الحرب النفسية والإعلام بين سلاح الصدق وآفة الكذب!
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
ما تزال مدرسة غوبلز(1) في الدعاية والإعلام المرتكزة على قاعدة (اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس) هي السائدة في أغلب وسائل الاعلام وفي الحرب النفسية لدى أجهزة الاستخبارات والمؤسسات العسكرية ، أي أن الكذب ما يزال هو المنهج المتبع في مختلف دول العالم بمن فيها من تدعي الاحتكام للدين وهي دعوى غير قابلة للإثبات أو للثبات ، لذلك يلمح المتأمل حالة من القلق والتوتر لدى كثير ممن يزِنُونَ الأمور بموازين العقل والبصيرة، ومن علامات ذلك أن المحللين في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الرسمية والمجالس العامة والخاصة في كثير من الدول والمجتمعات ومنها العربية لا يربطون المقدمات بالنتائج لأي عملية عسكرية مع العدو بالحديث عن النصر قبل أن تبدأ المعركة وبأسلوب المبالغة والكذب ، ولا أرى غرابة في سلوك الدول العربية لأن مقولة (أعذب الشعر أكذبه) تعبر عن ثقافة تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على وسائلها الإعلامية فيختلط في خطابها المعنى الأخلاقي بالمعنى الأدبي للكذب وتتضارب الحقيقة مع المجاز فتبدو المقولة دعوة لاستحلال الكذب وتجعله في الغالب غير مستنكر في الحياة السياسية والأدبية والعامة والخاصة أحياناً ، وآمل أن لا يعد هذا من قبيل الغمز في دور المقاومة ومشروعيتها لأن مقاومة كل احتلال وظلم وفساد في الأرض حق وواجب في نفس الوقت بل ومقدس ولهذا لا بد من حرص المقاومين على أن تكون أدواتهم نظيفة من شوائب النفاق والكذب وتزوير الحقائق فمقاومة الظلم والفساد لا تكون بالظلم والفساد ، والكذب ظلمٌ وفساد على كل مستوى وفي أي ميدان.
لقد كانت عملية طوفان الأقصى التي انطلقت في 7 أكتوبر الماضي والتي طالت عدداً من المواقع العسكرية الهامة في فلسطين المحتلة وتكبد الصهاينة في بدايتها خسائر غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني من حيث عدد الضحايا والأضرار المادية والمعنوية التي نتجت عنها ومن إيجابياتها كشف كثير من الأقنعة وتمييز الصادقين في مقاومتهم من الكاذبين ، وكانت مثيرة للاهتمام والدهشة على مستوى العالم إلا أن من الملاحظ أنها كانت مصحوبة بحملة إعلامية غير عادية يرى كثير من المراقبين والمتابعين أن المستفيد منها هو الكيان الصهيوني الذي عمل على استغلالها والترويج للقطات أبرزت أساليب تنكيل وإهانة لبعض المجندات وبعض المستوطنين، ربما نفت حركة حماس والمشاركون في العملية وقوعها لأنها لا تتناسب مع مبادئ الإسلام في حالة السلم والحرب رغم أنه لا يوجد في الكيان مدني من بين المستوطنين فاستيطان أراضي الغير جريمة والواجب أن يعاقب المجرم لا أن يكافأ بالحماية!،
كان هدف الترويج للقطات المستفزة بصورة غير معهودة إظهار فشل إسرائيل الأمني والعسكري وانكشافه وأنه بات في خطر وجودي محقق، في مقابل الحديث عن النصر المبين قبل أن تبدأ المعركة!، وبالفعل كانت العملية التي حرصت حركة حماس على التأكيد أنها لم تُشرك أحد لا في التخطيط والإعداد لها ولا في تنفيذها سواء من فصائل المقاومة الفلسطينية أو من محور المقاومة عموماً؛
تمكن الكيان الصهيوني من جعل معظم دول العالم تصدق أن أمنه بالفعل بات في خطر نتيجة ما حصل منذ 7 أكتوبر وإلى اليوم والتعامي عن عملية إبادة الفلسطينيين منذ أول يوم للعملية، وحرص على إظهار أن وضعه بات حرجاً يوجب تدخل الغرب باعتباره قاعدة متقدمة لحماية مصالحه في قلب الوطن العربي والشرق الأوسط وإدارة لعبة التدخل في المنطقة ونهب خيراتها، وتحقيق أهداف استراتيجية دولية مرتبطة بصراع أصحاب المصالح غير المشروعة في العالم الذي تداخلت بسببه الحروب الباردة والساخنة الجديدة والقديمة بكل صورها وعناوينها ومعانيها الظاهرة والخفية ، ومن تجلياتها إعادة انتشار القواعد العسكرية الأمريكية وحلف الناتو في أوكرانيا وأفغانستان والخليج والبحر الأحمر وبحر الصين ومختلف المحيطات والبحار وبقاع الأرض عامة ، ومحصل ذلك أن النصر في أي معركة بحاجة إلى إخلاص مع الصدق لأن الإخلاص قد ينتصر أصحابه ولو كانوا من أتباع مدرسة الكذب وقد ينهزم غير المخلصين ولو كانوا من دعاة الصدق غير المقترن بالإخلاص في التمسك بالحق والحقيقة فكل دعوى بحاجة إلى إثبات وثبات والصدق عند من يعقل هو طريق النصر الحقيقي دائماً وأبداً وفي كل المعارك.
سنمضي إلى نفق الصمت
وسيمضي الخنوع بنا
إلى حيث ألقت…
أو إلى حيث ماتت جميع العصور
سيمضي الجنود بنا
إلى حيث لا يعلمون
* (الثلث الأول من يناير1994) من قصيدة بيني وبين الصخور
مهداة للصديق العزيز الشاعر إسماعيل الوريث – ديوان- موعد مع الشمس)
(1)- بول يوزف 1897- 1945 وزير الدعاية للرايخ -صاحب نظرية (اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس) ألمانيا النازية .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الراحة النفسية في شهر رمضان
الدكتورة مرام بني مصطفى
الاستشارية النفسية والتربوية
شهر رمضان هو وقت تسمو فيه الروح وتتجلى فيه العبادات الروحانية مع تحديات التغيرات الجسدية والنفسية التي تفرضها أنماط الحياة المختلفة. في هذا الشهر يتغير روتين الحياة كالنوم ومواعيد تناول الطعام بشكل ملحوظ، مما ينعكس على الحالة المزاجية والصحة النفسية. وتتحول الليالي إلى مزيج من السهر واليقظة المبكرة، فتقل ساعات النوم العميق ويظهر التعب كصديق دائم، مما يسبب توترًا داخليًا ويزيد من حدة الانفعالات.
يترافق التغير في مواعيد الوجبات مع تقلبات في مستويات السكر في الدم؛ إذ إن تناول الطعام في أوقات متأخرة أو بسرعة يؤدي إلى ارتفاع وانخفاض مفاجئ في الطاقة، مما يؤثر بشكل مباشر على المزاج. كما يواجه الكثيرون تحديًا إضافيًا عند الانقطاع المفاجئ عن العادات المرتبطة بتناول الكافيين أو النيكوتين، ما يؤدي إلى أعراض انسحابية تؤثر على الاستقرار النفسي وتزيد من الشعور بالقلق.
ورغم هذه التحديات، يحمل رمضان في طياته فرصًا لتعزيز الصحة النفسية وإعادة الاتصال بالذات. إنه وقت للتأمل والبحث عن السلام الداخلي، حيث يدعو الصيام الفرد إلى التفرغ في العبادات والتقرب إلى الله والشعور مع المحتاجين وعدم الإسراف وهدر الطعام والمبالغه في الولائم فعلى الفرد تنظيم أوقاته والاهتمام بالنفس والتفكر في معاني الحياة. كما أن اللقاءات الاجتماعية وتبادل كلمات الدعم والحب مع العائلة والأصدقاء والجيران والاقارب يساهم في خلق بيئة إيجابية تخفف من وطأة الضغوط اليومية.
أن الاعتناء بالنفس ضرورة ملحة؛ فتنظيم روتين النوم وتناول وجبات متوازنة وتخصيص وقت للعبادة والراحة والتأمل يمكن أن يحول رمضان إلى مرحلة من التجديد الذاتي والسكينة. بهذا الوعي، يمكن للفرد أن يجد في رمضان فرصة ليس فقط للصيام والعبادة، بل أيضًا لاستعادة توازنه النفسي والاستمتاع بروحانيات هذا الشهر الكريم على نحو ينعكس إيجابًا على حياته اليومية.
علينا من اليوم البدء بالتخفيف من التدخين والكافيين والحلويات والسكريات وشرب الماء بشكل كافي لكي نتجنب العصبية والتوتر وتدني المزاج.