هجمات البحر الأحمر وصعوبات استمرارها !!
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
مع كل يوم يمر على الحرب الهمجية الإسرائيلية في غزة يزداد المأزق الذي يواجهه رئيس الوزراء الإسرائيلي داخليا وخارجيا، ففي حين يقوم نتانياهو بتصعيد جرائم الحرب ضد المواطنين الفلسطينيين وممارسة أعمال القتل الميداني ضد الشباب أمام ذويهم وشن المزيد من الهجمات الجوية العشوائية، فإنه فشل حتى الآن على الأقل في العثور على المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس.
ومن جانب آخر فإنه في حين يزداد التوتر والانتقادات المتبادلة بين زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد وبين نتانياهو، حيث أكد أن الحكومة لم تضع هدفا استراتيجيا للحرب في غزة حتى الآن، فقد هدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير بأنه سينسحب من الحكومة إذا توقفت الحرب مع حماس دون إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وأنه ينبغي التفكير في حل مجلس الحرب، والعودة إلى الحكومة العادية، كما جرت مناقشة حادة بين بن غفير ورئيس الأركان الإسرائيلي حول القواعد الحاكمة لسلوك الجنود الإسرائيليين في الميدان، وما إذا كان ذلك يحدده الجيش الإسرائيلي، أم من اختصاص وزارة الأمن القومي، ومما له دلالة أن خلافا على هذا المستوى حدث خلال اجتماع مغلق للحكومة مما اضطر نتانياهو للتدخل لإنهائه.
ومما له دلالة أيضا أن يبرز رئيس الوزراء الإسرائيلي علنا دعم الرئيس الأمريكي لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي، وإحباط بايدن باستخدام الفيتو ضد التعديلات الروسية التي حاولت روسيا إدخالها على مشروع القرار الذي وافق عليه مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي.
وأفرغت مشروع القرار من جوهره وجعلته غير كاف بالنسبة للغرض منه، ولعل من المفارقات الغريبة أن مجلس الأمن الدولي وهو الجهاز الرئيس للأمم المتحدة المعني بالعمل من أجل تحقيق السلام والأمن الدوليين ووقف الحروب لم يدع في مشروع القرار إلى وقف الحرب في غزة ولو لأسباب إنسانية كأضعف الإيمان، وتباهى البيت الأبيض بأن مشروع القرار لم يتضمن مثل هذه الدعوة وهو ما يؤخذ في الواقع ضد مجلس الأمن والأمم المتحدة الذي أصر في جوهره على أن مشروع القرار اقتصر على زيادة المساعدات الإنسانية التي تقدم إلى غزة وأن تشارك جهات دولية في توزيعها. وردا على الإشارات المتتالية حول تدخل واشنطن في توجيه المواقف الإسرائيلية ومعارضة واشنطن للدعوة لوقف القتال ولو لأسباب إنسانية أكد نتانياهو قبل أيام أن إسرائيل هي التي تدير الحرب حسب خطتها ورؤيتها لها وحسب مصالحها وأن الحرب ستتواصل حتى تحقق كل أهدافها على حد قوله، ويبدو أن ذلك لن يتحقق بسهولة ولا سريعا أيضا.
ومن شأن ذلك كله أن يفسر حجم الارتباك الذي تمر به إسرائيل خاصة في ظل الخسائر المتزايدة في القوات والمعدات وقيام الجيش بسحب بعض من وحدات النخبة فيه لإعادة تشكيلها وتأهيلها مرة أخرى بعد ازدياد خسائرها واهتزاز معنويات أفرادها خشية انتقال العدوى إلى وحدات أخرى.
ومما له مغزى أن تتزامن تصريحات نتانياهو ووزير الخارجية الأمريكي بلينكن حول وقف الحرب وشروطها معا وبالنص تقريبا، فبينما تحدث نتانياهو عن «الشرط البسيط لوقف الحرب هو استسلام حماس أو الموت» تولى بلينكن تفسير ذلك من أجل وقف الحرب فورا إذا أرادت حماس، وذلك مقابل «تسليم السلاح والمقاتلين من حماس والقادة إلى إسرائيل وتسليم المحتجزين وبعد ذلك سنوقف الحرب» أما رد حماس على ذلك فإنه معروف وتضحيات الفلسطينيين الضخمة ورفض استجداء إسرائيل لهدنة إنسانية أخرى بالغة المعنى..
وبينما يؤكد قادة إسرائيل وبشكل يومي تقريبا على أن الحرب في غزة لن تتوقف إلا بعد تحقيق كل أهدافها، يتحول البحر الأحمر إلى منطقة تتسع فيها الحرب في الفترة القادمة. ومن شأن اتساع واستمرار الحرب في البحار والممرات البحرية في المنطقة أن يفتح المجال أمام مواجهات وحروب لا يمكن لأحد أن يتوقع متى تنتهي ولا بأي كيفية ولا بأية نتائج، ليس فقط لاتساع البحار والممرات المائية حولها ولكن أيضا للترابط الجغرافي بين دول المنطقة ومخاطر الامتداد المسلح للحرب عبر الحدود المشتركة من ناحية والمخاطر التجارية والاقتصادية على دول وشعوب المنطقة وعلى خطوط الملاحة والنقل والاقتصاد التي ستمتد بالضرورة إلى الكثير من الدول، والتجربة خلال أزمة كورونا كانت بالغة الوضوح ولا تزال دول وصناعات وأطراف دولية تعاني من الانعكاسات الدولية لها بعد مرور نحو أربع سنوات. ومن شأن اتساع واستمرار الحرب في البحار والممرات البحرية في المنطقة أن يفتح المجال أمام مواجهات وحروب لا يمكن لأحد أن يتوقع متى تنتهي ولا بأي كيفية ولا بأية نتائج.
وإذا كانت الفترة الممتدة من تاريخ السابع من أكتوبر الماضي لم تنجح فيها أمريكا وأوروبا وإسرائيل في توريط إيران في الحرب في غزة وهو ما يعود في الواقع إلى حرص إيران على عدم التورط ونفيها الدائم أي صورة من صور التورط العملي في دعم حماس من خلال الحوثيين، فإنه يبدو أن هناك إصرارا غربيا على البحث عن أي ثغرة أو نافذة يمكن أن يتم من خلالها إيجاد شواهد ما تدعم مثل هذه الفرضية لتوريط إيران بشكل أو بآخر إنما يعود الفضل فيه إلى موقف واشنطن الذي أكد باستمرار على أنه ليس هناك ما يثبت عمليا وجود شواهد ذات مصداقية تثبت تورط إيران كما زعمت إسرائيل منذ بداية الحرب، فإن الأمر لن يكون مختلفا كثيرا هذه المرة، صحيح أن الأمر ارتبط بشكل ما بالموقف والعلاقات الأمريكية الإيرانية والمفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني والانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم.
ولكن الطرح هنا هو هل للدعم غير المحدود لإسرائيل في الحرب ضد حماس ورفض بايدن وقف الحرب أو الحث عليها سيظل قائما طالما استمر أمل بايدن في تحقيق مكسب في الانتخابات أو بما يمكن توظيفه في الانتخابات بشكل أو بآخر.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو هل مصادفة أن تنشأ وتتسع تدريجيا الهجمات المسيرة والصاروخية من جانب الحوثيين مع التصعيد في غزة؟ في السنوات السابقة أو منذ اندلاع حرب غزة وإذا كان قد تكرر سيناريو اتهام إيران بدعم الحوثيين فنيا وتقنيا وتسليحيا لدعم حماس وإنكار طهران ونفيها للاتهامات الأمريكية فهل يمكن لإيران أن تكون أقل حذرا هذه المرة أو أن تترك لواشنطن ما يمكنها اتخاذه حجة أو دليلا ضدها للإيقاع بها ؟ من المؤكد أن طهران تتمتع بالحرص والذكاء والقدرة على المناورة وحماية نفسها ومصالحها المباشرة وغير المباشرة سواء في السنوات السابقة أو منذ اندلاع حرب غزة، فإنه من المؤكد أن ليس من مصلحة إيران ولا من مصلحة دول وشعوب المنطقة أن تشهد المنطقة توسعا في الحرب في المنطقة أيا كانت الدوافع والأسباب فالنتائج يصعب التنبؤ بها أو حسم توقعات الحرب غدا أو بعد غد.
وإذا كانت إيران دولة بحرية تملك أسطولين بحريين للجيش والحرس الثوري يضمان نحو مائة قطعة بحرية واستطاعت بحريتها أن تدور حول العالم إلا أنها امتنعت عن المناورة بإغلاق الممرات البحرية في فترات وظروف مختلفة في المنطقة رغم قدرتها عليها والتهديد بها في فترات وظروف مختلفة. ولذا فإن التهديد بإغلاق البحر المتوسط والممرات المائية حوله لن يكون مختلفا عن التهديدات السابقة سوى في حالة قررت واشنطن الدخول في مواجهة مع طهران أو دفعها إلى ذلك في إطار حسابات تخصها هي ولصالح إسرائيل بشكل أو بآخر ولا تجد واشنطن ما يدفعها لذلك حتى الآن على الأقل.
أما الحوثيون فإن البعد السياسي والرمزي له أهمية كبيرة خاصة في الظروف التي تمر بها المنطقة الآن وفي المستقبل، وإذا كانت أوروبا تعاني بسبب نفقات الحروب واستنزاف مخزونات السلاح فما بال القوى والأطراف المستنزفة في حروب محلية وإقليمية منذ سنوات فهل تحتاج مزيدا من الاستنزاف ولصالح من؟
د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مشروع القرار مجلس الأمن فی المنطقة وقف الحرب الحرب فی فی غزة
إقرأ أيضاً:
ما بعد طوفان الأقصى
19 يناير 2025م.. دخلت الهدنة بين إسرائيل وحماس مرحلة التطبيق، بعد مفاوضات عويصة تلازمت مع حرب الإبادة التي شنتها القوات الإسرائيلية على غزة؛ إثر العملية التي قامت بها حماس في 7 أكتوبر 2023م باسم «طوفان الأقصى»، حيث وضعت إسرائيل ثلاثة أهداف لحربها؛ هي: فك الأسرى من يد حماس، وتدميرها، وتهجير أهل غزة. اليوم.. إسرائيل ترضخ لحماس وفق شرطها بألّا تسلم الأسرى إلا بعد إيقافها الحرب وانسحابها من غزة.
حتى الآن.. لا توجد اتفاقية لوقف الحرب نهائياً، وإنما هي هدنة لفترة 42 يوماً يتبادل فيها الطرفان الأسرى، وهذه هي المرحلة الأولى، مع خطة لمواصلة المفاوضات في مرحلتين قادمتين. ومع ذلك؛ يمكننا الحديث عن «مرحلة ما بعد طوفان الأقصى»، لأن مسار مرحلة الطوفان قد تحددت، ولا يُتوقع مسار آخر يُحدِث فرقاً فيما لو استمرت الحرب؛ غير مزيد من الإبادة والتدمير، ومزيد من الخسائر الباهظة تتكبدها إسرائيل، كما أن أمريكا في ظل إدارة دونالد ترامب تجنح لإنهاء الحرب.
إسرائيل.. لم تحقق أهدافها من الحرب، وقامت بأسوأ إبادة في العصر الحديث، بغية كسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة، وإجباره للتخلي عن الوقوف مع المقاومة، فخسرت إسرائيل أمام صلابته.. بل ثارت شعوب العالم ضدها. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكماً باعتبار القادة الإسرائيليين مجرمي حرب، ولم يستطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يقنع شعبه بأن الحرب هي السبيل لتحرير الأسرى، فخرج الإسرائيليون ملء شوارع تل أبيب مطالبين بتحريرهم، وأخيراً.. رضخ لضغوطهم وللضغوط الدولية، ولفشله في تحقيق أهداف الحرب.
استطاعت إسرائيل تفكيك محور المقاومة، بعد اغتيالها قيادات عليا في حزب الله وحماس وقيادات عسكرية إيرانية، وحيّدت حزب الله وإيران والمقاومة العراقية، مما جعل نتنياهو يدعو إلى تشكيل شرق أوسط جديد تكون إسرائيل محوره. وأعطت الحرب إسرائيل موثوقية أن الغرب لن يتخلى عنها، وأنه لا توجد قوة دولية قادرة على تغيير خارطة المنطقة لتهديد وجودها، غافلة عن تغيّر المواقف بتغيّر المصالح.
ليس أمام إسرائيل خطة حاسمة لما بعد الطوفان.. فمسار السلام فشل، واستعمالها العنف أضر بها، وستعاني كثيراً من الجيل الفلسطيني القادم؛ الذي يحمل عقيدة تحرير فلسطين والثأر من الكيان الذي أباد أهله ودمر مجتمعه. والتطبيع.. أصبح طريقه وعراً بين شعوب المنطقة، يشكل خطراً ليس على إسرائيل وحدها، وإنما كذلك على الدول المطبعة معها. ولعل الخيار الأخف لإسرائيل والتي عليها أن تفكر جدياً به هو «حل الدولتين»، والتي ستفرض المقاومة شروطها على رسم حدود الدولة الفلسطينية فيه.
المقاومة الفلسطينية.. أثبتت بأنها رقم صعب، تمكنت خلال العقود الماضية أن تنمو عسكرياً وسياسياً واجتماعياً، وكشفت الحرب أن حماس لم تعد جماعة، وإنما أصبحت دولة بعناصرها الممكنة تحت الاحتلال، فقد استطاعت حشد الشعب الفلسطيني معها، الذي لم تنكسر عزيمته طيلة الحرب، فخرج مؤيداً لها في تبادل الأسرى. واستطاعت أن تدير المعركة منذ بدايتها حتى نهايتها. كان كل شيء محسوباً لديها حتى لحظة تسليم الأسرى؛ حيث خرج جيشها بكامل أبهته، ولم يتغير انطباع أسرى هذه الدفعة عن انطباع أسرى الدفعة السابقة عند بداية الحرب؛ من الإعجاب والتقدير لحماس بالحفاظ على نفوسهم ومعاملتهم بالحسنى.
حماس.. خسرت كثيراً في الحرب، فقد قتل الكثيرون من جندها، واغتيل بعض قادتها؛ في مقدمتهم إسماعيل هنية ويحيى السنوار، ونَقَصَ عتادها العسكري، وتأثرت نفسياً من الإبادة الجماعية لشعبها والتدمير شبه الكامل لغزة. لكن من أهم ما حققته حماس قدرتها على مواصلة الحرب، رغم تحييد جبهة الإسناد، وهذا يدل أنها قادرة على خوض حروب قادمة، فقد أصبحت تصنع السلاح من مواد متوفرة في قطاع غزة، مما يجعل حكومات المنطقة تنظر إليها باعتبارها كياناً باقياً، وأن إزالتها من الوجود لم يعد وارداً.. بل صمودها عزّز فكرة المقاومة نفسها، وقوّى من صمود بقية الفصائل. كما أنها أفشلت «خطة اليوم التالي للحرب» التي أعدتها إسرائيل لإدارة قطاع غزة من دون حماس.
المقاومة الفلسطينية.. أمامها طريق شاق من إعادة بناء غزة وترميم نفوس الشعب، وإعادة بناء استراتيجيتها لما بعد الطوفان. وما حصل من إبادة ودمار يجعلها تحسب ألف حساب قبل القيام بعملية أخرى؛ على الأقل خلال عشر سنوات قادمة. لكنها ستعمل على إعادة تأهيل قواتها، وسيتكون لديها جيل جديد؛ متسلح بخطط وأفكار أكثر ثوريةً، في فضاء رقمي مفتوح. الآن نرى فصائل، وغداً؛ جيشاً أكثر تنظيماً وثقةً بنفسه. أما السلطة الفلسطينية في رام الله.. ففي طريقها للتغيّر، وستنتهي حكومة محمود عباس، وتحل محلها سلطة وطنية توافقية بعقيدةٍ مقاوِمة، هذا ما سيفرضه الجيل الجديد في الضفة الغربية.
إيران.. خرجت مهيضة الجناح من الحرب، خسرت مجموعة من قيادات الإسناد، وفقدت موطئ قدمها بسوريا، وضعف نفوذها بلبنان بعدما فقدت حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله حليفها الأهم بالمنطقة. تأتي خسارة إيران وهي تشهد جدلاً سياسياً وشعبياً في طبيعة نظام الحكم مع تقدم عمر المرشد الأعلى علي خامنئي. لكن علينا أن نفهم المسار العام لإيران، فنظامها السياسي ديناميكي، ولديه قدرة على المراجعة الفورية لإعادة تموضعها في المنطقة، وإعادة بناء استراتيجياتها بما يواكب المتغيرات وأمنها القومي وقدراتها العسكرية وتوجهاتها السياسية وخططها الاقتصادية. وقد أثبتت الحقبة الماضية أنها استطاعت أن تتخطى الأخطار المحدقة بها، وتستثمر «الفوضى الخلاقة» بالمنطقة، وبهذا؛ تمكنت من احتضان قوى وقيادات عراقية، وهي التي خاضت بالأمس القريب مع العراق حرباً استمرت قرابة العقد. كما تمكنت أن تمد ذراعها إلى اليمن؛ رغم الأوضاع المتشابكة والمعقدة هناك. واقتدرت على التعامل مع قوى العنف في أفغانستان والعراق وسوريا.إن إيران أمام مفترق طرق، تحدده التوجهات المستقبلية لسياستها، ولكن لا يبدو أنها ستتخلى عن مواجهة إسرائيل وأمريكا، فقد أبرمت مؤخراً استراتيجية شاملة مع روسيا وقعها الرئيسان مسعود بزشكيان وفلاديمير بوتين. ويبدو أن إيران في توجهها ما بعد الطوفان ستقلل من اعتمادها على الجماعات العسكرية، وتتجه إلى الأحلاف الدولية لمواجهة الغرب، فهي تعمل ضمن الأحلاف التي تجمعها بالصين وروسيا على صياغة نظام دولي متعدد الأقطاب السياسية.
أما سوريا.. فنظام الأسد منتهية صلاحيته منذ أمد، فهو بقايا البعث العربي؛ الذي أدبرت أيامه منذ نهاية السبعينيات بصعود الإسلام السياسي في المنطقة، لكن كأي نظام قائم يحتاج إلى وقت حتى يسقط، وعملياً.. سقط مع بدايات الربيع العربي، وإن تأخر حتى نهاية عام 2024م بإطلاق الرمية الأخيرة لإعلان سقوطه رسمياً. سوريا هي الأسبق في دخول مرحلة ما بعد طوفان الأقصى، فقد عجّلت بها أحداثه.
ظاهراً.. ما حصل بسوريا يصب في صالح إسرائيل، فالإدارة الجديدة تعتنق العقيدة الأردوغانية، التي دشنت مرحلة ما بعد الإسلام السياسي «السياسة الإسلامية المدنية»؛ التي تتعامل مع إسرائيل باعتبارها دولة لها مشروعيتها، وهذا يطمئن إسرائيل وتسعى إليه. لكن الوضع في سوريا لا يزال غير مستقر، والجماعات التي سيطرت عليها مؤدلجة بالعنف، ذات براجماتية تمكنها من تغيير مسارها بحسب الظروف، فمستقبل إسرائيل محفوف بالخطر من الجهة السورية.
العرب.. سيواصلون توجههم السابق، وهو الدفع بـ«حل الدولتين» إلى التنفيذ؛ لا سيما مع التوجه العالمي الذي قد يجبر إسرائيل عليه. وعليهم أن يدركوا بأن طوفان الأقصى غيّر من الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، وأصبحت تتشكل من جديد، من دون أن تكون إسرائيل هي اليد الضاربة فيه بعدما هزتها الحرب بقسوة. على العرب أن يتعاونوا لتحقيق ذلك مع الأتراك، مستفيدين من التغيرات في سوريا.