نساء غزة يعشن ظروفاً لا تطاق ويعانين فقدان الخصوصية
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
تعاني الفلسطينيات من افتقادهن للخصوصية بمراكز النزوح جنوب قطاع غزة المحاصر، وسط ظروف قاسية يواجهنها لتوفير أدنى مقومات الحياة.
وتكون مراكز النزوح عادة مدارس ومؤسسات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تعاني من اكتظاظ شديد يفوق طاقة استيعابها بسبب نزوح السكان إليها من شمال وجنوب القطاع، مما يحول دون قدرة النساء على استخدام دورات المياه، أو النوم وحدهن داخل غرف خاصة.
كما حال استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم دون دخول المستلزمات الصحية النسوية، الأمر الذي تصفه الفلسطينيات بـ"الكارثي" والذي يتزامن مع غياب المياه اللازم للنظافة والاستحمام وحتى للشرب.
كما تقوم النساء في ظل هذه الحرب بأعمال شاقة لا تتناسب مع طبيعتهن الجسدية، مثل تقطيع الحطب لطهي الطعام، والجلوس أمام النيران التي ينبعث منها دخان احتراق الخشب والأوراق لساعات طويلة في العراء.
ضغوط نفسية
كل ذلك يحدث في ظل ضغوط نفسية تعاني منها الفلسطينيات بسبب الآثار الكارثية لهذه الحرب بدءا من ترك منازلهن، مرورا بفقدان مقومات الحياة، وصولا لفقدان أفراد من عائلاتهن وأطفالهن.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن 1.8 مليون نازح فلسطيني باتوا يعيشون، في مئات مراكز النزوح والإيواء، حياة غاية في الصعوبة.
وقال المكتب في بيان نشره السبت الماضي إن "هذه الأعداد الكبيرة من النازحين يحتاجون لحل جذري لإنهاء معاناتهم المتواصلة، وكلهم بحاجة إلى مساعدات وإمدادات عاجلة على المؤسسات الدولية توفيرها فورا".
وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قالت ريم السالم المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات -في بيان- إن المرأة الفلسطينية تعرضت وعلى مدى عقود لهجوم متعدد الطبقات من التمييز والعنف الفظيع والممنهج بسبب الاحتلال الإسرائيلي، والحرمان من حق تقرير المصير.
وأضافت "الاعتداء على كرامة المرأة الفلسطينية وحقوقها اتخذ أبعادا جديدة ومرعبة" منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي موعد بدء الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع، حيث أصبح الآلاف منهن ضحايا "جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي تتكشف".
وتطرقت السالم إلى "الظروف الصعبة التي تواجه الحوامل في غزة مع احتمال الولادة دون تخدير أو تدخل جراحي أو احتياطات صحية".
إلى جانب ذلك، فإن التقديرات حرمت "أكثر من 690 ألف امرأة وفتاة فترة الحيض من الحصول إلا بشكل محدود على منتجات النظافة الخاصة بالدورة الشهرية" وفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان.
خصوصية مفقودة
وفي أحد مراكز النزوح بمدينة رفح جنوبي القطاع، تقف السيدات في طابور بانتظار دورهن لدخول دورات المياه.
سعاد مقبل (43 عاما) التي نزحت من شمال غرب مدينة غزة تصيح بغضب "حتى دخول الحمامات صار يحتاج طابورا!! ألا يكفي ما حدث لنا بغزة، هل يجب علينا أن نتحمل إهانة كرامتنا هنا أيضا!".
وأضافت "لم تعد لدينا كسيدات أي نوع من الخصوصية، فنحن أصبحنا في الشوارع، على مرأى ومسمع الجميع".
وأوضحت أن معاناتهن تتفاقم يوميا في ظل الازدحام الشديد داخل مراكز الإيواء، والنقص الحاد للمياه ونفاد مستلزمات النظافة الشخصية.
وتضيف بحرج شديد "بداية النزوح لم أتقبل هذا الوضع، وكنت محرجة جدا لدرجة منعتني من دخول الحمام لمدة يومين إلى الحد الذي تسبب بآلام شديدة في البطن والكلى".
وتبين أنها تحاول التأقلم مع الوضع الحالي رغم صعوبته بسبب فقدان الخصوصية، وتقول "لم أتوقع في أسوأ الأحوال أن تصل الأمور إلى هذا الحد، العيش في مركز إيواء واستخدام حمامات عامة، وغير ذلك الكثير".
أزمة نظافةوتقول النازحة نسرين مسعود (35 عاما) إن النازحات يواجهن أزمات عديدة "ونواجه أزمة صحية حقيقية داخل مراكز الإيواء بفعل نقص مستلزمات النظافة والمستلزمات الصحية الخاصة بالنساء".
وتوضح مسعود أن نقص المياه يتسبب أيضا بأزمة نظافة، مما يؤدي إلى إصابة العديد منهن بأمراض نسائية، فضلا عن انتشار الأمراض المعدية.
وبحسب بيان المركز الإعلامي الحكومي في غزة، فإن 355 ألف حالة بين 1.8 مليون نازح داخل مراكز النزوح تم توثيق إصاباتها بأمراض معدية.
وأشارت نسرين إلى أن انعدام خصوصية النساء في مراكز الإيواء يولد لديهن "شعورا بالخوف وعدم القدرة على التصرف بحرية".
ونقلت عن النازحات شعورهن بـ"حرج شديد وتقيد في الأماكن العامة، بينما دفعتهن الظروف المعيشية الصعبة -في ظل انعدام مصادر الدخل ونفاد البضائع من الأسواق- للاقتصاد في استخدام أي مواد أو مستلزمات خشية فقدانها في حال طال أمد الحرب".
ومع بداية الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أعلنت السلطات الإسرائيلية إغلاق المعابر المؤدية إلى غزة من خلال إسرائيل، لكن بعد ضغوط أممية ودولية سمحت بدخول مساعدات إنسانية محدودة جدا عبر معبر رفح المصري، والمخصص للمسافرين في المقام الأول.
ومنذ اندلاع الحرب المدمرة على القطاع، قطعت إسرائيل إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان غزة، وهم -حسب بعض التقديرات- نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون بالأساس من أوضاع متدهورة للغاية جراء حصار متواصل منذ 17 عاما.
أعمال شاقة
وفي أرض زراعية بمدينة دير البلح وسط القطاع، تجلس النازحة سعاد أبو حصيرة (43 عامًا) أمام فرن مصنوع من الطين تعد الخبز لنحو 35 فردا من عائلتها وأقاربها الذين نزحوا من مدينة غزة بفعل الغارات العنيفة والهجوم البري الإسرائيلي.
وتبذل سعاد -بمساعدة مجموعة فتيات بدت عليهن ملامح الإرهاق- جهدا كبيرا في إشعال النار بالحطب، رغم أنها مهمة الرجال في الوضع الطبيعي.
ويتطلب ذلك قوة في قطع الأخشاب بما يتناسب مع حجم الفرن، وإدخال متواصل لها كي لا ينخفض مستوى النيران، كما أن دخانها يسبب أمراضا في الجهاز التنفسي.
وتخبز هذه النازحة حوالي 100 رغيف من الخبز بشكل يومي لإطعام هذا العدد الكبير من النازحين، وتقول "الحياة هنا صعبة جدًا والوضع لا يطاق، لكننا مجبرون على تحملها وتجرع الألم والمرارة، إلى حين العودة إلى منازلنا".
وتضيف سعاد التي بدت آثار الحروق والجروح واضحة على يديها "كنت صاحبة القرار في منزلي قبل النزوح، في إعداد وتجهيز ما أشاء من الطعام، لكنني اليوم لست صاحبة القرار، إنما أنفذ ما يقرره أصحاب الأرض التي نقيم فيها حاليا".
وتتساءل بصوت متحشرج "متى تنتهي هذه الحرب ونرجع إلى منازلنا مرة أخرى؟ يكفي بهدلة وذلا، والله تعبنا".
ومنذ 80 يوما من الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع والتي خلفت -حتى أحدث حصيلة منشورة الأحد- 20 ألفا و424 شهيدا، و54 ألفا و36 جريحا، معظمهم أطفال ونساء فضلا عن دمار هائل في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة" وفقا للأمم المتحدة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
غياب الثقة في قطاع التعليم..سبب انتشار الدروس الخصوصية
إن ظاهرة الدروس الخصوصية، كواقع مرتبط بجودة التعليم العمومي، لم تكن موضع دراسة مناسبة من طرف وزارة التربية الوطنية، فالتحريات والمقابلات التي أجريت مع مصالح الوزارة أبرزت غياب دراسات أو تحقيقات حديثة ومعمقة تتعلق بحجم وأسباب وأثر هذه الظاهرة التي يعتبرها الجميع نشاطا غير رسمي ينتشر بوتيرة متزايدة. في وقت تناولت فيه نقابات عمال التربية ووسائل الإعلام والاستطلاعات الجامعية هذه الظاهرة وحللتها أكثر .
وفي هذا السياق، من الجدير الإشارة إلى الاستنتاجات التالية، من دراسة قامت بها جامعة تيارت حول أسباب وآثار الدروس الخصوصية في نظام التعليم ، إذ بلغت نسبة التلاميذ الذين تابعوا دروسا خصوصية خلال العام الدراسي 2013/2012 في السنة الخامسة ابتدائي 40,90 و 48,73% في السنة الرابعة متوسط بينما بلغت هذه النسبة
%66,91 خلال العام الدراسي 2014/2013 في السنة الثالثة ثانوي؛ أكثر المواد طلبا للسنة الخامسة ابتدائي هي اللغة الفرنسية بنسبة 74,50%، اللغة العربية بنسبة 64,60 ، ثم الرياضيات بنسبة 57,20%.
وترجع هذه الظاهرة بشكل خاص إلى نقص الإشراف والمتابعة داخل المؤسسات التعليمية، وعدم القدرة على الاستيعاب الكافي لمقررات المواد الأساسية، وضعف النتائج الدراسية، والضغوط الاجتماعية للحصول على درجات أو مستويات أفضل.
ومن بين آثارها الاجتماعية والاقتصادية، أشارت الدراسة بشكل خاص، إلى عدم قدرة النظام التعليمي على الحفاظ على ثقة أولياء التلاميذ بالمدرسة باعتبارها مؤسسة تعليمية تهدف إلى أداء مهمتها على أكمل وجه؛ وكذا تفاقم الفوارق الاجتماعية واستنزاف الموارد المالية للأسرة؛،تبعية التلميذ وإرهاقه وحرمانه من الراحة وأوقات الفراغ الضرورية لنموه المتوازن.
وفي كل الأحوال فإن مصالح وزارة التربية مطالبة بإيلاء اهتمام كبير لهذا النشاط لما له من علاقة مباشرة بالمنظومة التربوية وتأثيرها على كافة مكوناتها.