منذ عشرين عاماً، ترك بدر كل شيء في المدينة واصبح حبيس محطة القطار ينتظر كل يوم المسافرين ويترقب عودة حبيبته بلقيس التي رحلت عنه بعد ان تزوجت مرغمة من ابن عمها الثري الذي يسكن في دولة اخرى.
سنوات مضت وهو يفترش جانبا من رصيف المحطة، يعيش على صدقات الناس، الذين كانوا يعلمون بقصته ويعطفون على حاله، ويسمونه العاشق المجنون لرداءة ملابسه، وطول لحيته واتساخ جسده، كان ينتظر كل يوم، ولا ييأس، عسى ان تعود حبيبته التي كانت هي الأخرى تحبه بجنون لكن اهلها ارغموها على الزواج فانصاعت مكرهة.
في احدى ايام الشتاء الباردة وحينما كان يفترش الرصيف منتظرا الرحلة الاخيرة، نزلت عائلة مكونة من امرأة وشاب وشابة، من احدى عربات قطار الساعة العاشرة مساءً. وقبل ان يمروا بقربه تأكد بأن المرأة هي حبيبته نفسها، تلك الفتاة التي كان ينتظرها منذ 20 سنة. تجمد في مكانه من هول المفاجأة وتصور انها ستعرفه لكنها حينما وصلت بالقرب منه اخرجت من حقيبتها ورقة نقدية وضعتها بيده لظنها بأنه كان متسولا يستحق الصدقة، نظرت بعينيه صعقت في البداية لأنها شكت لوهلة بأنها تعرفهما كانا يشبهان عيني حبيبها بدر، لكنها تجاهلت الظن كونها كانت متاكدة بان حبيبها لم يكن بهذا المنظر البائس، لا سيما انها تعرفه جيداً كان، وسيماً، انيقاً.
مسك بدر الورقة النقدية التي وضعتها حبيبته بيده قبض عليها بكفه بقوة وألم كبير يعتصر قلبه، ظاناً بانها عرفته واستهانت به واعطته اليسير من مالها كصدقة.. لم تغمض عينا بدر طوال الليل حزناً لما حدث، منتظرا النهار ووصول أول قطار يمر بالمدينة عند الساعة الثانية عشر ظهراً ليقرر الانتحار وانهاء حياته بنفس القطار الذي اوصل حبيبته. وفي الوقت نفسه كانت حبيبته بلقيس التي فقدت زوجها بعد وفاته وعادت الى بيت اهلها للعيش في مدينتها السابقة، تنتظر بلهفة واشتياق الذهاب الى بيت حبيبها السابق بدر لتلتقيه من جديد وتمضي معه بقية حياتها بعد ان حرمت منه سنوات طويلة، اذ كانت تشعر بانه مازال ينتظرها ولم يتزوج بعد.
وفي اليوم التالي توجه بدر الى سكة القطار مقررا انهاء حياته الى الابد. بينما ذهبت بلقيس بكامل اناقتها الى بيت حبيبها السابق بعد ان استأذنت من اولادها بحجة انها ستتبضع حاجيات من اسواق الحي القريب، وعندما وصلت لبيت حبيبها بدر ارتفعت دقات قلبها مع اول طرقة باب متوقعة انه من سيفتح لها، ليخرج عليها والد بدر، عرفته بنفسها وبعد ان تذكرها روى لها القصة بالكامل، ايقنت بعد ماسمعت منه بان الذي اعطته الصدقة هو نفسه حبيبها بدر احترق قلبها حزناً وألما لما حدث بالامس بعد ان ايقنت انها اوجعت قلبه واهانته دون قصد ، سيما وانه كان قد ركز النظر في عينيها عندما اعطته الصدقة ظاناً إنها عرفته.
ركضت بلقيس حافية كالمجنونة مسرعة بعد ان رمت كعبها العالي الانيق ، متجاهلة تقاليد المجتمع ونظرات الناس لتتجه صوب المحطة وكان الجميع ينظر إليها باستغراب وهي بهذه الحالة الهستيرية ، حينما وصلت ، لم تجد بدر بمكانه المعتاد الذي رأته فيه يوم أمس ، وفي تلك اللحظة سمعت صوت القطار وهو يكرر ارسال المنبه لوجود خطر ما على طريقه، التفتت واذا بشخص يقف على سكة الحديد ، توجهت مسرعة بعد ان تاكدت بان الذي يقف كان حبيبها بدر الذي ينوي الانتحار بعد شعوره بالاهانة والاذلال ، اقتربت اكثر لتراه من بعيد يمشي على سكة الحديد بمواجهة القطار القادم ، صاحت بأعلى صوتها (بدر، بدر ، بدر) ، انا حبيبتك بلقيس انتبه حبيبي تنحى عن السكة لقد عدت اليك لاني مازلت احبك ، لكنه لم يسمعها وظل يسير باتجاه القطار القادم ، ليقترب منه اكثر ، ويطرحه جانباً مضرجاً بدمائه . ركضت نحوه لتصل اليه مسرعة ، حضنته ووضعت رأسه على حجرها وهي تبكي بحرقة وألم تلوم نفسها وتقول له حبيبي بدر لا تمت لقد عدت من اجلك حبيبي . وهو ينظر اليها مبتسما بنظرات حب واشتياق اخيرة ، ليغمض بعدها عينه ويفارق الحياة مودعاً حبيبته بلقيس الى الأبد .
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي بعد ان
إقرأ أيضاً:
بول إيلوار شاعر المقاومة النازية.. هل كانت حبيبته جالا سببا في شهرته؟
تحل اليوم ذكرى ميلاد الشاعر الفرنسي بول إيلوار (14 ديسمبر 1895)، أحد أبرز مؤسسي الحركة السريالية وأحد رموز المقاومة الأدبية ضد النازية. اشتهر بلقب “شاعر الحرية” لما حملته قصائده من معانٍ عميقة تدعو للحرية والسلام، ليصبح من أكثر الشعراء السرياليين تأثيرًا في القرن العشرين.
وُلد بول إيلوار باسم يوجين إميل بول جريندل لعائلة متواضعة، حيث كان والده محاسبًا ووالدته خياطة. في سن السادسة عشرة، أصيب بالسل مما اضطره للتوقف عن الدراسة والإقامة في مصحة حتى عام 1914. هناك التقى بالشابة الروسية هيلينا دياكونوفا، التي أطلق عليها اسم “جالا”، وأصبحت ملهمته الأولى، حيث كتبت له ذات يوم: “ستصبح شاعرًا عظيمًا”. رغم ظروف الحرب العالمية الأولى، حافظا على التواصل الذي شكّل أحد أسس مسيرته الأدبية.
تأثير الحرب على حياتهفي عام 1916، أُرسل بول للعمل في مستشفى عسكري حيث كان يقوم بكتابة رسائل لعائلات الجنود القتلى والجرحى وحفر القبور. هذه التجربة القاسية صقلت مشاعره، وبدأت تظهر بوضوح في أعماله الأولى مثل “الواجب والقلق” و*“قصائد صغيرة من أجل السلام”* الصادرة عام 1919، التي لفتت الأنظار إلى موهبته.
مسيرته الأدبية والسرياليةفي عشرينيات القرن الماضي، انضم إيلوار إلى الحركة السريالية، وعبر عن فلسفتها في أعماله التي امتزجت بين الواقعية والأحلام. أصدر أعمالًا بارزة مثل “الموت من عدم الموت” عام 1924 خلال فترة اكتئاب مر بها، إلا أن دعمه لقضايا الحرية والمقاومة ظلت محورًا رئيسيًا في شعره.
ورغم العلاقة العميقة بينه وبين جالا، لم يكتب لهما الزواج، إذ تزوجت لاحقًا من الرسام السريالي سلفادور دالي. توفي بول إيلوار في 18 نوفمبر 1952 إثر نوبة قلبية، وشهدت جنازته في باريس حشدًا ضخمًا يعبر عن مكانته في قلوب الشعب. وقد وصف الكاتب الفرنسي روبرت ساباتير يوم رحيله قائلًا: “كان العالم كله في حداد”.