د. صالح الفهدي
يُخبرني أحد الأصحاب أنّه باع بيته، فلمّا التقى بالمشتري في السجِّل العقاري، وقّع على أوراق البيعِ التي تؤكِّد على قبضه للمبلغ المتفق عليه، لكنّه أحسن النيّة في المشتري لأنه رآه صاحب لحيةٍ طويلة، وظنّ صاحبها تقيًّا، متديِّنًا، يخشى الله فيه، فلمّا انهيا الإجراءات، وخرج مع المشتري خارج الوزارة، سأله المشتري مستفزًّا: هل ما فعلته من عقلك؟! فردّ عليه: وماذا فعلت؟ فأجابه المشتري: كيف توقِّع على أوراق البيع وأنت لم تستلم قيمة عقارك؟ فرد عليه: أحسنت الظن فيك، ورأيتُ في وجهك الصلاح والتقوى؟! قال له كأنّما يدفِّعه ثمن حسن نواياه فيه: إذن سأسلمِّك جزءًا من المبلغ، أمّا الجزء المتبقي فبعد حين، وهنا وقع البائع في مأزق حسن نواياه بالرجل (التقي، الورع، المتديِّن)، يقول الصاحب: بعد محاكمات، ومناكفات، ومخاصمات، حصلتُ على ما تبقى من المبلغ، ومع ذلك نقول أنّه محظوظ لأنه حصل في الأخير على مستحقاته وإن كانت بغصصٍ، ومتاعب!
قصص كثيرة من هذا القبيل تقع في مجتمعنا بسبب حسن النوايا، والطبيعة الطيبة للإنسان العماني الذي تتقدمه الطيبة والعفوية، ثم يصبحُ ذلك الذي حصل على ما يريدُ منه عدوًا لدودًا، ويمسي صاحبُ الحقِّ صاحبُ مشقّة ومكابدة، ليستعيد حقّه ممن رأف به وأشفق، وأحسن النية في التعامل معه فأخفق.
إنّ أطول آية في القرآن الكريم هي آية الدّين، وقد فصّل الله فيها تعامل الطرفين الدائن والمدين بكل شفافية وتجرُّد من الشخصنة، حتى يضمن صاحب الحقِّ حقّه، لكن من المؤسف فقد تغيّرت قيم البعض الذي يتقنُ فن الخداع إما بالحديث اللطيف، أو بالأخلاق العالية، أو بمظهر التديُّن، وما إن يحصلُ على بغيّته حتى ينقلب أفعى سامّة لا يستطيع الآخر الاقتراب منها.
ولا يتصوّر الإِنسان مدى ما وصل إليه بعض الناس من إنكار الحق في مجتمعنا، وطغيان شهوة المال عليهم، فقد سمعتُ أن أخًا اتفق مع أخيه لينقل إليه أرضًا له بصفة مؤقّتة حتى يُنهي بعض الأمور، فلمّا طلب من أخيه بعد حينٍ أن يُعيد أرضه إليه رفض الأخ وأنكر أنّ أخاهُ قد حوّلها بصورةٍ مؤقّتة، فإذا كان هذا ما قد يحدث بين الأخوة فكيف هو الحال بين آخرين؟!
حُسنُ النوايا لا تعني أن تغشى الغفلة صاحبها، فلا يُدرك ما يتوجّبُ عليه فعله في الأمر، فحسنُ النوايا هي قاعدة التعامل في العموم انطلاقًا من القاعدة الأعم "الأصلُ في الأشياء الإِباحة" ولكن هذا لا يعني أن يُعرِض الإنسان عن ما يحفظُ له حقّه.
حسنُ النوايا لا تعني عدم الطيبة وطغيان الشكِّ في التعامل مع النّاس، وإن كثرت أفعالهم المخادعة، وإنما تعني أن يحذر الإنسان من مأمنه، كما يقول المثل العربي "يؤتى الحذِرُ مِنْ مأمنه" أي إن الإنسان قد يلاقى الضرر من الذي أمنه، وكان حذرًا من غيره.
حسنُ النوايا لا يعني التوقف عن مساعدة الآخرين خشية فقدان الحق، وإنّما يجب اتباعُ القوانين المنظِّمة التي تنظِّم المعاملات، فما وضعت القوانين إلا لحفظ الحقوق، إذ يقال "القانون لا يحمي المغفلين" لأنهم أسقطوا من اعتباراتهم خطواتٍ وإجراءاتٍ هي الضامنة لحقوقهم.
نباهة الإِنسان وفطنته هي التي يفترضُ أن توجِّه حسن نواياه وطيبته في تعامله مع الناس، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"(رواه المغيرة بن شعبة)، والله تبارك وتعالى يقول: "ولا تُؤْتُوا السُّفهاء أمْوالكُمُ الّتِي جعل اللّهُ لكُمْ قِيامًا" [النساء:5]، وهكذا نؤسِّس تعاملاتنا مع الناس متوازنين بين قيم الطيبة وحب الخير والإحسان والعون من جهة، وبين حفظ الحقوق، وعدم الابتزاز في العواطف والمشاعر، والإتيان من مأمن لم يُحذر.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول وفاة طبيعية.. العثور على أشهر راقصي الباليه ميتا
(CNN)-- توفي نجم الباليه الروسي الشهير، فلاديمير شكلياروف، بعد سقوطه من الطابق الخامس لأحد المباني، السبت، وتم تأكيد وفاته من قبل مسرح ماريانسكي، وهو مكان في مدينة سانت بطرسبرغ حيث كان شكلياروف هو الراقص الأول.
وبينما بدأت السلطات الروسية تحقيقًا في وفاة شكلياروف، فقد تم التوصل إلى أن "السبب الأولي" هو أنه كان حادثا، حسبما أفادت وسائل الإعلام الحكومية الروسية "ريا نوفوستي".
وقال مصدر في خدمات الطوارئ الروسية لوكالة ريا نوفوستي: "إنها ليست جريمة.. لقد مات موتاً طبيعياً".
وذكرت وسائل إعلام روسية أن شكلياروف توفي قبل يومين من خضوعه لعملية جراحية معقدة في العمود الفقري، وكان يتناول "مسكنات خطيرة للألم" لبعض الوقت، في حين قالت ديانا فيشنيفا، وهي راقصة رئيسية في فرقة ماريانسكي، إن وفاة شكلياروف هي "مأساة" لعالم الباليه.
وولد شكلياروف في لينينغراد - سانت بطرسبرغ الآن - ودرس في أكاديمية فاغانوفا المرموقة للباليه وتخرج في عام 2003. وانضم إلى مسرح ماريانسكي في نفس العام وعمل كراقص رئيسي - وهو أعلى رتبة في المؤسسة - منذ 2011.
وفي مسيرة مهنية امتدت لأكثر من عقدين من الزمن، لعب شكلياروف دور البطولة في إنتاجات "بحيرة البجع"، و"الجمال النائم"، و"روميو وجولييت"، و"دون كيشوت"، كما قام بأدوار البطولة كفنان ضيف مع شركات خارج روسيا، بما في ذلك فرقة الباليه الملكية في لندن ومسرح الباليه الأمريكي في نيويورك.
وحصل على العديد من الأوسمة خلال مسيرته المهنية، بما في ذلك جائزة ليونيد ماسين الدولية في عام 2008، وفي عام 2020 تم تعيينه فنانًا مشرفًا في روسيا.
وفي الأيام التي تلت شن روسيا غزوها واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير 2022، نُقل عن شكلياروف تحدثه علنًا عن دعمه للسلام.