استعاد جمال بن عمر النائب السابق للأمين العام للأمم المتحدة -في حديثه لبرنامج "الجانب الآخر"- محطات من حياته ومسيرته الدبلوماسية الطويلة، وكشف هذا السجين السياسي السابق عن تفاصيل تتعلق بوساطاته في أزمات أفغانستان والعراق واليمن.

وتحدث بن عمر في البداية عن سنوات الطفولة والمراهقة في المغرب، ثم عن تجربة اعتقاله التي وقعت في يناير/كانون الثاني 1976 على خلفية نشاطه السياسي ضمن حركة "إلى الأمام" اليسارية، حين كان طالبا في كلية الحقوق بالرباط.

يقول بن عمر إنه اختُطف حينها في وقت متأخر من الليل، واقتيد إلى مركز شرطة في الرباط، حيث تعرض لتعذيب وصفه بالرهيب، ثم نقل إلى معتقل سري معصوب العينين ومكبل اليدين، وقد اتُّهِم بالمؤامرة لقلب نظام الحكم في المغرب والمس بأمن الدولة الداخلي والانتماء لمنظمات غير شرعية.

ورغم الحكم عليه بالسجن 12 سنة، فإنه لم يقض منها سوى 8 سنوات، معظمها كان في زنزانة انفرادية، حيث أفرج عنه عام 1983.

ويصف تجربة السجن بأنها كانت رهيبة وقاسية عليه وعلى أسرته، خاصة أنه تلقى خبر وفاة والده وهو في السجن، لكنه رغم المعاناة حصل على البكالوريوس وهو في المعتقل، وسجل في جامعتين مختلفتين بفرنسا، وحاز على الماجستير الأول والثاني، وشرع بعدها في التحضير لأطروحة الدكتوراه.

ويكشف أيضا أنه تعرّض للاعتقال مرة أخرى عام 1984 خلال انتفاضة سلمية في مدينة تطوان شمال المغرب، لكن الاعتقال لم يدم سوى 3 أسابيع، بسبب تدخل منظمات دولية ومنظمات حقوق إنسان.

وبعد مرحلة السجن، قرر بن عمر مغادرة المغرب. ويروي لحلقة (2023/7/14) من برنامج "الجانب الآخر" كيف أنه غادر على قارب صيد في رحلة غير نظامية صعبة وخطيرة، وكيف تمكن من الوصول إلى إسبانيا وبعدها إلى العاصمة البريطانية لندن من دون جواز سفر وفي حالة نفسية سيئة.

مهام في أفغانستان والعراق واليمن

وبدأ النائب السابق للأمين العام للأمم المتحدة مسيرة أخرى من حياته بعد خروجه من بلاده المغرب، حيث انضم إلى منظمة العفو الدولية ضمن طاقمها الدولي في لندن. وفي عام 1990، التقى بالرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الذي عينه مستشارا خاصا له، كما التحق بمعهد السلام العالمي.

وقد التحق بالأمم المتحدة، وتحديدا بمركز حقوق الإنسان الذي كان مقره في جنيف، ثم العمل ضمن فريق كلف بتقديم مقترحات بخصوص المرحلة الانتقالية في أفغانستان بعد غزو هذا البلد.

ومما يذكره الدبلوماسي المغربي أنه اكتشف في تلك الفترة أن حركة طالبان كانت لديها الرغبة في بناء أفغانستان جديدة، لكن الأميركيين كانوا يرون أن أي طالباني يجب أن يقتل أو يسجن في معتقل غوانتانامو.

ويقول إن المشروع الأميركي والغربي في أفغانستان فشل، لأنه لم يجعل حركة طالبان جزءا من الحل، وكان الأجدر الحوار معها منذ عام 2002.

كما يؤكد بن عمر الذي كلف بملف العراق بعد أفغانستان، أنه انتقد السياسة الأميركية في العراق، مثل حل الجيش واجتثاث حزب البعث، وطالب بالحوار مع التيارات المناهضة للاحتلال الأميركي.

ومن جهة أخرى، يتحدث ضيف برنامج "الجانب الآخر" عن مهمته للوساطة في حل أزمة اليمن التي كلف بها من طرف الأمين العام للأمم المتحدة حينها بان كي مون في أغسطس/آب 2012، بعد احتدام الصراع وتخوّف المجتمع الدولي من انفجار حرب أهلية في هذا البلد.

ويكشف أن أول خطوة اتخذها كان الاجتماع بالرئيس الراحل علي عبد الله صالح وقيادات الأحزاب التقليدية والشباب الذين كانوا في الساحة، قائلا إنه توصل لقناعة مفادها بأن مطالب هؤلاء الشباب كانت مشروعة، وكان المهم هو كيفية تحويل تلك المطالب إلى عملية سياسية يشارك فيها جميع اليمنيين، لكن الذي حصل لاحقا هو أن مخرجات الحوار الوطني لم يتم تنفيذها، وفشل اليمنيون في حل مشاكلهم.

ولا يخفي الدبلوماسي المغربي -الذي قدّم في 16 أبريل/نيسان 2015 استقالته من منصبه وسيطا أمميا في اليمن- أن الدول الرئيسية في مجلس الأمن الدولي أصبحت تنظر لليمن بعد اندلاع الحرب على أنه فرصة لبيع السلاح، وصار التنافس بينهم على بيع السلاح والتوقيع على عقود كبيرة جدا وخيالية.

وعن مشاريعه، يكشف أنه بصدد تطوير مشروع مركز أبحاث ودراسات مختص في قضايا حل النزاعات والوساطات ودعم الحوارات الوطنية، وذلك مع مجموعة من زملاء اشتغلوا معه في الأمم المتحدة.

يذكر أن جمال بن عمر متزوج من أميركية، وله منها أبناء يدرسون حاليا في الجامعة، وقد أكد لبرنامج "الجانب الآخر" حرصه على تعليمهم العادات والتقاليد المغربية.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

مقاربة معرفية لحكم الروائي عبد العزيز بركة ساكن على قحت وتقدم

بقلم د. عثمان عابدين عثمان

حمَّل الروائي السوداني، عبد العزيز بركة ساكن، الجنجويد (الدعم السريع)، وقحت (قوى الحرية والتغيير)، وتقدم (تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية) وزر كل قطرة دم سالت بسبب الحرب الدائرة حاليا في السودان. وذهب بركة ساكن في حكمه أبعد من ذلك ليصف بعض أعضائها قحت\تقدم بعدم الأخلاق وخيانة الوطن. لكن، في حكم سابق ليس بالبعيد، قال بركة ساكن "أنا ضد تجريم قحت أو تقدم أو أية جهة مدنية لا تحمل السلاح، واختلف مع قحت، واختلف مع تقدم مدنياً بالرأي والرأي الآخر، ولكن أظل ويظلون تحت مظلة الاحترام، ولا تخوين لصاحب رأي." وهنا لنا أن نتساءل، ما الذي دفع بركة ساكن أن يغير رأيه وينتقل من حكم أخلاقي لآخر له نقيض؟ وكيف تساوت عنده كفتا ميزان تحالفين سياسيين قاما في ظرف واقع وزمان مختلف؟ ما هي أسباب الحرب في تقديره؟

عبد العزيز بركة ساكن روائي يهتم بالكتابة التي تتناول الواقع، تشخصه، وتتصور له الحلول من منظور النص المعرفي المستنير الذي يفسر في سياق التاريخ والواقع الذي أنتجه. لذلك، في مقالنا هذا، سنحاول فهم الأسس المعرفية التي بني عليها بركة ساكن أحكامه على قحت\تقدم، وتلك التي جعلته يتنقل من حكم إلى آخر نقيض.

قحت سابقا، وتقدم حاليا، على الرغم من أصلهما المشترك من حيث المبادئ والغايات الكلية، هما تحالفان سياسيان باعتبار كينونتيهما القائمتين بذاتهما. وفوق ذلك فهما يضمان قوى مدنية في غاية التنوع والاختلاف، والتي في داخلها يكبح الفرد آراءه الشخصية لمصلحة رأيها الجمعي، مع الاحتفاظ بحقه في التعبير عن ذلك الرأي في أية وقت يشاء.

في سياق معرفة -السياسة، يحكم على موقف التحالفات قياسا على رأيها الرسمي المعلن. وظرف حالة الحرب الجزئية، وثورة الشوارع، والأيادي المرفوعة، والحناجر المشدودة، أيام قحت، ليس كظرف حالة الحرب، العبثية، الشرسة، الشاملة، التي سدت أنفاس الشوارع برائحة الموت والبارود، أيام تقدم. فالزمان ليس هو الزمان، والأشياء لم تبق كما هي الأشياء أنفسهم.

حري عن القول إن الرأي الجمعي بطبع توافقه على القيم والمبادئ العريضة التي تهم الجميع، يفتقد أساس التفكير الرغائبي، والقصد التأمري لفعل الأذى، والإنسان العارف يجرد صفات التشابه والتباين من حواملها، حتى يتمكن من الحكم عليها من مقام الموضوعية والحياد. لكن، بركة ساكن، أصدر حكمه بتحميل قحت وتقدم وزر كل قطرة دم أُرِيقَت في حرب الجنرالين بافتراض أنه لا فرق بينهما وأن أفكارهما وأهدافهما في تتطابق وتجانس تام. هذا من جانب. أما من جانب الحكم على رأي جماعي توفيقي، لتحالف سياسي عريض، من منطلق تعميم آراء بعض أعضائه الشخصية، جعله يختزل المقدمات الضرورية للاستنتاج الصحيح، وأوقعه في مغالطات التنميط الضيق والتعميم الاستقرائي الخاطئ.

عموما، من الصعب إيجاد مسوق عقلاني لتذبذب الآراء وتناقضها. فبركة ساكن بنى حكمه في عدم تجريم قحت\تتقدم على مقدمة إنها قوى مدنية صاحبة رأي وأنه لا يمكن تخوين صاحب الرأي الذي لا يحمل السلاح. وهذا استنتاج صحيح؛ لأنه بنيَّ على مقدمات صحيحة ومتماسكة. أما أن يتغير حكم بركة ساكن على قحت\تتقدم من البراءة لنقيضه التجريم، من دون أن يتغير حال قحت\تتقدم وتتحول لقوى عسكرية تحمل السلاح، وتصبح جزءا من الحرب الدائرة بين الجنرالين المتصارعين على السلطة، فهي مغالطة معرفية على عدة مستويات من اختلال منطق الكلام. الحقيقة أن قحت\تقدم رفضت من حيث المبدأ الوقوف مع الحرب أو الانحياز لأحد طرفيها، ولم تتغير أو تتبدل. الذي تغير وتبدل هو لجوء بركة ساكن إلى مكنون عواطفه ونفوذ سلطته المعرفية ليبرر بها تغيير حكمه من كامل البراءة لأقصى التجريم بالخيانة.

أما في سياق منطق التسبيب للأشياء، المعروف أن النتيجة لا تقوم إلا بتوفر شروطها من الضرورة والكفاية. وشرط الضرورة في منطق الحرب هو حمل السلاح لأطرافها وشرط كفايتها هو السبب الذي يقدح نارها ويشعل فتيلها. لكن، معادلة بركة ساكن التسبيبية - التجريمية لقحت/تقدم هذه، تجاهلت شرط الضرورة الثاني في الحرب (الجيش) وبدلا عن ذلك حملت جهة مدنية لا تحمل السلاح، مسؤولية إراقة دماء السودانيين مناصفة مع الجنجويد، إلا إذا افترضنا أن بركة ساكن يعتبر قحت/تقدم هي شرط ضرورتها الثاني وسبب كفايتها في آن واحد. هذا من جانب صحة وتناسق النتائج مع المقدمات.

من جانب معرفة متتالية الأسباب، كلنا يعرف أن الدعم السريع هو صنيعة نظام الإسلاميين وربيب جيشهم المؤدلج والمنغمس في السياسة حتى أخمص قدميه. كذلك، كلنا يعرف أن عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، هو من رفَّعَ مقام محمد حمدان دقلو لرتبة جنرال، وخصص له ثلث ميزانية الجيش، وعينه نائبا لمجلس سيادته، وأمنه على حراسة أهم المواقع الإستراتيجية في عاصمة البلاد. في هذا يقول منطق الأشياء: إذا كانت المسؤوليات، بتعريفها الحرفي، لا تتساوى، فمن خلق مسخا مشوها يكون جزا مكملا لطبعه وخصاله، وبالتالي يتحمل كل وزر سوء عماله. لذا، الجيش، الدعم السريع، وفلول النظام الإسلامي السابق هم أضلاع المثلث الثلاثة المكملة الكافية والضرورية المسببة للحرب. وكما في كل ظواهر المجتمع والسياسة التي فيها تتعدد وتتعقد الأسباب والنتائج، تقع مسؤولية فهم ترتيب أهميتها وتسلسلها الزمني على عاتق عقل المالكين لأدوات حكمة المعرفة، لأنهم إن لم يفعلوا، انزلقوا في وحل الاستنتاجات المتسرعة ومغالطات التبسيط المُخِل.

في بنائنا المعرفي الذي اخترناه لنًحْتكِم إليه وسميناه بالقضاء، إصدار حكم التجريم في شخص\أشخاص يعتبر صك براءة للمتهمين الآخرين. وحكم بركة ساكن بتجريم قحت\تتقدم هو بمثابة صك براءة لمن تسببوا في الحرب، وما زالوا ينفخون في كيرها. المتابع لمجريات الحرب الدائرة في السودان، على مدار ما يربو عن العام، سوف يعرف بالدليل الكافي من يقف وراء الحرب، ومن يغذي أوارها بالهشيم من الحطب والبغيض من خطاب العنف والكراهية والإقصاء، وليس هناك أجدر و"أرجل" بمثل هذا الخطاب من الإسلاميين، فلول النظام السابق كما أقرو بعظمة لسانهم، في أكثر من مناسبة، من قبل اندلاع الحرب وبعدها.

كل هذا البؤس، والشقاء، والألم، والموت، والدمار، والنزوح، والتشرَّد، الذي تُسببه الحرب يٌجبرنا أن نتساءل عن مشروعية الحرب بمفهومها المجرد والموقف الأخلاقي منها الذي يتماشى مع غاية أحكام الضمير والتفكير السليم. في رأينا الراسخ، أنه ليس هناك ما يبرر الحرب في كل الظروف والأحوال؛ لأنها ببساطة تنتهك حق قٌدسية الحياة. فإذا كان حكمنا على الحرب بهذه القطعية، على الرغم من وقوف الحقيقة، بلونها الرمادي، في منزلة ما بين المنزلتين، فلا بد أن يكون خيار الوقوف مع أحد أطرافها هو خيار للحرب نفسها.

لكن، هناك واقع الحروب التي يتسبب فيها معتدي غشيم يجعل من الطرف الآخر على صواب وحق. وهنا، الخيار الأخلاقي في الوقوف بجانب المعتدى عليه، ليس بالضرورة أن يكون خياراٌ مع الحرب في حد ذاتها، لكنه خيار للوقوف مع المظلوم وحقه في الحياة. وهكذا قد يتبدى لنا ثنائية وزيف خيار الوقوف مع أحد أطراف الحرب عندما يكون المتضرر الأول والأخير منها هو المواطن الأعزل البسيط.

نرى أن موقف قحت وتقدم الأخلاقي والسياسي الثابت والمتسق، الرافض مبدئيا للحرب، سابقة رفيعة في أدب السياسة وثقافة اللاعنف والتسامح في بلاد السودان، ومنارة أخلاقية سامقة نتوقع لها أن تنير عتمة طريق أزمة السودان وإنسانه المكلوم. فالإنسان، كإنسان يجهل مآسي الحرب وأهوالها، أو ذلك الذي لا يكترث لمعايير الحكم في الأخلاق، هو العنصر الضروري والكافي لقيام الحرب كانت. فالحرب، وكما يقولون، هي ذاكرة البدائيين الذين لم يعرفوا خيارات أخرى غير تلك التي تتحكم في غرائزهم وردود أفعالهم. لذلك، قناعتنا، هنا أيضا، راسخة، أنه سوف يأتي الزمان الذي يعرف فيه الإنسان عقم وهباء الحرب، فيمتنع من سد رمق حاجتها، ويكفيه بوعيه ألا تقوم الحرب، وتشتعل في أول المقام.

د. عثمان عابدين عثمان
osmanabdin@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • طالبان تشيد باستبعاد الأمم المتحدة النساء عن محادثات الدوحة
  • وفد أفغاني يناقش بالدوحة مع مسؤولين أميركيين تبادل الأسرى
  • عمر هلال يطلق الحملة العالمية للسلامة الطرقية “من نيويورك إلى مراكش”
  • مقاربة معرفية لحكم الروائي عبد العزيز بركة ساكن على قحت وتقدم
  • وائل كفوري يلتقي جمهوره في المغرب.. الآلاف بانتظاره في كازابلانكا
  • بعد لقاء مع طالبان.. قلق أممي من وضعية النساء في أفغانستان
  • ماذا تُعلمنا التجربة الأفغانية؟
  • انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة مع طالبان بالدوحة.. وغضب من عدم إشراك نساء أفغانستان
  • رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق لـRue20: لا يمكن فهم تاريخ إسبانيا دون المغرب ومونديال 2030 فرصة للسلام
  • انطلاق مباحثات الدوحة حول أفغانستان بمشاركة أولى لحكومة طالبان