باستشهاد الصحفي الفلسطيني أحمد المدهون يرتفع عدد الصحفيين الشهداء إلى 101
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
استهداف الصحفيين …إسكات الحقيقة وإخفاء الجرائم الوحشية الصهيونية فاق عدد الصحفيين الذين سقطوا في غزة في غضون شهرَين فقط، إجمالي الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) الاستراتيجية الصهيونية تعمدت استهداف عوائل الصحفيين وقصف منازلهم وإيقاعهم بين شهيد ومصاب ومفقود يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي قرابة 44 صحفيًّا فلسطينيًّا بينهم 29 تم اعتقالهم بعد 7 أكتوبر
الثورة / أحمد السعيدي
أن تكون صحفيًّا داخل غزة فالموت أقرب إليك من الهواء الذي تتنفّسه، فكل الأجواء من حولك موت ودمار يزكمان الأنفس ويزيدان الجراح نزيفًا، وإن كُتب لك النجاة ولو مؤقتًا فالدور الأقرب على عائلتك وأهلك، فالانتقام ليس له حدود، والوحشية الإسرائيلية تفوق كل وصف مهما كان قاسيًا، غير أن الأروع من ذلك أن تصرَّ على الصمود وسط كل هذا الخذلان، أن تتخذ من الموت سبيلًا للحياة، ومن الدمار وسيلة للبناء، أن تسرق من خزائن اليأس أروقة الأمل، وأن تزرع في أجنّة قيعان النهايات نطف بدايات جديدة، كلها إيمان ويقين بأن النصر هو المكتوب، وأن الرسالة والغاية تستحقان كل تلك التضحيات، فإن لم تستحق فلسطين فمن يستحق؟، استشهد في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة 101 صحفي خلال شهرين ونصف، بمعدل صحفي كل يوم، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة الذي أعلن عن استشهاد الصحفي الفلسطيني أحمد المدهون نائب مدير وكالة الرأي الفلسطينية (تابعة لحكومة غزة) ،في قصف إسرائيلي شمالي القطاع، ما يرفع عدد الصحفيين القتلى منذ بداية عدوان الاحتلال “الإسرائيلي” إلى 101 بغزة.
أكبر عدد من الصحفيين
ويعدّ هذا العدد من الضحايا الصحفيين غير مسبوق في تاريخ الصراعات والحروب، حتى تلك التي صُنّفت على أنها حروب ضد الإنسانية، حيث فاق عدد الصحفيين الذين سقطوا في غزة في غضون شهرَين فقط، إجمالي الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وعددهم لم يتجاوز 69 صحفيًّا، رغم أنها أودت بحياة عشرات الملايين، كذلك حرب فيتنام (1955-1975) التي استمرت قرابة عقدَين كاملَين، وسقط فيها 63 صحفيًّا فقط، الأمر ذاته مع الحرب الكورية (1950-1953) التي راح ضحيتها 17 صحفيًّا على مدار 3 سنوات من القتال، بحسب مؤسسة منتدى الحرية المعنية بالدفاع عن حرية الصحافة ومقرها واشنطن، حتى الحرب الروسية الأوكرانية التي تقترب من عامها الثاني لم يتجاوز عدد الصحفيين الذين قُتلوا خلالها 17 صحفيًّا.
عوائل الصحفيين…عرضة للاستهداف
من لم يُردع بالموت بالرصاص فليُردع بالقهر والحزن على أهله وأبنائه.. تلك كانت الاستراتيجية الصهيونية في التعامل مع الإعلاميين والصحفيين، حيث استهداف أسرهم وقصف منازلهم وإيقاعهم بين شهيد ومصاب ومفقود، وهو ما عبّر عنه مدير مكتب “الجزيرة” في غزة، وائل الدحدوح، حين استهدف الاحتلال منزل أسرته في مخيم النصيرات وسط القطاع في 25 أكتوبر/ 2023م، حينها تلقى الدحدوح على الهواء مباشرة نبأ استشهاد زوجته وأبنائه وعدد من أفراد أسرته، وقتها قال عبارته الشهيرة: “بينتقموا منا في الولاد”، وهي العبارة التي لاقت انتشارًا هائلًا في الداخل الفلسطيني وخارجه، لما تحتوي عليه من معانٍ ودلالات قاسية ومؤلمة، الأمر تكرر مع صحفيين آخرين، منهم مراسل “تلفزيون فلسطين” محمد أبو حطب، الذي استشهد و11 من أفراد أسرته إثر قصف منزلهم الذي يقيمون فيه، كذلك الصحفي في وكالة “وفا” محمد أبو حصيرة، الذي سقط و40 من أفراد عائلته في قصف لمنزله، ولعلّ أحدث تلك الجرائم وليس آخرها استشهاد 22 فردًا من عائلة الصحفي الفلسطيني مراسل قناة “الجزيرة” مؤمن الشرافي، من بينهم والده ووالدته، في قصف إسرائيلي على منزل العائلة بعد ساعات قليلة من نزوحهم إليه أملًا في أن يكون آمنًا، ولم يتوقف الاستهداف على الصحفيين وعوائلهم فقط، بل طال المؤسسات الإعلامية العاملة في القطاع، حيث استهدف جيش الاحتلال أكثر من 50 مقرًّا إعلاميًّا أجنبيًّا ومحليًّا داخل قطاع غزة، منها مقار “وكالة الأنباء الفرنسية” وقناة “الجزيرة” وقناة “الشرق” و”المجموعة الإعلامية الفلسطينية”، فضلًا عن تعطيل الإذاعات الـ 24 في قطاع غزة وتوقف عن البث بسبب نفاد مصادر الطاقة، ووصل التنكيل والانتهاك حد تحذير الكيان المحتل للوكالات الأجنبية العالمية بالاستهداف، وأن جيشه لا يضمن سلامة موظفيها أثناء عملية القصف، وهو ما علقت عليه وكالة “رويترز” بقولها إن هذا التحذير “يهدد قدرة موظفيها على إيصال الأخبار حول الصراع دون خوف من الإصابة أو القتل”.
اعتقال وتعذيب
ومن فلت منهم من القصف، فكان الاعتقال والتنكيل مصيره، وهو ما تم مع عدد من الصحفيين منهم أمير أبو عرام، ومحمد أحمد عبيد، ومصعب إبراهيم سعيد، وسمية جوابرة التي أُلقي القبض عليها رغم أنها حامل في شهرها السابع، حيث يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم قرابة 44 صحفيًّا فلسطينيًّا، من بينهم 29 صحفيًّا تم اعتقالهم بعد 7 أكتوبر2023م، وفق البيانات الرسمية الصادرة عن نقابة الصحفيين الفلسطينيين.. فأي دور نضالي يقدّمه صحفيو غزة؟ وأي ثبات وصمود لهم في مواجهة الموت الذي يطوقهم أينما ذهبوا؟، هذا وقد أكد مركز «حماية الصحفيين» أن أكثر الصحفيين موقوفون إداريا، مشيرا إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أطلقت سراح 14 صحفيا وصحفية، وبقي رهن الاعتقال 44 حتى لحظة كتابة البيان الذي اطلعت عليه «رؤيا»، وتابع بيان «حماية الصحفيين» أن كل الصحفيين المعتقلين موقوفون إداريا دون توجيه اتهامات لهم، مؤكدا ان ذلك يعد ضمن التجاوزات على المعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وطالب «حماية الصحفيين» سلطات الاحتلال بالإفراج الفوري عن كل الصحفيين والصحفيات، مُنبها إلى أن تسليط الضوء على القتلى بين الصحفيين يجب أن لا ينسي الجهات الحقوقية قضية الصحفيين المعتقلين، ودعا «حماية الصحفيين» المؤسسات الأممية، والدولية إلى تكثيف جهودها، والضغط على سلطات الاحتلال لإطلاق سراح الصحفيين والصحفيات، وضمان سلامتهم.
إخفاء الجرائم
لم يكن استهداف الصحفيين عملية عشوائية غير مقصودة كما يروج الخطاب الإسرائيلي، إذ كان الهدف معلنًا، منهجية واضحة في الاستهداف لإسكات الأصوات وفرض حالة من التعتيم على الجرائم والانتهاكات المرتكبة، وهو ما أكّد عليه محرر الشؤون الفلسطينية في “القناة 13” الإسرائيلية تسفي يحزقيلي، تعليقًا على استهداف عائلة مراسل “الجزيرة” وائل الدحدوح، حين قال إن عائلة المراسل كانت هدفًا لقصف جيش الاحتلال، مؤكدًا أن قوات الجيش تعرف ما تضربه بالضبط، وعلى المسرح الغزّي تحولت الصحافة إلى جريمة تستوجب العقاب والاستهداف من قبل الاحتلال، الذي يحاول قدر الإمكان التغطية على جرائمه المروعة بحقّ الفلسطينيين، ومن ثم بات العمل في مهنة الصحافة داخل القطاع مغامرة ربما تكلف صاحبها حياته وحياة أسرته، مراسل “تلفزيون فلسطين” تعليقًا على استهداف زميله محمد أبو حطب واستشهاده مع 11 فردًا من أسرته، قال على الهواء مباشرة: “إننا هنا ضحايا شهداء مع فرق التوقيت فقط، نمضي واحد تلو الآخر ولا أحد ينظر إلينا ولا إلى الجريمة التي نعيشها في غزة”، وأضاف وهو يخلع الدرع والخوذة اللتين تحملان كلمة “صحافة” ويلقي بهما على الأرض، إن “هذه الدروع والقبعات التي نرتديها هي شعارات لا تحمينا على الإطلاق، نفقد الأرواح بلا أي ثمن”، الشعور ذاته عبّرت عنه الصحفية بلستيا العقاد، حين نشرت صورة لها على إنستغرام لدرعها وخوذتها، قائلة: “اعتدت دائمًا ارتداء درع وخوذة الصحافة، لكن مؤخرًا توقفت عن ارتدائهما، لا أشعر بالأمان في غزة، خاصة وأنا أرتدي درع وخوذة الصحافة، أتمنى أن ينتهي الكابوس قريبًا وألا نفقد المزيد من الصحفيين”، أما الصحفي محمد المدهون، فأشار في حديثه لـ”نون بوست” أنه ينتظر الشهادة كل دقيقة، وأنه منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تنقّل إلى أكثر من 10 مناطق داخل القطاع هربًا من الاستهداف الممنهج للصحفيين، لافتًا أن الموت أقرب إليه من أنفاسه التي لم تهدأ طيلة الـ 50 يومًا الماضية.
سقوط الرواية الإسرائيلية
وأمام تلك الجرائم المروعة بحقّ الصحفيين، حاول الاحتلال قلب الطاولة من خلال بعض الأكاذيب والمزاعم التي لم تستمر طويلًا، فسرعان ما سقطت أمام الحجج والبراهين التي كشفت زيفها، ومن أبرز تلك الأكاذيب ما نشرته منظمة Honest Reporting (منظمة تدّعي مراقبة الانحياز ضد “إسرائيل” في وسائل الإعلام) في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث نشرت تحقيقًا اتهمت فيه المصورين الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة بامتلاك معلومات مسبقة عن عملية “طوفان الأقصى”، متسائلة: “ماذا كانوا يفعلون هناك في وقت مبكر جدًّا في صباح يوم السبت؟”، متهمة إياهم بالتنسيق مع حماس في تلك العملية، ولاقى هذا التقرير انتشارًا كبيرًا لدى الأوساط الإسرائيلية، لدرجة أن الخارجية الإسرائيلية نشرته على صفحتها على منصة إكس، فيما انبرى قادة الاحتلال لتوجيه الاتهام والانتقادات للصحفيين، وساووا بينهم وبين مقاتلي القسام، وفي منشور للمكتب التابع لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، قال: “كان هؤلاء الصحفيون شركاء في جرائم ضد الإنسانية؛ أفعالهم تتعارض مع أخلاقيات المهنة”، وبعد الفحص السريع لتلك الادّعاءات تبيّن كذبها كالعادة، حيث كشف توثيق ظهور المصورين بالقرب من سياج غزة بأنه كان بعد العملية بأكثر من ساعتَين وليس وقت حدوثها، وذلك بعدما فعل سكان القطاع ما فعلوا واخترقوا سياج غزة، لتصل الأخبار إلى الجميع ومنهم الصحفيين الذي وصلوا إلى هناك لاحقًا، كما أن عدم وصول صحفيين أجانب ودوليين إلى السياج والاقتصار على الصحفيين الفلسطينيين، فمرجعه إلى عدم منح الاحتلال تصاريح دخول للصحفيين إلى القطاع، وعليه وبشكل منطقي لم يصل إلى منطقة العمليات سوى الصحفيين الفلسطينيين فقط، وهو ما يفنّد الادعاءات الإسرائيلية بشكل كبير، الأمر الذي دفع الكثير من الجنرالات والنخبة للتراجع عن تلك الرواية بعدما كُشف زيفها، ليواصل الاحتلال نزيف السقوط الإعلامي وخسارة كافة معارك الحقيقة والصورة والقلم والكلمة.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الصحفیین الفلسطینیین الاحتلال الإسرائیلی حمایة الصحفیین الصحفیین الذی عدد الصحفیین قطاع غزة عدد من وهو ما فی غزة
إقرأ أيضاً:
عائلة غريب .. 45 عامًا من الصمود الفلسطيني في وجه الإستيطان
غزة- مراسل «عُمان» - بهاء طباسي:
تعيش عائلة سعدات غريب، من قرية بيت إجزا شمال غرب مدينة القدس المحتلة، محاصرة في منزلها الذي يتوسط مستوطنة «جفعون حداشا»، بعد انتزاع أجزاء من أراضيهم، وسط مضايقات من الاحتلال، الذي يتحكم في بوابة منزلهم عن بعد، ويراقبهم باستخدام الكاميرات المنتشرة بكثرة في محيط المنزل.
يقع البيت الموروث عن المواطن الفلسطيني صبري غريب على مساحة 100 دونم قرب جدار الفصل العنصري الذي يفصل مدينة القدس عن الضفة الغربية، وهو ما يعزل أفراد العائلة عن محيطهم الطبيعي، بما في ذلك أماكن العمل، المدارس، والمرافق الصحية.
البيت، الذي يعيش فيه سعدات وزوجته ووالدته وأولاده الأربعة، محاصر تمامًا بجدار الفصل العنصري، أسلاك شائكة، كاميرات مراقبة تعمل على مدار الساعة، وبوابات إلكترونية تخضع لسيطرة الشرطة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من المستوطنات، تعلو تلة جبلية، وتكشف ستر المنزل، وفقًا لما رصدته جريدة «عُمان».
من الناحية الاقتصادية يعاني أفراد عائلة سعدات غريب من نقص فرص العمل، بسبب القيود المفروضة على الحركة. كما أن الزراعة، التي تُعتبر مصدر رزق رئيسي للعائلة، تأثرت بشكل كبير نتيجة لمصادرة الأراضي وإعاقة الوصول إلى الحقول الزراعية.
ومنذ أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن تقاوم عائلة غريب مساعي المستوطنين وسلطات الاحتلال الرامية لتهجيرهم من بيتهم وأرضهم، حيث باتوا رمزًا للصمود الفلسطيني في وجه الاحتلال. وسط هذه الظروف القاسية، يحكي سعدات معاناة طويلة بدأت منذ عقود مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى بلا هوادة إلى السيطرة على الأرض ومحو معالم وجود عائلته.
عرض مغرٍ ورفض حازم
يعود سعدات بذاكرته إلى عام 1979، عندما حاول المستوطنون شراء المنزل والأراضي المحيطة به، وقوبلوا برفض والده (صبري غريب): «قدموا لنا عروضًا مالية خيالية، وكانوا مستعدين لدفع أي مبلغ نطلبه مقابل الحصول على قطعة صغيرة من الأرض. لكن والدي رفض بشكل قاطع».
يقول غريب خلال حديثه لـ«عُمان»: «هذا القرار الحاسم من الوالد مثّل بداية سلسلة طويلة من المضايقات».
منذ ذلك الحين، بدأ المستوطنون، بدعم من الجيش الإسرائيلي، بمحاولات مستمرة للاستيلاء على الأرض.
يوضح غريب: «في البداية، حاولوا السيطرة على 25 دونمًا، ثم توسعت مطالبهم لتشمل 40 دونمًا، خاصة وأن الأرض تقع في منطقة مرتفعة تشرف على المناطق المحيطة، مما يجعلها ذات أهمية استراتيجية».
اعتداءات متواصلة وعقود من المضايقات
لم يتوقف الاحتلال والمستوطنون عن محاولاتهم لانتزاع الأرض طوال الفترة الممتدة من 1979 وحتى 1993، لكنهم لم ينجحوا في ذلك.
يؤكد غريب: «رغم الضغوط الهائلة، لم يتمكنوا من مصادرة أي سنتيمتر من الأرض خلال تلك الفترة، وظلت القضية التي ينظرها القضاء الإسرائيلي حبيسة الأدراج».
لكن عام 1993 كان نقطة تحول، فبعد توقيع اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفي العام 1995 قررت المحكمة الإسرائيلية تعليق النظر في القضية لحين تسوية ملف الأراضي في المناطق المصنفة «أ» و«ب» و«ج» بالضفة الغربية.
كان من المفترض أن يكون هذا التقسيم مؤقتًا، ويستمر لمدة 5 سنوات فقط حتى عام 1999، على أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن القضايا العالقة (الحدود، القدس، اللاجئين).
لكن من الناحية الفعلية، استمر الاحتلال في توغلاته الاستيطانية بالأراضي الفلسطينية، بل زاد من سيطرتها على المنطقة (ج) من خلال بناء المستوطنات، هدم المنازل الفلسطينية، وفرض قيود مشددة على حركة الفلسطينيين واستخدام أراضيهم.
وبالنسبة لعائلة غريب، استغلت سلطات الاحتلال القرار، وبدأت في بناء مستوطنات على مساحة 40 دونمًا من أرض العائلة.
يقول غريب: «لم يكتفوا بذلك، بل جلبوا مستوطنين متطرفين ليسببوا لنا مشاكل يومية».
ويصيف: «لا يترددون في التعدي علينا لفظيًا وجسديًا. يسبون الدين، ويتعرون أمام النساء والأطفال، ويطلقون النيران على سيارتنا دون أي رادع».
تحول المعاناة إلى حصار كامل
في عام 2002، بدأت إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري، الذي أحاط منزل العائلة بالكامل. «كانوا يخططون لبناء الجدار بحرية، لذلك اعتقلوني أنا ووالدي وأخي، بينما تمكنت أمي من الهرب بصعوبة. احتجزونا حتى انتهوا من بناء الجدار»، يروي غريب.
وفي العام 2007، بعد الانتهاء من بناء الجدار العازل، نصب الاحتلال بوابة إلكترونية يتحكم في فتحها وإغلاقها مركز شرطة مستوطنة «جفعون حداشا».
يبين غريب: «لم يُسمح لأحد بالدخول سوى أبناء العائلة، الذين تظلُّ البوابة مغلقةً في وجوههم لثلاث أو أربع ساعات يوميًّا، بينما يُمنع أي أحد من زيارتهم إلا بتصريح مسبق».
«لمدة ثلاثة أشهر كاملة، استمرت سلطات الاحتلال في التحكم بالبوابة، التي لم تُفتح إلا بعد صدور قرار من محكمة إسرائيلية يؤكد أنها تخص عائلتنا ويجب أن تبقى مفتوحة على مدار الساعة»، يكمل غريب شهادته: «تلقيت عروضًا من سلطات الاحتلال بالهجرة إلى أي دولة أختارها، لكنني رفضت بكل تأكيد».
حرمان من الأرض والحرث
إلى جانب الحصار المفروض على البيت، مُنع سعدات من الوصول إلى 60 دونمًا من أرضه الواقعة خلف الجدار العنصري لمدة عامين كاملين. لكنه عندما تمكن أخيرًا من دخول الأرض في أكتوبر الماضي، فوجئ بأن الاحتلال قد أقام سياجًا على 20 دونمًا منها، لمنعه من استخدامها.
وبذلك تمكنت سلطات الاحتلال من منع عائلة غريب من ممارسة نشاط الزراعة، الذي يمثل دخلًا أساسيًا لهم.
يوضح سعدات أن «أرضه خلف جدار الفصل العنصري بحاجة للحراثة، وإذا لم يتمكن من زراعتها، ستعتبرها إسرائيل أرضًا مهجورة وتصادرها باعتبارها أملاك تخص الداخل الفلسطيني المحتل».
إحباط من السلطة الفلسطينية
المعاناة لم تكن محصورة في الاحتلال والمستوطنين، بل امتدت إلى المؤسسات الفلسطينية الرسمية.
يوضح أن لديه طلبين أساسيين؛ الأول هو «تخصيص محامٍ حكومي متخصص للدفاع عن قضية الأرض»، والثاني «هو تسهيل حراثة الأرض لمنع مصادرتها».
لكن بدلًا من الاستجابة، تعرض غريب لضغوط نفسية كبيرة، حتى اضطر إلى دخول المستشفى.
«لن نتنازل عن أرضنا»
رغم العقبات المستمرة، يصر سعدات غريب على مواصلة الدفاع عن أرضه: «هذه الأرض إرث والدي وأجدادي، ولن أسمح للاحتلال أو لأي جهة أخرى بالاستيلاء عليها. نحن هنا صامدون رغم كل شيء».
ويختتم شهادته قائلاً: «رسالتي إلى العالم وإلى كل مسؤول فلسطيني هي أن يقفوا معنا، لأن هذه القضية ليست قضية عائلة واحدة، بل قضية وطن بأكمله».