المؤسسات الثقافية الخاصة وأدوارها الوطنية
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
يفرض علينا الموقف ذكر المؤسسات الثقافية العمانية الخاصة التي سلكت طريق العمل الاحترافي في الإدارة الثقافية وتقديم خدمات للمستفيدين؛ لأن العمل في الشأن الثقافي والاستثمار فيه لا يزال حديث النشأة، إلا أننا نود أن نسلط الضوء على المؤسسات المساهمة في التنشيط الثقافي خاصة، وهي ما سنتحدث عنها لاحقا. أما المؤسسات الناشطة في السياحة الثقافية مثل المتاحف الشخصية وبيوت الإقامة والمعارض الفنية (الجاليريهات) فقد بدأت بالعمل والنشاط وحصلت على رضا الجمهور، بيد أنها تحتاج إلى المزيد من المزايا والفرص لتستقل بذاتها وتسهم في قيام صناعات ثقافية أخرى تتوزع في مناطق سلطنة عمان.
أما المؤسسات الثقافية الخاصة المحترفة في عُمان فأذكر -على سبيل التمثيل- مكتبة الأطفال العامة ومؤسسة بيت الزبير. ومبعث ذكري لهاتين المؤسستين هو اطّلاعي عن كثب على برامج المكتبة بسبب واجبات العمل، ورغبتي في الاستفادة من خبرات الكادر البشري العماني، والتعرُّف على برامج المؤسسة المعنية بثقافة الطفل، كما قادني السرد إلى المشاركة في بعض فعاليات بيت الزبير، قبل زيارة المتحف والتجوُّل بين أروقة المؤسسة التي أصبحت معْلما من معالم البُنى الثقافية في سلطنة عمان، فقد تعرفت على أنشطة بيت الزبير عندما حضرتُ ورشة تدريبية عن قصص الأطفال قدمتها الكاتبة والأكاديمية أمامة اللواتية في صلالة عام 2018، بعد ذلك زُرت مقر المؤسسة في مدينة مسقط القديمة، والتقيت بكل من الشاعر الدكتور محمد بن عبدالكريم الشحي مدير عام مؤسسة بيت الزبير، والكاتبة الدكتورة منى حبراس مديرة الفعاليات الثقافية والإعلام -الحائزة على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عن المقالة 2022- وكنت متابعا للأنشطة والفعاليات النوعية التي تقدمها مؤسسةٌ أسّسها شغفٌ فردي تمثّل في شخص المستشار المتقاعد محمد بن الزبير -مستشار جلالة السلطان للتخطيط الاقتصادي سابقا (1984-2020)- المحب لتوثيق الزمن بعدسة كاميرته. رجل قاده حبه للفنون والثقافة إلى تأسيس بيت الزبير، وقد ذكّرني برجل الأعمال الأمريكي من أصل إسكتلندي أندرو كارنيغي (1835-1919) الذي قاده شغفه بالمكتبات إلى تخصيص جزء من ثورته إلى أعمال خيرية في دعم التعليم ورعاية المكتبات، ومن يود الاطلاع على تجربته عليه مطالعة كتاب (المكتبة في الليلة) للكاتب الكندي من أصل أرجنتيني ألبيرتو مانغويل (75 عاما).
ونظمت مؤخرا مؤسسة بيت الزبير فعالية ثقافية للسرد حملت عنوان (الرواية والسلطة) شارك فيها العديد من الكتاب والكاتبات من أنحاء الوطن العربي والمهجر، ورغم الحدث الطارئ وإعلان حالة الحداد في وفاة المغفور له بإذن الله الشيخ نواف الأحمد الصباح (1937-2023) قبل انطلاق الفعالية بساعات، إلا أن الفعالية التي نُفذت بعد الانتهاء من الحِداد، نجحت في تحقيق أهدافها، والأهم من كل ذلك هو انطباع الضيوف عن سلطنة عمان وشعبها، والتعرُّف عن قُرب على الثقافة العُمانية وكتّابها الذين نالوا جوائز مهمة في الرواية والشعر.
إن نجاح أي مؤسسة ثقافية عمانية عامة كانت أو خاصة هو نجاح عماني بامتياز، ولذلك فإننا ننتظر ونترقب مشاريع ثقافية مماثلة تسهم في نجاح الخطط والاستراتيجيات الثقافية والرؤى الوطنية للنهوض بالإنسان العماني وثقافته وتحقيق طموحه.
محمد الشحري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المؤسسات الثقافیة بیت الزبیر
إقرأ أيضاً:
كيف أسهمت رجاء ياقوت صالح في تعزيز العلاقات الثقافية المصرية الفرنسية
لطالما كانت العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا ذات طابع مميز، حيث لعبت الترجمة والأدب دورًا رئيسيًا في هذا التواصل. ومن بين الأسماء البارزة التي ساهمت في تعزيز هذه العلاقات رجاء ياقوت صالح، الأكاديمية والمترجمة المصرية التي كرّست حياتها لنقل الفكر الفرنسي إلى العالم العربي. لم تكن مجرد أستاذة جامعية، بل كانت جسرًا بين ثقافتين، ساعية إلى إثراء المكتبة العربية بأعمال أدبية وعلمية فرنسية قيّمة.
جهودها في الترجمة والأدبأحد أبرز إسهامات رجاء ياقوت صالح في تعزيز العلاقات الثقافية المصرية-الفرنسية كان عملها في الترجمة. فقد اهتمت بترجمة الأدب الفرنسي الحديث ونقل أفكاره إلى القارئ العربي، مما ساهم في زيادة الوعي بالأدب والفكر الفرنسيين.
من أهم أعمالها المترجمة كتاب “صناعة الكتاب بين الأمس واليوم”، الذي يُعد مرجعًا مهمًا في دراسة تطور الطباعة والنشر. كما قدمت كتاب “مدخل إلى الشعر الفرنسي الحديث والمعاصر”، والذي عرّف القارئ العربي بالتيارات الشعرية الحديثة في فرنسا، مما ساعد في خلق تواصل ثقافي وفكري بين اللغتين.
التكريم والاعتراف الدوليلم تمرّ جهود رجاء ياقوت صالح دون تقدير، حيث حصلت على وسام فارس من الحكومة الفرنسية، وهو أحد أرفع الأوسمة التي تُمنح لمن يساهمون في نشر الثقافة الفرنسية عالميًا.
كما حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في الترجمة عام 1988، تأكيدًا على دورها في إثراء المشهد الثقافي المصري. هذه الجوائز لم تكن مجرد تكريم شخصي، بل اعترافًا بدور الترجمة في تعزيز التواصل بين الثقافات، وهو ما عملت عليه طوال حياتها.
تأثيرها الأكاديمي والمجتمعيلم يقتصر تأثير رجاء ياقوت صالح على الترجمة فقط، بل امتد إلى مجال التعليم الأكاديمي، حيث شغلت منصب عميدة كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر بين عامي 1988 و1994. خلال هذه الفترة، ساهمت في تطوير مناهج تدريس اللغة الفرنسية، وأشرفت على العديد من الأبحاث التي تناولت الأدب الفرنسي وعلاقته بالثقافة العربية. كما حرصت على تقديم طلابها إلى الفكر الفرنسي من منظور نقدي، مما أسهم في إعداد جيل جديد من الباحثين والمترجمين.