الذكاء الاصطناعي.. والعلم!
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
يعي الجميع أنَّ هنالك تحوُّلًا جليًّا وأوسع في العلوم في عصرنا، إضافة إلى الجوانب الإنسانيَّة الأخرى، وخصوصًا مع التحوُّل الكبير الَّذي نلمسُه في التكنولوجيا ودخول الذَّكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، وأشهرها القليلة الماضية. وهنا سنلاحظ كيف أنَّه قلَب الطريقة الَّتي يعمل بها النَّاس ويتعلَّمون ويتواصلون اجتماعيًّا.
بطبيعة الحال، كانت معرفة العالَم متجذرة في مراقبته وتفسيره. ولكن سنلاحظ الآن أنَّ نماذج الذَّكاء الاصطناعي اليوم تحرف هذا المسعى، وتقدِّم إجابات دُونَ مبرِّرات، حتَّى أنَّها تقُودُ العلماء إلى دراسة خوارزميَّاتهم الخاصَّة بقدر ما يدرسون الطبيعة، والأسباب الصحيحة لتطوُّرها. وهنا قَدْ نتساءل صدقًا إذا ما باتَ الذَّكاء الاصطناعي يتحدَّى طبيعة الاكتشاف تلك؟ وهنا وبعُمق أكبر للمعنى، هل إدخال الذَّكاء الاصطناعي جعل العِلم، في بعض النواحي، أقلَّ إنسانيَّة؟!
كيف لا؟ ونحن نتابع أهمِّية الذَّكاء الاصطناعي لاستخلاص أنماط معقَّدة بشكلٍ مستحيل من مجموعات البيانات الكبيرة بحيث لا يستطيع أيُّ شخص فهمها. وهذه الظاهرة المحيّرة، في الواقع أصبحت مألوفة أكثر منذ إصدار منظومة (الشات- جبت) السنة الماضية، حيث غير برنامج الدردشة الآلي ذلك، وأصبح فجأة في متناول الجميع. وربَّما سترى كيف يقوم ـ إن استطعت القول ـ بتجميع الإنترنت بالكامل. ولكن في ذات الوقت ستعي كيف أنَّه شوّه الكثير من تفكيرنا. نحن لا نفهم بالضبط كيف تحدِّد روبوتات الدردشة المولِّدة للذَّكاء الاصطناعي استجاباتها، فقط أنَّها تبدو إنسانيَّة، ممَّا يجعل من الصَّعب تحليل ما هو منطقي أو جدير بالثِّقة، وما إذا كانت الكتابة، حتَّى كتابتنا، بَشَريَّة بالكامل!
صحيح أنَّ التكنولوجيا أصبحت تعمل حاليًّا على دفع التقدُّم في العديد من التخصُّصات الأخرى، ليس فقط تحسين السُّرعة والنطاق، ولكن تغيير نَوْع البحث الَّذي يعتقد أنَّه ممكن، خصوصًا وأنَّه ـ على سبيل المثال ـ باتَ الباحثون في علِم الأحياء يستخدمون الذَّكاء الاصطناعي المدرّب على البيانات الجينيَّة لدراسة الأمراض النَّادرة، وتحسين العلاجات المناعيَّة بشكلٍ أفضل. بمعنى أنَّ هؤلاء أصبح لدَيْهم الآن فرضيَّات قابلة للتطبيق، حيث كانت ألغازًا في السَّابق!
وهذا حقيقةً يأخذنا إلى منعطف آخر، أجزم أنَّه أكثر حساسيَّة! نحن نعي جميعًا وخلال مراحل تعليمنا، أنَّه لكَيْ تكُونَ قادرًا على فَهْم ظاهرة ما، سواء كانت سلوك خليَّة أو أيَّ نظام آخر، فإنَّ ذلك يتطلب القدرة على تحديد الأسباب والتأثيرات. لكن نماذج الذَّكاء الاصطناعي سنلاحظ أنَّها مبهمة. إنَّهم يكتشفون الأنماط المستندة إلى مجموعات بيانات ضخمة عَبْرَ برمجيَّة تربك أعمالها الداخليَّة التفكير البَشَري. والسؤال الَّذي أطرحه هنا: هل عَلَيْنا أن نفهمَ ما يجري في ذلك الصندوق الأسود لتلك النماذج أو الأنماط بالذَّكاء الاصطناعي حتَّى نتمكَّنَ من معرفة من أين يأتي هذا الاكتشاف؟ هل نحن واقعيًّا مع نَوْع مختلف من العلوم، حيث لا تَكُونُ المعرفة والأفعال الناتجة مصحوبة دائمًا بتفسير؟!
وحتَّى مع هذه البيانات، فإنَّ العالَم الحقيقي يُمكِن أن يكُونَ أكثر تعقيدًا. فمثلًا يستطيع الذَّكاء الاصطناعي أن يقترحَ أدوية جديدة بسرعة، ولكن بشكلٍ أساسي لا يزال يتعيَّن عَلَيْك إدارة عمليَّة اكتشاف الأدوية، وهي بالطبع طويلة، خصوصًا وأنَّ التجارب السريريَّة تستغرق سنوات، وكثير مِنْها لا ينجح. ثمَّ، وكمثال لذلك، تمَّ تقليص عدد كبير من الشركات الناشئة والمبادرات العاملة في مجال أدوية الذَّكاء الاصطناعي. ولعلَّه في المختبر، يُمكِن اختبار التنبؤات الجسديَّة في بيئة معزولة بشكلٍ آمن، ولكن عِند تطوير الأدوية أو العلاج ـ بلا شك ـ ستكُونُ المخاطر أعلى بكثير. لذلك قَدْ أقول بأنَّ هذه الإخفاقات هي، إلى حدٍّ ما، دليل على أهمِّية العِلم والبحث ونجاحهما.
ختامًا، قَدْ لا تغيِّر نماذج الذَّكاء الاصطناعي الطريقة الَّتي نفهم بها العالَم فحسب، بل كيف ندرك الفَهْم نَفْسه. لذلك ربَّما من المُهمِّ أن تكُونَ تلك النماذج الجديدة مبنيَّة على المعرفة بما يُمكِننا الوثوق به، ولماذا، ومتى؟ وإلَّا فإنَّ اعتمادنا على برنامج الدردشة الآلي فقط، أو حتَّى مثلًا التنبُّؤ بالأعاصير باستخدام الذَّكاء الاصطناعي قَدْ يخرج عن نطاق العِلم!
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: کاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
«الذكاء الاصطناعي» يقترح بديل ميليتاو في ريال مدريد
عمرو عبيد (القاهرة)
منذ إصابة إيدير ميليتاو، خرجت عشرات التقارير الإعلامية لتربط ريال مدريد بكثير من الأسماء، التي يُمكنها تعويض الغياب الطويل للمدافع البرازيلي هذا الموسم، وبين نفي بعض الإشاعات، وعدم تأكيد أخرى، لجأت صحيفة «ماركا» الإسبانية إلى «الذكاء الاصطناعي» ليُقدم لها بعض الأسماء بناءً على قواعد علمية ورقمية، قبل أن تخرج لتُقدم «مفاجأة»، مؤكدة أن قلب الدفاع الفرنسي، أوليفييه بوسكاجلي، لاعب أيندهوفن الهولندي، هو «الخيار الأمثل» أمام «الملكي»، حسب نصيحة «العقل الآلي»، فهل تستجيب إدارة «الريال»؟.
ووصفت «ماركا» المدافع صاحب الـ26 عاماً بـ«الحصان الأسود» الذي يُمكنه إنقاذ دفاع الريال في أسرع وقت، نظراً لما يتمتع به من إمكانيات ذهنية في هذا المركز، تتجاوز حدود الدفاع التقليدي، إذ تشير إحصاءاته إلى قدرته على الخروج بالكرة والتمرير بدقة خلال البناء الهجومي، ويتمتع بإمكانيات جيدة في ألعاب الهواء والثنائيات الأرضية والمراوغة، كما أنه يجيد اللعب في مركز الظهير الأيسر، حيث يلعب بقدمه اليُسرى، وأحياناً في مركز خط الوسط المدافع، بل إنه صنع 3 أهداف في الدوري الهولندي هذا الموسم، الذي لعب فيه جميع مباريات الفريق الـ12 المحلية، وكذلك الـ4 مواجهات في دوري أبطال أوروبا، وكان قد سجّل 3 أهداف، وصنع 4 في الموسم الماضي الذي شهد تتويج فريقه بلقب الدوري.
بوسكاجلي زامل كيليان مبابي في منتخب فرنسا تحت 19 عاماً، وتُوّج مع نجم ريال مدريد الحالي بلقب «يورو 2016» لهذه الفئة السنية آنذاك، ولعب خلالها مباراتين، قبل أن يُشارك في 3 مباريات بكأس العالم للشباب تحت 20 عاماً في 2017، وبدأ مسيرته مع فريق نيس الفرنسي، لكنه رحل بسبب قلة عدد دقائق لعبه وقتها، لينتقل إلى صفوف أيندهوفن عام 2019 ويُصبح أحد عناصره الأساسية، حيث فاز معه بـ4 ألقاب، في الدوري والكأس والسوبر الهولندي.
ورغم ترشيح «الذكاء الاصطناعي» وإشادة «ماركا» بقدراته، إلا أن بوسكاجلي ليس لاعباً دولياً حيث لم يسبق له اللعب أو حتى الاستدعاء لمنتخب فرنسا الأول على الإطلاق، كما أنه تعرض لإصابة بقطع في الرباط الصليبي هو الآخر خلال عام 2022، بقدمه اليُمنى، وغاب عن الملاعب لمدة تقارب 11 شهراً آنذاك!
لكن الصحيفة عادت للحديث عن قدراته ومهاراته، خاصة فيما يتعلق بصناعة اللعب والمشاركة الهجومية، حيث قالت إنه أحد الموجودين في قائمة «توب 10» لصناع الأهداف وبناء الهجمات في الدوري الهولندي و«الشامبيونزليج» هذا الموسم، حيث يحتل المركز الثاني من حيث عدد التمريرات في الثلث الهجومي (45 تمريرة)، وثالث أكثر اللاعبين قطعاً لتمريرات المنافسين (11 كرة)، وأكثر اللاعبين قطعاً للمسافات بالكرة (2.4 كم)، وخامس أفضل اللاعبين تمريراً للكرات المؤثرة في اتجاه مرمى المنافسين (36 تمريرة)، وعادت «ماركا» في النهاية لتؤكد أن بوسكاجلي سيكون أفضل بديل لميليتاو، بل ربما يفوقه في كثير من الأمور الفنية داخل الملعب.