كشفته الحرب- بين اليمين المتطرف الذي يرى نفسه أمام فرصة تاريخية للسيطرة على إسرائيل ومؤسساتها الأمنية التي طالما كانت تحت سيطرة اليمين الليبرالي.

وخلص بدر إلى أن الخلاف الداخلي سيتفاقم لأن اليمينيين الليبراليين الذين يمكن وصفهم بالدولة العميقة من أمثال يائير لبيد وبيني غانتس يحاولون الحفاظ على "الصهيونية الليبرالية" من اليمين المتطرف وخصوصا بن غفير الذي يسعى لإنشاء "إقطاعية سياسية" من خلال سيطرته على الشرطة وحرس الحدود.

 

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تصادق على مصادرة 12,7 كيلومتراً مربعاً في الضفة الغربيّة المحتلّة
  • ما الذي يُطَمْئِن حزب الله؟
  • من يجبر نتنياهو على وقف الحرب؟
  • محللان سياسيان: إسرائيل تعيش صراعا على هويتها والجيش أدرك خطوة الوضع الراهن
  • نتنياهو وغزة بعد الحرب .. تقرير يكشف فرقا بين المعلن والخفي
  • وزير الخارجية يستعرض أزمة السودان وغزة مع رئيسة مجموعة الأزمات الدولية
  • رويترز: نازحو لبنان دون عمل أو موارد وظروفهم تتفاقم مع الوقت
  • رويترز: نازحو لبنان بدون عمل ويعانون ظروفا قاسية ويتمنون انتهاء الحرب
  • ستدفع إيران ثمن حرب صنعتها
  • من معركة إلى قتال: تغيير في سياسة إسرائيل ضد غزة