جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-03@10:10:59 GMT

حُسن النوايا

تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT

حُسن النوايا

 

د. صالح الفهدي

يُخبرني أحد الأصحاب أنّه باع بيته، فلمّا التقى بالمشتري في السجِّل العقاري، وقّع على أوراق البيعِ التي تؤكِّد على قبضه للمبلغ المتفق عليه، لكنّه أحسن النيّة في المشتري لأنه رآه صاحب لحيةٍ طويلة، وظنّ صاحبها تقيًّا، متديِّنًا، يخشى الله فيه، فلمّا انهيا الإجراءات، وخرج مع المشتري خارج الوزارة، سأله المشتري مستفزًّا: هل ما فعلته من عقلك؟! فردّ عليه: وماذا فعلت؟ فأجابه المشتري: كيف توقِّع على أوراق البيع وأنت لم تستلم قيمة عقارك؟ فرد عليه: أحسنت الظن فيك، ورأيتُ في وجهك الصلاح والتقوى؟! قال له كأنّما يدفِّعه ثمن حسن نواياه فيه: إذن سأسلمِّك جزءًا من المبلغ، أمّا الجزء المتبقي فبعد حين، وهنا وقع البائع في مأزق حسن نواياه بالرجل (التقي، الورع، المتديِّن)، يقول الصاحب: بعد محاكمات، ومناكفات، ومخاصمات، حصلتُ على ما تبقى من المبلغ، ومع ذلك نقول أنّه محظوظ لأنه حصل في الأخير على مستحقاته وإن كانت بغصصٍ، ومتاعب!

قصص كثيرة من هذا القبيل تقع في مجتمعنا بسبب حسن النوايا، والطبيعة الطيبة للإنسان العماني الذي تتقدمه الطيبة والعفوية، ثم يصبحُ ذلك الذي حصل على ما يريدُ منه عدوًا لدودًا، ويمسي صاحبُ الحقِّ صاحبُ مشقّة ومكابدة، ليستعيد حقّه ممن رأف به وأشفق، وأحسن النية في التعامل معه فأخفق.

 

إنّ أطول آية في القرآن الكريم هي آية الدّين، وقد فصّل الله فيها تعامل الطرفين الدائن والمدين بكل شفافية وتجرُّد من الشخصنة، حتى يضمن صاحب الحقِّ حقّه، لكن من المؤسف فقد تغيّرت قيم البعض الذي يتقنُ فن الخداع إما بالحديث اللطيف، أو بالأخلاق العالية، أو بمظهر التديُّن، وما إن يحصلُ على بغيّته حتى ينقلب أفعى سامّة لا يستطيع الآخر الاقتراب منها.

ولا يتصوّر الإِنسان مدى ما وصل إليه بعض الناس من إنكار الحق في مجتمعنا، وطغيان شهوة المال عليهم، فقد سمعتُ أن أخًا اتفق مع أخيه لينقل إليه أرضًا له بصفة مؤقّتة حتى يُنهي بعض الأمور، فلمّا طلب من أخيه بعد حينٍ أن يُعيد أرضه إليه رفض الأخ وأنكر أنّ أخاهُ قد حوّلها بصورةٍ مؤقّتة، فإذا كان هذا ما قد يحدث بين الأخوة فكيف هو الحال بين آخرين؟!

حُسنُ النوايا لا تعني أن تغشى الغفلة صاحبها، فلا يُدرك ما يتوجّبُ عليه فعله في الأمر، فحسنُ النوايا هي قاعدة التعامل في العموم انطلاقًا من القاعدة الأعم "الأصلُ في الأشياء الإِباحة" ولكن هذا لا يعني أن يُعرِض الإنسان عن ما يحفظُ له حقّه.

حسنُ النوايا لا تعني عدم الطيبة وطغيان الشكِّ في التعامل مع النّاس، وإن كثرت أفعالهم المخادعة، وإنما تعني أن يحذر الإنسان من مأمنه، كما يقول المثل العربي "يؤتى الحذِرُ مِنْ مأمنه" أي إن الإنسان قد يلاقى الضرر من الذي أمنه، وكان حذرًا من غيره.

حسنُ النوايا لا يعني التوقف عن مساعدة الآخرين خشية فقدان الحق، وإنّما يجب اتباعُ القوانين المنظِّمة التي تنظِّم المعاملات، فما وضعت القوانين إلا لحفظ الحقوق، إذ يقال "القانون لا يحمي المغفلين" لأنهم أسقطوا من اعتباراتهم خطواتٍ وإجراءاتٍ هي الضامنة لحقوقهم.

نباهة الإِنسان وفطنته هي التي يفترضُ أن توجِّه حسن نواياه وطيبته في تعامله مع الناس، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"(رواه المغيرة بن شعبة)، والله تبارك وتعالى يقول: "ولا تُؤْتُوا السُّفهاء أمْوالكُمُ الّتِي جعل اللّهُ لكُمْ قِيامًا" [النساء:5]، وهكذا نؤسِّس تعاملاتنا مع الناس متوازنين بين قيم الطيبة وحب الخير والإحسان والعون من جهة، وبين حفظ الحقوق، وعدم الابتزاز في العواطف والمشاعر، والإتيان من مأمن لم يُحذر.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

"ماعت" تطالب بضرورة الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية واستكمال الجهود المبذولة خلال 4 سنوات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شددت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان على ضرورة الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية واستكمال الجهود المبذولة، خلال السنوات الأربع الماضية منذ اعتماد 81 توصية حول تلك الحقوق في الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل.

وذلك خلال فاعلية جانبية عقدتها على هامش استعراض الحكومة المصرية ملفها عن حالة حقوق الإنسان.

هذا وقد ركزت الفاعلية على أوضاع حقوق الإنسان في مصر بالتركيز على الحق في التعليم والصحة والسكن اللائق والمياه والضمان الاجتماعي، وكذلك أوضاع الفئات الخاصة الأولى بالرعاية، والمناطق المهمشة.

وفي هذا الصدد، ذكرت مديرة الفاعلية؛ جوليا برازير؛ المحامية الدولية والمتخصصة في حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، أن هذه الفاعلية المعلوماتية تأتي لاستعراض وضع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في مصر.

كما نوهت إلى أن تلك الحقوق لا تزال تتطلب المزيد من الجهود نحو التنفيذ الفعال للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ولا سيما في محورها الثاني.

فيما قالت دينيسا روبيرتا سالا، المتخصصة في حقوق الإنسان، إلى جهود الحكومة المصرية في وضع وتنفيذ التوصيات الستة المتعلقة بالحق في التنمية التي قبلتها الحكومة في مراجعتها الثالثة، مثمنة مشروعات قومية مثل مبادرة "حياة كريمة".

وطالبت "سالا" بالإسراع في عملية إقرار قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي والذي لدمج المستفيدين تحت مظلة واحدة.

وعلى صعيد متصل، صرحت الناشطة الحقوقية لويزا فاسكونسيلوس، أن الحق في التعليم شهد عدد من التطورات، أبرزها ما يخص تعليم اللاجئين والمهاجرين؛ حيث سمح لعدد كبير من الجنسيات بالتسجيل في المؤسسات التعليمية الحكومية وعمل بعض الاستثناءات بخصوص الحق في التعليم لهم.

كما نوهت لويزا لضرورة إشراك منظمات المجتمع المدني والأخذ بمخرجات لجنة التعليم في الحوار الوطني.

بينما تناول بكر سويلم؛ رئيس جمعية تنمية المجتمع بالجورة، الحق في السكن اللائق والتنمية المستدامة في سيناء في مصر وتطوراته.

وأكد "سويلم" الموقف المصري الرافض للتهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء، وإمكانية تأثير ذلك على تصفية القضية الفلسطينية العادلة.

وشدد على أن ذلك سيؤثر على التنمية المستدامة في سيناء، بكافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن التأثيرات السياسية.

وتحدث خالد زايد؛ نائب رئيس جمعية تنمية المجتمع بالجورة حول عدد من الإنجازات التي قامت بها الحكومة المصرية خلال السنوات الأربع الماضية في مجال تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وركز "زايد" على الحق في التعليم في سيناء، والجهود التي يتم بذلها في السنوات الأخيرة في سيناء حول التمكين الحقيقي للحق في التعليم، بالتعاون مع المنظمات الدولية والمحلية ولا سيما الهلال الأحمر المصري.

وطالب الحقوقي أيمن عقيل؛ رئيس مؤسسة ماعت، بضرورة اعتماد استراتيجية وطنية للحد من الفقر، والنظر في استحداث آليات تنفيذية من أجل حث القطاع الخاص على تطبيق قرار رئيس الجهورية الخاص بالحد الأدنى للأجور.

وشدد "عقيل" على الحاجة لاعتماد مزيد من البرامج المخصصة لتعزيز مهارات النساء في إدارة المشاريع الاقتصادية، من أجل زيادة مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية.

وذكر أن هذه الفاعلية تأتي بالشراكة بين مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان وجمعية تنمية المجتمع بالجورة بشمال سيناء.

وتأتي على هامش مشاركة مؤسسة ماعت في أعمال الدورة 48 لآلية الاستعراض الدوري الشامل بجنيف سويسرا، والتي تشهد استعراض ملفات حقوق الإنسان لـ14 دولة في الفترة من 21 – 30 يناير.

مقالات مشابهة

  • الشهيد القائد: صوت الحق وشعلة المقاومة
  • لطفي يتهم الوزير السكوري بمحاولة إعدام النقابات وإسكات صوتها
  • الحق قديم لن يسقط بالتقادم…ويا كاتل الروح وين بتروح
  • الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب يخوض إضرابا عاما يوم 5 فبراير ضد مشروع قانون الإضراب
  • مفوضية الانتخابات:الأحزاب التي لها فصائل جهادية لها الحق المشاركة في الانتخابات
  • كلية الصيدلة السريرية بجامعة الحديدة تنظم فعالية ثقافية إحياءً لذكرى الشهيد القائد
  • فرصة للشباب| وظائف خالية براتب 14 ألف جنيه.. الحق قدم
  • الجيش: تفجير ذخائرغير منفجرة في جرد الطيبة - بعلبك
  • فاعلية جانبية لـ"ماعت" على هامش استعراض مصر ملفها الحقوقي بجنيف
  • "ماعت" تطالب بضرورة الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية واستكمال الجهود المبذولة خلال 4 سنوات