أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في العشرين من الشهر الحالي أن جهودا بذلتها واشنطن ساعدت في التوصل إلى اتفاق لعقد لقاء مباشر يجمع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي من أجل التوصل لوقف إطلاق النار.

وجاء تصريح بلينكن في مؤتمر صحفي بعيد سيطرة الدعم السريع على مدينة ود مدني الإستراتيجية في ولاية الجزيرة (وسط السودان)، التي تزامنت مع مطالبة مشرعين أميركيين البيت الأبيض بانتهاج سياسات أكثر حزما لوقف نزيف الدماء في السودان.

وقد تصاعدت الانتقادات لأداء إدارة الرئيس جو بايدن في الملف السوداني، ويجسد ذلك تقرير لمجلة فورين بوليسي يشير إلى "جهود أميركية فاشلة للوساطة لوقف النزاع"، ويطالب بمقاربات جديدة لإحداث اختراقات في الأزمة المستمرة منذ 8 أشهر.

ومثّل التزام الحياد أحد أبرز ملامح المقاربة الأميركية تجاه الحرب الدائرة في السودان.

كما نشطت دبلوماسية واشنطن في دعم المبادرات الثنائية والمتعددة الأطراف، كما هو الحال مع الجهود التي يبذلها كل من الاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية لشرق أفريقيا (إيغاد)، التي أثمرت إعلان الأخيرة في قمتها المنعقدة بجيبوتي موافقة البرهان (وهو أيضا قائد الجيش السوداني) وحميدتي على عقد لقاء مباشر بينهما، وهو ما رفضته الخارجية السودانية لاحقا.

وفي هذا السياق يبرز منبر جدة الذي ترعاه كل من واشنطن والسعودية، حيث نجح طوال شهور في التوصل إلى هدن تكتيكية، لكنه أخفق في دفع الطرفين إلى الالتزام بوقف دائم لإطلاق النار.

بلينكن تحدث قبل أيام عن نجاح جهود واشنطن لعقد لقاء بين البرهان وحميدتي (الفرنسية) رؤية غير واضحة

هذه المحصلة المتواضعة يعزوها المحلل السياسي السوداني محمد تورشين إلى أن "المقاربة الأميركية لم تكن منذ اندلاع الحرب في السودان واضحة المعالم"، ويرى أنها كانت تتبلور في كل مرحلة بشكل مختلف.

ويقول تورشين للجزيرة نت إنه منذ الوهلة الأولى كانت واشنطن تتحدث عن ضرورة انخراط الأطراف في مفاوضات، وعملت جاهدة مع الرياض ليكون منبر جدة مساحة للمحادثات والتفاوض.

لكن رغم ذلك، يقول تورشين، فإن غياب رؤية أميركية محددة ترك مساحة للمناورة لأطراف الصراع، "فعلى سبيل المثال تتحدث واشنطن دائما عن ضرورة وجود فترة انتقالية بقيادة مدنية، لكنها لا تتطرق إلى كيفية دمج الدعم السريع في الجيش السوداني الذي كان صاعق تفجير الحرب في أبريل/نيسان الماضي".

دخول الدعم السريع مدينة ود مدني من شأنه أن يزيد المساعي السياسية لحل الأزمة تعقيدا (الفرنسية) بين العجز وعدم التدخل

من جانبه، يرى الباحث السياسي عباس محمد صالح أن مقاربة واشنطن تجاه السودان تعاني من ضعف وعجز بنيوي.

ويستطرد صالح المتخصص في الشؤون الأفريقية في حديث للجزيرة نت أن واشنطن لم تدرك "الديناميات الفعلية في المشهد السياسي بالبلاد، حيث وقعت في تنميط ضار: عسكر ضد مدنيين، ومدنيين ضد إسلاميين، وصراع الجنرالين".

وخلال السنوات الماضية أكدت الولايات المتحدة أن قضية التحول الديمقراطي تحتل رأس أجندتها في السودان، وهو ما يعتقد محمد صالح أن الإدارة الأميركية انطلقت في معالجتها له "من تصور قاصر اختزل هذا الانتقال في مجموعات سياسية صغيرة، معتبرة أنها الممثل الوحيد للديمقراطية والمدنية، وهو ما يجافي الواقع ويستبعد قوى أخرى أوسع تمثيلا في الشارع السوداني".

وشهد يوليو/تموز 2019 توقيع قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في السودان على اتفاق لتقاسم السلطة شكّل أحد أهم أعمدة الفترة الانتقالية، قبل أن يتفكك ائتلاف الحرية والتغيير إلى تكتلات متصارعة، في حين أطلق الجيش السوداني رصاصة الرحمة على هذا الاتفاق بانقلابه على رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وفي هذا الإطار، يعتقد المحلل السياسي السوداني عباس محمد صالح أن النهج الأميركي تمسك بأمور "مثالية" وأهمل التعاطي الدبلوماسي المبكر تجاه التهديدات الحقيقية لوحدة وسيادة السودان، المتمثلة في الازدواج العسكري الذي برز أواخر الفترة الانتقالية، والذي غدت معه القوى المدنية مجرد تابع لأحد الطرفين أو حليفا لمشروعه السياسي على قاعدة الجدل بشأن إصلاح القطاع الأمني.

ويرى صالح أن من الأسباب الجوهرية لإضعاف فاعلية الانخراط الأميركي في السودان "جنوح واشنطن إلى توكيل قوى أو منظمات إقليمية للتعاطي مع تطورات الصراع في السودان، في حين أن هذه القوى هي إما جزءا من الصراع كطرف خارجي أو "متكسبا" من تفاعلات هذا الصراع".

من جانبه، يذهب محمد خليفة الصدّيق أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم إلى أن العجز الأميركي "هو عجز مع سبق الإصرار".

ويؤكد خليفة أن واشنطن تمتلك الكثير من الأدوات والآليات للتدخل، سواء عبر الضغوط أو الوسطاء أو وكلائها الإقليميين أو المنظمات الدولية، "كما نرى في النهج الأميركي تجاه غزة".

ويضيف الصدّيق للجزيرة نت أن "الإدارة الأميركية غير راغبة في إنهاء الصراع وربما تريد أن تترك الأمر للفوضى الخلاقة حتى يتشكل السودان من جديد، وربما هي مع تقسيم السودان وظهور دويلات جديدة في المنطقة، وهو ما بدأ بجنوب السودان وما قد يمتد لدول أخرى كما هو معروف في خارطة برنارد لويس لتفكيك وحدة العالم العربي والإسلامي".

هل من تحوّل في الأفق؟

"دبلوماسية عقيمة واستجابة هزيلة"، هكذا وصفت ميشيل جافلين الباحثة في مركز العلاقات الخارجية الأميركية مقاربة واشنطن تجاه السودان، وهو تقييم ليس ببعيد عن تصورات أروقة صنع القرار في واشنطن.

حيث طالب مشرعون أميركيون إدارة الرئيس بايدن بتعيين مبعوث خاص للأزمة في السودان والضغط على القوى الخارجية التي تعمل على تأجيج الصراع، في دعوة إلى تفعيل الدور الأميركي في إنهاء الكارثة المتفاقمة هناك.

ويرى المحلل السياسي عباس محمد صالح تعليقا على تصريح وزير الخارجية الأميركي أن جهد واشنطن قائم على افتراض أن الحرب مجرد صراع بين "جنرالين" يمكن حله من خلال تنظيم لقاء مباشر بينهما.

ويعتبر أنها مقاربة خطرة لأنها تأمل في تسوية سياسية معطوبة ستعيد، إن تحققت، إنتاج صراعات متعددة وخطيرة حال عدم استصحاب الحقائق الجديدة في ضوء الانتهاكات الجسيمة التي أعقبت تفجر الصراع، وبالتالي إعادة الأوضاع إلى ما قبل اندلاع الحرب، "مما يعني انتظار كارثة كبرى ستأتي".

من جانبه يشكك محمد خليفة الصديق في أن يؤدي جلوس البرهان وحميدتي إلى طاولة الحوار إلى حل، معللا ذلك بأنه "ما لم يظهر هذا الأمر مباشرة على أرض الواقع، فلا نستطيع الحديث عن إمكانية تحققه".

أما محمد تورشين فيبدو متفائلا بانخراط أميركي أكثر فاعلية بعد استنزاف طرفي الصراع، بما يسهل إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية السودانية بمعايير تراعي المصالح الأميركية في المنطقة.

ويقول إن مساعي واشنطن الأخيرة مرتبطة بمبادرة منظمة إيغاد المدعومة من واشنطن، حيث يتوقع أن تمارس الأخيرة ضغطا كبيرا على طرفي الصراع للتوصل إلى تفاهمات، ربما من خلال إشراك عناصر من القوى السياسية، مستدركا أن "هذا سيكون من التحديات أمام فريق الوزير أنتوني بلينكن في ظل انقسام الحاضنة السياسية لقوى الحرية والتغيير".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان محمد صالح صالح أن وهو ما

إقرأ أيضاً:

القضاء الأميركي يعلن جوليان أسانج "رجلا حرا"

أعلنت قاضية أميركية، صباح اليوم الأربعاء، أنّ مؤسّس موقع ويكيليكس جوليان أسانج أصبح "رجلاً حرّاً" بعدما أبرم صفقة إقرار بالذنب أنهت مسلسلاً قضائياً وإعلامياً استمر سنوات طويلة.

وفي ختام جلسة استماع سريعة مثُل خلالها المواطن الأسترالي أمام المحكمة الفيدرالية في سايبان بجزر ماريان الشمالية حيث أقرّ بذنبه بتهمة "التآمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني ونشرها"، قالت القاضية رامونا في. مانغلونا "بهذا الإقرار، يبدو أنّك ستتمكن من الخروج من هذه القاعة رجلاً حرّاً".

وبموجب الاتّفاق الذي أبرمه مع القضاء الأميركي، أقرّ أسانج، عالم الكمبيوتر السابق والملاحق منذ نشر في 2010 مئات آلاف الوثائق الأميركية السرية، بحصوله على هذه المعلومات السرية ونشرها.

وقال أسانج خلال الجلسة "لقد شجّعت مصدري"، العسكرية الأميركية تشلسي مانينغ التي كانت وراء هذا التسريب الهائل، "على تزويدي بموادّ مصنّفة سرّية".

وقال للمحكمة "مع عملي صحفيا، شجعت مصدري ليقدم معلومات قيل إنها سرية من أجل النشر"، وفقا لرويترز.

وتابع مؤسس موقع ويكيليكس "اعتقدت أن التعديل الأول للدستور يحمي هذا الفعل ولكني أتقبل أنه كان.. انتهاكا لقانون التجسس".

وقبلت كبيرة قضاة المحكمة الإقليمية رامونا في. مانغلونا إقراره بالذنب وأطلقت سراحه بسبب الوقت الذي قضاه بالفعل في أحد السجون البريطانية.

 وبدا التعب واضحاً على أسانج، البالغ من العمر حالياً 52 عاماً، خلال إقراره بذنبه هذا، لكنّه كان في الوقت نفسه مرتاحاً.

وأفاد صحفي في وكالة فرانس برس أنّ أسانج، الذي ارتدى بدلة سوداء وربطة عنق صفراء سارع إلى احتضان محاميَّيه ووقّع كتاباً لأحد أنصاره.

وفي كانبيرا التي سيغادر إليها أسانج في الحال، أشاد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي بهذا "التطوّر المرحّب به"، وفقا لفرانس برس.

وقال ممثلو الادعاء إن الاختيار وقع على الجزيرة الأميركية الواقعة في غرب المحيط الهادئ لعقد جلسة المحاكمة بسبب معارضة أسانج للسفر إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة ولقربها من أستراليا، كما ذكرت رويترز.

وحضر الجلسة العشرات من ممثلي وسائل الإعلام من شتى أنحاء العالم، وتجمع عدد أكبر خارج قاعة المحكمة لتغطية الإجراءات. ولم يُسمح لوسائل الإعلام بالدخول إلى قاعة المحكمة لتصوير الجلسة.

وقالت ستيلا أسانج، زوجة مؤسس ويكيليكس، على منصة إكس للتواصل الاجتماعي "أشاهد هذا وأفكر في مدى إرهاق حواسه، وهو يسير عبر حشد من الصحفيين بعد سنوات من الحرمان الحسي والجدران الأربعة لزنزانته في سجن بيلمارش شديد الحراسة".

 وقضى أسانج أكثر من 5 سنوات في السجن البريطاني و7 سنوات بسفارة الإكوادور في لندن حيث واجه اتهامات بارتكاب جرائم جنسية في السويد وكافح تسليمه إلى الولايات المتحدة حيث واجه 18 تهمة جنائية.

ويعتبره أنصاره ضحية لأنه كشف عن مخالفات وجرائم محتملة أميركية، تشمل ما ارتكب خلال الصراعات في أفغانستان والعراق.

وقالت واشنطن إن نشر الوثائق السرية عرض حياة أشخاص للخطر.

مقالات مشابهة

  • لماذا يستهدف عضو في مجلس النواب الأميركي إحدى أبرز المنظمات الفلسطينية؟
  • السفير الأميركي في بكين: الصين تثير المشاعر المعادية للولايات المتحدة
  • أسانج يصل أستراليا بعد إطلاق سراحه
  • لماذا تقلق أوروبا من عودة ترامب للرئاسة؟
  • بالتزامن مع بداية محاكمته.. واشنطن تدعو لإطلاق سراح غيرشكوفيتش فورا
  • غوغل تلتقط أول صور لشيطان البحر.. السلاح الأميركي السري
  • محمد علي الحوثي يوجه رسالة مثيرة للإمارات.. هل ستستجيب لنداء رد الجميل؟!
  • القضاء الأميركي يعلن جوليان أسانج "رجلا حرا"
  • الفكر الجمهوري السوداني والصراع الفكري في السودان
  • الخارجية الأميركية: بلينكن بحث مع غالانت جهود وقف إطلاق النار في غزة