مستقبل العلاقات الغربية الصينية
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
شهدت العلاقات الصينية-الأمريكية نهاية هذا العام 2023، العديد من الأحداث والتصريحات التي في مجملها يمكن أن تؤشّر، للمرة الأولى ومنذ فترة ليست بالقصيرة، على بوادر إخماد ما بات يوصف بـ”حرب باردة جديدة” بين البلدين.
ومن أهم مؤشرات التهدئة والتعاون بين الجانبين في الفترة الأخيرة دعوة وزير الخارجية الصيني إلى تنمية سليمة ومطّردة ومستدامة للعلاقات الصينية-الأمريكية، وذلك خلال محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بناءً على طلب الأخير.
ولكن برغم التهدئة الحالية في العلاقات بين البلدين، فلا يجوز نسيان أن هناك كثيرًا من المشكلات العميقة والهيكلية والعديد من المخاطر والتحديات التي يتعين معالجتها بشكل مشترك، فالاجتماع الأخير بين الرئيسين ينبغي ألا يكون خط النهاية، بل نقطة انطلاق جديدة.
فعلى سبيل المثال، وبالرغم من وصول مستوى التجارة بين الولايات المتحدة والصين آخر عام 2023 إلى مستوى قياسي، يبدو أن تحقيق التوازن بين الأمن القومي والمصالح التجارية صعب التحقق بين البلدين؛ مما سيؤدي -ربما في قابل الأيام- إلى تجدد المظاهر التنافسية الحادة بين البلدين. فذوبان الجليد في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين هو نتاج تلاقي “المنافسة بين الطرفين” مع “الاعتماد المتبادل لكليهما على الآخر”.
على مستوى العلاقات الصينية-الأوروبية، يمكن القول بأنها مازالت تتراوح بين التنافس والتعاون والتمايز عن العلاقات الأمريكية-الصينية، ولكن غلب عليها مؤخرًا مؤشرات على تزايد وتيرة التعاون بين الجانبين، مثل لقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين أول ديسمبر 2023 رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، في إطار قمة بين الاتحاد الأوروبي والصين، عُقد خلالها أكثر من 70 اجتماعًا أو حوارًا مؤسسيًّا.
وفي سياق تلك القمة أكد الرئيس الصيني أنه في الوقت الذي تسعى فيه بلاده لتحقيق تنمية عالية الجودة وانفتاح عالي المستوى، فإنها ترى في الاتحاد الأوروبي شريكًا رئيسيًّا للتعاون الاقتصادي والتجاري، وشريكًا مفضلًا للتعاون العلمي والتكنولوجي، وشريكًا جديرًا بالثقة للتعاون في مجالَيْ السلاسل الصناعية وسلاسل الإمداد. فيما أعرب القادة الأوروبيون عن أنهم لا يريدون الانفصال عن الصين، ويعتقدون أن التنمية المستقرة طويلة الأجل للاقتصاد الصيني تصب في مصلحة أوروبا. كما تعهد الجانبان الصيني والأوروبي بالتمسك بالتعددية وممارستها، وتعزيز التنسيق داخل الأمم المتحدة وغيرها من الأطر متعددة الأطراف، ودفع إصلاح منظمة التجارة العالمية، والعمل معًا لمواجهة التحديات العالمية؛ مثل: الأمن الغذائي، وتغير المناخ، والصحة العامة.
وبالرغم من أن الكثير من المراقبين يرون أن اجتماع قادة الصين وأوروبا قد أرسل إشارة إيجابية من الحوار والتعاون لمواجهة التحديات المشتركة -وهو أمر مرحَّب به في ظل الاضطرابات المتزايدة التي يشهدها العالم – فإن الملفّات التي تباعد بين الصين والاتّحاد الأوروبي (الصين وأوروبا أكبر شريكين تجاريين، حيث تتدفق بينهما بضائع تقدر قيمتها بنحو 100 مليون دولار أمريكي كل ساعة) لاتزال كثيرة، وفي مقدّمها العجز التجاري الكبير بين الطرفين، والحرب في أوكرانيا. كما أن هناك إشارات مقلقة أخرى، مثل انسحاب إيطاليا من خطة “الحزام والطريق” رسميًّا.
فهل ستأخذ قمَّتا كاليفورنيا وبكين العلاقات الصينية الغربية إلى مرحلة جديدة من التعاون برغم المعوقات والتنافس؟ وحده عام 2024 هو الذي يستطيع الإجابة عن هذا السؤال.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: بین البلدین
إقرأ أيضاً:
ضربات الرسوم الأمريكية تطفئ محركات الإنتاج في الصين
تتلقى المصانع الصينية ضربة توصف بـ"القاسية"، وذلك نتيجة تداعيات الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، بعد فرض واشنطن، رسومًا جمركية مرتفعة، على غالبية السلع الصينية.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، فإنّ مصانع في مناطق مختلفة من الصين، بدأت في إبطاء وتيرة إنتاجها، بل وأقدمت بعضها على تعليق العمل مؤقتًا وتسريح العمال، بسبب تراجع كبير في الطلب الأميركي.
ويشير التقرير إلى أنّ: "بعض المصانع شهدت إلغاء أو تعليق عدد من الطلبيات الأمريكية، بعد أن وصلت الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية إلى 145 بالمئة على الأقل، وقد أدى ذلك إلى انخفاض ملحوظ في وتيرة الصادرات نحو السوق الأميركية، التي تمثل حوالي 15 بالمئة من مجمل الصادرات الصينية السنوية".
"في مشاهد متكررة على مواقع التواصل الاجتماعي، شارك عمال صينيون صورًا من داخل خطوط الإنتاج الفارغة، ونشر بعضهم إشعارات رسمية بتعليق الإنتاج. وتشير هذه الصور إلى عمق الأزمة التي تطال مصانع متنوعة، من صناعة الأحذية والملابس إلى الأجهزة المنزلية والألعاب" بحسب التقرير نفسه.
وفي تصريحاتها للصحيفة، قالت رئيسة جمعية شنتشن للتجارة الإلكترونية عبر الحدود، والتي تمثل أكثر من 2000 شركة، وانغ شين، إنّ: "العديد من المصانع أوقفت الإنتاج لأسابيع بناء على طلب التجار الذين ألغوا طلبياتهم أو طلبوا تأجيلها".
كذلك، كشفت شركة "دي هونغ" للمنتجات الكهربائية في دونغقوان، أنها: "منحت العمال إجازة لمدة شهر واحد بالحد الأدنى للأجور، بعد توقف عدد من العملاء الأميركيين عن تقديم طلبات جديدة". فيما ذكرت الشركة في بيان، أنها: "نواجه ضغطًا كبيرًا على المدى القريب، ونعمل على إيجاد حلول بديلة كالتوسع في أسواق جديدة وتقليص التكاليف".
إلى ذلك، على الرغم من محاولات الحكومة الصينية الحد من الخسائر عبر دعم الشركات المحلية وتوسيع برامج تأمين الصادرات، إلا أن المخاوف تزداد من تحول الأزمة لكود أوسع في قطاع التصنيع، الذي يمثل ركيزة أساسية في الاقتصاد الصيني.
وفي السياق ذاته، أكد مؤسس نشرة "العمل الصينية"، هان دونغ فانغ، أنّ: "عمليات تعليق العمل ستستمر،" مردفا بأنّ: "إعادة هيكلة قطاع التصنيع ستكون طويلة، والعمال هم من سيدفعون الثمن الأكبر".
وسجلت الصين فائضًا تجاريا قياسيا بنحو تريليون دولار العام الماضي، لكنها باتت تواجه تهديدًا حقيقيًا بسبب السياسات الأميركية الجديدة، التي لم تُخفف حدتها حتى بعد انتهاء ولاية ترامب. وفي المقابل، فرضت بكين رسوما إضافية بنسبة 125 بالمئة على الواردات الأميركية، لكن هذا لم يكن كافيًا لاحتواء آثار الأزمة.
وتأمل شركات مثل "نينغبو تايون إلكتريك" في أن تعود الولايات المتحدة عن هذه السياسات، بعدما اضطرت إلى تعليق الإنتاج يوم 12 نيسان/ أبريل، قبل أن تستأنف بشكل محدود لتغطية بعض الطلبيات الأوروبية.
في ظل هذا المشهد، يبدو أن الحرب التجارية لم تعد مجرد أرقام ومؤشرات، بل تحوّلت إلى واقع مؤلم يعيشه آلاف العمال في الصين، الذين باتت وظائفهم على المحك.