دراسة مثيرة للمؤرخ اليهودي آفي شليم عن غزة وحماس وجذور نكبة 2023 (ج1)
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
كتب المؤرخ البريطاني اليهودي ورقة بحثية شاملة حول تاريخ قطاع غزة منذ النكبة في أيار/ مايو 1948 وحتى ما يسميها "حرب نكبة 2023". واستعرض المؤرخ المرموق والأستاذ في جامعة أوكسفورد جذور "نكبة 2023"، مشيرا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي استمر عمليا بعد الانسحاب من غزة عام 2005 وفق المنظمات الدولية، لأنه استمر بالتحكم في الممرات البحرية والجوية والبرية.
وأضاف شليم في الدراسة التي نشرها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أن "إسرائيل" لديها سجل كبير في خرق اتفاقيات وقف إطلاق النار في غزة، بينما حماس لديها "سجل ناصع" من الالتزام بها.
عربي21 ترجمت الدراسة كامة، وتنشرها على ثلاثة أجزاء، وفيما يلي الجزء الأول:
الحرب على غزة: نتنياهو، حماس، وجذور حرب نكبة 2023
بقلم المؤرخ البريطاني اليهودي آفي شليم
ميدل إيست آي
21 ديسمبر (كانون الأول) 2023
الجزء الأول
عندما انسحبت إسرائيل من غزة في عام 2005، حولت القطاع الصغير إلى سجن مفتوح في الهواء الطلق. ثم جاء رد إسرائيل على هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 – والمتمثل في قصف غزة بلا توقف من الأرض والبحر والجو – ليحول هذا السجن المفتوح في الهواء الطلق إلى مقبرة مفتوحة، وإلى أكوام من الركام، وإلى أرض خربة مهجورة.
في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي، قال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش إن هجوم حماس، الذي قتل فيه 1200 شخص معظمهم من الإسرائيليين وأخذت فيه 250 رهينة، لم يحدث في فراغ. ولاحظ أن "الشعب الفلسطيني يتعرض منذ ستة وخمسين عاماً لاحتلال خانق". ثم أضاف مباشرة بعد ذلك: "إن تظلمات الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تبرر الهجمات المروعة التي قامت بها حماس، كما أن هذه الهجمات المروعة لا تبرر العقاب الجماعي الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني".
رد السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة جلعاد إردان بشن هجوم شخصي شرس على الأمين العام زاعماً، زوراً وبهتاناً، أنه اتهم إسرائيل بفرية الدم (ذبح أطفال الآخرين لاستخدام دمهم في صناعة الفطير اليهودي)، وطالب باستقالته، ثم توج ذلك بمطالبة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتوقف عن تمويل المنظمة.
ليس جديداً على إسرائيل مناهضة الأمم المتحدة والعمل على إعاقة عملها، إلا أن ما كان مذهلاً حقاً في هذه المناسبة هو ذلك التناقض البين ما بين نزاهة وإنسانية الأمين العام من جهة ووقاحة وفظاظة المندوب الإسرائيلي من جهة أخرى.
أقترح تقفي خطوات الأمين العام من خلال التأكيد على حقيقة لا لبس فيها، ألا وهي أن الصراع بين إسرائيل وحماس لم يبدأ في يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول). ولذلك لابد من وضع ذلك الحدث ضمن سياقه التاريخي المناسب.
قطاع غزة هو الاسم الذي يطلق على الجزء الجنوبي من السهل الساحلي لفلسطين، والمحاذي لمصر. كان القطاع جزءاً من فلسطين أثناء الانتداب البريطاني، والذي انتهى في شهر مايو (أيار) من عام 1948.
كان من المقرر بموجب خطة التقسيم الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1947 أن يشكل القطاع جزءاً من دولة فلسطين العربية، إلا أن هذه الدولة لم تكتب لها الولادة. أثناء حرب عام 1948 على فلسطين، استولى الجيش المصري على هذا القطاع شبه الصحراوي. ثم جاءت اتفاقية الهدنة بين إسرائيل ومصر عام 1949 لتترك هذه المساحة من الأرض في الجانب المصري من الحدود الدولية الجديدة. لم تضم مصر المنطقة، ولكنها أبقتها تحت الحكم العسكري بانتظار التوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي.
يبلغ طول القطاع 25 ميلاً ويتراوح عرضه ما بين أربعة إلى تسعة أميال، بمساحة إجمالية قدرها 141 ميلاً مربعاً. خلال حرب عام 1948، أضيف إلى سكان القطاع البالغ عددهم 70 ألف نسمة ما يقرب من 200 ألف لاجئ، مما نجم عنه مشكلة إنسانية ضخمة. تم تشكيل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من أجل توفير الغذاء والتعليم والخدمات الصحية للاجئين.
ثم احتلت إسرائيل قطاع غزة أثناء حرب السويس التي دارت رحاها في أكتوبر ونوفمبر (تشرين أول وتشرين ثاني) من عام 1956، ولكنها أجبرت تحت وطأة الضغوط الدولية على الانسحاب من القطاع في شهر مارس (آذار) من عام 1957. قتل عدد ضخم من المدنيين، وارتكبت فظائع على أيدي الجيش الإسرائيلي خلال فترة احتلال المنطقة، وهي فترة لم تدم طويلاً، ولكنها كانت ذات دلالة على ما هو قادم في قابل الأيام.
في عام 1967 احتلت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، بالإضافة إلى مرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء. ثم انسحبت من سيناء في عام 1981 كجزء من صفقة السلام التي أبرمتها مع مصر.
في شهر أغسطس (آب) من عام 2005، سحبت إسرائيل جنودها ومستوطنيها من قطاع غزة. زعم المتحدثون باسم إسرائيل أنهم من خلال الانسحاب يمنحون الفلسطينيين في غزة الفرصة لكي يحولوا القطاع إلى ما يشبه سنغافورة الشرق الأوسط.
وهو ادعاء غير معقول إذا ما أخذنا بالاعتبار الواقع المروع، ولكن ذلك ما هو معهود من الدعاية الإسرائيلية.
والواقع هو أنه ما بين عام 1967 وعام 2005، سادت حالة استعمارية كلاسيكية في قطاع غزة، حيث كان بضعة آلاف من المستوطنين الإسرائيليين يتحكمون بخمسة وعشرين بالمائة من المنطقة، وأربعين بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة، ويحظون بأكبر حصة من مصادر المياه التي هي أصلاً شحيحة للغاية.
لا يعاني قطاع غزة من التخلف أو الفقر لأن سكانه كسالى وإنما لأن النظام الاستعماري الإسرائيلي الجشع لم يترك لهم مجالاً للازدهار. فقد أعيق التقدم الاقتصادي بفعل استراتيجية إسرائيل التي كانت تتعمد الإفقار التنموي.
ساره روي، أستاذة يهودية في جامعة هارفارد، وهي ابنة لناجين من المحرقة، وخبيرة رائدة في أحوال قطاع غزة. فقد ألفت أربعة كتب حول غزة، كان أولها كتاب رائد في هذا المجال بعنوان "قطاع غزة، الاقتصاد السياسي للإفقار التنموي". فهي التي ابتدعت في هذا الكتاب وصاغت رسمياً مصطلح الإفقار التنموي، الذي غدا مصطلحاً محورياً.
والفكرة القوية التي عرضتها تتلخص في أن الوضع البائس في غزة لم يكن ناجماً عن أسباب موضوعية وإنما عن سياسة إسرائيلية متعمدة تستهدف إبقاء القطاع محروماً من التنمية وعالة على الاحتلال. على الرغم مما ووجهت به من معارضة شديدة من قبل الدوائر الأكاديمية حينما اقترحت للمرة الأولى استخدام المصطلح، إلا أنه ما لبث أن غدا مستخدماً على نطاق واسع وجزءاً من قاموس العلوم السياسية وغير ذلك من التخصصات العلمية. يستعرض الكتاب بالتفصيل الإجراءات المختلفة التي من خلالها تقوض إسرائيل التنمية الصناعية في قطاع غزة وتستغل القطاع كمصدر للعمالة الرخيصة، وكذلك كسوق لما تنتجه هي من سلع.
القنبلة السكانية الموقوتة
كانت هناك ثلاثة أسباب رئيسية من وراء اتخاذ حكومة الليكود اليمينية بقيادة آرييل شارون قرار الانسحاب من غزة في عام 2005. أما الأول فهو أن حماس، حركة المقاومة الإسلامية، شنت هجمات على الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، ونتيجة لذلك، تجاوزت تكاليف احتلال غزة المنافع التي كانت ترجى منه.
لم تعد اللعبة تستحق أن تضاء في سبيلها شمعة.
وأما الهدف الثاني من الإجراء فكان تخريب عملية أوسلو للسلام، وذلك بحسب ما شرحه مدير مكتب شارون دوف ويزغلاس في مقابلة مع صحيفة هآريتز في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2004، حيث قال:
"إن المغزى من ذلك هو تجميد العملية السياسية. وعندما تقوم بتجميد تلك العملية فإنك تحول دون قيام دولة فلسطينية، كما تحول دون إجراء أي نقاش حول اللاجئين والحدود والقدس. فعلياً، كل هذه الحزمة التي تسمى الدولة الفلسطينية، بكل ما تتضمنه أو تعنيه، تم استبعادها تماماً من أجندتنا وإلى غير رجعة. فك الارتباط كان بمثابة فورمالدهايد. فهو يزود من الفورمالدهايد الكمية الضرورية لضمان ألا تكون هناك عملية سياسية مع الفلسطينيين."
وأما السبب الثالث من وراء فك الارتباط فكان له علاقة بالتركيبة السكانية، إذ أن الفلسطينيين لديهم معدلات إنجاب أعلى من تلك التي لدى الإسرائيليين، وهذا بحد ذاته يعتبر تهديداً، وهو ما يطلق عليه بعض الإسرائيليين "القنبلة السكانية الموقوتة".
من أجل الحفاظ على الأغلبية اليهودية الضئيلة في المناطق التي تدعي إسرائيل أنها لها، قرر حزب الليكود الانسحاب أحادياً من غزة. من خلال انسحابها من غزة، أزالت إسرائيل، أو ظنت أنها أزالت، بضربة واحدة، 1.4 مليون فلسطيني من المعادلة السكانية الكلية.
زعم شارون أنه من خلال الانسحاب من غزة، فإن حكومته كانت تساهم في خدمة عملية السلام مع الفلسطينيين. ولكن كانت تلك في حقيقة الأمر خطوة إسرائيلية أحادية، تم اتخاذها فقط ضمن ما كان يعتبر مصلحة قومية إسرائيلية.
كشف عن طبيعة هذا الإجراء نفس الاسم الذي أطلق عليه، ألا وهو "فك الارتباط الأحادي مع غزة." لم يكن فك الارتباط مع غزة مقدمة لانسحابات أخرى من الضفة الغربية، ولا ريب على الأطلاق في أنه لم يكن مساهمة في صنع السلام.
لم تلبث البيوت التي تم التخلي عنها في غزة أن دمرت بالجرافات تدميراً تاماً ضمن ما اعتبر سياسة الأرض المحروقة. كان الاعتبار المهيمن من وراء الإجراء هو تحويل الموارد بعيداً عن غزة من أجل حماية وتعزيز المستوطنات الإسرائيلية الأهم في الضفة الغربية.
خلال العام الذي تلا سحب ثمانية آلاف مستوطن من غزة، أحضر حزب الليكود اثني عشر ألف مستوطن جديد إلى الضفة الغربية. يبلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية اليوم سبعمائة ألفاً، بما في ذلك أولئك الذي يستوطنون داخل القدس الشرقية. من الجدير بالانتباه أن الإجراء الذي اتخذ في عام 2005 لم يتم تنسيقه مع السلطة الفلسطينية.
كان هدف حكومة شارون بعيد المدى هو إعادة رسم حدود إسرائيل العظمى بشكل أحادي. وكان فك الارتباط مع غزة خطوة من الخطوات التي اتخذت من أجل تنفيذ هذه الاستراتيجية الكلية. وكانت الخطوة الأخرى هي بناء ما يسمى بالحاجز الأمني حول الضفة الغربية، والذي كان يتعلق، في حقيقة الأمر، بالاستيلاء على المزيد من الأرض بقدر ما كان يتعلق بالاحتياجات الأمنية. قيل حينها إنه إجراء أمني مؤقت، ولكن كان المقصود منه رسم الحدود النهائية لإسرائيل الكبرى.
ينبثق الإجراءان كلاهما من رفض مبدئي للحقوق الوطنية الفلسطينية. ولقد عكسا كلاهما عزم إسرائيل على منع الفلسطينيين منعاً باتاً من تحقيق الاستقلال على أرضهم. وكانت الغاية من قطع الصلة تماماً بين قطاع غزة والضفة الغربية هو إعاقة النضال الفلسطيني الموحد من أجل الاستقلال. وعلى المستوى التكتيكي، مكن الانسحاب من غزة سلاح الجو الإسرائيلي من قصف القطاع كما يشاء وحينما يشاء، وهو الأمر الذي كان متعذراً طالما تواجد المستوطنون الإسرائيليون هناك.
نصر حماس الانتخابي
بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، خففت حماس من برنامجها وتوجهت نحو صناديق الاقتراع كسبيل للوصول إلى السلطة. كان ميثاقها الذي صدر في عام 1988 يعتبر وثيقة معادية للسامية. ولكن من على منصتها الانتخابية في يناير 2006، عبرت ضمنياً عن قبولها بوجود إسرائيل وخفضت سقفها للقبول بدولة فلسطينية مستقلة على امتداد حدود عام 1967.
إلا أن حماس رفضت التوقيع على اتفاقية سلام رسمية مع إسرائيل، وأصرت على حق العودة للاجئي 1948، فيما اعتبر على نطاق واسع تعبيراً عن الرغبة في تفكيك إسرائيل كدولة يهودية.
حققت حماس فوزاً قاطعاً في الانتخابات الحرة والنزيهة، ليس فقط في غزة، بل وفي داخل الضفة الغربية كذلك. ونظراً لأنها فازت بمقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية مطلقة، مضت حماس لتشكل الحكومة طبقاً لما هو متعارف عليه في الإجراءات الديمقراطية.
كان انتصار حماس بمثابة مفاجأة غير سارة لإسرائيل وداعميها الغربيين. رفضت إسرائيل الاعتراف بالحكومة الجديدة ولجأت إلى شن حرب اقتصادية عليها من أجل تقويضها. قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في تصرف جللهما بالعار الأبدي، الاقتداء بالنموذج الإسرائيلي، فرفضا الاعتراف بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً، وانضما إلى إسرائيل في خوض حرب اقتصادية ضدها لتقويضها.
هذا فقط نموذج واحد، من بين كثير من النماذج، على النفاق الغربي في التعامل مع إسرائيل وفلسطين. يدعي الزعماء الغربيون أنهم يؤمنون بالديمقراطية، وأن هدفهم حول العالم هو الترويج للديمقراطية، فلقد غزوا العراق في عام 2003 باسم الديمقراطية، ولكن انتهى بهم المطاف إلى تدمير البلد والتسبب في مقتل مئات الآلاف من سكانه.
وكذلك استخدمت التدخلات العسكرية الغربية في أفغانستان وسوريا وليبيا أيضاً الديمقراطية قناعاً تخفي من ورائه الأطماع الإمبريالية. انتهت كل هذه التدخلات إلى فشل ذريع. تحتاج الديمقراطية لأن تبنى من قبل الناس من أسفل إلى أعلى، ولا يمكن أن تفرض عليهم من قبل جيش أجنبي يصوب نحوهم بنادقه أو مدافع دباباته.
كانت فلسطين نموذجاً مضيئاً للديمقراطية الفعلية، إذ كانت، ربما باستثناء لبنان، الديمقراطية الأصيلة الوحيدة في العالم العربي، مقارنة بما يمارس فيه من ديمقراطية زائفة. فرغم ظروف بالغة الصعوبة في ظل احتلال عسكري قاهر، نجح الفلسطينيون في بناء نظام سياسي ديمقراطي. نطق الشعب الفلسطيني وقال كلمته، ولكن إسرائيل وحلفاءها الغربيين رفضوا الاعتراف بنتيجة الانتخابات لأن الشعب صوت للحزب الخطأ الذي لا يروق لهم.
في شهر مارس (آذار) من عام 2007، شكلت حماس حكومة وحدة وطنية بالاشتراك مع فتح، حزب التيار الرئيسي الذي جاء في المرتبة الثانية في صناديق الاقتراع. كانت حكومة معتدلة، تكونت بشكل أساسي من تكنوقراط بدلاً من سياسيين. ودعت حماس شريكها في الائتلاف إلى التفاوض مع إسرائيل على إبرام اتفاق هدنة طويلة المدى.
وما كان أكثر أهمية من عرض الهدنة طويلة المدى هو قبول حماس بتسوية على أساس حل الدولتين (بما في ذلك الاعتراف الضمني بوجود إسرائيل كأمر واقع). تمت الإشارة إلى ذلك القبول في إعلان القاهرة الذي صدر في عام 2005، ثم في وثيقة الأسرى التي نشرت في عام 2006، وأخيراً في اتفاق مكة بين حماس وفتح في عام 2007.
تكاد تكون حماس قد وافقت صراحة على تسوية حل الدولتين، وكما لاحظ مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط ألفارو دي سوتو، كان يمكن لهذا الموقف أن يتطور أكثر – لولا أن إسرائيل وحلفاءها قابلوا كل الاستهلالات بالرفض القاطع. ومع ذلك، استمر زعماء حماس في التوضيح، في تصريحات لاحقة أكثر من أن تحصى، أن لديهم الاستعداد للقبول بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967.
حصار جائر
لم تكتف إسرائيل برفض دعوة حماس إلى إبرام هدنة ورفض عرضها التفاوض على تسوية تقوم على حل الدولتين، بل شاركت في مؤامرة للانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية وإخراج حماس من السلطة.
في عام 2008، كشف تسريب لوثائق تشتمل على محاضر اجتماعات المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عن أن إسرائيل والولايات المتحدة سلحتا ودربتا القوات الأمنية التابعة للرئيس محمود عباس من أجل الإطاحة بحكومة حماس.
فيما بعد، تم الكشف عن مزيد من التفاصيل عبر "الأوراق الفلسطينية"، والتي هي عبارة عن خبيئة تتكون من 1600 وثيقة دبلوماسية سُربت إلى قناة الجزيرة، وكشفت عن تشكيل لجنة سرية أطلق عليها اسم لجنة غزة، وتتكون من أربعة أعضاء هم: إسرائيل والولايات المتحدة وحركة فتح والمخابرات المصرية. وكانت الغاية من تلك اللجنة هي عزل وإضعاف حماس ومساعدة فتح على القيام بانقلاب من أجل إعادة الاستيلاء على السلطة.
قررت حماس استباق الانقلاب الفتحاوي، فاستولت على السلطة في غزة بالقوة في شهر يونيو (حزيران) 2007. منذ ذلك الحين وفرعا الحركة الوطنية الفلسطينية في حالة من الانقسام، حيث تحكم حماس قطاع غزة انطلاقاً من مدينة غزة بينما تحكم السلطة الفلسطينية، التي تهيمن عليها حركة فتح، الضفة الغربية انطلاقاً من رام الله.
من الجدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية، التي تمول بشكل أساسي من قبل الاتحاد الأوروبي، وبدرجة أقل من قبل الولايات المتحدة، تعمل جوهرياً كما لو كانت مقاولاً بالباطن مستأجراً لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية. وهي سلطة فاسدة، منعدمة الكفاءة، وعاجزة.
ونتيجة لذلك فهي لا تحظى إلا بنزر يسير من الشرعية داخل الضفة الغربية، وبقدر أقل من ذلك داخل قطاع غزة.
كان رد فعل إسرائيل على استيلاء حماس على السلطة هو تكثيف الحصار المفروض على غزة. ولم تزل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الحلفاء الأوروبيين يساهمون في هذا الحصار الجائر المستمر منذ سبعة عشر عاماً، والذي يسبب المشقة والمعاناة لسكان القطاع، ويتضمن تحكم إسرائيل الكامل ليس فقط بما يستورد إلى داخل القطاع، بل وأيضاً ما يسمح بتصديره إلى خارجه، بما في ذلك السلع الزراعية.
وهذا الحصار المفروض على غزة ليس فقط جائراً وغير إنساني، بل هو بكل بساطة غير قانوني. فالحصار نوع من أنواع العقاب الجماعي، وهو محرم صراحة في القانون الدولي. ومع ذلك أخفق المجتمع الدولي بشكل ذريع في مساءلة إسرائيل ومحاسبتها على هذا الفعل وعلى بقية أفعالها غير القانونية. في هذه الأثناء تنفي إسرائيل أنها القوة المحتلة لقطاع غزة.
إلا أن الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، كلها خلصت إلى أن إسرائيل تبقى في حالة من ممارسة "الاحتلال الفعلي" على الرغم من الانسحاب المادي، وذلك لأنها تستمر في التحكم بالعبور من وإلى القطاع براً وبحراً وجواً.
بعد حرمانها من ثمار انتصارها الانتخابي، لجأت حماس إلى سلاح الضعيف، إلى ما تطلق عليه إسرائيل "الإرهاب"، وهذا اتخذ شكل الهجمات الصاروخية التي تنطلق من غزة باتجاه جنوب إسرائيل، فيرد الجيش الإسرائيلي على ذلك بقصف غزة، وهكذا استمرت دائرة العنف المتبادل والتصعيد، إلى أن نجحت مصر في شهر يونيو (حزيران) من عام 2008، في التوسط لإبرام اتفاق وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
نجح وقف إطلاق النار نجاحاً باهراً، فخلال الشهور الستة التي سبقت شهر يونيو (حزيران) كان معدل الصواريخ التي تطلق من غزة باتجاه إسرائيل 179 في الشهر، وخلال الشهور التي تلت الاتفاق أصبح معدل الصواريخ ثلاثة في الشهر. إلا أن الجيش الإسرائيلي قام في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 بشن غارة داخل غزة، مما أدى إلى مقتل ستة مقاتلين من حماس، كما أدى إلى قتل الهدنة، وبالتالي إلى استئناف فوري للقتال بين الطرفين.
عرضت حماس تجديد وقف إطلاق النار بناء على الشروط الأصلية، والتي تضمنت إنهاء الحصار، إلا أن إسرائيل رفضت العرض وراحت تستعد لتجديد القتال. لدى حماس سجل ناصع البياض فيما يتعلق بالالتزام بوقف إطلاق النار، أما إسرائيل فلا. كل اتفاقات وقف إطلاق النار التي توسطت مصر لإبرامها تم خرقها من قبل إسرائيل بعد أن قضت غايتها منها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة حماس نتنياهو حماس غزة نتنياهو طوفان الاقصي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطة الفلسطینیة الشعب الفلسطینی الانسحاب من غزة وقف إطلاق النار الأمم المتحدة الضفة الغربیة إسرائیل على بین إسرائیل فک الارتباط أن إسرائیل بما فی ذلک فی عام 2005 قطاع غزة من خلال نکبة 2023 فی شهر من عام من أجل عام 1967 ما کان من قبل فی غزة إلا أن
إقرأ أيضاً:
ما أبرز مشاريع مركز الاتصالات من أجل السلام وكيف يحرض ضد غزة وحماس؟
تظاهر فلسطينيون في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة للمطالبة بوقف الحرب على قطاع غزة، وهو ما تضمن هتافات تطالب بتخلي حركة حماس عن حكم القطاع.
ووجد الاحتلال الإسرائيلي في هذه المظاهرة فرصة لممارسة تحريض واسع ضد الحركة، وهو ما أكده الكاتب الإسرائيلي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" غادي عزرا، قائلا: "في الآونة الأخيرة، ظهرت تقارير عن مظاهرات في غزة ضد حماس، ووسائل الإعلام تناقلت الحدث، ورئيس الوزراء تطرق إليه في خطابه، ووزراء علقوا عليه، والصحافة الدولية تناولته بتوسع".
وأكد عزرا أنه "حتى الآن، لا يمكن التأكد من مدى صدق هذه الاحتجاجات أو حجمها الحقيقي، إلا أنها ذات أهمية بالغة، وإذا صدق الأمر أن هناك شرخ بدأ يتكون بين حماس والسكان، وعلى إسرائيل أن تعمل على تعميقه وتوسيعه، ليصبح منفذا حقيقيا نحو تغيير الوضع".
ولم ينتظر الاحتلال دعوة الكاتب الإسرائيلي لبدء ممارسة التحريض ضد قطاع غزة وحركة حماس، فهو يمارس ذلك منذ سنوات، وعبر أذرع مختلفة لعل أبرزها في السنوات الأخيرة كان مركز الاتصالات من أجل السلام.
Gazans have hit the streets in unprecedented numbers to challenge Hamas rule.
Their demand: "Hamas, for God's sake get out" and "free the hostages."
Through our partnership with @TheFP, this riveting video tells the story.
Watch: pic.twitter.com/uYAWoK3xHz — Center for Peace Communications (@PeaceComCenter) March 28, 2025
ما هو المركز؟
يعد "مركز الاتصالات من أجل السلام - Center for Peace Communications" المعروف اختصارا بـ"CPC"، منظمة غير ربحية أميركية تأسست عام 2019 ومقرها نيويورك، ويقدم نفسه على أن مهمّته هي "دعم جهود بناء التأييد الشعبي للمصالحة وحلّ النزاعات القائمة على الهوية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، وذلك من خلال برامج في الإعلام والتعليم والقيادات الدينية وغيرها.
وأسس المركز ويرأسه حاليا جوزيف برود، وهو أمريكي يهودي من أصول عراقية، يعمل كاتبا وباحثا مختصا في شؤون العالم العربي، ودرس اللغات الشرقية في جامعة ييل والتاريخ الإسلامي في جامعة برنستون، ويتقن العربية والعبرية والفارسية.
وأصدر برود كتابًا بعنوان "الاسترداد: سياسة ثقافية للشراكة العربية الإسرائيلية" عام 2019 عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، التي جرى تأسيسه من قبل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "آيباك – AIPAC"، وهي كبرى منظمات اللوبي المؤيد لـ"إسرائيل" في الولايات المتحدة، ويتلقى تمويله منها.
وقد وصف معهد واشنطن كتاب برود المذكور بأنه "الخطوة الأولى في إنشاء مركز اتصالات السلام"، حيث دعا برود فيه إلى إنشاء هيئة تنسّق جهود التطبيع العربي مع "إسرائيل".
يتألف الهيكل الإداري للمركز من فريق تنفيذي ومجلس إدارة: يرأس جوزيف برود الإدارة التنفيذية بصفته الرئيس والمدير التنفيذي، بينما يشغل مايكل نحوم منصب مدير العمليات، وهو متقن للعربية والعبرية وخبير في الإعلام الإقليمي.
ويضم الفريق أيضًا أحد الهندي الذي يعمل في اللجنة التنفيذية للمجلس العربي للتكامل الإقليمي (أحد مشاريع المركز)، أما مجلس الإدارة فيرأسه السفير الأميركي السابق في "إسرائيل" دينيس روس بصفته رئيسًا للمجلس، وهو الذي ساهم في "مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية" منذ تسعينيات القرن الماضي، وكان مبعوثًا خاصا لعملية السلام.
“Hamas did to us exactly what Assad did to Syrians ... They used methods such as sodomy, beatings, and torture.”
Gazan dissidents, inspired by the liberation of Syrian prisons, open up about their abuse by Hamas.
Watch: pic.twitter.com/MlnI8JdtFf — Center for Peace Communications (@PeaceComCenter) January 13, 2025
ويضم مجلس الإدارة أربعة أعضاء بارزين هم: جورجيت بينيت وهي عالمة اجتماع وفاعلة خير أسست منظمات للحوار الديني والإغاثة الإنسانية؛ وتينا سنايدر وهي سيدة أعمال ترأس مؤسسة للحفاظ على الثقافة اليهودية وتشارك أيضًا في مجلس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات؛ بالإضافة إلى هيث غرانت وهو أكاديمي متخصص في برامج سيادة القانون عالميًا؛ وأخيرًا جوناثان شانزر وهو خبير وباحث يشغل منصب نائب رئيس الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن.
الأهداف والمشاريع
يهدف المركز إلى "تعزيز السلام" في الشرق الأوسط من خلال تشجيع المصالحة والتواصل بين الشعوب المختلفة، يعمل عبر عدة مجالات، منها الإعلام، حيث ينتج محتوى متعدد اللغات لدعم التعايش والتعليم بتنظيم ورش عمل للمعلمين والصحفيين لتعزيز ثقافة السلام.
ويركز على المناصرة، من خلال التواصل مع صناع القرار لـ"دعم التعاون العربي الإسرائيلي"، ومكافحة التضليل عبر مواجهة الدعاية المتطرفة.
ويدعم المركز البحث والدبلوماسية الشعبية عبر دراسات ومؤتمرات غير رسمية تجمع شخصيات عربية وغربية وإسرائيلية لتعزيز "الحوار حول السلام".
على الرغم من هذه الأهداف المعلنة ذات اللغة التصالحية، تشير تحليلات مستقلة إلى أن النشاط الفعلي للمركز يتركز بشكل شبه حصري حول دفع عملية التطبيع العربي مع "إسرائيل" وترويج الرواية الإسرائيلية.
ويعد "المجلس العربي للتكامل الإقليمي - The Arab Council" من أهم مشاريع المركز، وهو تجمع أطلقه لشخصيات عربية تدعو للانفتاح على "إسرائيل"، ويضم أعضاء من دول مختلفة مثل نجل شقيق الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي يدعو إلى التواصل مع الإسرائيليين ونبذ المقاطعة.
ويعمل المجلس تحت إشراف المركز، ونظّم لاحقًا فعاليات في واشنطن وباريس وغيرها للضغط باتجاه دعم "الشرعية الإقليمية لإسرائيل".
نظم المركز أيضا مؤتمر أربيل عام 2021 في إقليم كردستان العراق بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر، ودعا فيه أكثر من 300 شخصية عراقية بينهم شيوخ عشائر إلى التطبيع العلني بين العراق و"إسرائيل".
وجاء في بيان المؤتمر الختامي مطالبة الحكومة العراقية بالانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام" وإقامة علاقات طبيعية مع "إسرائيل"، وهو ما أثار المؤتمر ضجة كبيرة، وسارعت حكومة الإقليم حينها إلى التبرؤ منه وفتحت تحقيقًا بشأن انعقاده على أراضيها.
أطلق المركز أيضا سلسلة "وشوشات من غزة - Whispered in Gaza"، في كانون الثاني/ يناير 2023 لـ"نقل صوت سكان غزة الواقعين تحت حكم حركة حماس".
وتضمن المشروع 30 مقابلة قصيرة مع مواطنين من غزة، عُرضت بطريقة الرسوم المتحركة لحجب هوية المتحدثين.
بثّت قناة العربية السعودية هذه السلسلة على مدار شهر، وسرد خلالها الغزيون تفاصيل من معاناتهم الحياتية وانتقاداتهم لسلوك حماس في القطاع، تميزت الشهادات بتركيزها على "انتهاكات حكومة حماس" بحق السكان، مثل القمع والفساد، بينما أغفلت تمامًا ذكر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة وتبعاته.
????وفي يناير الفائت، بثّت قناة العربية، مسلسلًا من 30 حلقة قصيرة بعنوان "وشوشات من غزة"، فيه تُستَعرض شهادات لسكانٍ في غزة يروون فيها تفاصيل مختلفة من حياتهم داخل القطاع في ظل حكومة حماس. pic.twitter.com/5NlBrMZjwb — Misbar - مسبار (@misbarfc) November 26, 2023
عرضت الشبكة السعودية الشهيرة المسلسل "وشوشات من غزة"، الذي أنتج أيضا بالتعاون مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، وتولت "قناة العربية" إصداره باللغة العربية، وصدر بـ 6 لغات أخرى.
وأطلق المركز أيضا مبادرة "سلام الجيران"، وهو مشروع فني ثقافي نظمه المركز للتقريب بين العرب والإسرائيليين عبر الموسيقى، من أمثلة ذلك أغنية "سلام الجيران" التي صدرت في 2020 بأداء مشترك بين المطرب التونسي نعمان الشعري والمغني الإسرائيلي زيف يحزقيل.
وكسرت هذه الأغنية محظورًا ثقافيًا كونها أول عمل فني يجمع فنانا عربيا بإسرائيلي ويغنيان بالعربية والعبرية حول فكرة التعايش.
وأطلع المركز العديد من المبادرات في ذات سياق ترويج التطبيع، مثل "برنامج التعلم بالمشاركة" الذي يشجع تبادل الخبرات التعليمية بين مدارس في دول عربية و"إسرائيل"، ومشروع "تحالف من أجل لبنان" الذي يبحث في سبل الالتفاف على قوانين مقاطعة "إسرائيل" الصارمة في لبنان.
التمويل
اعتمد مركز الاتصالات من أجل السلام على دعم شبكات الضغط والتمويل المؤيدة لـ"إسرائيل"، وأبرزها لجنة "آيباك" ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حيث ساهم الأخير في تأسيس المركز عبر مؤسسه جوزيف برود، الذي قدم أيضًا تمويلاً تأسيسيًا.
ويلعب مجلس إدارة المركز دورًا بارزًا في التمويل والدعم، إذ يضم شخصيات ذات صلات قوية بالمؤسسات الداعمة لـ"إسرائيل"، مثل دينيس روس، وجورجيت بينيت، وتينا سنايدر، وجوناثان شانزر، وهيث غرانت، الذين يجلبون تمويلًا من جهات متنوعة، لا سيما في مجالات الحوار الديني و"مكافحة التطرف".
كشف تحقيق أن "آيباك" هي الممول الرئيسي غير المعلن للمركز، حيث يتم التمويل عبر مؤسسات وأفراد مرتبطين بها، كما أن معهد واشنطن ساهم في دعم فعاليات تدعو لشرعنة "إسرائيل" إقليميًا. كما حصل مشروع المجلس العربي على دعم غير معلن من جهات خليجية عقب "اتفاقيات أبراهام" لتعزيز مسار التطبيع.
ولا يكشف المركز بشكل علني عن مموليه، إلا أن تركيبته وشراكاته تكشف اعتمادًا كبيرًا على موارد اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وشبكات التمويل الغربية المؤيدة للتطبيع.
ولا يُعرف حتى الآن عن حصول المركز على منح حكومية أميركية أو أوروبية مباشرة؛ فغالب دعمه يأتي من القطاع الخاص غير الحكومي، وهو الذي يؤكد استقلاليته كمؤسسة غير ربحية مسجلة.
استهداف الفلسطينيين
رغم أن مركز الاتصالات يركز على العلاقات بين الإسرائيليين والعرب، فإنه يفتقر إلى التمثيل الفلسطيني في إدارته وموظفيه، ويهيمن عليه شخصيات أمريكية وإسرائيلية ومؤيدة لـ"إسرائيل".
وبعدما أطلق المركز مشروع "وشوشات من غزة" عام 2023، حيث قدّم شهادات لفلسطينيين من داخل القطاع حول معاناتهم تحت حكم حماس، واستمر في ذلك خلال حرب الإبادة بعد تشرين الأول/ أكتوبر من نفس العام، وأطلق مبادرة "أصوات من غزة" التي تضمنت شهادات جديدة لفلسطينيين يحمّلون حماس مسؤولية الحرب، وتم نشر هذه الروايات في وسائل إعلام غربية وإسرائيلية.
وبينما أبدى بعض الفلسطينيين المعارضين لحماس والمؤيدين للتطبيع ترحيبا بمبادرات المركز، أكدت أوساط واسعة رفضها لهذه المشاريع الداعمة للاحتلال والتي تحمل على تحسين صورته وتبييض جرائمه المستمرة في المنطقة وخاصة في فلسطين.
حرب الإبادة
لعب المركز دورًا إعلاميًا بارزًا لصالح الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة، حيث ركز على تحميل حركة حماس المسؤولية الكاملة عن الكوارث الإنسانية في القطاع، متجاهلًا إلى مسؤولية "إسرائيل" في القصف والمعاناة المدنية.
تبنى المركز خطابًا مناهضًا لحماس منذ اليوم الأول، مستخدمًا عدة أدوات منها البيانات والتغريدات الرسمية، إذ عمل نشر محتوى يحمل حماس مسؤولية الحرب، متهمًا إياها بجرّ غزة إلى الدمار، والتأكيد على استياء بعض سكان القطاع من حكمها.
Most Gazans support President Trump's call for voluntary resettlement, seeking refuge from Hamas brutality and the horrors of war. @PeaceComCenter's @JosephBraude: "Those who deny their aspirations are erasing the cries of over a million people."https://t.co/bG6bGmO8Gf — Center for Peace Communications (@PeaceComCenter) March 12, 2025
وواصل المركز مشروع "أصوات من غزة"، ونقل شهادات مصورة عن احتجاجات ضد حماس، ما دفع وسائل إعلام غربية مثل "فوكس نيوز" إلى نشرها وتعزيز فكرة أن "إزالة حماس مطلب داخلي فلسطيني وليس مجرد هدف إسرائيلي".
وتعرّض المركز لانتقادات بسبب انحيازه للرواية الإسرائيلية رغم تبنّيه لغة "السلام"، فقد حمّل حماس وحدها مسؤولية الحرب والضحايا، متجاهلًا أفعال جيش الاحتلا مثل القصف الواسع النطاق وتعمد استهداف المدنيين واستخدام التجويع كسلاح وغيرها من الانتهاكات الواسعة وغير المسبوقة.
وتجاهل المركز المعاناة الإنسانية للفلسطينيين، وركز فقط على ربطها بحكم حماس، بينما دعت منظمات دولية مثل جي ستريت إلى حماية المدنيين الفلسطينيين وانتقدت القصف العشوائي.
وانتقى المركز أصواتًا فلسطينية معارضة لحماس، مغيّبًا أي أصوات أخرى تدين الهجمات الإسرائيلية، في حين عرضت وسائل إعلام أكثر مهنية وجهات نظر متعددة.
لم يتبنَّ المركز لغة حقوقية محايدة، بل سعى لتبرير أفعال "إسرائيل" وتفنيد اتهامات المنظمات الحقوقية لها بارتكاب جرائم حرب، كما استغل الحرب لتعزيز أجندة التطبيع الإقليمي، معتبرًا أن الحل يكمن في تجاوز الفلسطينيين، بينما أكدت كبرى منظمات السلام الأخرى استحالة تحقيق السلام دون حل عادل للقضية الفلسطينية.
وانحاز خطاب المركز بالكامل للرؤية الإسرائيلية، مستخدمًا لغة تحريضية ضد حماس، دون تعاطف مع الضحايا المدنيين أو نقد للنهج العسكري الإسرائيلي، ما جعله جزءًا من الدعاية الإسرائيلية.
احتفاء إسرائيلي
رحبت الصحفية والمحللة السياسية الأميركية الإسرائيلية، كارولينا غليك والمعروفة بآرائها اليمينية والداعمة لـ"إسرائيل" بالمحتوى الذي يقدمه المركز، وأعادت نشر إحدى مقاطعه المصورة، قائلة: إنه "بفضل يوآف غالانت وهرتسي هاليفي، اللذين، انطلاقا من عبقريتهما الأمنية غير السياسية واحترافيتهما، رفضا السماح للجيش الإسرائيلي بتوزيع المساعدات، وبالتالي إدامة نظام حماس ومنع النصر في المعركة".
وجاء تعليق غليك على مقطع يتهم حركة حماس بالسيطرة على المساعدات التي كانت تدخل بشكل محدود إلى قطاع غزة، دون حتى التطرق إلى منع الاحتلال دخول هذه المساعدات بالإضافة إلى المواد الغذائية والوقود المخصص لتشغيل المستشفيات والمرافق الأساسية، إلى القطاع طوال فترات الحرب، هذا فضلا عن قطع الكهرباء وإمدادات المياه الشحيحة.
תודה ליואב גלנט והרצי הלוי, שמתוך גאונות בטחונית ומקצועיות א-פוליטית גרידא, מסרבים לאפשר לצה"ל לתלק את הסיוע ובכך מנציחים את משטר החמאס ומונעים ניצחון במערכה. https://t.co/HKMBempPPk — Caroline Glick (@CarolineGlick) August 29, 2024
كارولينا غليك تُعتبر من المؤيدين البارزين لسياسات بنيامين نتنياهو، خاصة فيما يتعلق بالأمن القومي، والاستيطان، ورفض حل الدولتين. لطالما دعمت غليك توجهات اليمين الإسرائيلي، وعُرفت غليك بانتقاداتها الحادة للسياسات الدولية التي ترى أنها تضغط على "إسرائيل" لتقديم تنازلات للفلسطينيين، ورغم تأييدها العام لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، فإنها في بعض المناسبات انتقدته، معتبرة أنه لا يتخذ خطوات حازمة بما فيه الكفاية فيما يخص ضم الضفة الغربية أو التعامل مع التهديدات الأمنية، خاصة من إيران وحماس.
ومع ذلك، تظل قريبة من التيار السياسي الذي يقوده نتنياهو، وكتاباتها تتماشى مع رؤية نتنياهو لـ"أمن إسرائيل" وعلاقاتها الدولية.
لم تكن كارولينا غليك مستشارة رسمية لبنيامين نتنياهو، لكنها تُعتبر من الأصوات البارزة في دعم سياساته من خلال كتاباتها وتحليلها السياسي، وهي معروفة أيضا بآرائها الداعمة للسياسات الاستيطان ورفض حل الدولتين.
وعملت غليك سابقًا كمستشارة في جيش الاحتلال الإسرائيلي ولعبت دورًا في صياغة السياسات، لكنها لم تشغل منصبًا رسميًا في مكتب نتنياهو.
ومع ذلك، تأثيرها الفكري والإعلامي يُعتبر داعمًا لنهجه السياسي، وكثيرًا ما تُستخدم تحليلاتها لتبرير سياسات اليمين الإسرائيلي.
العلاقات والشراكتات
يتمتع المركز بشبكة واسعة من العلاقات الإقليمية والدولية التي تدعم توجهاته في تعزيز التطبيع العربي الإسرائيلي، تربطه علاقة وثيقة بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ويستفيد من دعمه البحثي ومنابر نشر أفكاره، مما وفر له مصداقية لدى صناع القرار الغربيين.
ولعب المركز دورا في تمرير "قانون تطبيع العلاقات مع إسرائيل" في الكونغرس الأميركي، الذي يحمي العرب المتواصلين مع "إسرائيل" من العقوبات في بلدانهم.
على الصعيد الإعلامي، يتعاون المركز مع شبكات إعلامية عربية وإسرائيلية، مثل شبكة إم بي سي - MBC" السعودية وصحفيين إسرائيليين، من اجل نشر محتوى يخدم أهدافه، لا سيما في مواجهة السردية المناهضة للتطبيع.
"Where are your humanitarian instincts being directed?" asks @PeaceComCenter's @JosephBraude on The @Karol Markowicz Show -- and urges campus protesters to choose between supporting Hamas and supporting the people who suffer under its rule in Gaza.
More: https://t.co/TlV2jfa849 pic.twitter.com/Ea0JrtMCmI — Center for Peace Communications (@PeaceComCenter) March 6, 2025
ويحظى المركز بعلاقات مع حكومات عربية وشخصيات مؤيدة للتطبيع، حيث دعمته دول "اتفاقيات أبراهام"، وأقام شراكات في المغرب وإقليم كردستان العراق رغم المعارضة الرسمية.
يعمل المركز أيضًا بتنسيق مع مؤسسات إسرائيلية، مثل وزارة الخارجية الإسرائيلية ومعاهد أكاديمية، لضمان توافق استراتيجياته مع التوجه الإسرائيلي في تعزيز التحالفات العربية المؤيدة للتطبيع.
ويسعى لبناء حضور دولي عبر علاقات أوروبية، حيث تواصل مع البرلمان الفرنسي والاتحاد الأوروبي ومنظمة اليونسكو، كما يحافظ على صلات مع شخصيات من مصر والأردن، لكنه يتجنب انتقاد سياسات هذين البلدين، مركّزًا انتقاداته على حماس وإيران والدول المناهضة للتطبيع.