كتب المؤرخ البريطاني اليهودي ورقة بحثية شاملة حول تاريخ قطاع غزة منذ النكبة في أيار/ مايو 1948 وحتى ما يسميها "حرب نكبة 2023". واستعرض المؤرخ المرموق والأستاذ في جامعة أوكسفورد جذور "نكبة 2023"، مشيرا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي استمر عمليا بعد الانسحاب من غزة عام 2005 وفق المنظمات الدولية، لأنه استمر بالتحكم في الممرات البحرية والجوية والبرية.



وأضاف شليم في الدراسة التي نشرها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أن "إسرائيل" لديها سجل كبير في خرق اتفاقيات وقف إطلاق النار في غزة، بينما حماس لديها "سجل ناصع" من الالتزام بها.

عربي21 ترجمت الدراسة كامة، وتنشرها على ثلاثة أجزاء، وفيما يلي الجزء الأول:

الحرب على غزة: نتنياهو، حماس، وجذور حرب نكبة 2023

بقلم المؤرخ البريطاني اليهودي آفي شليم

ميدل إيست آي

21 ديسمبر (كانون الأول) 2023

الجزء الأول

عندما انسحبت إسرائيل من غزة في عام 2005، حولت القطاع الصغير إلى سجن مفتوح في الهواء الطلق. ثم جاء رد إسرائيل على هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 – والمتمثل في قصف غزة بلا توقف من الأرض والبحر والجو – ليحول هذا السجن المفتوح في الهواء الطلق إلى مقبرة مفتوحة، وإلى أكوام من الركام، وإلى أرض خربة مهجورة.

في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي، قال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش إن هجوم حماس، الذي قتل فيه 1200 شخص معظمهم من الإسرائيليين وأخذت فيه 250 رهينة، لم يحدث في فراغ. ولاحظ أن "الشعب الفلسطيني يتعرض منذ ستة وخمسين عاماً لاحتلال خانق". ثم أضاف مباشرة بعد ذلك: "إن تظلمات الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تبرر الهجمات المروعة التي قامت بها حماس، كما أن هذه الهجمات المروعة لا تبرر العقاب الجماعي الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني".

رد السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة جلعاد إردان بشن هجوم شخصي شرس على الأمين العام زاعماً، زوراً وبهتاناً، أنه اتهم إسرائيل بفرية الدم (ذبح أطفال الآخرين لاستخدام دمهم في صناعة الفطير اليهودي)، وطالب باستقالته، ثم توج ذلك بمطالبة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتوقف عن تمويل المنظمة.

ليس جديداً على إسرائيل مناهضة الأمم المتحدة والعمل على إعاقة عملها، إلا أن ما كان مذهلاً حقاً في هذه المناسبة هو ذلك التناقض البين ما بين نزاهة وإنسانية الأمين العام من جهة ووقاحة وفظاظة المندوب الإسرائيلي من جهة أخرى.

أقترح تقفي خطوات الأمين العام من خلال التأكيد على حقيقة لا لبس فيها، ألا وهي أن الصراع بين إسرائيل وحماس لم يبدأ في يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول). ولذلك لابد من وضع ذلك الحدث ضمن سياقه التاريخي المناسب.

قطاع غزة هو الاسم الذي يطلق على الجزء الجنوبي من السهل الساحلي لفلسطين، والمحاذي لمصر. كان القطاع جزءاً من فلسطين أثناء الانتداب البريطاني، والذي انتهى في شهر مايو (أيار) من عام 1948.

كان من المقرر بموجب خطة التقسيم الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1947 أن يشكل القطاع جزءاً من دولة فلسطين العربية، إلا أن هذه الدولة لم تكتب لها الولادة. أثناء حرب عام 1948 على فلسطين، استولى الجيش المصري على هذا القطاع شبه الصحراوي. ثم جاءت اتفاقية الهدنة بين إسرائيل ومصر عام 1949 لتترك هذه المساحة من الأرض في الجانب المصري من الحدود الدولية الجديدة. لم تضم مصر المنطقة، ولكنها أبقتها تحت الحكم العسكري بانتظار التوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي.

يبلغ طول القطاع 25 ميلاً ويتراوح عرضه ما بين أربعة إلى تسعة أميال، بمساحة إجمالية قدرها 141 ميلاً مربعاً. خلال حرب عام 1948، أضيف إلى سكان القطاع البالغ عددهم 70 ألف نسمة ما يقرب من 200 ألف لاجئ، مما نجم عنه مشكلة إنسانية ضخمة. تم تشكيل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من أجل توفير الغذاء والتعليم والخدمات الصحية للاجئين.

ثم احتلت إسرائيل قطاع غزة أثناء حرب السويس التي دارت رحاها في أكتوبر ونوفمبر (تشرين أول وتشرين ثاني) من عام 1956، ولكنها أجبرت تحت وطأة الضغوط الدولية على الانسحاب من القطاع في شهر مارس (آذار) من عام 1957. قتل عدد ضخم من المدنيين، وارتكبت فظائع على أيدي الجيش الإسرائيلي خلال فترة احتلال المنطقة، وهي فترة لم تدم طويلاً، ولكنها كانت ذات دلالة على ما هو قادم في قابل الأيام.

في عام 1967 احتلت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، بالإضافة إلى مرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء. ثم انسحبت من سيناء في عام 1981 كجزء من صفقة السلام التي أبرمتها مع مصر.

في شهر أغسطس (آب) من عام 2005، سحبت إسرائيل جنودها ومستوطنيها من قطاع غزة. زعم المتحدثون باسم إسرائيل أنهم من خلال الانسحاب يمنحون الفلسطينيين في غزة الفرصة لكي يحولوا القطاع إلى ما يشبه سنغافورة الشرق الأوسط.

وهو ادعاء غير معقول إذا ما أخذنا بالاعتبار الواقع المروع، ولكن ذلك ما هو معهود من الدعاية الإسرائيلية.

والواقع هو أنه ما بين عام 1967 وعام 2005، سادت حالة استعمارية كلاسيكية في قطاع غزة، حيث كان بضعة آلاف من المستوطنين الإسرائيليين يتحكمون بخمسة وعشرين بالمائة من المنطقة، وأربعين بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة، ويحظون بأكبر حصة من مصادر المياه التي هي أصلاً شحيحة للغاية.

لا يعاني قطاع غزة من التخلف أو الفقر لأن سكانه كسالى وإنما لأن النظام الاستعماري الإسرائيلي الجشع لم يترك لهم مجالاً للازدهار. فقد أعيق التقدم الاقتصادي بفعل استراتيجية إسرائيل التي كانت تتعمد الإفقار التنموي.

ساره روي، أستاذة يهودية في جامعة هارفارد، وهي ابنة لناجين من المحرقة، وخبيرة رائدة في أحوال قطاع غزة. فقد ألفت أربعة كتب حول غزة، كان أولها كتاب رائد في هذا المجال بعنوان "قطاع غزة، الاقتصاد السياسي للإفقار التنموي". فهي التي ابتدعت في هذا الكتاب وصاغت رسمياً مصطلح الإفقار التنموي، الذي غدا مصطلحاً محورياً.

والفكرة القوية التي عرضتها تتلخص في أن الوضع البائس في غزة لم يكن ناجماً عن أسباب موضوعية وإنما عن سياسة إسرائيلية متعمدة تستهدف إبقاء القطاع محروماً من التنمية وعالة على الاحتلال. على الرغم مما ووجهت به من معارضة شديدة من قبل الدوائر الأكاديمية حينما اقترحت للمرة الأولى استخدام المصطلح، إلا أنه ما لبث أن غدا مستخدماً على نطاق واسع وجزءاً من قاموس العلوم السياسية وغير ذلك من التخصصات العلمية. يستعرض الكتاب بالتفصيل الإجراءات المختلفة التي من خلالها تقوض إسرائيل التنمية الصناعية في قطاع غزة وتستغل القطاع كمصدر للعمالة الرخيصة، وكذلك كسوق لما تنتجه هي من سلع.

القنبلة السكانية الموقوتة

كانت هناك ثلاثة أسباب رئيسية من وراء اتخاذ حكومة الليكود اليمينية بقيادة آرييل شارون قرار الانسحاب من غزة في عام 2005. أما الأول فهو أن حماس، حركة المقاومة الإسلامية، شنت هجمات على الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، ونتيجة لذلك، تجاوزت تكاليف احتلال غزة المنافع التي كانت ترجى منه.

لم تعد اللعبة تستحق أن تضاء في سبيلها شمعة.

وأما الهدف الثاني من الإجراء فكان تخريب عملية أوسلو للسلام، وذلك بحسب ما شرحه مدير مكتب شارون دوف ويزغلاس في مقابلة مع صحيفة هآريتز في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2004، حيث قال:

"إن المغزى من ذلك هو تجميد العملية السياسية. وعندما تقوم بتجميد تلك العملية فإنك تحول دون قيام دولة فلسطينية، كما تحول دون إجراء أي نقاش حول اللاجئين والحدود والقدس. فعلياً، كل هذه الحزمة التي تسمى الدولة الفلسطينية، بكل ما تتضمنه أو تعنيه، تم استبعادها تماماً من أجندتنا وإلى غير رجعة. فك الارتباط كان بمثابة فورمالدهايد. فهو يزود من الفورمالدهايد الكمية الضرورية لضمان ألا تكون هناك عملية سياسية مع الفلسطينيين."

وأما السبب الثالث من وراء فك الارتباط فكان له علاقة بالتركيبة السكانية، إذ أن الفلسطينيين لديهم معدلات إنجاب أعلى من تلك التي لدى الإسرائيليين، وهذا بحد ذاته يعتبر تهديداً، وهو ما يطلق عليه بعض الإسرائيليين "القنبلة السكانية الموقوتة".

من أجل الحفاظ على الأغلبية اليهودية الضئيلة في المناطق التي تدعي إسرائيل أنها لها، قرر حزب الليكود الانسحاب أحادياً من غزة. من خلال انسحابها من غزة، أزالت إسرائيل، أو ظنت أنها أزالت، بضربة واحدة، 1.4 مليون فلسطيني من المعادلة السكانية الكلية.

زعم شارون أنه من خلال الانسحاب من غزة، فإن حكومته كانت تساهم في خدمة عملية السلام مع الفلسطينيين. ولكن كانت تلك في حقيقة الأمر خطوة إسرائيلية أحادية، تم اتخاذها فقط ضمن ما كان يعتبر مصلحة قومية إسرائيلية.

كشف عن طبيعة هذا الإجراء نفس الاسم الذي أطلق عليه، ألا وهو "فك الارتباط الأحادي مع غزة." لم يكن فك الارتباط مع غزة مقدمة لانسحابات أخرى من الضفة الغربية، ولا ريب على الأطلاق في أنه لم يكن مساهمة في صنع السلام.

لم تلبث البيوت التي تم التخلي عنها في غزة أن دمرت بالجرافات تدميراً تاماً ضمن ما اعتبر سياسة الأرض المحروقة. كان الاعتبار المهيمن من وراء الإجراء هو تحويل الموارد بعيداً عن غزة من أجل حماية وتعزيز المستوطنات الإسرائيلية الأهم في الضفة الغربية.

خلال العام الذي تلا سحب ثمانية آلاف مستوطن من غزة، أحضر حزب الليكود اثني عشر ألف مستوطن جديد إلى الضفة الغربية. يبلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية اليوم سبعمائة ألفاً، بما في ذلك أولئك الذي يستوطنون داخل القدس الشرقية. من الجدير بالانتباه أن الإجراء الذي اتخذ في عام 2005 لم يتم تنسيقه مع السلطة الفلسطينية.

كان هدف حكومة شارون بعيد المدى هو إعادة رسم حدود إسرائيل العظمى بشكل أحادي. وكان فك الارتباط مع غزة خطوة من الخطوات التي اتخذت من أجل تنفيذ هذه الاستراتيجية الكلية. وكانت الخطوة الأخرى هي بناء ما يسمى بالحاجز الأمني حول الضفة الغربية، والذي كان يتعلق، في حقيقة الأمر، بالاستيلاء على المزيد من الأرض بقدر ما كان يتعلق بالاحتياجات الأمنية. قيل حينها إنه إجراء أمني مؤقت، ولكن كان المقصود منه رسم الحدود النهائية لإسرائيل الكبرى.

ينبثق الإجراءان كلاهما من رفض مبدئي للحقوق الوطنية الفلسطينية. ولقد عكسا كلاهما عزم إسرائيل على منع الفلسطينيين منعاً باتاً من تحقيق الاستقلال على أرضهم. وكانت الغاية من قطع الصلة تماماً بين قطاع غزة والضفة الغربية هو إعاقة النضال الفلسطيني الموحد من أجل الاستقلال. وعلى المستوى التكتيكي، مكن الانسحاب من غزة سلاح الجو الإسرائيلي من قصف القطاع كما يشاء وحينما يشاء، وهو الأمر الذي كان متعذراً طالما تواجد المستوطنون الإسرائيليون هناك.

نصر حماس الانتخابي

بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، خففت حماس من برنامجها وتوجهت نحو صناديق الاقتراع كسبيل للوصول إلى السلطة. كان ميثاقها الذي صدر في عام 1988 يعتبر وثيقة معادية للسامية. ولكن من على منصتها الانتخابية في يناير 2006، عبرت ضمنياً عن قبولها بوجود إسرائيل وخفضت سقفها للقبول بدولة فلسطينية مستقلة على امتداد حدود عام 1967.

إلا أن حماس رفضت التوقيع على اتفاقية سلام رسمية مع إسرائيل، وأصرت على حق العودة للاجئي 1948، فيما اعتبر على نطاق واسع تعبيراً عن الرغبة في تفكيك إسرائيل كدولة يهودية.

حققت حماس فوزاً قاطعاً في الانتخابات الحرة والنزيهة، ليس فقط في غزة، بل وفي داخل الضفة الغربية كذلك. ونظراً لأنها فازت بمقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية مطلقة، مضت حماس لتشكل الحكومة طبقاً لما هو متعارف عليه في الإجراءات الديمقراطية.

كان انتصار حماس بمثابة مفاجأة غير سارة لإسرائيل وداعميها الغربيين. رفضت إسرائيل الاعتراف بالحكومة الجديدة ولجأت إلى شن حرب اقتصادية عليها من أجل تقويضها. قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في تصرف جللهما بالعار الأبدي، الاقتداء بالنموذج الإسرائيلي، فرفضا الاعتراف بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً، وانضما إلى إسرائيل في خوض حرب اقتصادية ضدها لتقويضها.

هذا فقط نموذج واحد، من بين كثير من النماذج، على النفاق الغربي في التعامل مع إسرائيل وفلسطين. يدعي الزعماء الغربيون أنهم يؤمنون بالديمقراطية، وأن هدفهم حول العالم هو الترويج للديمقراطية، فلقد غزوا العراق في عام 2003 باسم الديمقراطية، ولكن انتهى بهم المطاف إلى تدمير البلد والتسبب في مقتل مئات الآلاف من سكانه.

وكذلك استخدمت التدخلات العسكرية الغربية في أفغانستان وسوريا وليبيا أيضاً الديمقراطية قناعاً تخفي من ورائه الأطماع الإمبريالية. انتهت كل هذه التدخلات إلى فشل ذريع. تحتاج الديمقراطية لأن تبنى من قبل الناس من أسفل إلى أعلى، ولا يمكن أن تفرض عليهم من قبل جيش أجنبي يصوب نحوهم بنادقه أو مدافع دباباته.

كانت فلسطين نموذجاً مضيئاً للديمقراطية الفعلية، إذ كانت، ربما باستثناء لبنان، الديمقراطية الأصيلة الوحيدة في العالم العربي، مقارنة بما يمارس فيه من ديمقراطية زائفة. فرغم ظروف بالغة الصعوبة في ظل احتلال عسكري قاهر، نجح الفلسطينيون في بناء نظام سياسي ديمقراطي. نطق الشعب الفلسطيني وقال كلمته، ولكن إسرائيل وحلفاءها الغربيين رفضوا الاعتراف بنتيجة الانتخابات لأن الشعب صوت للحزب الخطأ الذي لا يروق لهم.

في شهر مارس (آذار) من عام 2007، شكلت حماس حكومة وحدة وطنية بالاشتراك مع فتح، حزب التيار الرئيسي الذي جاء في المرتبة الثانية في صناديق الاقتراع. كانت حكومة معتدلة، تكونت بشكل أساسي من تكنوقراط بدلاً من سياسيين. ودعت حماس شريكها في الائتلاف إلى التفاوض مع إسرائيل على إبرام اتفاق هدنة طويلة المدى.

وما كان أكثر أهمية من عرض الهدنة طويلة المدى هو قبول حماس بتسوية على أساس حل الدولتين (بما في ذلك الاعتراف الضمني بوجود إسرائيل كأمر واقع). تمت الإشارة إلى ذلك القبول في إعلان القاهرة الذي صدر في عام 2005، ثم في وثيقة الأسرى التي نشرت في عام 2006، وأخيراً في اتفاق مكة بين حماس وفتح في عام 2007.

تكاد تكون حماس قد وافقت صراحة على تسوية حل الدولتين، وكما لاحظ مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط ألفارو دي سوتو، كان يمكن لهذا الموقف أن يتطور أكثر – لولا أن إسرائيل وحلفاءها قابلوا كل الاستهلالات بالرفض القاطع. ومع ذلك، استمر زعماء حماس في التوضيح، في تصريحات لاحقة أكثر من أن تحصى، أن لديهم الاستعداد للقبول بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967.

حصار جائر

لم تكتف إسرائيل برفض دعوة حماس إلى إبرام هدنة ورفض عرضها التفاوض على تسوية تقوم على حل الدولتين، بل شاركت في مؤامرة للانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية وإخراج حماس من السلطة.

في عام 2008، كشف تسريب لوثائق تشتمل على محاضر اجتماعات المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عن أن إسرائيل والولايات المتحدة سلحتا ودربتا القوات الأمنية التابعة للرئيس محمود عباس من أجل الإطاحة بحكومة حماس.

فيما بعد، تم الكشف عن مزيد من التفاصيل عبر "الأوراق الفلسطينية"، والتي هي عبارة عن خبيئة تتكون من 1600 وثيقة دبلوماسية سُربت إلى قناة الجزيرة، وكشفت عن تشكيل لجنة سرية أطلق عليها اسم لجنة غزة، وتتكون من أربعة أعضاء هم: إسرائيل والولايات المتحدة وحركة فتح والمخابرات المصرية. وكانت الغاية من تلك اللجنة هي عزل وإضعاف حماس ومساعدة فتح على القيام بانقلاب من أجل إعادة الاستيلاء على السلطة.

قررت حماس استباق الانقلاب الفتحاوي، فاستولت على السلطة في غزة بالقوة في شهر يونيو (حزيران) 2007. منذ ذلك الحين وفرعا الحركة الوطنية الفلسطينية في حالة من الانقسام، حيث تحكم حماس قطاع غزة انطلاقاً من مدينة غزة بينما تحكم السلطة الفلسطينية، التي تهيمن عليها حركة فتح، الضفة الغربية انطلاقاً من رام الله.

من الجدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية، التي تمول بشكل أساسي من قبل الاتحاد الأوروبي، وبدرجة أقل من قبل الولايات المتحدة، تعمل جوهرياً كما لو كانت مقاولاً بالباطن مستأجراً لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية. وهي سلطة فاسدة، منعدمة الكفاءة، وعاجزة.

ونتيجة لذلك فهي لا تحظى إلا بنزر يسير من الشرعية داخل الضفة الغربية، وبقدر أقل من ذلك داخل قطاع غزة.

كان رد فعل إسرائيل على استيلاء حماس على السلطة هو تكثيف الحصار المفروض على غزة. ولم تزل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الحلفاء الأوروبيين يساهمون في هذا الحصار الجائر المستمر منذ سبعة عشر عاماً، والذي يسبب المشقة والمعاناة لسكان القطاع، ويتضمن تحكم إسرائيل الكامل ليس فقط بما يستورد إلى داخل القطاع، بل وأيضاً ما يسمح بتصديره إلى خارجه، بما في ذلك السلع الزراعية.

وهذا الحصار المفروض على غزة ليس فقط جائراً وغير إنساني، بل هو بكل بساطة غير قانوني. فالحصار نوع من أنواع العقاب الجماعي، وهو محرم صراحة في القانون الدولي. ومع ذلك أخفق المجتمع الدولي بشكل ذريع في مساءلة إسرائيل ومحاسبتها على هذا الفعل وعلى بقية أفعالها غير القانونية. في هذه الأثناء تنفي إسرائيل أنها القوة المحتلة لقطاع غزة.

إلا أن الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، كلها خلصت إلى أن إسرائيل تبقى في حالة من ممارسة "الاحتلال الفعلي" على الرغم من الانسحاب المادي، وذلك لأنها تستمر في التحكم بالعبور من وإلى القطاع براً وبحراً وجواً.

بعد حرمانها من ثمار انتصارها الانتخابي، لجأت حماس إلى سلاح الضعيف، إلى ما تطلق عليه إسرائيل "الإرهاب"، وهذا اتخذ شكل الهجمات الصاروخية التي تنطلق من غزة باتجاه جنوب إسرائيل، فيرد الجيش الإسرائيلي على ذلك بقصف غزة، وهكذا استمرت دائرة العنف المتبادل والتصعيد، إلى أن نجحت مصر في شهر يونيو (حزيران) من عام 2008، في التوسط لإبرام اتفاق وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس.

نجح وقف إطلاق النار نجاحاً باهراً، فخلال الشهور الستة التي سبقت شهر يونيو (حزيران) كان معدل الصواريخ التي تطلق من غزة باتجاه إسرائيل 179 في الشهر، وخلال الشهور التي تلت الاتفاق أصبح معدل الصواريخ ثلاثة في الشهر. إلا أن الجيش الإسرائيلي قام في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 بشن غارة داخل غزة، مما أدى إلى مقتل ستة مقاتلين من حماس، كما أدى إلى قتل الهدنة، وبالتالي إلى استئناف فوري للقتال بين الطرفين.

عرضت حماس تجديد وقف إطلاق النار بناء على الشروط الأصلية، والتي تضمنت إنهاء الحصار، إلا أن إسرائيل رفضت العرض وراحت تستعد لتجديد القتال. لدى حماس سجل ناصع البياض فيما يتعلق بالالتزام بوقف إطلاق النار، أما إسرائيل فلا. كل اتفاقات وقف إطلاق النار التي توسطت مصر لإبرامها تم خرقها من قبل إسرائيل بعد أن قضت غايتها منها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة حماس نتنياهو حماس غزة نتنياهو طوفان الاقصي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطة الفلسطینیة الشعب الفلسطینی الانسحاب من غزة وقف إطلاق النار الأمم المتحدة الضفة الغربیة إسرائیل على بین إسرائیل فک الارتباط أن إسرائیل بما فی ذلک فی عام 2005 قطاع غزة من خلال نکبة 2023 فی شهر من عام من أجل عام 1967 ما کان من قبل فی غزة إلا أن

إقرأ أيضاً:

الصندوق القومي اليهودي.. هيئة استيطانية في ثوب جمعية خيرية

هيئة إسرائيلية شبه حكومية، تأسست أثناء المؤتمر الصهيوني الخامس عام 1901، بهدف تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، عن طريق حشد التبرعات لامتلاك الأراضي في "أرض إسرائيل"، وجعلها وقفا أبديا خاصا بـ"الأمة اليهودية" في العالم.

وشكّل الصندوق نقطة تحول في تاريخ الحركة الصهيونية، إذ روَّج لمشروع الوطن القومي ودعم إقامته، وجمع الأموال من المجتمعات اليهودية والمؤسسات والحكومات حول العالم، ولعب دورا محوريا في التطهير العرقي والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتوطين المهاجرين اليهود فيها.

وقدّم الصندوق الدعم السياسي والمالي واللوجيستي للعصابات الصهيونية في حروبها ومجازرها التي قادت إلى تأسيس إسرائيل عام 1948، وبعد قيامها أرسى الصندوق دعائمها وغذّى استمرار وجودها، وبات -باسم ما يسميه "الشعب اليهودي"- هو القيّم على 93% من الأراضي داخل الخط الأخضر، وإدارة مواردها بما يعود بالنفع على اليهود دون غيرهم.

ويحقق الصندوق القومي اليهودي دخلا سنويا يقارب 3 مليارات دولار، فضلا عن التبرعات الضخمة التي يجمعها عبر مكاتب يملكها في أكثر من 50 دولة، باعتباره مسجلا رسميا "مؤسسة خيرية بيئية".

وقد شكل شراكة مع الحكومة الإسرائيلية عبر العديد من القوانين والاتفاقيات المشتركة، وعمل بالتوازي مع هياكلها الرسمية، معززا سياساتها في الفصل العنصري داخل إسرائيل، ودعم وتوسيع المشروع الاستيطاني في القدس الشرقية والضفة الغربية.

المؤتمر الصهيوني في بازل عام 1897 (غيتي) النشأة

نشأت فكرة تأسيس الصندوق القومي اليهودي أو ما يُسمى بالعبرية "كيرن كايمت ليسرائيل" (كاكال) في أواخر القرن الـ19، وكان أول من دعا إليه عالم الرياضيات الروسي تسفي هرمان شابيرا، عضو حركة أحباء صهيون، حين طالب بإنشاء صندوق تبرعات، بهدف امتلاك الأراضي في فلسطين لتوطين اليهود فيها.

إعلان

وكان شابيرا متحمسا للفكرة، فطرحها منذ العام 1884 في التجمعات والمؤتمرات الصهيونية مرارا، ولم تحظ الفكرة بالتأييد الكافي حتى عام 1901، حين تبنى المؤتمر الصهيوني الخامس في بال بسويسرا قرارا بإنشاء صندوق قومي يهودي، يتولى مهمة شراء أراض في فلسطين وسوريا وشبه جزيرة سيناء ومناطق تركيا الآسيوية.

وفي المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903، تقرر أن الصندوق القومي اليهودي هو أداة المنظمة الصهيونية العالمية لجمع التبرعات من اليهود حول العالم، وشراء الأراضي في "أرض إسرائيل"، وجعلها ملكية أبدية "للشعب اليهودي"، قابلة للتأجير دون البيع.

وفي عام 1907، اتخذت خطوتان حيويتان لتفعيل عمل الصندوق، فقد تم تسجيله رسميا في بريطانيا جمعية خيرية، هدفها تقديم المساعدات للفقراء اليهود، مما فسح مجالا أوسع لجمع التبرعات، وتم فتح مكتب فلسطين بناء على قرار المؤتمر الصهيوني الثامن، وهو الأمر الذي نشّط شراء الأراضي على نطاق أوسع في فلسطين.

وبواسطة ما سماها حملات "الصندوق الأزرق"، التي انتشرت في أنحاء العالم، جمع الصندوق القومي اليهودي أموالا ضخمة، وأدى دورا دعائيا مؤثرا، إذ استخدم القائمون عليه صندوقا معدنيا صغيرا أزرق اللون، رُسمت عليه خريطة فلسطين تحت عنوان "أرض إسرائيل".

وأصبح ذلك الصندوق رمزا للوطن القومي "للشعب اليهودي"، وتم توزيع ملايين النسخ منه حول العالم، وكان حاضرا في جميع التجمعات اليهودية والصهيونية وفي المنازل اليهودية والمعابد والمدارس.

وإلى جانب الصندوق الأزرق، تم الترويج للمشروع عبر استخدام طوابع زرقاء ضمت صورا لحاخامات مؤسسين ورسوما لمزارعين وبنائين يهود وخرائط للمستوطنات الأولى على أرض فلسطين.

فضلا عن ذلك، استُخدمت وسائل دعائية أخرى مثل المجلات والملصقات وعروض الفوانيس والأفلام لاحقا، وعبر تلك الوسائل، صُورت فلسطين أرضا قاحلة بلا سكان، إلا من الرعاة البدو، الذين يمرون بالأرض دون أن تربطهم بها صلة.

إعلان

وقد افتُتح المقر الأول للصندوق القومي اليهودي في مدينة فيينا، ثم نقل لاحقا إلى مدينة كولون الألمانية، وأثناء الحرب العالمية الأولى، انتقل إلى مدينة هاغ ببولندا، وإضافة إلى المقر الرئيسي، تم افتتاح فروع عديدة، وصلت بحلول العام 1920 إلى 50 فرعا حول العالم.

المؤتمر الصهيوني الـ22 في بازل عام 1946 (غيتي) التمهيد لإقامة الوطن القومي

أسهم الصندوق القومي اليهودي بشكل مباشر في دعم حركة الاستيطان اليهودية في فلسطين، فمنذ تأسيسه وحتى قيام إسرائيل عام 1948، دأب على شراء الأراضي واستصلاحها وتهيئتها لإقامة المستوطنات بكافة أنواعها، ثم توطين المهاجرين اليهود فيها وتوظيفهم.

وعمدت إدارة الصندوق إلى تهويد الأراضي التي يحوزها، فيمنع من العمل فيها والانتفاع منها غير اليهود بشكل قطعي، وفور استيلاء الصندوق على الأراضي، كان الفلاحون الفلسطينيون يُطردون منها ويُمنعون من العمل فيها.

وفي العام 1904، بدأ نشاط الصندوق في فلسطين، فاشترى الأراضي التي أُقيمت عليها مستوطنة بن شيمن على أراضي قرية عرتوف، غربي القدس، واشترى 4 آلاف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع) في قرية حطين غربي طبريا، ثم أتبعها بشراء 2.4 ألف دونم في قرية خُلدة جنوب مدينة الرملة، والتي تم استصلاحها للزراعة.

وفي غضون 10 سنوات، مول الصندوق بناء العديد من المستوطنات على أراضي فلسطين، وطور شبكات الري فيها، مثل: مستوطنات دجانيا وكنيرت قرب بحيرة طبريا، ومرحافيا في مرج بن عامر وبن شيمن وخولدة قرب الرملة وغان شموئيل في السهل الساحلي.

ومع ذلك، لم تتقدم حركة الاستحواذ على الأراضي حتى العام 1920 بالسرعة التي ترضي طموح الحركة الصهيونية، وابتداء من العام 1921، كثف الصندوق نشاطه في شراء الأراضي، واحتفظ بملكيتها، وكان سابقا قد نقل ملكية كثير منها إلى يهود بملكية خاصة.

وفي عام 1922، نُقل المكتب الرئيسي للصندوق إلى مدينة القدس، وهو ما عزز النشاط الاستيطاني وشراء الأراضي، ومع أوائل الثلاثينيات أسس الصندوق 5 مكاتب احترافية في شراء الأراضي، بغرض الوصول إلى مناطق لم يصل إليها الوجود اليهودي آنذاك، مثل جبال الخليل والجليل الغربي وسهل الحولة وصحراء النقب.

إعلان

وإبان الانتداب البريطاني استحوذ الصندوق على الأراضي بالتحايل تارة، وبدعم سلطات الانتداب تارة أخرى، فضلا عن شراء أراضي الإقطاعيين العرب والمُلاك الغائبين، وكان معظمهم لبنانيين وسوريين.

وقد سيطر أولئك الملاك على أكثر من نصف مليون دونم من أراضي فلسطين، وكان من أشهرهم عائلة "سرسق" اللبنانية، التي يُذكر أنها باعت في العقد الأول من القرن الـ20، نحو 400 ألف دونم لليهود، بما فيها أراضيها في مرج بن عامر.

المؤتمر الصهيوني الـ21 في جنيف عام 1939 (غيتي) التطهير العرقي

شارك الصندوق القومي اليهودي بدور أساسي في أحداث النكبة عام 1948، وكان يوسف فايتس، مدير دائرة الاستيطان في الصندوق القومي اليهودي، ضمن هيئة ديفيد بن غوريون الاستشارية، التي كانت تدير هجمات العصابات الصهيونية في تلك الآونة.

وقد حمل فايتس لواء التحريض على التطهير العرقي للفلسطينيين بطردهم إلى الدول المجاورة، وتدمير قراهم والاستيلاء عليها، وفي مذكراته اعتبر أن طرد الفلسطينيين، الذي عبر عنه بالنقل، أمر لا مفر منه لقيام إسرائيل، وقال إنه آلية سريعة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، لاستيعاب المهاجرين اليهود.

وشارك الصندوق القومي في التطهير العرقي في فلسطين بشكل مباشر، فقد أعد للعصابات الصهيونية ملفات شاملة عن القرى والبلدات الفلسطينية، تضمنت خرائط ومعلومات مفصلة، مثل: مواقع القرى والطرق إليها وطبيعة أراضيها والمياه فيها وتركيبتها الاجتماعية والدينية والاقتصادية وأعمار الرجال ودرجة العداء للمشروع الصهيوني، وخاصة المشاركين في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وغيرها من المعلومات التفصيلية.

وقد استخدمت العصابات الصهيونية تلك المعلومات أثناء اجتياحها للقرى والبلدات الفلسطينية واستهداف الثوار والمعارضين، وعمل الصندوق على تحديث الملفات باستمرار، مما مكن الجيش الإسرائيلي لاحقا من استخدامها.

إعلان

واستحوذ الصندوق على أراض واسعة في تلك الفترة، وكانت الغالبية العظمى من تلك الأراضي مما استولت عليه العصابات الصهيونية بعد طرد أهلها منها، ومع بلوغ العام 1947 أواخره، كان الصندوق قد وضع يده على نحو 933 ألف دونم.

وكانت "لجنة أسماء الأماكن" التابعة للصندوق تهوّد أسماء القرى والبلدات الفلسطينية التي تستولي عليها، واستخدمت أسماء جديدة يهودية، استمر استخدامها بعد إعلان دولة إسرائيل.

مكتب الصندوق القومي اليهودي (الموقع الرسمي) سرقة الأرض

كان للصندوق القومي اليهودي دور أساسي في استيلاء إسرائيل على أراض واسعة عام 1948، وقد استمر في الضغط على الحكومة من أجل طرد سكان القرى وهدم منازلهم لمنعهم من العودة.

وفي كتابه "التطهير العرقي في فلسطين"، تحت عنوان "سرقة الأرض"، ذكر المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه أن دائرة الاستيطان في الصندوق القومي اليهودي كانت هي من قررت مصير القرى المدمرة، وقد أخبر رئيس الدائرة يوسف فايتس في يونيو/حزيران 1948 الحكومة الإسرائيلية ببدء عملية التطهير وإزالة الأنقاض وتهيئة القرى للزراعة والاستيطان، وقال إن بعضها سيصبح حدائق عامة.

وبعد صدور قرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948، الذي ينص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، أرادت إسرائيل منع تلك العودة، فأنشأت هيئة غير رسمية، تحمل اسم "لجنة الترحيل"، وكانت مكونة من 3 أعضاء، ومن بينهم فايتس.

وأصبح الصندوق القومي اليهودي أحد الحلول لمشكلة عودة اللاجئين، فقد تم تسجيله منظمة إسرائيلية مستقلة، وتم بيعه الأراضي التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي بالقوة.

وفي العام 1953، كان الصندوق يملك ما يقارب 3.4 ملايين دونم، اشترى معظمها من مديرية التطوير الإسرائيلية، وكانت الأراضي معظمها قرى فلسطينية مهجرة، استولت عليها إسرائيل.

وفي العام 1953، سن الكنيست "قانون الصندوق القومي اليهودي"، وبموجبه تم الاعتراف به رسميا مالكا للأرض نيابة عن الدولة، ومنح صلاحيات سلطة عامة وامتيازات مالية منها تخفيض الضرائب، مع بقائه مستقلا غير مُدمج في هياكل الدولة الرسمية.

إعلان

وفي العام التالي، حدد الكنيست نطاق عمل الصندوق ضمن المناطق الخاضعة للقوانين والسيادة الإسرائيلية، وهو ما أثر على طبيعة مهام الصندوق، إذ تحول نشاطه بدلا من شراء الأراضي إلى التركيز على استصلاحها وتشجيرها، وتوطين المهاجرين الجدد، وتوفير فرص عمل لهم، وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية، وبناء المستوطنات العسكرية (الناحال).

ولحجب آثار التطهير العرقي، وجعل عودة اللاجئين مستحيلة، أخذ الصندوق تحت ستار التطوير البيئي بتحويل مئات القرى المدمرة إلى غابات وحدائق وخزانات مياه، ونفذ مشاريع بيئية ضخمة، غيرت جغرافيا البلاد، بما في ذلك مشروع تجفيف بحيرة الحولة ونقل المياه إلى صحراء النقب لتشجيرها، واستخدام التشجير بين القدس الشرقية والغربية.

وفي العام 1961، وقعت الحكومة الإسرائيلية ميثاق تعاون مع الصندوق، بموجبه تولت مديرية أراضي إسرائيل (أو سلطة أراضي إسرائيل لاحقا)، وهي هيئة حكومية رسمية، مهمة إدارة أراضي الصندوق القومي اليهودي.

وفي الوقت نفسه حظي الصندوق بتمثيل ما نسبته 50% في مجلس أراضي إسرائيل، وهو الأمر الذي منح الصندوق سلطة إدارة 93% من الأراضي داخل الخط الأخضر (80% مملوكة للدولة، و13% مملوكة للصندوق القومي اليهودي).

ومع ذلك، استمر الصندوق في محاولة الاستيلاء على ما تبقى للفلسطينيين من الأراضي، وقد ذكر إيلان بابيه أن الصندوق القومي اليهودي "شن حملة في أوائل ستينيات القرن الـ20، هدفت إلى تجريد الفلسطينيين من مزيد من الأراضي التي كانت ما زالت في حيازتهم في الجليل"، واستخدم الشدة مع القرى الصامدة، وأقام مواقع عسكرية على باب كل قرية منها.

احتفال الصندوق القومي اليهودي بمناسبة ذكرى الهولوكوست في غابة شهداء بني بريث في القدس عام 2016 (رويترز) الاستيطان في الضفة الغربية

على إثر حرب النكسة عام 1967، امتد نشاط الصندوق القومي اليهودي إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعبر التشجير وإنشاء الغابات والحدائق أو إقامة المستوطنات وتوسيعها، استغل الأراضي التي استولى عليها الجيش أثناء الحرب، كما عمل على تشجيع إقامة البؤر الاستيطانية.

إعلان

ويُعتبر نشاط الصندوق في الضفة الغربية مخالفا للقانون الإسرائيلي لعام 1954، والقانون الدولي الذي يعتبر الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية خارج دولة إسرائيل.

وقد أفاد تقرير لمنظمة "السلام الآن" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، بأن للصندوق دورب محوريب ومهما في النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية منذ احتلالها، عبر الاستحواذ على الأراضي وتمويل مشاريع المستوطنات بمختلف أنواعها.

وجاء في تقرير المنظمة، الذي نُشر في أبريل/نيسان 2020، أن الصندوق زاد من نشاطه الاستيطاني في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وخصص ملايين الدولارات للمستوطنات، وسمح للمستوطنين بتوسيعها وتطويرها على حساب ممتلكات الفلسطينيين.

وقد اشترى الصندوق ما لا يقل عن 65 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية بين العامين 1967 و2020، عبر شركة "هيمانوتا" التابعة له، وأقام العديد من المستوطنات على تلك الأراضي، من بينها مستوطنات إيتمار وألفي منشيه وعيناف وكدوميم وجفعات زئيف وبيت ياتير وعتنئيل.

وفي مطلع العام 2021، صادقت إدارة الصندوق على قرار يقضي بشراء أراض فلسطينية بالضفة، بهدف توسيع المشروع الاستيطاني، وخصص الصندوق ميزانية أولية لهذا الغرض، حددها بـ1.2 مليار دولار.

وخصص الصندوق نحو مليون دولار بين العامين 2021 و2023 لمشروع دعم المستوطنين الشباب الذين تركوا التعليم، ويقيمون في بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية المحتلة، ويهاجمون الفلسطينيين ويضرون بممتلكاتهم.

ويمارس الصندوق بشكل متكرر ضغوطا لهدم منازل وعقارات فلسطينية ويستولي على ممتلكات وأراض أخرى، لا سيما في القدس الشرقية بحجة أنها أملاك غائبين، مع العلم أن بعضها يعود لفلسطينيين يقطنونها منذ عقود.

صفقات مشبوهة واستيلاء غير قانوني

تعد صفقات شراء الأراضي في الضفة الغربية والقدس الشرقية مشبوهة، وغير شفافة في الغالب، وتتم المعاملات العقارية فيها عادة دون رقابة، وقد ذكر تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية في الأول من فبراير/شباط 2016، أن تحقيقا أجرته وحدة مكافحة الاحتيال الإسرائيلية، كشف أن شركة إسرائيلية زوّرت 14 من أصل 15 عملية استحواذ على أراض فلسطينية في الضفة الغربية.

إعلان

وأنشأ الصندوق القومي اليهودي شركة تحمل اسم "هيمانوتا"، للالتفاف على القيود المؤسسية والقانونية على تقييد أنشطته، وقد استحوذ عبرها على أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، لا تقل مساحتها عن 65 ألف دونم، وفق تحريات منظمة السلام الآن.

وتشتري هيمانوتا في كثير من الأحيان الأراضي الفلسطينية عبر وسطاء لا يكشفون للمالكين الفلسطينيين أن المستوطنين الإسرائيليين هم المشترون الحقيقيون، وأثبتت التحريات أن بعض الأراضي التي استولت عليها "هيمانوتا" قامت على التزوير والاحتيال والابتزاز، ومن ذلك الاستيلاء على مئات الدونمات في منطقة أريحا بين أواخر العام 2000 ومطلع العام 2003.

واستولت هيمانوتا، بشكل غير قانوني على أراض ومنازل في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، ومن ذلك الدعوى القضائية التي رفعتها للمطالبة بأراضٍ في منطقة غوش عتصيون جنوب بيت لحم، استنادا إلى وثيقة شراء تم إجراؤه قبل عام 1948.

وقدم كلا الطرفين إلى المحكمة وثائق ملكية من عهد الانتداب تشير إلى ملكيتهما، وعلى الرغم من أن الوثيقة الخاصة باليهود تنص على أن الأرض مساحتها 74 دونما، فقد كسبت هيمانوتا القضية عام 2012، وحصلت على مساحة بلغت 522 دونما.

وادعى الصندوق أنه اشترى أرضا تبلغ مساحتها 1200 دونم في وادي المخرور ببيت جالا عام 1969، وتسكن الأرض عائلة القيسية الفلسطينية، التي تقول إنها اشترت الأرض من المالك نفسه في ذلك العام.

وقد استخدمت العائلة الأرض لسنوات، بعد أن بنت عليها منزلا ومطعما، دون أن يشكك أحد في ملكيتها، ومع ذلك، وبسبب ضغوط الصندوق هدمت السلطات الإسرائيلية المنزل والمطعم، وبعد أيام أقام مستوطنون بؤرة استيطانية غير قانونية على بعد 70 مترا من الموقع، وادعوا أنهم استأجروا الأرض من هيمانوتا.

وفي القدس الشرقية، وبالتعاون مع منظمة إلعاد (جمعية مدينة داود) الاستيطانية، يهجّر الصندوق الفلسطينيين ويستولي على منازلهم وعقاراتهم في أحياء القدس الشرقية المختلفة، وخاصة وادي حلوة وسلوان، ويوطّن اليهود فيها، ضمن مشروع "مدينة داود"، بحجة أنها ممتلكات ليهود ومنظمات يهودية قبل العام 1948.

من حفل عشاء "شجرة الحياة" الذي أقامه الصندوق القومي اليهودي في لوس أنجلوس عام 2017 في هوليود (غيتي) التهجير القسري في الجليل والنقب

يشارك الصندوق في العديد من المشاريع في المناطق داخل الخط الأخضر باسم التنمية، وتهدف في حقيقتها إلى التهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين، وإقامة مشاريع سياحية ومستوطنات أو أعمال التشجير والغابات، لا سيما في النقب والجليل.

إعلان

وفي التسعينيات من القرن الـ20، سيطر الصندوق على سهل الحولة، ووطن فيه أكثر من مليون مستوطن روسي وإثيوبي، وعمل كثير منهم في مشاريع الصندوق، التي من ضمنها مشاريع التشجير والغابات.

وفي عام 2009، وقّعت الحكومة اتفاقية تبادل مع الصندوق القومي اليهودي، بموجبها سلم الصندوق الحكومة الأراضي التابعة له في مناطق "مأهولة بكثافة" مقابل أراضٍ تقع في مناطق تعتبرها الحكومة "غير مأهولة" في النقب والجليل، إضافة إلى تعويضات مالية تقدمها الحكومة للصندوق "لمواصلة نشاطاته الرامية إلى تحقيق الرؤية الصهيونية" وفق ما جاء في الموقع الرسمي للحكومة الإسرائيلية.

وفي المناطق التي اعتبرتها الحكومة "غير مأهولة" في النقب، يجبر الصندوق البدو الفلسطينيين على إخلاء قراهم واستغلالها لأغراض استيطانية وبيئية، ويديرها وفق سياسته في حصر الانتفاع بها على الشعب اليهودي، والحيلولة دون وصول المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل إلى أراضي الدولة للاستخدامات السكنية أو التجارية أو الزراعية ونحوها.

وقد شيّد الصندوق غابة السفراء على الأراضي القريبة من قرية العراقيب، التي هُدمت وشرد سكانها أكثر من 100 مرة، وفي عام 2016 قدّم تمويلا لدعم إنشاء غابة وبلدة حيران في موقع قرية أم الحيران بالنقب، بعد إجبار سكانها البدو الفلسطينيين على الإخلاء القسري.

ويركز الصندوق على العمل في المناطق الشمالية والجنوبية من البلاد، وتطوير الزراعة والسياحة، وتوطين اليهود فيها، ضمن مشروعي "اذهب شمالا" و"مخطط النقب".

وأعلن الصندوق القومي اليهودي عام 2020 عن خطة "إعادة توطين دولة إسرائيل 2040″، التي تهدف إلى ترحيل البدو الفلسطينيين من صحراء النقب، لاستيعاب مليون مستوطن فيها، وإسكان نصف مليون مستوطن في الجليل، وجلب 150 ألف يهودي من الخارج وتوطينهم في الجليل والنقب.

إعلان

مقالات مشابهة

  • هكذا علقت إسرائيل على الغارات الأميركية التي تشنها على اليمن 
  • اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة قد يمتد لسنوات
  • صفقة الأسرى في مهب الريح.. إسرائيل تصعّد وحماس تُصر على اتفاقات تنهى الحرب
  • طوفان الأقصى.. بيرل هاربر الفلسطينية التي فجّرت شرق المتوسط
  • الصندوق القومي اليهودي.. هيئة استيطانية في ثوب جمعية خيرية
  • إسرائيل تكرر سيناريو الضفة..(البلاد) تدق ناقوس الخطر.. غزة تحت سكين الاحتلال.. تقسيمٌ واستيطان
  • أخبار التوك شو|موسى: الرئيس السيسي وجه بتقليل زمن الإفراج الجمركي.. جمود في مفاوضات إسرائيل وحماس
  • البث الإسرائيلية: جمود في المفاوضات بين إسرائيل وحماس
  • جمود في مفاوضات إسرائيل وحماس بسبب عدم الاتفاق على شروط إنهاء الحرب
  • 845 مليون دولار استثمارات الشركات الناشئة بمصر خلال 2023