أوليفييه دوزون يكتب:«COP28» والقارة السمراء..مساهمات الدول المتقدمة لا تكفى لمواجهة أزمة المناخ وتزيد إحباط القارة الأفريقية..سلطان الجابر: ليس من العدل تحمل البلدان النامية عبء التحول للوقود الأحفوري
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
إذا كان النص النهائي، الذي تم اعتماده خلال الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في دبي، يذكر لأول مرة الانتقال "بعيدًا عن الوقود الأحفوري"، فإن مسألة مشاركة البلدان المتقدمة لمساعدة البلدان الأكثر ضعفًا زادت من الإحباط الذي تعاني منه القارة الأفريقية. وفي الواقع، فإن التكيف مع تغير المناخ - الذي تستمر تكلفته في الارتفاع مع تضاعف الأحداث المتطرفة، مثل الفيضانات التي تجتاح منطقة القرن الأفريقي حاليًا (بعد أن عانت من الجفاف الأشد خلال أربعين عامًا)- لم يتم التطرق لكل تفاصيله في مؤتمر دبي وللعلم، فإن مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، الذي اجتمع في مصر، بمشاركة جميع دول الاتحاد الأفريقي، البالغ عددها ٥٤ دولة عضوا، اعتمد "إعلان نيروبي"، الذي يهدف إلى تعزيز النمو الأخضر في القارة السوداء.
ودعت قمة نيروبي إلى استثمار ٦٠٠ مليار دولار لزيادة قدرة إنتاج الطاقة المتجددة في أفريقيا من ٥٦ جيجاوات في عام ٢٠٢٢ إلى ٣٠٠ جيجاوات على الأقل بحلول عام ٢٠٣٠ وسيكون من الواضح أن هذا يشكل ضرورة حتمية لبقاء قارة يبلغ عدد سكانها ١.٤ مليار نسمة، و٦٠٠ مليون منهم لا يحصلون على الكهرباء ومن هذا المنظور، تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الاستثمار في الطاقة لابد أن "يتضاعف" بحلول عام ٢٠٣٠.
وفي هذا السياق، أصرت القارة على أن "أفريقيا لديها الإمكانية والطموح لتكون عنصرا أساسيا في الحل العالمي لتغير المناخ"، حتى لو كان ذلك في نهاية المطاف شعارا أبعد ما يكون عن التوافق.
وفي الواقع، سواء فيما يتعلق بتمويل الطاقات المتجددة والالتزامات التي تعهدت بها البلدان الملوثة، وكذلك إصلاحات النظام المالي الدولي أو مسألة ضرائب الكربون، فإن قائمة المطالب لم تغلق أبدًا بل تستمر التوترات بين الدول.. وعلى طول الطريق، سنلاحظ بسهولة أن المبالغ المخصصة لا ترقى إلى مستوى التوقعات.
وبالتفكير في الأمر، فإن أفريقيا، التي تساهم بنسبة ٢٪ إلى ٣٪ فقط من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، صرخت في الوقت نفسه من أجل حاجتها الملحة إلى رؤية نجاح الإصلاحات وعلى المستوى الدولي كما أعلنت أيضا عن رغبتها في إنهاء العبء المالي وتقليص التحدي الهائل الذي تمثله مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري.. وهنا نفترض أن الاتفاق النهائي لمؤتمر Cop٢٨ في دبي والذي تم التوصل إليه في ١٣ ديسمبر ٢٠٢٣ لا يزال بعيدًا عن الإجماع في أفريقيا.. والدليل على ذلك ما ذكرته صحيفة لوبيي: "تنتهي هذه القمم المتعلقة بالمناخ دائمًا، مثل الجبال، بولادة فئران صغيرة.. وتحدث النص النهائي عن كيفية الخروج من النفط، الغاز والفحم، وهو الموضوع الذي ظل لعدة أشهر هو الفكرة المهيمنة في أكثر من مائة دولة".
وقالت صحيفة "توداي إن فاسو" التي تصدر في بوركينا فاسو "إن انبعاثات الغازات الدفيئة التراكمية تاريخيًا في القارة لا تمثل سوى ٣٪" من الإجمالي العالمي كما أن أفريقيا تمتلك أقل استهلاك للطاقة الأولية للفرد في العالم" بأرقام أقل بحوالي ٢٠ مرة من تلك الموجودة في الولايات المتحدة".
فيما قالت مجلة جون أفريك في تناولها لبنود الوثيقة التي أرسلتها المجموعة الأفريقية إلى رئيس مؤتمر الأطراف، سلطان الجابر: "ليس من غير الواقعي فحسب، بل ومن غير العادل أيضًا، أن نتوقع من البلدان النامية أن "تفعل" وتتحمل عبء التحول" بعيدا عن الوقود الأحفوري، في حين أن العديد من البلدان الأفريقية تتحمل أيضا ديونا مرتفعة للغاية".
بالنسبة لصحيفة "توداي إن فاسو" البوركينانية، فإن مؤتمر الأطراف هذا في دبي هو "فقط مجرد مؤتمر آخر" ويتجلى ذلك، في تكاليف كمية الطاقة التي أنفقت خلال هذه القمة، "من خلال مجموعة الطائرات التي عبرت الكوكب ومكيفات الهواء ومطابخ الفنادق وأماكن الاجتماعات التي عملت بأعلى طاقة وأقصى سرعة".. وتنهي الصحيفة تقريرها: "يبدو تقريبًا أن كل شيء يتم القيام به حتى لا تتمكن كلمات مؤتمر الأطراف من التغلب أبدًا على شرور الأرض".
أوليفييه دوزون: مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يتناول فى مقاله، قرارات مؤتمر المناخ الأخير وتأثر أفريقيا بهذه القرارات.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مؤتمر الأطراف
إقرأ أيضاً:
المستشار وليد رضوان يكتب: أزمة القوانين الاستثنائية فى العلاقة بين المالك والمستأجر
تعاني مصر - منذ عقود - من مشكلة مزمنة استعصت على الحل البرلماني ، تخلص تلك المشكلة فى ثبات بعض القوانين القديمة التى اصبحت غير صالحة.
ومن القوانين التى فقدت صلاحيتها منذ زمان غير قريب ،تلك القوانين الاستثنائية التى تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر والتى صدرت فى سبعينيات واوائل الثمانين من القرن الماضي، ونقصد هنا قانونين بالذات هما القانون رقم 136 لسنة 1981 والقانون رقم 47 لسنة 1977 .
بداية ننوه الى ان القانون المدني الذى صدر عام 1948 ، قد نظم العلاقة بين المالك والمستأجر ، بصورة عادلة تماماً ، وكان مبدأ (( العقد شريعة المتعاقدين)) هو الاساس الذي يحكم العلاقة بين طرفي اي عقد بما في ذلك عقد الايجار ، وترك القانون المدنى للمالك والمستأجر حرية تقدير القيمة الايجارية، وترك لهما حرية تحديد مدة الايجار ، بل ان القانون المدني قد اعتبر مدة العقد ركنا من اركان عقود الايجارات ، فلا يسقيم العقد المؤبد ويعتبر باطلا .
غير انه فى حقبة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، صدرت تشريعات استثنائية عطلت احكام القانون المدني، وعطلت مبدأ سلطان الارادة ، حيث تدخل المشرع بوضع قيود على المالك للسيطرة على مشكلات اجتماعية واقتصادية كانت قائمة فى تلك الحقبة التى عانت منها البلاد من الحروب المتوالية التى خاضتها مصر، وما نجم عن تلك الحروب من تهجير ونزوح لسكان ثلاثة محافظات كاملة ( السويس ، الاسماعيلي، وبور سعيد ) لباقي محافظات الجمهورية ، وخاصة القاهرة الكبرى والاسكندرية.
فضلا عما تقدم، شهدت مصر - خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي - تغيرات اقتصادية وسياسية واشعة ، كان من شأنها التأثير في وضع الإسكان في مصر وأسعار الإيجارات؛ حيث شهدت فترة الستينيات حركة تأميم واسعة ونقل ملكية العديد من العقارات إلى الدولة، وإعادة توجيه الموارد نحو الإسكان الشعبي والخدمات الاجتماعية. غير ان تلك الفترة شهدت- ايضا - زيادة سكانية رهيبة ؛ الأمر الذي ادى الى تعاظم الطلب على الوحدات السكنية وضعف المعروض من الوحدات السكنية.
تلك الظروف الاستثنائية دعت المشرع الى التدخل باصدار قوانين استثنائية لتغليب مصلحة المستأجر على مصلحة المالك، ومنع الملك من استغلال ازمة الاسكان، من خلال وضع اسباب محددة لاخلاء المستأجر ( ليس من بينهاء انتهاء مدة الايجار ) ، وامتداد العقد لكل من له صلة بالمستأجر بصورة غريبة ، كالمساكنة والاقارب وشريك المستأجر وغيرهم من الفئات، وتحديد القيمة الايجارية وربطها بنسبة محددة من ثمن الارض ، وتجريم تقاضي خلو الرجل ، وغيرها من القواعد الاستثنائية .
بمرور الزمن اصبحت تلك القوانين – الاستثنائية – غير عادلة ، حيث سببت تلك القوانين مشكلتين فى غاية الخطورة ، وهما مشكلة توريث عقد الايجار دون حد زمني محدد، ومشكلة ثبات القيمة الايجارية.
ورغم ان تغيير القوانين البالية وتعديلها اختصاص أصيل للمجلس النيابية المنتخبة ، الا ان الواقع العملي اثبت ان هذا الدور لا يفعل الا اذا كان هناك محفز خارجي يدفع المجالس النيابية الى الاضطلاع بدورها فى شأن مراقبة مدى صلاحية القوانين القديمة.
المراقب لتطور هذا الملف يمكنه ان يلاحظ ان المحكمة الدستوررية العليا " كانت هى الفاعل الاساسي فى تحريك هذا الملف نحو تحقيق العدالة، حيث اصدرت المحكمة الدستورية العديد من الاحكام التى قضت فيها بعدم دستورية فقرة تلو الاخرى فى مواد القانون 136 لسنة 1981 والقانون رقم 47 لسنة 1977 ، وذلك لخلق نوع من التوازن فى العلاقة بين المالك والمستأجر، ومن ابرز تلك الاحكام الدستورية فى هذا الشأن الاحكام التى حددت فئة من الورثة دون غيرهم ليحق لهم الامتداد ولمرة واحدة ، والحكم الذى انهى الامتداد للشخص المعنوى ، وغيرها من الاحكام.
أخيرا : أصدرت المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر 2024 حكمًا تاريخيًا ، كان بمثابة الزلزال الذى هز سلطان قوانين الايجارات الاستثنائية البالية، حيث قضت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية في القانون رقم 36 لسنة 1981 المعروف بقانون الإيجار القديم ، فيما تضمنته المادتين من ثبات القيم الإيجارية السنوية للأماكن المرخص إقامتها لأغراض سكنية، ودعت المحكمة الدستورية – فى حكمها - مجلس النواب إلى اصدار التشريعات اللازمة لتعديل هاتين المادتين قبل انتهاء الفصل التشريعي الحالي.
وقد استندت المحكمة الدستورية – فى حيثياتها - الى أن ثبات القيم الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتًا لا يزايله مضي عقود على التاريخ الذي تحددت فيه، ولا تؤثر فيه زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية – يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية حيث حدد القانون سقفًا لزيادة الإيجار السنوي عند 7% من قيمة الأرض عند الترخيص، والمباني طبقًا للتكلفة الفعلية وقت البناء.
ومن استقراء حيثيات الحكم ، أكدت المحكمة أن النصين المطعون عليهما قد حظرا زيادة الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7٪ من قيمة الأرض عند الترخيص، والمباني طبقًا للتكلفة الفعلية وقت البناء، وهو ما مؤداه ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتًا لا يزايله مضى عقود على التاريخ الذي تحددت فيه، ولا تؤثر فيه زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، واضمحلال عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم، وهو ما يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية.
ومن ثم قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية هذين النصين ، غير انها أعملت الرخصة المخولة لها بمقتضى المادة (49) من قانونها وحددت اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخًا لإعمال أثر حكمها؛ وذلك لحاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن الخاضعة للقانون رقم 136 لسنة 1981.
دور البرلمان :
يترقب الملاك والمستأجرين – عن كثب – التشريع المزمع صدوره من مجلس النواب بشأن البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن الخاضعة للقانون رقم 136 لسنة 1981.
حيث يأمل الملاك فى ان يتضمن التشريع قواعد من شأنها تحقيق العدالة الاقتصادية ، بأن تزيد القيمة الايجارية لتصبح معادلة تماما لاجرة المثل فى الوقت الحالى ، وازالة ونسف الفجوة بين قيمة ايجار الوحدة الخاضعة للقوانين القديمة ، وبين نظائرها فى ظل القانون المدني الحالى، ويتمنى ان يتم تحديد القيمة الإيجارية بناءً على القيمة السوقية للوحدة،على سبيل المثال، إذا كانت قيمة الشقة مليون جنيه، قد يُحدد الإيجار بنسبة معينة من هذه القيم، غير ان هذه الطريقة تصادفها عقبة عملية غير هينة ، وهي كيفية تقييم قيمة الوحدة ؟ ومن الذى سيقوم بهذا التقييم ، وهل تملك الدولة الادوات والوسائل للقيام بهذا الدور؟
إن الامل يحدو بفئة كبيرة منهم أن يتناول التشريع المنتظر تحديد مدة محددة انتقالية تنتهي بعدها كافة العقود المحررة فى ظل القوانين الاستثنائية ويطرد المستأجر، وهو ما نرى انه امل صعب المنال. حيث اننا نعتقد بان المشرع لن يصدر الا تعديلا طفيفا على القانون 136 لسنة 1981 يتضمن زيادة القيمة الايجارية الحالية بنسبة محددة من القيمة الايجارية الحالية ، وزيادة دورية بنسبة محددة .
فى الوقت نفسه يأمل المستأجرين ان يكون التشريع متوازنا ، وان تكون الزيادة المقررة طفيفة لا تمسهم بسوء.
خاتمة القول: نتمنى ان تكون هناك الية تشريعية لمراجعة كافة القوانين الاستثنائية، بل كافة التشريعات القديمة ، والغاء او حتى تعديل ما يكون غير مناسب للعصر الحالي، ونتمنى ان يتدخل المشرع لانهاء القوانين الاستثنائية التى تنظم علاقة المالك بالمستأجر بشكل جزرى، بشكل يضمن للمالك حرية التصرف فى ثروته العقارية ، ويحفظ للمستأجر كرامته وتيسير سبل حصوله على مسكن بديل مدعوم من الدولة، على غرار ما تقوم به الدولة فى شأن مستأجري العقارات منزوعة الملكية.