قصص ترويها نساء غزة.. مأساة الحوامل أثناء الحرب
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
مقدمة الترجمة:
من المؤكد أن المأساة في غزة تطول الجميع، وتشمل كل جوانب الحياة اليومية، بداية من مجرد الاستيقاظ صباحا وحتى رشفات الماء النقي التي باتت نادرة، رغم ذلك، فإن هناك فئات حرجة جدا تواجه ما هو أخطر من كل ذلك، ونتحدث هنا عن السيدات الحوامل، كيف يتعاملن مع ما يحدث؟ وما الذي يجول في خاطرهن مع سماع الطائرات "الزنانة" أو دوي انفجار قريب؟ كلير بورتر روبينز، الكاتبة الكندية، تمكنت من التواصل مع بعضهن، وقررت أن تحكي لنا تلك الحكاية.
نص الترجمة:
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تستيقظ نور شعث كل صباح لتفحص جسدها، ثم سرعان ما يخالجها شعور بالارتياح لمجرد أن توأميها لا يزالان داخل رحمها. أخبرها الطبيب أن كل يوم إضافي يزيد من فرصة أن تكون ولادتها طبيعية دون الحاجة إلى تدخل جراحي أو رعاية صحية خاصة بالمواليد الجدد، وهي رعاية قد لا تكون متاحة في قطاع غزة حاليا. لكن حتى بعد تفحص جسدها كل صباح والتأكد من أن حملها ما زال مستقرا، وأنها تقترب يوما بعد يوم من ولادة طبيعية وآمنة، لم تتمكن شعث من التخلص من شعور الخوف العميق والموجع الذي يخيّم عليها.
وسط الفوضى التي تكتنف القطاع، يلازم نور قلق مستمر من أن هذا الخوف الذي يكتسيها قد يتسرب إلى طفليها، ودائما ما تسأل نفسها عما إذا كانا يشعران بالخوف وهما بداخلها، وما إذا كان بإمكانهما الشعور ببكائها، أو ما إذا كان التوتر الذي يسري بجسدها سيتمخض عنه في نهاية المطاف ولادة مبكرة. قالت لي عبر رسالة نصية خلال إحدى فترات توفر الاتصال في غزة: "رغم أنني أعمل مستشارة نفسية، وعلى دراية تامة بكيفية التعامل مع الأفكار السلبية، لم تسفر مساعيَّ عن أي تحسُّن يُذكر في نفسيتي، إنني أرزح تحت وطأة ضغوطات طوال الوقت، وقد أخبرتُ زوجي أنني لا أشعر بالأمان إزاء فكرة الخضوع لعملية ولادة في قطاع غزة".
بدون مسكنات أو تخدير
وفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان (وهو وكالة دولية تعمل على تعزيز حقوق النساء فيما يتعلق بالصحة الإنجابية)*، فإن نور شعث تُعَدُّ واحدة فقط من بين 50,000 امرأة حامل في غزة. ومع النزوح الجماعي ونقص الضروريات الأساسية، باتت عمليات الولادة في غزة محفوفة بالمخاطر. وبالفعل، تلقى صندوق الأمم المتحدة للسكان تقارير عن نساء خضعن لعمليات قيصرية بدون مسكنات أو تخدير.
أخبرني دومينيك آلن، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية، أن نحو 180 امرأة تخضع يوميا لعمليات ولادة في قطاع غزة، وثمة أعداد مهولة منهن يلدن قبل الأوان بسبب الظروف العصيبة التي يكابدنها يوميا. وفي وجود كل هؤلاء الأطفال الخُدّج (المولودين قبل ميعادهم)، يُعَدُّ توفير الوقود للحاضنات أمرا في غاية الأهمية (وهو ما لا يتوفر في قطاع غزة منذ بداية الحرب)*. ومن المفترض خلال فترة وقف إطلاق النار أن المنظمات الطبية تمكنت من التفاوض لتوصيل بعض الوقود والإمدادات الأخرى إلى المستشفيات في الشمال. لكن مع ذلك، أخبرني آلن أنه تلقى معلومات من مستشفى الحلو -وهو المشفى الرئيسي للولادة في مدينة غزة- تُفيد بانهيار تام للرعاية الصحية التي تتلقاها الأم وطفلها منذ فترة الحمل، مرورا بفترة الولادة، ووصولا إلى فترة ما بعد الولادة.
في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، تواصلتُ مع نورا الزعيم، وهي أم لطفلين، من خلال صديق مشترك بيننا. كانت نورا قد أنجبت لتوّها طفلها الثاني، وفي يوم الولادة الموافق 30 أكتوبر/تشرين الأول، أخبرتني أنها سمعت أن مسكنات الألم قد لا تكون متوفرة، لذلك لم تطلبها، وقُدِّر لها بعد ذلك أن تخوض غمار تجربة مرعبة. فأثناء العملية، تناهى إلى مسامعها صوت الغارات الجوية القريبة، وداهمها شعور بالقلق من احتمالية قصف المستشفى أيضا.
أصبحت الولادة داخل المستشفيات أشد خطورة بعد استهداف العديد منها بالقصف المباشر (الفرنسية)أثناء تلك الفترة، احتاجت الزعيم إلى غُرز جراحية لتقطيب جرحها، وفي ظروف كهذه لم تكن عملية التعافي سهلة على الإطلاق. وكونها أخصائية علاج طبيعي في عيادة متخصصة لعلاج مرضى الحروق، كان لديها بعض الخبرة في كيفية العناية بالجروح المُقطَّبة بالخيوط الجراحية، كما كانت تعلم أيضا أن ألمها المستمر هو على الأرجح علامة على الإصابة بالعدوى. وإن كان وضعها الحالي خطيرا، فالعودة إلى المستشفى في الأسابيع التالية للولادة أشد خطورة. وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني، راسلتني لتصف لي حجم معاناتها في غزة قائلة: "إنني أعاني. جسدي مقطّب بخيوط جراحية، وأتألم بشدة، وبجانب ذلك كله لا يوجد ماء متاح للاستحمام ليساعدني قليلا في التئام الجرح ومنع انتشار العدوى".
بعد الولادة، فرض الجيش الإسرائيلي على نورا وأهلها تهجيرا قسريا إلى جنوب غزة، حيث اضطروا إلى التكدس في شقة ضيقة مع أقاربهم. وفي ظروف كهذه، أُصيب الرضيع بالحمى، فذهبوا به إلى مشفى يعج باللاجئين، واشتروا له دواء من السوق السوداء عندما لم يتمكنوا من العثور على العلاج اللازم. يواصل زوجها سعيه متلمسا طريقه لساعات متواصلة للبحث عن مياه نظيفة وطعام ودواء للعائلة، وهو في سبيل الحصول عليها لا يكف عن المحاولة. أما في المنزل، تلجأ نورا إلى استخدام طرق مبتكرة لتهدئة طفلها الصغير خلال الأيام الطويلة من القصف المستمر، فعند سماع الانفجارات، تبدأ هي وأقاربها بالتصفيق والابتسام بينما يخبرون أطفالهم أن القنابل عبارة ألعاب نارية صاخبة. ومع ذلك، ما زالت هذه الأصوات تبث الرعب في قلوب الأطفال فيسدّون آذانهم عنها ويختبئون.
ومن مأساة إلى أخرى، ننتقل إلى أم ثالثة من غزة تُدعى أسماء الحايك، التي أنجبت أول طفل لها خلال حرب مايو/أيار 2021، ثم أنجبت مرة أخرى في أغسطس/آب الماضي. تخبرنا الحايك أنها تُهدئ ابنها الأكبر عن طريق التظاهر بأن أصوات القصف تصدر عن طيور كبيرة اعتراها شيء من الارتباك والحيرة. غير أنه في بعض الأحيان، تتبدل الأدوار، فما إن يراها الصغير وهي خائفة، حتى يذكِّرها بأن هذه الأصوات تصدر من الطيور في السماء. تحدثتْ معي الأمهات الثلاث -شعث، والزعيم، والحايك- عن محدودية الفرص المتاحة لأطفالهن في غزة، وعن الصدمات والضغوط النفسية التي وُلدوا في ظلها. لهذا سألتُ هؤلاء الأمهات: إذا أتيحت لهن الفرصة، فهل سيُفضِّلن الرحيل عن غزة؟ لكن الغريب أن جميعهن نطقن الإجابة ذاتها تقريبا، وهي باختصار أن غزة عالمهن الحقيقي، هناك حيث تقطن عائلاتهن وأصدقائهن، وتقبع وظائفهن.
على الجانب الآخر، أخبرتني الحايك أنها فكرت في محاولة الذهاب إلى مصر طوال فترة الحرب، لكن القلق عصف بقلبها لاحتمالية أن تُمنَع هي وعائلتها من العودة إلى غزة مرة أخرى إذا غادرت الآن. وتستمر الحايك في وصف معاناتها بقولها إن العيش في مأوى مؤقت في الجنوب كان صعبا بما فيه الكفاية: " لذا كل ما أريده الآن هو منزلي، وأحلم دائما بالعودة إليه".
في الوقت الحالي، أتمت نور شعث تقريبا شهرها السادس في الحمل. ومن المفترض أن خلال فترة وقف إطلاق النار دخلت بضع شاحنات تابعة للجمعيات الخيرية الطبية وصندوق الأمم المتحدة للسكان إلى قطاع غزة محملة بإمدادات الولادة الآمنة، وأدوية التخدير، وغيرها من الضروريات للرضع والأمهات. ويقدّر دومينيك آلن، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية، أن المستشفيات لديها الآن ما يكفي من الإمدادات لدعم عمليات الولادة الأساسية والمعقدة خلال الشهر والنصف المقبلين. (وهي مجرد تقديرات قد لا تكون صحيحة في ظل القصف المستمر على قطاع غزة)*.
ورغم كل هذه الظروف العصيبة، ما زالت شعث ترى بصيصا من الأمل، لأن توأميها -لحُسن الحظ- لا يزالان يتحركان بداخلها. وحينما سألتها عما تحلم به لأطفالها في المستقبل، أخبرتني أنها لا تستطيع أن تتساءل عما عسى يتمخض عنه المستقبل، وكل ما تتمناه حاليا قبل أن تخلد إلى النوم في كل ليلة هو أن يأتي طفلاها إلى هذه الدنيا بأمان دون أن يمسهما شر.
——————————————————————-
هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
ترجمة: سمية زاهر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الأمم المتحدة للسکان فی قطاع غزة ولادة فی فی غزة
إقرأ أيضاً:
إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة .. تقرير
الجديد برس|
كشفت معطيات إحصائية جديدة حجم ما ألحقته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في القطاع غزة على مدار 470 يومًا من حرب الإبادة الجماعية التي طاولت كل مقومات الحياة الإنسانية.
وقدر المكتب الإعلامي الحكومي في تقرير إحصائي نشره اليوم الثلاثاء، الخسائر الأولية المباشرة للحرب بأكثر من 38 مليار دولار، فيما بلغت نسبة الدمار 88%.
وبين أن جيش الاحتلال ألقى طوال فترة الحرب على غزة 100 ألف طن من المتفجرات، استشهد على إثرها 46 ألفًا و960 مواطنا، بينهم 17 ألفًا و861 طفلًا منهم 214 رضيعًا و808 أطفال دون عمر السنة، بالإضافة لارتقاء 12 ألفًا و316 امرأة، مشيرا إلى نسبة الأطفال والنساء تشكل 70% من إجمالي عدد الضحايا.
وسجل الإعلام الحكومي 14 ألفًا و222 مفقودًا، ونحو 110 آلاف و725 إصابة، بينهم 15 ألفًا بحاجة لعمليات تأهيل طويلة الأمد، و4 آلاف و500 حالة بتر، موضحا أن 18% من إجمالي حالات البتر سجلت بين الأطفال، فيما يحتاج 12 ألفًا و700 جريح للعلاج في الخارج.
وأوضح الإعلام الحكومي أن 38495 طفلًا يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، فيما فقدت 13901 من النساء أزواجهن خلال الحرب.
وفي تفاصيل ممارساته الإجرامية، ارتكب الاحتلال مجازر مروّعة ضد العائلات الفلسطينية طيلة أشهر الحرب، حيث أباد 2092 عائلة بمجموع عدد أفراد 5967 شهيدًا، في حين أنّ 4889 عائلة أخرى فقدت جميع أفرادها باستثناء فرد واحد (الناجي الوحيد)، ليصل عدد شهداء هذه العائلات إلى أكثر من 8980 شهيدًا.
النزوح والجوع
في حين أجبرت حرب الإبادة مليونين من مواطني قطاع غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء، حسب إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي. وأشار إلى أنّ 110 ألف خيمة اهترأت وأصبحت غير صالحة للنازحين، فيما أُصيب أكثر من مليونين و136 ألفًا بأمراض معدية نتيجة النزوح، فيما انتقلت عدوى التهابات الكبد الوبائي لنحو 71 ألفًا و338 نازحًا.
وفي غزة، شدد المكتب على أن “الناس ماتت جوعًا ومن البرد أيضًا”، إذ استشهد 8 فلسطينيين بينهن 7 أطفال من شدة البرد في الخيام، فيما استشهد 44 نتيجة سياسة التجويع التي انتهجها الاحتلال خلال أشهر الحرب ضد سكان القطاع تحديدًا محافظتي غزة وشمالها لحملهم على الهجرة القسرية، ولا يزال الموت يتهدد نحو 3 آلاف و500 طفل في القطاع بسبب سوء التغذية.
وعلى مدار أكثر من 15 شهرا من الإبادة التي ارتكبها الاحتلال بغزة، لم يسلم القطاع الصحي من دائرة الاستهداف المباشر والحصار المشدد، حيث وصل عدد شهداء الطواقم الطبية ألف و155 شهيدًا ونحو 360 معتقلًا أعدم منهم 3 أطباء داخل السجون.
المستشفيات والدفاع المدني
ومنذ السابع من أكتوبر ألو 2023، طال العدوان 34 مستشفى في قطاع غزة من خلال حرقها أو الاعتداء عليها أو إخراجها من الخدمة، فيما تعمل بقية المستشفيات بقدرات محدودة للغاية.
وأدى العدوان، وفي معطيات الإعلام الحكومي، لإخراج 80 مركزا صحيا عن الخدمة بشكل كامل، كما استهدف الاحتلال 162 مؤسسة صحية أخرى، فضلًا عن استهداف وتدمير 136 سيارة إسعاف مما أدى إلى شلل كبير بقدرة الطواقم الطبية على الاستجابة لحالات الطوارئ.
أما طواقم الدفاع المدني فقد استشهد منهم 94 عاملًا، واعتُقل 26 آخرين من إجمالي 6 آلاف و600 حالة اعتقال نفذها الاحتلال في قطاع غزة منذ بادية الحرب، ووضعتهم تحت ظروف قهرية بدنية ونفسية قاسية، ومارست عليهم شتى أنواع التعذيب والتنكيل، وواجه بعضهم عمليات اغتصاب وتحرش جنسي.
وخلال الحرب دمر الاحتلال 19 مقبرة بشكلٍ كلي وجزئي من أصل 60 مقبرة، وانتهك حرمة الأموات بسرقة ألفي و300 جثمان من المقابر. كما اكتشفت الطواقم المختصة 7 مقابر جماعية أقامها الاحتلال داخل المستشفيات، جرى انتشال 520 شهيدًا منها.
كما لم تسلم بيوت العبادة من العدوان، حيث تعرض 823 مسجدًا للهدم الكلي بفعل الاستهداف المباشر، و158 مسجدا بشكلٍ بليغ بحاجة لإعادة ترميم، إلى جانب استهداف وتدمير 3 كناس في القطاع، و206 مواقع أثرية.
وشدد الإعلام الحكومي على تعمد جيش الاحتلال منذ بداية الحرب، استهداف الصحفيين وملاحقتهم في محاولة لطمس الحقيقة التي أصروا على نقلها رغم المخاطر التي أحاطت بهم، إذ أسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد 205 صحفيين، إصابة 400 آخرين، واعتقال 48 صحفيًا معلومة هوياتهم.
البنية التحتية السكانية والخدماتية
ووفق الإحصاءات، تعرضت 161 ألفًا و600 وحدة سكنية في قطاع غزة للهدم الكلي بفعل القصف الإسرائيلي، إلى جانب 82 ألفا أخرى أصحبت غير صالحة للسكن، و194 ألفًا تضررت بشكل جزئي بدرجات متفاوتة.
وهدم جيش الاحتلال 216 مقرًا حكوميًا بشكل كلي، وارتكب 150 جريمة استهدف فهيا عناصر شرطة وتأمين مساعدات، خلّفت 736 شهيدًا. وطالت سياسة التدمير القطاع التعليمي في غزة، حيث هدم الاحتلال كليًا 137 مدرسة وجامعة، فيما تضررت 357 مدرسة وجامعة بشكلٍ جزئي.
أما ما عدد ما قتله الاحتلال من طلبة ومعلمين وأساتذة وباحثين، فقد أحصى “الإعلام الحكومي” استشهاد 12 ألفًا و800 طالب وطالبة، و760 معلمًا وموظفًا تربويًا في سلك التعليم، و150 عالمًا وأكاديميًا وأستاذًا جامعيًا وباحثًا.