هل يكرّس دستور تشاد الجديد توريث الحكم العسكري العائلي؟
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
أعلن في العاصمة نجامينا مساء الأحد عن صدور نتائج دستور تشاد الجديد والذي تم تقديمه للشعب في 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
الدستور الجديد الذي أعلنت اللجنة المنظمة للانتخابات أن 86% من الناخبين صوتوا لصالحه وبنسبة مشاركة بلغت 64%، يأتي في ظروف محلية وإقليمية بالغة التعقيد، حيث حركات التمرد من الداخل، وموجة الانقلابات في دول الجوار، وحرب السودان وما تضيفه من أعباء على دولة تشاد.
ومنذ أن نالت تشاد استقلالها عن فرنسا عرفت الكثير من المواثيق والدساتير التي تكتب مع كل انقلاب جديد، أو تأتي لتمهد الطريق أمام الحكام العسكريين للبقاء في السلطة.
وخلال 60 عاما من الاستقلال عرفت البلاد 8 دساتير، أولها الدستور الفرنسي 1958، ثم دستور 1959 الذي عرف بدستور الاستقلال.
وعام 1962، صدر الدستور الثالث للبلاد ونصّ حينها على نظام الحزب الواحد الذي يتولّى بمفرده إدارة الشأن السياسي.
وبعد جملة من المواثيق والمراسيم والأحكام الاستثنائية التي تم بها تسيير البلاد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، صدر دستور الجمهورية في العاشر من فبراير/شباط 1989.
حقبة ديبي والدستور الجديدوعندما حكم إدريس ديبي البلاد عبر انقلاب عسكري عام 1990، نظم استفتاء دستوريا في 31 مارس/آذار 1996 تميّز بإصلاحات سياسية واسعة.
لكن ديبي بعد ولايتين رئاسيتين، نظم استفتاء دستوريا جديدا عام 2005، وحكم به البلاد أيضا عقدا من الزمن، ثم نظم دستورا جديدا سنة 2018 عزز به سلطات الرئيس، وألغى مسؤولية الحكومة أمام رئيس الوزراء.
وبعد مقتل ديبي على يد المتمردين في أبريل/نيسان 2021، تشكل مجلس عسكري انتقالي برئاسة ابنه محمد ديبي وأصدر ميثاقا انتقاليا تم بموجبه كتابة دستور جديد، وقدم للاستفتاء في 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وأعلنت نتائجه مساء أمس الأحد.
الدستور الجديد ينطلق من مخرجات الحوار الوطني المنظم في أغسطس/آب 2022، ويعتمد على دستور مارس/آذار 1996.
وقد تضمن الدستور الجديد 13 فصلا و299 مادة، وديباجة موسعة تطرّقت لمبادئ وقيم جديدة كالتسامح السياسي والعرقي والديني.
كما بوّب لإنشاء وإعادة تنظيم بعض المؤسسات السياسية كالمجلس الدستوري، والمجلس الأعلى للقضاء، والمحكمة العليا، ومحكمة الحسابات والمحكمة العسكرية.
وفي تصريحات للصحافة الدولية قال عضو "لجنة صياغة الدستور" سنوسي محمد علي إن الدستور الجديد لا يختلف كثيرا عن دستور 1991، لأنه بوّب على مكانة رئيس الوزراء وجعل الحكومة مسؤولة أمامه، على عكس الدستور السابق الذي ينص على أن جميع الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية.
ومن أبرز الإصلاحات القضائية التي شملها الدستور الجديد، هو تحويل رئاسة المجلس الأعلى للقضاء لرئيس المحكمة العليا بدلا من رئيس الدولة.
المجلس العسكري برئاسة ديبي الابن أعلن عن حوار وطني قبل الاستفتاء على الدستور (الفرنسية) المعارضة والجيش والتوريثوقد أثار الدستور الجديد الكثير من الجدل بين الفرقاء السياسيين، ذلك أن أغلب قادة المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، اعتبروه مناقضا لما تم الاتفاق عليه في مخرجات الحوار الوطني الشامل، الذي أوصى بأن الشعب هو من يختار شكل الحكم بدون ضغوط أو تدخل.
لكن المجلس العسكري كلّف لجنة لصياغة الدستور بدون الرجوع للفاعلين السياسيين من قادة أحزاب ونقابات وحركات.
كما قامت الحكومة بحملة دعائية كبيرة أنفقت فيها الأموال، ومارست فيها الضغوط من أجل التصويت لصالح الدستور الجديد.
وبينما تدعو فصائل من المعارضة إلى ضرورة تبنّي الفدرالية في الحكم، فإن المعسكر الموالي للمجلس العسكري يؤكد أن مركزية الدولة هي السبيل الأمثل للاستقرار وعدم الفوضى.
ورغم أن المجلس العسكري الانتقالي الذي يرأسه الجنرال الشاب محمد إدريس ديبي إتنو هو من شكّل لجنة لوضع مشروع الدستور وتولّى الإشراف على عملية الاستفتاء، فإن الدستور نصّ على أن القوات الأمنية والمسلحة في خدمة الدولة ولا علاقة لها بالسياسة.
وهذا يعني أن المجلس العسكري سينتهي دوره بعد إجراء الانتخابات الرئاسية. لكن المعارضة ترى أن الدستور الجديد جاء لتكريس توريث الرئاسة لمحمد إدريس ديبي الذي تولى السلطة مباشرة بعد مقتل والده.
ويقف في وجه الدستور الجديد عدد من رموز المعارضة بقيادة يايا ديلو، ومجموعات أخرى من الحركات العسكرية التي لم توقع على اتفاق الدوحة للسلام سنة 2022 بين المجلس الانتقالي وعدد من قادة الحركات السياسية والفصائل المسلّحة.
وقد نصّ الدستور الجديد في المادة 68 على أنه يحق للقادة العسكريين الترشح للانتخابات الرئاسية، شريطة التفرغ لهذا المنصب.
كما نقص سن الترشح من 40 عاما إلى 35، وهي تعديلات تصبّ في صالح الجنرال الشاب الذي لم يصل عمره إلى سن الـ40.
ومنذ أن استقلت تشاد عن فرنسا عام 1958 لم تعرف حكما مدنيا، وإنما تعاقب عليها رؤساء كل واحد منهم جاء للرئاسة عن طريق المؤسسة العسكرية، وذلك ما يجعل تطلّع المعارضة لحكم مدني أمرا بعيد المنال.
تعقيدات سياسية ومصاعب اقتصادية
وعلى منصة إكس كتب الخبير في الشؤون الأفريقية إدريس آيات أن الدستور الجديد "إذا ما تم فرضه عبر عملية متحيزة وغير شاملة، فإن ذلك من شأنه أن يساهم في توجيه مسار مستقبل تشاد نحو السلبية".
وأضاف آيات أن الجدل حول الدستور الجديد يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات الداخلية، ويضعف الاستقرار السياسي للبلاد.
يذكر أن ديبي الابن تولى الحكم بعد مقتل والده على يد المتمردين عام 2021، وفور وصوله للحكم عن طريق مجلس عسكري أعلن فترة انتقالية مدتها 18 شهرا؛ لكن الحكومة الانتقالية مددتها حتى أواخر 2024، وسمحت له بالترشح لمنصب الرئيس، وهو ما أثار الكثير من الاحتجاجات في العاصمة نجامينا معقل المعارضة التشادية.
وقد سقط في الاحتجاجات عدد من القتلى واعتقلت الحكومة ما يربو على ألف شخص من أجل قمع الاحتجاج المناهض لسلطة محمد ديبي.
وتصنّف تشاد التي تقع في وسط أفريقيا بأنها ثاني أقل دولة نموا في العالم حسب تقارير الأمم المتّحدة.
ويحتاج 7 ملايين تشادي إلى المساعدات الإنسانية أي نسبة 40% من إجمالي السكان، كما تسببت الهجمات المسلحة في بحيرة تشاد إلى نزوح 215 ألف شخص.
وتعاني تشاد كثيرا من الأزمات، وقد استقبلت مؤخرا أكثر من مليون نازح قادمين من السودان بسبب الحرب الدائرة هناك بين الجيش وقوات الدعم السريع.
كما أن تشاد من دول الساحل التي تنشط فيها الحركات المسلّحة، وتمر بموجة من الانقلابات غيّرت الخريطة السياسية وجاءت بفاعلين جدد للمنطقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الدستور الجدید المجلس العسکری
إقرأ أيضاً:
التفاصيل الكاملة حول سحب القوات الفرنسية بتشاد
خلال الساعات القليلة الماضية تناولت العديد من الصحف الدولية، طلب الحكومة التشادية من القوات الفرنسية المتمركزة على أراضيها مغادرة البلاد بحلول 31 يناير 2025، في خطوة مثيرة للجدل تأتي وسط تصاعد الخلافات بين البلدين.
الأمر الذي جعل المواطنين يبحثون عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة تفاصيل كاملة عن وجود القوات العسكرية الفرنسية.
كانت تشاد قد قررت يوم 28 نوفمبر 2024 إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، معتبرة أن هذا القرار يأتي في إطار تعزيز سيادتها الوطنية.
جاء ذلك في أعقاب انسحاب فرنسا من عدد من دول الساحل الأفريقي مثل مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، حيث تزايد النفوذ الروسي.
تشاد، التي لطالما اعتُبرت حليفًا استراتيجيًا لفرنسا في مواجهة الإرهاب بمنطقة الساحل، أعربت عن رغبتها في الحفاظ على علاقات جيدة مع باريس رغم إنهاء التعاون العسكري.
لكن التوترات بدأت تظهر مع تحديد تشاد لمهلة زمنية قصيرة، وصفتها فرنسا بأنها "غير واقعية"، لسحب ألف جندي ومعداتهم الثقيلة.
أسباب الغضب التشاديعلى الرغم من أن تشاد أكدت أن قرارها يأتي لتحقيق سيادتها، فإن مصادر محلية تحدثت عن توتر في العلاقة بين البلدين، خاصة بعد اتهام الجيش الفرنسي بعدم تقديم الدعم الاستخباراتي المطلوب خلال هجوم شنه مقاتلو "بوكو حرام" في أكتوبر الماضي، وأودى بحياة 40 جنديًا تشاديًا.
وتشير التقارير إلى أن الحكومة التشادية قد تستخدم هذا الضغط لإجبار فرنسا على تقديم تنازلات، بما في ذلك تسليم بعض المعدات العسكرية التي تحتاجها القوات التشادية في حربها ضد الإرهاب، خاصة في حوض بحيرة تشاد.
تفاصيل التواجد الفرنسي في تشاد1. عدد الجنود: يتجاوز عدد القوات الفرنسية في تشاد ألف جندي، موزعين على ثلاث قواعد عسكرية رئيسية.
2. المواقع العسكرية:
قاعدة في العاصمة إنجامينا: تعتبر مركز القيادة الرئيسي وتضم أكبر المعدات والعتاد.
قواعد في مناطق نائية مثل "فايا لارجو" و"أبيشي"، تدعم العمليات في المناطق الحدودية.
3. المهام: تشمل عمليات مراقبة الحدود، الدعم الاستخباراتي، وتنفيذ تدريبات مشتركة مع الجيش التشادي.
الأهمية الاستراتيجية
القوات الفرنسية في تشاد تعمل ضمن إطار عملية "برخان" سابقًا، والتي كانت تهدف إلى مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، حيثخ التعاون مع الجيش التشادي تمثل هذه القوات شريكًا هامًا في تدريب وتطوير القدرات العسكرية التشادية.
تشاد تقع في قلب منطقة الساحل، ما يجعلها نقطة انطلاق للعمليات ضد الجماعات المسلحة التي تنشط في النيجر ونيجيريا والكاميرون.
صعوبات لوجستية تواجه الانسحابتعتبر القوات الفرنسية المنتشرة في تشاد، والموزعة على ثلاث قواعد عسكرية رئيسية، واحدة من أهم الوحدات العسكرية الفرنسية في إفريقيا.
وبحسب مصادر عسكرية فرنسية، فإن تنفيذ انسحاب شامل ومنظم خلال 7 أسابيع فقط يعد "شبه مستحيل".
وسبق أن طلبت فرنسا تمديد المهلة حتى مارس 2025، لكن السلطات التشادية رفضت ذلك وأصرت على خروج القوات الفرنسية قبل شهر رمضان.
آخر نفوذ فرنسي في الساحل
مع انسحاب القوات الفرنسية من تشاد، تفقد باريس آخر موطئ قدم لها في منطقة الساحل الأفريقي بعد خروجها من مالي، النيجر، وبوركينا فاسو.
ويُتوقع أن يزيد هذا الانسحاب من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة، حيث تتصاعد التحديات الإرهابية، ويتزايد النفوذ الروسي عبر مجموعة "فاغنر".
ورغم حدة الخلافات، يحرص الطرفان على استمرار الحوار لتأمين انسحاب "آمن ومنظم"، ما يشير إلى رغبة مشتركة في تجنب تصعيد الموقف بما قد يؤثر على العلاقات المستقبلية بينهما.