مصطفى محمود وخطر الصهيونية والنازية
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
عبد الله العليان
يُعد الكاتب الدكتور مصطفى محمود- رحمه الله- من المُفكرين العرب القلائل الذين تابعوا الحركة الصهيونية منذ قيام إسرائيل بعد حرب 1948، وهاجم الفكر الصهيوني هجومًا عنيفًا، ومنها كتابه الشهير "المؤامرة الكبرى" و"إسرائيل البداية والنهاية"، و"إسرائيل ولغة المحرقة"، و"على خط النار"، وغيرها من المؤلفات والمقالات، التي يتحدث فيها عن الحق العربي الفلسطيني.
وقد أزعج هذا الموقف إسرائيل، وتحركت بعض الدوائر الصهيونية لوقف ما يكتبه د. مصطفى محمود، كما نشر منذ عدة سنوات، فقد تحدث أدهم مصطفى، نجل المفكر، إلى برنامج "الحقيقة" مع الإعلامي المصري الراحل وائل الأبراشي، على قناة دريم المصرية، وقال إن إسرائيل، كانت وراء وقف برنامج والده الشهير "العلم والإيمان"، بسبب ما كان يقوله والده عن إسرائيل، ومنها أحد المقالات له في جريدة الأهرام المصرية، وأن تأثيرها لا يقتصر على "الإسرائيليين" فقط؛ بل على اليهود أيضًا، وأن المقال أثار استياء القيادات الإسرائيلية والمنظمات اليهودية. وأضاف أدهم مصطفى محمود "أن الخطاب كان له بالغ الأثر على صحة والده، الذي دخل بعدها في نوبة حزن شديدة، أثرت على صحته بشكل واضح، خاصة أن الخطاب عبَّر عن توبيخ سياسي واضح من الدولة لم يقتصر فقط على كتابات الفيلسوف الراحل، بل امتد إلى الاعتراض على محتوى ومضمون برنامجه «العلم والإيمان»، كاشفًا أن إسرائيل لعبت دورًا رئيسًا في توقف عرض البرنامج على القنوات الأرضية.
وقد تضمن كتاب "الغد المشتعل"، حديثه عن المخاطر الجسيمة للصهيونية العالمية وأنصارها في المنطقة، يقول مصطفى محمود: "إنَّ أخطر ما في الصهيونية أنها ركبت النظام الأمريكي واتخذت من الزراع الأمريكية القوية سلاحًا باطشًا لتحقيق أغراضها وراحت تضرب المسلمين في كل مكان بحجة أن الإسلام هو العدو الباقي للحضارة بعد انهيار الشيوعية وهي أكذوبة ساذجة يخفون بها حقيقتهم فهم وحدهم أعداء الحضارة وأصبح العالم الغربي يُصدقهم ويسير وراءهم مسلوب الإرادة". ويتساءل "أليست فضيحة لأمريكا أن تطارد باكستان وتوقع عليها عقوبات بسبب برنامجها النووي، وتحكم بالموت على الشعب العراقي بسبب مظنة برنامج نووي، وتهدد إيران وكذلك الحال في إيران وكوريا الشمالية بينما تبارك الترسانة النووية التي بنتها إسرائيل وتؤيدها. وبعد هذا تطالبنا بالسلام والتطبيع وماذا يكون هذا التطبيع أمام تلك القوة النووية الغاشمة؟ أهو تطبيع أم تركيع، أهو سلام أم استسلام؟".
وفي كتابه "إسرائيل البداية والنهاية"، يرى د. مصطفى محمود، أن إسرائيل لا تكف عن المخططات والاستراتيجيات، لعمل منظم للوصول إلى أهدافها البعيدة، ومنها أن: "الخطة الصهيونية هي الإعداد لعملية التفاف سياسي لتطويق مصالح الدول العربية وعملية التفاف أفريقية للوصول لمنطقة البحيرات ومنابع النيل لتهديد مصر، فإسرائيل يجب أن يكون لها نصيب في مياه النيل ونصيب الأسد في كل خيرات المنطقة. وقد كشفت المخابرات الفرنسية عن عمليات تسليح إسرائيلية مكثفة لميليشيات التوتسي والهوتو المُتناحرة في رواندا وبوربوندى وزائير..... وأن إسرائيل تلقي بالأسلحة بدون مقابل للطرفين (كما كانوا يفعلون مع الأوس والخزرج لإشعال الفتنة في الجزيرة العربية) هم يفعلونها الآن على نطاق أوسع في القارة الإفريقية لنشر الموت حول حزام البحيرات الكبرى ولكسب صداقة كل العصابات الإجرامية هناك تمهيدًا لشيء في المستقبل".
ويضيف د. مصطفى في هذا الصدد، أن الأصابع الروسية، ليست بعيدة عن الخطط الصهيونية، في التمدد والتحرك السياسي للوصول لصناع القرار في روسيا، ولهذا فإنَّ النشاط الإسرائيلي، ليس بعيدًا عن هذه الدول الكبرى، حيث إن قوى يهودية كبيرة في روسيا تقف مع إسرائيل، ولذلك كما يقول مصطفى محمود أن: "الإستراتيجية الأخرى تدور في كواليس الهيئة الروسية الحاكمة، فتسلل شخصيات صهيونية إلى مقاعد صنع القرار مثل الملياردير بيريزيزكوفسكي- الذي أصبح نائبًا للأمين العام لمجلس الأمن القومي الروسي- وهو يهودي وحامل للجنسية الإسرائيلية ويمتلك أكثر من قناة تلفيزيونية وأكثر من صحفية في روسيا وله عبارة مشهورة "إن اقتصاد روسيا في يد سبعة من اليهود يسهمون بأكبر نسبة في بنوكها".
وهذا كلام كبير وخطير وسوف يعني هذا النفوذ تهويد الموقف الروسي من السياسة الخارجية عند اللزوم وتحييدها وربما أكثر من ذلك ساعة الصدام المرتقب.
وفي كتابه "على خط النار"، فصل بعنوان "أمريكا وإسرائيل"، يرى د. مصطفى محمود، أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لم تعد علاقة عادية، بين طرفين؛ بل علاقة إستراتيجية كبيرة، ومسألة الاعتقاد بأن تكون دولة مجاورة بين الفلسطينيين وإسرائيل، أو ساعية للسلام بين العرب وإسرائيل، مجرد وهم، فقد: "افتضحت العلاقة العضوية المتينة، بين كل من أمريكا وإسرائيل عقب الهجوم الإرهابي الذي قامت به إسرائيل على لبنان- عام 1982- وضربت البنية التحتية وأضرمت النيران في بيروت ردًا على ما فعلته المقاومة اللبنانية لتحرير الجنوب، وجاءت المكافأة الأمريكية الفورية حينها بإعلان البنتاجون الموافقة على تقديم معونات عسكرية عاجلة لإسرائيل وبناء قاعدتين للتدريب العسكري، وانطلقت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها مادلين أولبرايت لتشيد بالعلاقات القوية التي تربط بين كل من إسرائيل وأمريكا منذ أكثر من نصف قرن. إن أمريكا تستعمل إسرائيل لتكون يدها الباطشة في الشرق الأوسط والتي تتحول إلى يد عابثة ومخربة أحيانًا، فالشرق الأوسط يعني البترول وكنوز الطاقة والمستقبل".
ويرى د. مصطفى محمود في كتابه "على خط النَّار"، ونتيجة ضعف الدول العربية، وعدم قدرتها في مواجهة الاستراتيجيات للقوى الدولية، أصبحت ملحقة ضمن مخططاتها، لا تملك القدرة على اتخاذ سياسات مغايرة، وفي هذا يقول: "ولا شك أن العالم يدرك الآن أن الدول العربية تمثل ضفيرة من المصالح الإستراتيجية للعالم كله وأن تهديد السلام في هذه المنطقة سوف ينعكس سلبًا علي العالم وأن ترك العدوان والظلم ليستفحل علي يد إسرائيل سوف يأتي بأوخم العواقب ليس علي فلسطين وحدها.. بل على الكل.. وأن العرب في مجموعهم يستطيعون الرد.. وأن الحلول العادلة هي السبيل الوحيد للسلام.. والتاريخ يقدم لنا الدروس.. فهل استطاعت الحروب الصليبية بأهوالها ومظالمها أن تقدم حلا.. لقد انتهت بالخذلان والهزيمة.. وأكثر الشعوب الأوروبية الآن خلعت مسيحيتها وتحولت إلى علمانية ووجودية ولا أدرية.. وعولمة اليوم تجارة ومصالح وتبادل منافع لا دين لها.. والصيحة الآن.. هي الحرية.. ولحقوق الإنسان.. وكل ما حرمته المسيحية أحله أتباعها".
ويضيف مصطفى محمود في هذا الكتاب، عمّا يجب النظر إليه، ونفكر فيه جيدًا أن: "نعلم من هم أصدقاؤنا ومن هم أعداؤنا.. ونعلم في أي صف تقف أمريكا.. ونعلم أين تقف أوروبا والغرب من كل هذا. ونعلم لماذا تقف أوروبا وأمريكا وراء إسرائيل".
ختامًا.. نقول إن الوضع الراهن كشف أعمال الصهاينة في الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وهي بمثابة نازية جديدة تستنسخ أفعال النازيين الأوائل، كما فعلوا بهم في ألمانيا في القرن الماضي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اليمن يتحدى التهديدات والتحَرّكات الصهيونية والأمريكية بتصعيد عمليات الإسناد لغزة
يمانيون../
مع تزايد تهديدات العدوّ الصهيوني بشن هجمات عدوانية واسعة على اليمن، تزامُنًا مع تحَرّكات أمريكية مكثّـفة للتصعيد ضد الشعب اليمني اقتصاديًّا وأمنيًّا وعسكريًّا.
يأتي تكثيف العمليات العسكرية المساندة لغزة باتّجاه عمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة كَــــرَدٍّ صارم على كُـلّ هذه المساعي الترهيبية الرامية لإجبار صنعاء على وقف عملياتها والتخلي عن موقفها، وهو ما يمثل مأزِقا حقيقيًّا لِكُلٍّ من “إسرائيل” والولايات المتحدة وشركائهما؛ لأَنَّ العمليات اليمنية لا تشكل فقط تحديًا معنويًّا، بل تعكس جهوزية عسكرية لمواجهة أي تصعيد قادم، وهو ما يعني -وَفْــقًا للتجارب السابقة- المزيد من تطور القدرات والتكتيكات اليمنية؛ إذ بات من الواضح أن كُـلّ تحَرّك عدواني يشكل فرصة لرفع أداء القوات المسلحة والتغلب على المزيد من التحديات فيما يتعلق بإمْكَانات العدوّ.
الهجوم الصاروخي النوعي الذي نفَّذته القواتُ المسلحة، الاثنين، على هدفٍ عسكريٍّ في منطقة يافا المحتلّة (تل أبيب) وأدى إلى دخول ملايين المستوطنين الملاجئ وتوقف حركة مطار “بن غوريون” كان بمثابة صفعة تلقاها العدوّ الصهيوني الذي كان قد حرص خلال الأيّام الماضية على بث أخبار وتصريحات بشأن التحضير لشن هجمات واسعة على اليمن للانتقام من تصاعد العمليات اليمنية المساندة لغزة خلال الفترة الأخيرة.
وقد أجبر الهجوم وسائل الإعلام العبرية على تسليط الضوء على الخطر المتزايد من جبهة الإسناد اليمنية بشكل أكبر، وهو ما حاول العدوّ أن يحتويه من خلال إصدار تهديدات جديدة بأن العدوان القادم على اليمن سيكون “بلا ضبط للنفس”، لكن ذلك لم يفلح في إخفاء حقيقة المعضلة المتعاظمة التي بات يشكلها اليمن بالنسبة للعدو الذي ظن أن اتّفاق وقف إطلاق النار في لبنان والمتغيرات في سوريا ستسهم في خفض وتيرة العمليات اليمنية ليتفاجأ بالعكس.
يديعوت أحرنوت: “إسرائيل” في مأزِقٍ حقيقي بشأن التعامل مع الهجمات اليمنية
وفي هذا السياق قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” إنه “بينما تستمر التهديدات، فَــإنَّ “إسرائيل” في هذه الأثناء حذرة من اتِّخاذ إجراءات مرة أُخرى في اليمن، وهي في مأزق حقيقي حول كيفية الرد”.
ونقلت الصحيفة عن مصادر وصفتها بالمطلعة قولها إن: “مهاجمة الحوثيين أكثر صعوبة”.
ويشير ذلك بوضوح إلى أن تهديدات العدوّ الصهيوني لا تتضمن أي حَـلّ حقيقي للمشكلة التي تمثلها جبهة الإسناد اليمنية، فبرغم أنه يستطيع شن هجمات جوية عدوانية على اليمن، لكن تلك الهجمات لا تضمن تحقيق أي تأثير فيما يتعلق بمستوى عمليات الإسناد اليمنية، وقد ثبت هذا مرتين خلال الأشهر الماضية، ولم تخجل وسائل الإعلام الإسرائيلية من ترديد ذلك في العديد من التقارير، منها تقرير نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” مؤخّرًا وأكّـدت فيه أن “الضربات الإسرائيلية لم تنجح في ردع الحوثيين؛ إذ واصلوا مهاجمة “إسرائيل” بالطائرات بدون طيار والصواريخ”.
وبالتالي فَــإنَّ حقيقة استمرار العمليات اليمنية وتصاعدها لا يعود إلى أن العدوّ الصهيوني مارس “ضبط النفس” إزاء اليمن كما يدعي في تهديداته الأخيرة، بل يعود إلى عدم امتلاكه أية خيارات مضمونة وفعالة للتأثير على نشاط جبهة الإسناد اليمنية وقرار قيادتها، وهو الأمر الذي دفعه في المقام الأول إلى الاستعانة بالولايات المتحدة وبريطانيا والدول الأُورُوبية في مهمة “ردع” اليمن، التي ثبت لاحقًا أنها مستحيلة حتى بالنسبة لهذه الأطراف أَيْـضًا
“ليندركينغ” يكشف عن مساعي تشديد الحصار على موانئ الحديدة و “فاجن” يكثّـف لقاءاته بالمرتزِقة
وفي هذا السياق أَيْـضًا فَــإنَّ الضربة الصاروخية النوعية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية على يافا المحتلّة يوم الاثنين، مثلت صفعة أَيْـضًا للولايات المتحدة التي أعلنت قبل ساعات من الضربة عن وصول حاملة الطائرات الجديدة (يو إس إس هاري ترومان) إلى منطقة عمليات القيادة المركزية، عبر شمال البحر الأحمر، لتحل محل حاملة الطائرات (أبراهام لينكولن) التي فرت من البحر العربي بعد تعرضها لهجوم يمني واسع، فالضربة الصاروخية برهنت أن تواجد حاملة الطائرات الأمريكية في المنطقة لا يغيّر شيئًا سوى على مستوى قرار مواصلة تصعيد العمليات اليمنية المساندة لغزة، أَو حتى على مستوى جهود التصدي لهذه العمليات ورصدها واعتراضها.
وهكذا فَــإنَّ الضربة ثبتت أَيْـضًا المأزق الذي تواجهه الولايات المتحدة فيما يتعلق بمهمة وقف جبهة الإسناد اليمنية أَو الحد من عملياتها، خُصُوصًا في هذا التوقيت الذي تكثّـف فيه واشنطن أَيْـضًا من تحَرّكاتها للتصعيد ضد اليمن، وبشكل معلَن، وعلى عدة مستويات منها المستوى الاقتصادي، حَيثُ زار المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيم ليندركينغ قبل أَيَّـام جيبوتي والتقى بمسؤولي آلية التفتيش والتحقّق التابعة للأمم المتحدة (يونفيم)؛ مِن أجلِ “منحها صلاحيات أوضح لاعتراض السفن المتجهة إلى موانئ الحديدة” بحسب ما نقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن المبعوث؛ وهو ما يعني التوجّـه نحو إعادة تشديد القيود على وصول البضائع والسلع إلى الشعب اليمني، واستخدام سلاح التجويع مجدّدًا كورقة ابتزاز؛ مِن أجلِ وقف عمليات الإسناد اليمنية لغزة.
وبالتوازي مع تحَرّكات “ليندركينغ” يعقد السفير الأمريكي في اليمن ستيفن فاجن لقاءات مكثّـفة هذه الأيّام مع مسؤولي حكومة المرتزِقة وما يسمى “المجلس الرئاسي” الذي شكله النظام السعوديّ، بحضور رئيس مكتب مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأمريكية، جيسي ليفنسون، لمناقشة مواجهة العمليات اليمنية المساندة لغزة، في مؤشر على مساع واضحة لتحريك المرتزِقة داخليًّا؛ مِن أجلِ إشغال القوات المسلحة وتشتيت جهودها.
وأمام هذه التحَرّكات العدوانية التصعيدية، فَــإنَّ تكثيف العمليات المساندة لغزة باتّجاه عمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك الضربة الصاروخية الأخيرة، يعكس انسدادًا مبكِّرًا لكل آفاق التصعيد ضد اليمن، ويضع واشنطن مجدّدًا أمام الحقيقة التي تحاول أن تتهرب منها وهي أنه لا يوجد أي خيار مضمون لوقف عمليات الإسناد اليمنية سوى وقف الإبادة الجماعية الصهيونية في غزة، بل إن تصاعد العمليات اليمنية بالتزامن مع التحَرّكات التصعيدية والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية يرسل رسالة استعداد، يعرف الأمريكيون والصهاينة أنها تنطوي على خطر أكبر، وهو أن القوات المسلحة ستحول أي تصعيد جديد لفرصة إضافية؛ مِن أجلِ تطوير القدرات والتكتيكات والأساليب لرفع فاعلية نشاط الإسناد والتغلب على الإمْكَانات والتقنيات المعادية، كما حدث في كُـلّ المراحل الماضية.
المسيرة