سرايا - الحرب الصهيونية الطاحنة المستمرة على غزة منذ الـ 7 من أكتوبر الماضي، والتي لم ترحم بشرًا ولا حجرًا ولا حتى شجرًا ودمرت الأخضر واليابس، وتركت ويلات ومآسي وأوجاع لا يمكن أن تُنسى حتى مع مرور الزمن، يبدو أنها لن تتوقف عند حدود القطاع الذي يتعرض للإبادة جماعية، فهناك الكثير من المخفي لم يفصح عنه بعد.




في الأيام الأخيرة الماضية فُتح أحد أخطر وأكثر الملفات حساسية والتي يمكن أن تُشعل توترًا لن توقفه التصريحات الدبلوماسية “الجميلة”، بين الكيان الصهيوني ومصر، حين ركزت الصحف العبرية في مقالاتها وتحليلاتها وتصريحات مسؤوليها على السيطرة على محور “فيلادلفيا”.



الاحتلال الصهيوني استخدم في هذا الملف طريقة “بالون الاختبار” لجس نبض القاهرة، ومعرفة موقفها في حال تم تنفيذ مخططها الأخطر بالسيطرة على هذا المحور الحساس، فيما يبدو أن مصر تلعب هي الأخرى بأوراق حساسة قد تجبر " إسرائيل "على التراجع عن هذا المخطط.


وكشفت وسائل إعلام عبرية وفلسطينية، أن جيش الاحتلال أبلغ مصر نيته احتلال منطقة “محور فيلادلفيا” الحدودية بين قطاع غزة ومصر، القريبة من معبر رفح، وبدأ عملية عسكرية هناك بالفعل.


ونقلت “شبكة قدس” الفلسطينية عن مصادر، قولها إن الاحتلال أبلغ مصر نيته احتلال منطقة الحدود في محور “فيلادلفيا” على الحدود بين رفح وقطاع غزة، وطلب من الجنود المصريين إخلاء الحدود، وأضافت الشبكة أن الاحتلال أخبر مصر بأنه “غير مسؤول عن سلامة أي جندي مصري خلال محاولته احتلال الحدود معها، وأن العملية العسكرية في المنطقة مستمرة سواء قبلت مصر أو رفضت”.


وقال موقع “واللا” العبري، إن الجيش "ال" إسرائيلي"" قام بإدخال العديد من القوات إلى المنطقة الواقعة بين معبر كرم أبو سالم إلى رفح ومحور فيلادلفيا، وقام بمناورة قصيرة، حيث أطلقت المقاومة النار على القوات "ال" إسرائيلي"ة"، وتم الهجوم عليهم، مضيفًا نقلاً عن مصادر عسكرية: “تصرف جيش الاحتلال (السبت) بطريقة غير عادية بين معبر كرم أبو سالم إلى رفح ومحور فيلادلفيا”.


في الوقت نفسه، نفت الهيئة العامة للمعابر والحدود بغزة، في بيان رسمي، أن يكون هناك أي عملية عسكرية للاحتلال في محور الحدود الفلسطينية المصرية وبالتحديد في ممر فيلادلفيا، وأضافت الهيئة في بيان رسمي: “الجانب المصري نفى لنا أي معلومات لديه عن نية العدو التحرك عسكرياً في محور الحدود الفلسطينية المصرية، وأن كل المعلومات الميدانية عن تحركات عسكرية على الحدود مع مصر انطلاقاً من كرم أبو سالم غير صحيحة”.


لكن في 10 ديسمبر/كانون الأول 2023، كشف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، خلال حديثه عن “خطته لمستقبل غزة” بعد الحرب، عن نيته “السيطرة على محور فيلادلفيا الفاصل بين غزة والحدود المصرية”، وكرر نتنياهو ذلك في تصريحات أخرى بعد 5 أيام، رغم تحذيرات القاهرة السابقة من تنفيذ أي عمليات أو أنشطة عسكرية في هذه المنطقة العازلة.


رغم ذلك٬ فهذا الهجوم ليس الأول من نوعه الذي تشنه قوات الاحتلال على المنطقة الحدودية الفاصلة بين مصر وغزة، لكن تلك الهجمات اشتدت وتيرتها مؤخراً مع مخاوف من اجتياح بريّ للمنطقة، عقب ارتفاع وتيرة الهجمات العسكرية على جنوب القطاع.


– ما هو محور “فيلادليفا”؟
يعد محور فيلادلفيا (أو صلاح الدين) شريطاً حدودياً ضيقاً داخل أراضي قطاع غزة، يمتد المحور بطول 14 كم على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر من معبر كرم أبو سالم وحتى البحر الأبيض المتوسط.
 

ووفقاً لأحكام معاهدة السلام المصرية ال" إسرائيلي"ة لعام 1979، تم الاتفاق بين مصر و" إسرائيل "على اعتبار هذا المحور منطقة عازلة، كان يخضع لسيطرة وحراسة " إسرائيل "قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة في عام 2005.
 

وفي العام نفسه وقعت " إسرائيل "مع مصر بروتوكول “فيلادلفيا” الذي سمح للقاهرة بنشر مئات الجنود لتأمين هذه المنطقة٬ كقوة شرطية خفيفة التسليح “لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود”.
 

وكان أحد الأهداف الرئيسية من هذه الاتفاقية منع تهريب المواد غير المشروعة (وضمن ذلك الأسلحة والذخائر للمقاومة في غزة)، وأيضاً منع الهجرة بين المنطقتين. وتتكون القوات المصرية الموجودة بموجب الاتفاق على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، من نحو 750 جندياً “متخصصين في مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب”.
 

وبعد سيطرة حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” على الحكم في غزة عام 2007، أصبح المحور خاضعاً لها من الجانب الفلسطيني، وهو الوضع الذي يسعى رئيس الوزراء ال" إسرائيلي" بنيامين نتنياهو، إلى تغييره في الحرب الحالية، ضمن خطة يسعى خلالها للسيطرة على جميع المعابر البرية الخاصة بقطاع غزة.
 

– موقف مصر
العودة ال" إسرائيلي"ة للسيطرة على الجانب الفلسطيني من محور “فيلادلفيا” وإن كانت مرهونة بانتصارها في الحرب القائمة، إلا أنها تستوجب كذلك تنسيقا أمنيا مع مصر، كما يقول سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية.

ويرى مراقبون أن سيطرة " إسرائيل "على “فيلادلفيا”، تتطلب توقيع بروتوكول ملحق باتفاقية السلام، مماثل للذي تم إقراره عام 2005 بعد انسحاب " إسرائيل "الأحادي من قطاع غزة.
 

الموقف المصري لم يُعلن رسميا من تلك الخطط ال" إسرائيلي"ة. ويرى خالد عكاشة المدير العام المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الإدارة المصرية الحالية ستتحفظ “سياسيا”، بحسب تعبيره، باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية.
 

يفسر عكاشة ذلك، بأن انتقال إدارة الجانب الفلسطيني من هذا الشريط الحدودي إلى " إسرائيل "يعني السيطرة على معبر رفح الذي يُعد حاليا المنفذ الوحيد إلى القطاع الذي يقع خارج سيطرة إسرائيل، بموجب اتفاقية المعابر، وهو ما قد يضيق الخناق على الفلسطينيين.
 

وتخشى مصر من أن سيطرة " إسرائيل "على فيلادلفيا “سيطبق أسوار السجن المفتوح” في غزة، وهو ما سيدفع سكان القطاع للهجرة الطوعية خارجه، في نهاية المطاف، بحسب سمير غطاس.
 

والنائب المصري المقرب، مصطفى بكري، وصف في منشور على منصة “إكس”، العملية بالخطيرة وأن لها عواقب وخيمة، قبل أن يحذف التدوينة وينقل نفي المواقع المصرية.
 

من جانبه، قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري إن تحرك جيش الاحتلال باتجاه محور فيلادلفيا يهدف إلى فصل قطاع غزة عن صحراء سيناء ومصر، لكنه استبعد أن يتحقق هذا الهدف.
 

ويرى الدويري أن الاحتلال، وبعد خسارته على المستوى الاستراتيجي، يسعى لجعل كافة نقاط العبور التي تؤدي إلى قطاع غزة تحت سيطرته المطلقة، ووصف التحرك ال" إسرائيلي" باتجاه محور فيلادلفيا بـ”الأمر الخطير”.

وبخصوص المنطقة العازلة التي يسعى الاحتلال لإنشائها في قطاع غزة، رجح الدويري -في تحليله لقناة الجزيرة- أنها ستكون من 3 اتجاهات، الجبهة الشمالية وطول الشريط والحدود مع جمهورية مصر، وسيضيف إليها محاولة تموضعه في وادي غزة لفصل الشمال عن الجنوب.
 

تستخدم حكومة نتنياهو منذ بدء العدوان، حجة الأنقاق ووجود قيادات للمقاومة، كذريعة لمهاجمة أي منطقة في غزة، ويبدو أنها ستكون عنوانا للعملية العسكرية على الحدود، خصوصا مع أحاديث سابقة عن وجود أنفاق بين مصر والقطاع، الأمر الذي نفته القاهرة مرارا.

والأحد الماضي نقلت هيئة البث التابعة للاحتلال عن مسؤول أمني " إسرائيلي" قوله، “إن تل أبيب تخطط لبناء جدار تحت الأرض مضاد للأنفاق بين قطاع غزة ومصر”.

وبصرف النظر عن النفي المصري، فإن مجريات المعركة على الميدان تؤكد عزم حكومة نتنياهو احتلال الشريط الحدودي مع مصر.

والخميس الماضي، قصفت مقاتلات الاحتلال، معبر كرم أبو سالم، ما أدى إلى استشهاد 4 فلسطينيين، بينهم مدير المعبر، العقيد بسام أبو غبن.

وأفادت مصادر فلسطينية، بأن جيش الاحتلال قصف المعبر، خلال فترة العمل فيه، علما بأن بعض المساعدات تدخل عبر المكان، بعد إعادة تشغيله.

وأمام هذا التطور الخطير..
هل ستسمح مصر لـ " إسرائيل " بالسيطرة على هذا المحور الحساس؟ أم هناك أوراق يمكن اللعب بها لإفشال المخطط؟.


رأي اليوم 
إقرأ أيضاً : بالفيديو .. القسام تمطر الأراضي المحتلة بوابل من الصواريخ إقرأ أيضاً : مشاهد من استهداف مجاهدي سرايا القدس لآليات وجنود العدو في محاور التقدم شرق غزةإقرأ أيضاً : الاحتلال يفخّخ الكلاب ويطلقها على الفلسطينيين داخل غزة والضفة الغربية




المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: غزة القطاع مصر الاحتلال مصر غزة الاحتلال مصر الاحتلال مصر المنطقة مصر القوات المنطقة سالم القوات الاحتلال سالم مصر سالم الاحتلال غزة القاهرة المنطقة الاحتلال المنطقة مصر صلاح غزة سالم مصر غزة مصر القوات غزة الوضع رئيس الوزراء رئيس القطاع مصر القطاع الاحتلال غزة غزة المنطقة الاحتلال الشمالية غزة مصر القاهرة غزة الاحتلال العمل مصر سرايا مصر المنطقة الشمالية الوضع القاهرة اليوم العمل القدس غزة الاحتلال صلاح لمصر سالم رئيس الوزراء القوات القطاع معبر کرم أبو سالم محور فیلادلفیا جیش الاحتلال السیطرة على على الحدود قطاع غزة الذی ی فی غزة مع مصر

إقرأ أيضاً:

أجندة التوسع الإسرائيلي.. حرب غزة والطاقة واحتياطات الغاز

شكّل عام 1999 بداية الاهتمام العملي للشركات الإسرائيلية بحقول الغاز في المياه الإقليمية الفلسطينية، حيث أطلقت العمل في التنقيب والاستثمار، مما أدى لاحقا إلى تحول إسرائيل من جهة مستوردة للغاز إلى جهة مُصدرة.

وأضافت اكتشافات النفط والغاز في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط عنصرا جديدا للصراع مع إسرائيل، وأعاقت طموحات إسرائيل التوسعية مسار النفط والغاز في حوض شرق المتوسط وعائداته.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كتاب "مخيم تل الزعتر.. وقائع المجزرة المنسية".. عودة إلى ذاكرة فلسطينية موشومةlist 2 of 2أبو علي مصطفىend of list

واستطاعت سلطات الطاقة الإسرائيلية تأمين الاكتفاء الذاتي للسوق المحلي، وتشغيل 70% من الطاقة الكهربائية بالغاز المستخرج، وبدأت حكومة الاحتلال بإطلاق مشاريع الربط وتصدير الغاز مع دول الجوار العربي، ووضعت نصب عينيها الوصول إلى السوق الأوروبي، وغير ذلك من المشاريع الاستثمارية ذات البعد الجيوسياسي.

وتزامن كل هذا مع اكتشاف احتياطي من الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية الفلسطينية قرابة شواطئ غزة، موزعا على حقلين، يدعى أكبرهما غزة مارين، والآخر الحقل الحدودي البحري الشمالي لقطاع غزة.

وعلى خلفية المعطيات الرقمية للطاقة، وظهور الجدوى الاقتصادية والجيوسياسية، أنجزت إسرائيل مد شبكة بنى تحتية عملاقة على امتداد الأرض وكافة المياه الإقليمية على امتداد ساحل فلسطين التاريخية.

خارطة الطاقة

تشمل خارطة الطاقة الإسرائيلية حقول الغاز في لفيتان وتمار ومنصات الإنتاج قبالة شواطئ عسقلان وحيفا في البحر المتوسط، وكذلك محطات ضخ وتوزيع الغاز بغرض التسييل إلى شركة الغاز المصرية "مدكو" في سيناء، ومحطات المعالجة وتخفيض ضغط الغاز التي تهتم بالضخ عبر شبكة خطوط للسوق المحلي.

كما تتباحث سلطات الطاقة الإسرائيلية مع شركة شيفرون الأميركية لإنشاء محطات تسييل عائمة على الشاطئ الفلسطيني قبالة المدن الكبرى.

فقد قدّرت شركة بريتيش غاز -التي كشفت حقلين على شواطئ غزة- كمية الاحتياط بنحو 1.5 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وتتراوح القيمة السوقية الكلية للغاز في الحقلين ما بين 6 مليارات و8 مليارات دولار، بحسب التقديرات.

كما تقدر اكتشافات النفط والغاز الطبيعي في حوض البحر الشامي في شرق البحر الأبيض المتوسط والبالغة 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي بقيمة صافية تبلغ 453 مليار دولار (أسعار 2017)، و1.7 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج بقيمة صافية تبلغ نحو 71 مليار دولار.

وفي عام 2021، قدّر تقرير المؤسسة الأميركية للمسح الجيولوجي احتياطات الغاز المتوقعة في شرق البحر الأبيض المتوسط بنحو 286.2 تريليون قدم مكعب من الغاز.

أما إجمالي إنتاج حقل الغاز لفيتان فيقدر بنحو 12 مليار متر مكعب سنويا، وسيرتفع ذلك تدريجيا إلى حوالي 21 مليار متر مكعب سنويا.

كما تقدر احتياطيات حقل تمار بنحو 280 مليار متر مكعب، وبدأ الإنتاج فيه عام 2013، وتنتج منصة غاز تمار ما يتراوح بين 7.1 و8.5 ملايين متر مكعب يوميا من الغاز الطبيعي.

وتحجب الجهات الإسرائيلية المختصة الفائدة المتحققة من وضع اليد على الغاز الفلسطيني، وكذلك المترتبة على مشاريع الاستثمار وفي خطوط التعاون مع دول الجوار.

مشروع استعماري

تسعى إسرائيل إلى استغلال الموارد الفلسطينية، وتحقيق أهدافها الاستعمارية والاقتصادية من خلال تصدير "الغاز المسروق" وإبرام صفقات مع الدول المجاورة بمشاركة الاتحاد الأوروبي.

وتفيد تقارير أممية بأن الاحتلال منع الفلسطينيين من الاستفادة من ثرواتهم الطبيعية المقدر قيمتها بمليارات الدولارات، ويسعى من خلال حربه التدميرية الحالية إلى تهجير أهالي قطاع غزة.

وتمارس حكومة الاحتلال سياسة مزدوجة في التعامل مع مصادر الطاقة الفلسطينية، فهي من جهة تمنع السلطة من الوصول إلى آبار الطاقة سواء التي على حدود الضفة مع نهر الأردن أو التي في المياه الإقليمية قبالة شاطئ غزة، فالضفة تحت الاحتلال المباشر وسكان غزة لم يكن مسموحا لهم بالوصول إلى أكثر من 7 كيلومترات في البحر.

وبحسب تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) صدر في 2019، أكد علماء جيولوجيون واقتصاديون في مجال الموارد الطبيعية أن الأراضي الفلسطينية المحتلة تقع فوق خزانات كبيرة من النفط والغاز، في المنطقة (ج) من الضفة الغربية المحتلة وساحل البحر الأبيض المتوسط قبالة قطاع غزة.

ومع ذلك، لا يزال الاحتلال يمنع الفلسطينيين من تطوير حقول الطاقة لديهم لاستغلالها والاستفادة منها، وعلى هذا النحو، فقد حُرم الشعب الفلسطيني من فوائد استخدام هذا المورد الطبيعي لتمويل التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتلبية احتياجاته من الطاقة.

وتقدر الخسائر المتراكمة بمليارات الدولارات، وكلما طال أمد منع إسرائيل للفلسطينيين من استغلال احتياطاتهم من النفط والغاز الطبيعي، زادت تكاليف الفرصة البديلة وتزايدت تكاليف الاحتلال الإجمالية التي يتحملها الفلسطينيون.

وفي الوقت نفسه تجاهلت حكومة الاحتلال اتفاق السلطة مع شركة "شل" للتنقيب والاستكشاف في المنطقة البحرية أمام ساحل غزة، وعرقلت على مدى عقدين أي فرص لتنمية حقل غزة "مارين" من خلال عمليات حفر الآبار وإنتاج الغاز، مما أدى إلى خروج شركة "شل" من الحقل.

كما فرض الاحتلال تضيقا أو منعا لاستجرار الغاز الفلسطيني عبر الأراضي المحتلة عام 1948 أو المناطق التي تقع ضمن أراضي المستوطنات، كما أنها تضع قيودا على العوائد المالية التي يفترض أنها من نصيب الجانب الفلسطيني.

الطاقة والحرب على غزة

يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على موارد الطاقة والمياه في غزة، مما يعيق جهود إنشاء بنية تحتية طاقوية مستقلة في القطاع، ويستفيد الاحتلال من "الغاز المسروق" والمياه، في حين يعاني الفلسطينيون في غزة من أزمة طاقة حادة.

وفي الربط بين موارد الطاقة قبالة سواحل غزة والحرب الإسرائيلية على القطاع، نشر موقع "موندويس" الأميركي مقالا للكاتبة تارا علامي قالت فيه إنه لا يمكن النظر إلى العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة بمعزل عن الموارد الغنية المتمثلة بالغاز الطبيعي الذي تزخر به شواطئها.

وأضافت أن تعمد الهجوم الإسرائيلي تدمير المباني والبنى التحتية وقتل وجرح عشرات آلاف الفلسطينيين ما هو إلا لدفع السكان إلى الهجرة لتخلو غزة للاحتلال، لاستكمال المشروع الذي يهدف إلى بناء دولة استعمارية عرقية.

وتحت عنوان "محو غزة من الخريطة.. أجندة الأموال الطائلة ومصادرة احتياطيات فلسطين البحرية من الغاز الطبيعي" نشر "مركز أبحاث العولمة" ومقره مدينة مونتريال الكندية ملفا موسعا تضمن عدة تقارير ومقالات ولقاءات مع خبراء تتحدث عما وصفها "الأهداف الخفية" للعدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.

وتحدث الملف عن تهجير الفلسطينيين من وطنهم، للتمكن من مصادرة احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية في غزة.

وتلفت التقارير في الملف إلى أن الحرب المدمرة على قطاع غزة جاءت بعد 10 سنوات من تقرير للصحفية البريطانية "فيليسيتي أربوثنوت" قالت فيه إن إسرائيل تسعى إلى أن تكون مُصدّرا رئيسيا للغاز الطبيعي وبعض النفط.

وكانت أربوثنوت قد شددت في تحليلها على أن حكومات ووسائل إعلام اعتبرت أن حقل الغاز الطبيعي العملاق لفيتان، في شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي اكتشف في 2010، يقع "قبالة سواحل إسرائيل"، في اعتراف ضمني بأنه ملك للاحتلال، مع أن جزءا منه يقع في مياه قطاع غزة.

لكن في المقابل، لا بد من التأكيد على أن أهداف إسرائيل المعلنة في حربها على غزة لم تتطرق من قريب ولا بعيد إلى ملف الغاز، وإنما انحصرت في تحقيق أهداف أمنية وعسكرية ضد المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية في قطاع غزة، وهذا لا ينفي وجود أطماع لإسرائيل تتعلق في هذا الملف، لكنها لم تكن في على أجندة صناع القرار في إسرائيل التي تعرضت لهجوم مباغت أفقدها توازنها من قبل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

اشتراطات أمنية

وتدعي سلطات الاحتلال أن احتياطيات الغاز قبالة قطاع غزة "كنز خاص بها"، واعتبر الاقتصادي الكندي ميشيل تشوسودوفسكي، مؤسس ورئيس مركز أبحاث العولمة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن إعلان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الحرب على قطاع غزة هو استمرار لغزو غزة الذي بدأ في 2008 في إطار "عملية الرصاص المصبوب".

ويضيف تشوسودوفسكي أن الهدف الأساسي من العملية هو الاحتلال العسكري الصريح لغزة وطرد الفلسطينيين من وطنهم، ومصادرة احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية في غزة، وتحديدا تلك التي اكتشفتها شركة "بريتش غاز" في 1999 قبالة القطاع، وكذلك اكتشافات حوض الشام عام 2013.

وكانت صحيفة المونيتور قد كشفت قبل نحو عامين، عن وجود محادثات سرية بين إسرائيل ودول إقليمية حول التنقيب على الغاز الطبيعي قبالة سواحل قطاع غزة.

ونقلت الصحيفة أن إسرائيل أجلت عمليات التنقيب عن الغاز قبالة سواحل غزة لدواع أمنية، وأنها اشترطت "تنفيذ إجراءات عملية تضمن لها أمنها" قبل البدء بعمليات استخراج الغاز من حقول غزة التي كانت مقررة بداية عام 2024.

التطبيع الأخضر

ومع علم سلطات الاحتلال أن الزمن الافتراضي للطاقة، بالجدوى البيئية والاقتصادية وبروز مشاريع الطاقة البديلة، سينتهي بمدى زمني لا يتجاوز 30 عاما اعتبارا من 2021، فقد بدأت إسرائيل العمل بمشروع التطبيع الأخضر (الطاقة البديلة) مع الجوار العربي في وتيرة متسارعة منذ مطلع القرن الحالي.

وهذا المعطى يقف خلف مشروع التطبيع الأخضر بحيث يمنح أفقا زمنيا أطول لإسرائيل لاستثمارات ونفوذ في الإقليم بعد انتهاء عمر استخدام طاقة الغاز الطبيعي بحلول عام 2050.
وفي كتاب "تحدّي الرأسمالية الخضراء: العدالة المناخية والانتقال الطاقي في المنطقة العربية" لمؤلفيه الجزائري حمزة حموشان والبريطانية كايتي ساندويل يشير الكاتبان إلى الاتفاقيات الإسرائيلية التطبيعية مع دول الجوار العربي، ويؤكدان أن إسرائيل تركز في جزء كبير منها على الطاقة والغاز والحفاظ على ثرواتها في هذا الإطار.

فعلى سبيل المثال -يشير فصل من الكتاب نقلته الكاتبة الفلسطينية منال شقير في مقال- إلى أن الأردن سيبيع إسرائيل كل الكهرباء المُولَّدَة من مزرعة الطاقة الشمسية التي سيتم بناؤها على أرضه مقابل 180 مليون دولار سنويا.

ويقول إن الأساس المنطقي هو أن إسرائيل لن تحتاج إلى استخدام طاقتها لتشغيل محطة تحلية المياه التي ستزوّد الأردن بـ200 مليون متر مكعب من المياه سنويا.

وهذا جزء من الهدف الإسرائيلي المتمثّل في تعزيز قطاعيْ الطاقة وتحلية المياه سويّة.

وتُعَدُّ تحلية المياه، التي تسعى إسرائيل إلى الاعتماد عليها كمصدر رئيسي للمياه بحلول عام 2030، كثيفة الاستهلاك للطاقة، إذ تشكل ما نسبته 3.4% من استهلاكها الإجمالي للطاقة، بالتالي تسعى حكومة الاحتلال إلى زيادة وصولها إلى مصادر بديلة للطاقة، وسيوفّر "التطبيع الأخضر" أحد هذه المصادر.

الأردن محروم من طاقته

ولا تسمح الصفقة للأردن -الذي تشكّل وارداته من الغاز الطبيعي نسبة 75% من مصادر الطاقة فيه، بالحصول على الطاقة من المشروع والاستفادة من قطاع الطاقة الخاص به- بل سيواصل استيراد الغاز من إسرائيل، وفق اتفاقية الغاز سيئة الصيت بين الجانبين.

فوفقا لصفقة الـ10 مليارات دولار، سيزوّد حقل لفيتان، وهو حقل غاز طبيعي في البحر الأبيض المتوسط تسيطر عليه إسرائيل، الأردن بـ60 مليار متر مكعب من الغاز على مدى 15 سنة.

وسيظلّ الأردن رهينة لواردات الغاز الطبيعي وتحديدا من إسرائيل -وفق ما ورد في الكتاب- بينما يُصدّر طاقته الخضراء من أجل الحصول على المياه المُحلّاة منها.

ويسمح التطبيع البيئي لإسرائيل بإعادة تشكيل موقعها في قطاعيْ الطاقة والمياه على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وبالتالي تعزيز قوتها السياسية والدبلوماسية في المنطقة والعالم.

مقالات مشابهة

  • المقاومة الفلسطينية تعلن تنفيذ عمليات نوعية جديدة ضد مواقع وتجمعات قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة
  • شهداء وجرحى في قصف قوات الاحتلال لمناطق متفرقة من قطاع غزة
  • جيش الاحتلال: مقتل ضابطين في انفجار وقع في منطقة محور نتساريم
  • لليوم الـ 270.. إسرائيل تواصل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة
  • ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل منزل في أوسيم
  • دعاء زهران: المرأة المصرية استعادت مكانتها بعد ثورة 30يونيو وتعيش أزهى عصورها
  • أجندة التوسع الإسرائيلي.. حرب غزة والطاقة واحتياطات الغاز
  • أخطر جاسوس مصري حيّر إسرائيل.. محطات في حياة رفعت الجمال
  • “إسرائيل” تخلق رواية مضللة حول إنجازاتها عند الحدود اللبنانية لتجنب “حرب شاملة” مع حزب الله
  • إخماد حريق ببرج سكني بالدقي