لجريدة عمان:
2024-11-26@23:13:51 GMT

ألمانيا تعيش حالة من فتور الـهِـمّـة

تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT

ذات يوم كان كثيرون يتصورون أن ألمانيا منزهة عن الخطأ: فقد كان الاقتصاد قويا، والبطالة منخفضة، وكانت استراتيجيتها في ضبط الأوضاع المالية ناجحة. وعمل الإجماع السياسي العريض على توفير الاستقرار، ولم يكن المجتمع الألماني يعاني من انقسامات عميقة. وكما يقول الشعار الذي استخدمته المستشارة السابقة أنجيلا ميركل في حملتها الانتخابية عام 2017، كانت ألمانيا «دولة نعيش فيها بـيُـسر وسعادة».

مع اقتراب العام من نهايته، يبدو شعار ميركل، الذي نسيه حتى حزبها، محض أماني. الرأي السائد الآن هو أن ألمانيا لم تعد قادرة على إنجاز أي شيء - أو على الأقل الأمور المهمة ــ على النحو الصحيح. يتسم المزاج العام في ألمانيا بالضجر والتشاؤم: إذ يعتقد 46% من الألمان أن أحوالهم ستكون أسوأ في غضون عشر سنوات. في نهاية عام 2022، كان 28% فقط من الألمان متفائلين بعام 2023، وهي الاستجابة الأكثر سلبية منذ عام 1951. وكانوا على حق: فقد تبين أن 2023 كان عاما كئيبا بالنسبة لألمانيا.

كان الاقتصاد يشهد ركودا معتدلا ولكنه مستمر، كما أن آفاق عام 2024 تأتي قاتمة بالقدر ذاته. حيث تسببت أزمة الميزانية الحادة التي ظلت دون حل لفترة طويلة في إصابة الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات بالشلل، واستشرى الاقتتال الداخلي بين شركاء الائتلاف الثلاثة، وتوقفت أغلب جهود الإصلاح حاليا أو نُـبِـذَت. لا عجب أن «Krisenmodus» (وضع الأزمة) كانت الكلمة الألمانية الأشهر لهذا العام.

مؤخرا، خصصت صحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج التي تتمتع بنفوذ كبير صفحة كاملة لأكبر المشكلات التي تواجهها ألمانيا ــ 13 في المجمل، وكثير منها جلبتها ألمانيا على نفسها. تشهد العولمة حالة من التباطؤ والتغيير، ولم تظهر سوى قِـلة من الأسواق الجديدة للسلع الألمانية، ويفرض هذا ضغوطا على اقتصاد ألمانيا الموجه نحو التصدير.

علاوة على ذلك، أصبحت الاستثمارات منخفضة للغاية، وأسواق رأس المال شديدة الضعف، وتسببت سلالة خبيثة من رهاب التكنولوجيا في إبطاء حملة التحول الرقمي. هذا مجرد غيض من فيض، إذ تعاني ألمانيا أيضا من نقص الاستثمار في البنية الأساسية العامة، وفرط التنظيم، والبيروقراطية المفرطة، ونقص الأيدي العاملة.

كما يتعين على المجتمع الألماني أن يتعامل مع عدد كبير من التحديات، بما في ذلك نظام الهجرة المعطل، والإسكان باهظ الثمن، وأسعار الطاقة الأعلى في أوروبا، والمدارس ضعيفة الأداء. في المقابل، تمكنت الصحيفة من تحديد ثلاث علامات مشجعة فقط: فمن المرجح أن يستفيد المركز الصناعي في ألمانيا من الذكاء الاصطناعي؛ والآن بدأ قطاع الأدوية يستعيد سابق قوته؛ وتظل شركات التصنيع متوسطة وصغيرة الحجم الحيوية تتمتع بالمرونة والإبداع نسبيا.

تُـرى ماذا كان الخطأ الذي أدى إلى هذه الحال؟ من المؤكد أن جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية (وأزمة الطاقة الناتجة عنها)، وارتفاع معدلات الهجرة، والصراعات في الشرق الأوسط، كلها عوامل أسهمت في الوضع الحالي. لكن الأمر الأكثر أهمية أنها كشفت عن مدى عدم استعداد ألمانيا لمواجهة الصدمات والتحولات الجيوسياسية غير المتوقعة.

ظلت أكثر هذه المشكلات تتفاقم لبعض الوقت: من التبعيات الاقتصادية وتلك المرتبطة بالطاقة إلى الأنظمة الإدارية التي عفى عليها الزمن والقواعد التنظيمية الخانقة للإبداع. لكن قيادات ألمانيا قررت تجاهلها، ووافق الناخبون على ذلك، متصورين أن الأمور ستنتهي إلى خير.

في حين يرجع الانحدار الألماني إلى أسباب عديدة، فإن أهم هذه الأسباب، وهو «مخاطر النجاح» كثيرا ما يكون موضع تجاهل. إن ما يصدق على الشركات ينطبق على الدول: فالأداء المالي الجيد من الممكن أن يؤدي إلى حالة من الرضا عن الذات. خلال فترات النمو الاقتصادي القوي، تصبح الحكومات مفرطة في الثقة وتتجاهل الظروف المتغيرة. تفاقمت هذه المخاطر بسبب الأهمية التي يعلقها الناخبون الألمان على القيادة السياسية المستقرة والحفاظ على الوضع الراهن.

الواقع أن ميركل، التي لم تكن من ذوي الرؤى الحالمة سياسيا، كانت تحاول ملاءمة ألمانيا كالقفاز، فاتخذت خطوات تدريجية بدلا من الضغط من أجل الإصلاحات المطلوبة بشدة. جرى تشكيل الائتلاف الحاكم (Ampelkoalition، أو ائتلاف إشارة المرور، الذي سمي على ألوان الأحزاب الحاكمة الثلاثة) تحت شعار «الإقدام على مزيد من التقدم». لكن المستشار أولاف شولتز ليس صاحب رؤى حالمة وليس مديرا فعالا لحكومته المبتلاة بالصراعات والميالة إلى الانزلاق إلى الزلات. كان من المستحيل تقريبا أن يجد الائتلاف أرضية مشتركة. إذ يلبي الديمقراطيون الاجتماعيون احتياجات قاعدتهم القديمة والمتقلصة بأموال دافعي الضرائب؛ ويحمل الخُضر رؤية إصلاحية غير متوافقة على نحو متزايد مع الرأي العام؛ ويكرر الديمقراطيون الليبراليون شعاراتهم مثل «لا ضرائب جديدة» و«فرض القيود على الإنفاق العام» في حين يصرون على كبح الدين، الحد الدستوري المفروض على الاقتصاد الجديد.

إذا كان سجل سياسات الائتلاف خلال أول عامين له في السلطة مؤشرا إلى ما سيأتي، فلابد أن يشعر مزيد من الألمان بالقلق بشأن مستقبل بلادهم. يبدو من المؤكد أن ألمانيا ستدفع ثمن رضاها عن ذاتها.

الواقع أن جلوسها على تلال أمجادها لفترة أطول مما ينبغي جعلها غير مستعدة لعالم اليوم، وكان تقاعس الائتلاف الحاكم عن اتخاذ إجراءات حاسمة سببا في تفاقم المشكلة.

من منظور اجتماعي، تمكن الضعف من الإجماع العريض الذي عمل على توحيد أغلب الألمان، مع تزايد شيوع الإضرابات والمظاهرات. علاوة على ذلك، تواجه البلاد مستقبلا سياسيا غامضا. فالآن، يحقق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني أكثر من 20% في استطلاعات الرأي في مختلف أنحاء البلاد، ارتفاعا من 10% قبل أقل من عامين، ومن المرجح أن يصبح الحزب الأكبر في عدد كبير من برلمانات الولايات في العام المقبل.

في الواقع، قد لا يستمر الائتلاف حتى الانتخابات الفيدرالية المقبلة، المقرر إجراؤها في أواخر عام 2025. وإذا تزايدت الدعوات المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة، فقد يسعى شولتز إلى تشكيل ائتلاف أكبر مع الديمقراطيين المسيحيين تحت قيادة فريدريش ميرز، مستشار الظِـل. إذا كان ائتلاف إشارة المرور راغبا في البقاء في السلطة وتحسين سجله، فيتعين على شولتز أن يحسن من أدائه في التواصل مع الناخبين وشرح سياسات حكومته بشكل أوضح وفي مناسبات أكثر. كما يتعين على الأحزاب الثلاثة أن تدرك أنها تدمر فرص إعادة انتخابها من خلال استعراض موضوعاتها القديمة الدائمة الحضور في حين تتخبط البلاد. يتعين على حكومة شولتز أن تحاول التوصل إلى الإجماع حول ثلاث قضايا بالغة الأهمية: عدم تقديم أي برامج اجتماعية جديدة وقصر الزيادات في الإنفاق على البرامج الحالية على معدل التضخم؛ تحديث الإدارة العامة؛ والدعوة إلى اتباع نهج أكثر مرونة في التعامل مع الاستثمار العام، وهو ما يتطلب إصلاح نظام كبح الدين. برغم أن هذه التغييرات قد لا تكون جريئة بالقدر الكافي، فلن يتحقق أي تقدم يُـذكَـر في غيابها.

هيلموت ك. أنهاير أستاذ علم الاجتماع في كلية هيرتي في برلين، وأستاذ مساعد في السياسة العامة والرعاية الاجتماعية في كلية لوسكين للشؤون العامة في جامعة كاليفورنيا.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كاتب صحفي: لبنان تعيش ليلة دامية قبل إعلان محتمل بوقف إطلاق النار

قال الكاتب الصحفي فادي عكوم، إن عدد الشهداء في الغارة الإسرائيلية على منطقة النويري في لبنان ارتفع إلى 7 شهداء، بحسب التقرير الأخير الصادر عن وزارة الصحة اللبنانية، إضافة إلى أكثر من 15 شهيدًا في مختلف المناطق الجنوبية أو البقاع، مؤكدا أنها ليلة سيئة جدًا تمر على أهالي بيروت والمناطق الأخرى.

اللحظات الأخيرة قبل إعلان وقف إطلاق النار في لبنان

وأضاف «عكوم»، خلال مداخلة عبر شاشة قناة «القاهرة الإخبارية»، أن جميع المحللين كانوا يخشون من اللحظات الأخيرة التي تسبق الإعلان عن وقف إطلاق النار، حيث توقع الجميع هذا التصعيد، لكن ليس بهذه الدرجة، وليس بهذا التوسع في نطاق الغارات واستهداف مناطق بعيدة عن حزب الله.

وأكد أن الجيش الإسرائيلي يسعى من خلال توسيع الغارات إلى توجيه رسالة للحكومة اللبنانية وللشعب اللبناني، بأن هذه الليلة ستظل محفورة في الذاكرة لسنوات طويلة قادمة، تذكرهم بما سيحدث إذا تجرأ أحدهم على العودة وإطلاق الصواريخ نحو الداخل الإسرائيلي.

انتهاء المفاوضات

وتابع: «انتهت المفاوضات ولا توجد مفاوضات حالياً، حيث قام الوسيط الأمريكي بتذليل جميع العقبات مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي دون استثناء، ولم يتبقَ إلا تبني هذا الاتفاق رسميًا من قبل الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، بالإضافة إلى الإعلان الأمريكي الفرنسي المشترك عن هذا الاتفاق.

مقالات مشابهة

  • كاتب صحفي: لبنان تعيش ليلة دامية قبل إعلان محتمل بوقف إطلاق النار
  • ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لحماس
  • كريم وزيري يكتب: الجاسوس الذي لم يكن موجودًا
  • ألمانيا: إقامة دعوى ضد أربعة من حماس بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية
  • نتنياهو استدعى رؤساء أحزاب الائتلاف الحكومي لنقاش اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان
  • 60 ألف أسرة نازحة في مأرب تعيش تحت خيام متهالكة.. من ينقذهم
  • فوز اليساري أورسي بالانتخابات الرئاسية في الأوروغواي
  • الاتحاد الديمقراطي بألمانيا: لن نؤيد قرار تزويد أوكرانيا بصواريخ "تاوروس"
  • محمد مصطفى: الرياضة المصرية تعيش أزهى عصورها في ظل الجمهورية الجديدة
  • وزير الرياضة يلتقي أعضاء وفد الإعلاميين والخبراء الألمان بمجال الشباب