كريمة الدارين.. الصوفية يواصلون احتفالاتهم بمولد السيدة نفيسة والليلة الختامية الأربعاء المقبل
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
تتواصل الاحتفالات بمولد السيدة نفيسة رضي الله عنها، من قبل أبناء الطرق الصوفية المختلفة، حيث تختتم الاحتفالات بمولد السيدة نفيسة الأربعاء المقبل الـ 27 من ديسمبر الجاري.
ومع استمرار الاحتفالات بمولد السيدة نفيسة رضي الله عنها نرصد من خلال التقرير التالي قبس من سيرتها العطرة.
جاء في ألقاب السيدة نفيسة رضي الله عنها لقب نفيسة العلوم، فما هو سره وسبب تلقيبها به؟
في بيان لقب نفيسة العلوم الذي اشتهرت به السيدة نفيسة رضي الله عنها قال الشيخ يسري عزام إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، إن إطلاق اسم "نفيسة العلوم" جاء بسبب نفاسة علمها لأن العلم نوعان علم موهوب وعلم مكتسب والسيدة نفيسة كان علمها موهوبا من الله بالإضافة إلى العلم المكتسب التي تعلمته في المدينة.
ولدت يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع الأول عام مائة وخمسة وأربعين هجرية (145هـ) بمكة المكرمة، وبقيت فيها حتى بلغت خمسة أعوام، وأتمت حفظ القرآن الكريم وهي في الثامنة من عمرها، صَحِبها أبوها مع أمها زينب بنت الحسن إلى المدينة المنورة، في جو يسوده العلم والورع والتقوى، فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتتلقى العلم من علمائه وشيوخه، وفي وسط يزخر بالعلماء والعبّاد والزهّاد… فقرأت القرآن وحفظته، ودرست العلم ووعته، وسمعت مسائل الحديث والفقه ففهمتها، حتى حصلت على لقب "نفيسة العلم" قبل أن تصل لسن الزواج، وحجّت أكثر من ثلاثين حجة أكثرها ماشية. وكان أخوها القاسم رجلًا صالحًا زاهدًا خيِّرًا.
تزوجت "إسحاق المؤتمن" ابن جعفر الصادق رضي الله عنه في شهر رجب سنة 161هـ، وبزواجهما اجتمع نور الحسن والحُسَين، وأصبحت السيدة نفيسة كريمة الدارَيْن، فالسّيدة نفيسة جدُّها الإمام الحسن، وإسحاق المؤتمن جدّه الإمام الحسين رضي الله عنهما. وأنجبت لإسحاق ولدًا وبنتًا هما القاسم وأم كلثوم. وكان إسحاق مشهودًا له بالصلاح.
كان دعاء السيدة نفيسة مستجابة، وصلت إلى مرحلة أشبه بالمعجزات، أسلم على يديها نحو 70 ألف يهودي، فأول مراحل الدعوة للإسلام تكون بإصلاح النفس أولا، قبل محاولة إصلاح وهداية الغير،فكان الناس يأتون إلى السيدة نفيسة أفواجا أفواجا لتدعي الله لهم ليشفيهم من الأمراض، وكانت متخصصة في أمراض العيون، وكانت رضي الله عنها مُجابة الدعوة، أظمأت نهارها بالصيام، وأقامت ليلها بالقيام، عرفت الحق فوقفت عنده والتزمت به، وعرفت الباطل فأنكرته واجتنبته، واجتهدت بالعبادة حتى أكرمها الله بكرامات عديدة.
كانت السيدة نفيسة رضي الله عنها تحب العبادة منذ صغرها وكانت ملازمة للمسجد النبوي الشريف، فكانت نموذجا لما حدث في القرن الثاني الهجري من المثال الصالح الذي قدمه المسلمون للعالمين، وكان هذا النموذج في السيدة نفيسة.
تزوجت من سيدنا إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباخر بن علي زين العابدين بن سيدنا الحسين، فإذا السيدة نفيسة التي هي من نسل الحسن تزودت إسحاق الذي هو من نسل سيدنا الحسين.
عندما سئلت إن السيدة نفسية رضى الله تعالى على الإمام الشافعي فقالت كان رجلًا يحسن الوضوء فتعجب الناس من قولها، فقال العلماء ان قصدها من أن الإمام الشافعي يحسن الوضوء أى إذا صحت البدايات وضحت النهايات، فطالما أن هذا الرجل يحسن الوضوء فقبله الله فى رحمته، أى أن الله وفقه فى الخطوة الأولى فيكون بذلك وصل إلى المنتهى".
لمَّا وفد الإمام الشافعي رضي الله عنه إلى مصر، توثقت صلته بالسيدة نفيسة، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في شهر رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء، وأوصى أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فمرت الجنازة بدارها حين وفاته عام 204هـ، وصلّت عليها إنفاذًا لوصيته.
كانت تمضي أكثر وقتها في حرم جدّها صلى الله عليه وسلم، وكانت الآخرة نصب عينيها، حتى إنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها، وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا، وقرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهي تبكي بكاءً شديدًا، وكان لأخيها يحيى (المتوّج) بنت واحدة اسمها (زينب) انقطعت لخدمة عمتها، تقول: خدمتُ عمّتي السيدة نفيسة أربعينَ عامًا، فما رأيتها نامَت بلَيل، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق، فقلت لها: أمَا ترفُقِين بنفسِك؟ فقالت: كيف أرفُق بنفسي وأمامي عَقَبات لا يقطَعُهُنّ إلا الفائزون؟ وكانت تقول: كانت عمتي تحفَظ القرآن وتفسِّره، وكانت تقرأ القرآنَ وتَبكي.
وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة يوم السبت في 26 رمضان 193هـ قبل أن يقدم إليها الإمام الشافعي بخمس سنوات، واستقبلها أهل مصر بالتكبير والتهليل، وأخذوا يقبلون عليها يلتمسون منها العلم حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات، فخرجت على الناس قائلة: "كنتُ قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى".
ففزع الناس لقولها، وأبَوا عليها رحيلها، فخرج الألوف... بل المدينة كلها تتوسط لدى زوجها لتقبل البقاء بينهم، ولا تغادرهم. حتى تدخَّل والي المدينة "السَّري بن الحكم بن يوسف" فوهبها دارًا واسعة، ثم حدد يومين أسبوعيًّا يزورها الناس فيهما؛ طلبًا للعلم والنصيحة، لتتفرغ للعبادة بقية الأسبوع، فقبلت السيدة "نفيسة العلم" وساطة أهل مصر، ورضيت وبقيت بينهم.
قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، وكتبت ورقة، فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التي كتبتها وفيها: "ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخوّلتم ففسقتم، ورُدَّت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفّاذة غير مخطئة، لا سيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوّعتموها، وأجساد عرّيتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلِّمون، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون"! يقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته.
أصاب السيدة نفيسة المرض في شهر رجب سنة (208هـ) من الهجرة، وظلَّ المرض يشتَدّ ويقوَى حتى رمضان، فبلغ المرَضُ أقصَاه، وأقعدَها عن الحركة، فأحضَروا لها الطبيبَ فأمرها بالفِطر، فقالت: "واعجبًا، منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى أن ألقاه وأنا صائمة، أأفطر الآن ،هذا لا يكون".
ثم راحت تقرأ بخشوع من سورة الأنعام، حتى وصلت إلى قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 127] فغُشي عليها. تقول زينب -بنت أخيها- فضممتُها إلى صدري، فتشهدت شهادة الحق، وصعدت روحها إلى باريها في السماء.
فبكاها أهل مصر، وحزنوا لموتها حزنًا شديدًا، ولقد أراد زوجها أن ينقلها إلى البقيع عند جدّها صلى الله عليه وسلم، ولكن أهل مصر تمسّكوا بها وطلبوا منه أن يدفنها عندهم فأَبَى، ولكنه رأى في منامه الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، فدفنها في قبرها الذي حفرته بنفسها في مصر.
وكان يومُ دفنِها يومًا مشهودًا ازدحَم فيه الناسُ ازدحامًا شديدًا.. رضي الله عن السيدة نفيسة الطاهرة الشريفة، نفيسة العلم وكريمة الدارَيْن.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: السيدة نفيسة مولد السيدة نفيسة نفيسة العلوم أم الزاهدات الإمام الشافعي مسجد السيدة نفيسة السیدة نفیسة رضی الله عنها الإمام الشافعی أهل مصر
إقرأ أيضاً:
الإصلاح: هل يبدأ بالراعي أم بالرعية
#الإصلاح: هل يبدأ بالراعي أم بالرعية
مقال الإثنين: 30 /6/2025
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
عند الحديث عن #الإصلاح، لا يختلف اثنان على أن له ضرورة قصوى، لكن عند الحديث عن ترتيب أولوياته يحتدم الجدل، فالسلطة تنزع الى #الاستبداد، والإصلاح دائما ما يكون باستعادة #المحكوم شيئا مما استلبه إياه #الحاكم، لذا يصبح الأمر تصارعا على المكتسبات والمنافع، فيميل محامو السلطة الى محاولة تأجيل إجراءات الإصلاح، برمي الكرة في ملعب الرعية، بحجة أنه يجب البدء بأن يصلح كل فرد ذاته، فإن صلحت الرعية فلا بد أن يكون الراعي صالحا، فهو فرد من هذا المجتمع، ويحتجون بالقول: “كما تكونوا يولَّ عليكم”.
هذا الكلام صحيح نظريا، لكنه كلام حق يراد به باطل، وليس دافعه الرغبة الصادقة بالإصلاح، بل هو للتسويف، فكل حاكم يعتقد أنه رمز الصلاح، وأنه لا يزلُّ ولا يطغى، قوله حكمة وفعله عدل.
قد لا يكون الحاكم في داخله مقتنعا بذلك، لكنه يبدأ بتصديق أنه كذلك، لكثرة المتزلفين والمنافقين من حوله، فهؤلاء يزينون أفعاله، ويبررون زلاته، ويتسترون على أخطائه.
عندها يبدأ الفساد، إذ مقابل خدماتهم هذه ينالون منه العطايا، وتوسد إليهم المناصب التي لا يصلحون لها، ويستبعد المخلصون والأكفاء، فتتردى الأحوال العامة، وتتفاقم الأمور عندما يستغل هؤلاء المقربون الفاسدون مراكزهم ونفوذهم لمصالحهم الفردية، فتسوء الأحوال الإقتصادية، وتصبح الأحوال المعيشية عصيبة.
لقد سأل أبو جعفر المنصور الفيلسوف “ابن المقفع” عن سبب تغير الزمان وفساد النفوس عما كانت عليه الأحوال في بداية الدولة الإسلامية، فأجابه برسالة تعتبر مرجعاً في الإصلاح السياسي بدأها بقوله: “أما سؤالكم عن الزمان فإن الزمان هو الناس”.
وقد حدد مسار الدولة الإسلامية، في أنها تمر بأربعة أزمنة حضارية: أفضلها الزمن الأول وهو “ما اجتمع فيه صلاح الراعي والرعية”، ويليه في الأفضلية الزمن الثاني وهو “أن يصلح الإمام نفسه ويفسد الناس”، وبعدهما الزمان الثالث الذي يتميز بـ”صلاح الناس وفساد الوالي”، أما الزمان الرابع فإنه ” ما اجتمع فيه فساد الوالي والرعية” وهو شرُّ الزمان.
أما ابن تيمية فيحدد الصلاح بمدى الترابط بين السلطة والدين: “إن انفرد السلطان عن الدين (أي خالفه)، أو الدين عن السلطة (كفصل الدين) فسدت أحوال الناس”
هنا نفهم لماذا أنزل الله الدين للناس، فهو يمثل الآلية الأنجح الضابطة لصلاح النفوس، كما يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
قد يبرز هنا سؤال: لماذا نجد الصلاح في الأقطار الكافرة أكثر من الأقطار المؤمنة؟.
الإجابة ترتكز على التعريف أولا: فليس أداء العبادات دليلا على الإيمان بل هي علامة ظاهرية، درجة الإيمان تتحدد بالتقوى، فمن كان يخشى الله وحسابه، وهمُّه إرضاء ربه، سواء كان المرء حاكما أم محكوما، فهو المؤمن، وهذا بالضبط ما يعنيه صلاح النفس، وذلك هو مراد الدين ومناط العبادات.
لكن كيف صلحت نفس الكافر وهو لا يتقي الله؟.
لقد أودع الله الفطرة السليمة في كل النفوس، وهي المرجعية المعيارية التي تحبب النفس بعمل الخير والبعد عن الشر، تقوى فاعليتها او تضعف بثلاثة عوامل:
1 – التوجيه التربوي، ويمثل المرحلة التأسيسية.
2 – الظروف المعيشية، وهي التي تؤثر في توجيه النفس بتعزيز قيم الصلاح أو تبعدها عنها.
3 – وأما الثالث فهو الأهم والأبلغ تأثيرا، فهو وجود الحافز والردع ويمثله الدين.
عند غير المؤمنين يتمثل الردع بالخوف من سطوة القانون لدى المحكوم، أو من التشهير أي سيف الإعلام والرقابة ان كان حاكماً لأنه يضعف فرصة بقائه في الحكم.
ولما كان هذان السلاحان فتاكين، فعقوبات القانون في الدول (غير المسلمة) رادعة وتطبق بحزم، لذا يلتزم الجميع فلا تجد أحدا يجرؤ على مخالفة قوانين الصلاح (السلامة العامة والصحة والبيئة والسير..الخ)، وليس ذلك عن صلاح ذاتي بل خوفا من العقوبة، فهو إن أمِنَها فسد، وهذا هو الفارق عن المؤمن، والذي رادعه الخوف من عقوبة الله التي لا يمكن تجنبها ولا التحايل عليها، وإذا أضفنا عليه خوفه من القانون إن طبق بواسطة حاكم صالح عادل، فعندها يصبح صلاح النفس مؤكدا.
لها وجدنا الزمن الأول عند ابن المقفع يمثل الحالة المثالية، ولذلك أيضا اشترط ابن تيمية صلاح الأمة ببقاء الارتباط بين الدين والسلطان قائما، وافتراقهما مفسدة.