الاعتقال السياسي في سجون السلطة.. الملاحقة التي لم توقفها الحرب
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
نابلس- ثمانية أيام متواصلة قضاها الفلسطيني أنس إشتية معتقلا لدى أجهزة الأمن الفلسطينية دون أن يتمكن من معرفة سبب حقيقي لاعتقاله، غير أن "التهمة جاهزة" -حسب وصفه- وهي المشاركة بفعالية غير قانونية، والهُتاف ضد السلطة والتحريض عليها عبر مواقع التواصل.
ومن بين حشود المشاركين بمسيرة مناصرة لغزة نُظمت بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية منتصف ديسمبر/كانون الأول الحالي، اعتُقل أنس (25 عاما) بعد أن هاجمه عناصر من الأجهزة الأمنية "بعنف ونكَّلوا به"، واعتقلوه مكبلا ومكث 8 أيام متواصلة، وأُفرج عنه بعد تهديد مبطن، وتحذير من العودة لما اتُهم به.
ورغم أن الشاب لم يتعرَّض لأي اعتداء داخل معتقله، فإنه تساءل عن سبب تقييد حريته أسبوعا كاملا "دون وجه حق"، وقال -للجزيرة نت-، إنه لم يقم بأي مخالفة، وإنما شارك كغيره بمظاهرة تضامنية مع قطاع غزة، مشيرا إلى أنه التقى بـ5 معتقلين كانوا يواجهون التهم ذاتها.
"اعتقالات سياسية"
ويضيف أنس الذي عانى "الاعتقال السياسي" نفسه في 2017، أن تجربة اعتقاله الأخيرة ورغم مدتها القصيرة، كانت صعبة، خاصة بظل الحرب الصعبة التي يقف فيها الفلسطيني بكل مكوناته لنصرة غزة.
وحسب "لجنة أهالي المعتقلين السياسيين" في الضفة الغربية، يوجد الآن حوالي 40 معتقلا آخرين في سجون السلطة الفلسطينية، وتؤكد أن "الاعتقال السياسي" والملاحقات مستمرة بالضفة، ولم تتوقف قبل الحرب ولا بعدها.
ورصدت اللجنة قتل 5 مواطنين خلال المظاهرات المنددة بالعدوان على غزة، وأكثر من 1000 حالة اعتقال واستدعاء منذ بداية العام الجاري.
وقالت اللجنة -للجزيرة نت-، إن أجهزة الأمن اعتقلت 36 ناشطا خلال الشهر الحالي، ممن ينظمون وقفات تضامن مع غزة، وقمعت بعض المسيرات، أبرزها بمدينة رام الله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي التي قُتل في إحداها الشاب محمود أبو لبن دهسا بسيارات الأمن الفلسطيني، وأعلنت المؤسسة الأمنية في السلطة الفلسطينية تحمل مسؤولية ذلك.
وتنوعت الانتهاكات بين الاستدعاء والاعتقال والاعتداء ودهم المنازل وقمع المظاهرات. وأكدت اللجنة أن هذه الاعتقالات التي شملت ناشطين وأسرى محررين، "سياسية وعلى خلفية عمل نقابي"، ودعت السلطة إلى الكف عن ملاحقة الناشطين "خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي وشلال الدماء النازف"، وإلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين.
وحول أسباب الاعتقال، تقول اللجنة، إنها تتنوع بين "استهداف المقاومين وملاحقتهم والمس بحرية التعبير وملاحقة العمل النقابي وناشطيه، خاصة في الجامعات وقضايا أخرى"، وتضيف "غالب التهم جاهزة لدى السلطة، وهي تلقي أموال غير مشروعة، وإثارة النعرات، وحيازة السلاح".
والمستهجن -حسب اللجنة- أنه لا يتم التحقيق وتكون تفاصيل الاعتقال مرتبطة بقضايا ونشاط سياسي أو طلابي أو حرية رأي، ولا تمس من قريب أو بعيد التهم الموجهة من أمن السلطة.
وقفة سابقة لطلبة جامعة النجاح في نابلس رفضا لاعتقال زملائهم من أمن السلطة الفلسطينية (الجزيرة) قبل وبعد الحربوما ذهبت إليه لجنة أهالي المعتقلين أكده الباحث بالمركز الفلسطيني لحقوق الانسان رأفت أبو خضر، الذي قال، إن هدف الاعتقالات السياسية "إخراج المقاومة وأي مظاهر مسلحة (مقاومين) من الساحة الفلسطينية، من أجل عدم دخول الاحتلال لمناطق السلطة واعتقالهم منها كما تدّعي".
ويضيف "كما ظلت التهم تتمحور حول تلقي أموال بهدف التسلح وإثارة النعرات الطائفية، لكنها بالواقع اعتقالات سياسية نرفضها جملة وتفصيلا"، ويؤكد أنها لم تتوقف، بل تصاعدت بشكل كبير في الأشهر الثلاثة التي سبقت الحرب، واستمرت خلالها.
كما أُعيد اعتقال بعض الأشخاص، خاصة من طلبة الجامعات بعد الإفراج عنهم، ونُفّذ الاعتقال السياسي على شكل "حملات جماعية" مثلما جرى ببلدة تِل قرب نابلس، واعتُقل أشخاص بعد استدعائهم للتحقيق، وآخرون من الشوارع وأماكن عملهم ومنازلهم.
وقال رأفت، إنه لا يحق لأي جهة كانت أن تصادر حق أحد بحرية الرأي والتعبير المكفولة بكل الأعراف الدولية، ولا يجوز الاعتقال على خلفية رأي أو ممارسة سياسية دون وجود تهمة رئيسة.
وفي أكثر من بيان، رفضت مجموعة "محامون من أجل العدالة" -التي تختص بمتابعة قضايا المعتقلين السياسيين في المحاكم- "الاعتقال السياسي"، ورأت أن توقيف المتظاهرين يتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني، الذي يكفل حرية الرأي والتعبير، ودعت إلى الإفراج فورا عن كل المعتقلين.
ويقول المحامي في المجموعة الحقوقي مهند كراجة، إنه ورغم أن وتيرة الاعتقالات السياسية بشكل عام "خفَّت" أثناء الحرب، فإنها وقعت خاصة ضد المشاركين بالمظاهرات المؤازرة لغزة، حيث اعتُقل في إحداها برام الله حوالي 100 مواطن وأُفرج عن معظمهم، ولاحقا اتُهم بعضهم بتخريب الممتلكات العامة.
"حجج أمنية"
وتُسوّغ السلطة اعتقال مقاومين -حسب مهند- كالمطارد للاحتلال مصعب إشتية وغيره وتوقيفهم على ما يعرف بـ"ذمة المحافظ" في مدن أريحا ورام الله وغيرها، "بحجة أمنية لمنع اعتقالهم أو اغتيالهم من الاحتلال".
وأكثر ما يواجه مهند والمحامين الذين يتابعون ملف الاعتقالات السياسية من مصاعب، هو عدم تسهيل عملهم بالحصول على توكيلات المعتقلين والموقوفين، أو معرفة التهم الموجهة إليهم، إضافة إلى إعاقة زيارتهم، وعدم تنفيذ الأجهزة الأمنية قرارات المحاكم بخصوصهم.
ورغم محاولتها، لم تتمكن الجزيرة نت من الوصول إلى المفوض السياسي العام والناطق باسم المؤسسة الأمنية اللواء طلال دويكات للتعليق على الموضوع، ولكن السلطة الفلسطينية تنفي على الدوام وجود اعتقالات سياسية لديها، وتقول، إن ما يتم من اعتقالات يكون لمخالفات، ويكون بمذكرات قانونية.
وحول ما يجري من اعتقال لمقاومين، أوضح اللواء طلال -في بيان سابق له وصل الجزيرة نت- أن قرار "التحفظ" على المقاومين هو "لأسباب ودوافع موجودة لدى المؤسسة الأمنية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة الاعتقال السیاسی
إقرأ أيضاً:
رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية: لا سبيل لتحرير المحتجزين دون الانسحاب من غزة
حذر رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية (الشاباك) و(الموساد) و(الجيش)، من أنه دون تنازلات إسرائيلية، لا يمكن استئناف محادثات التوصل إلى اتفاق بشأن تحرير المحتجزين الإسرائيليين من قبضة فصائل المقاومة في قطاع غزة.
وذكرت صحيفة "يديعوت آحرونوت" -في تقرير لها الليلة- أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استدعى وزراء من اليمين المتطرف يعارضون أي اتفاق من شأنه أن ينهي الحرب، للتشاور.
ويعتقد كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل، أن هناك حاجة إلى المرونة في مواقف إسرائيل بشأن الانسحاب المحتمل للقوات من غزة وإنهاء الحرب، إذا كان من المقرر التوصل إلى اتفاق بشأن المحتجزين.
وقالت الصحيفة إن إسرائيل تحاول إعادة إطلاق المفاوضات بعد توقفها، ويدعو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى عقد مشاورات بشأن هذه المسألة مع أعضاء حكومته، بما في ذلك وزير الدفاع إسرائيل كاتس، ووزير الخارجية جدعون ساعر، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، علما بأن الأخيرين من المعارضين الصريحين لأي اتفاق من شأنه أن ينهي الحرب وهددا بإسقاط الحكومة إذا تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق.
ويقدر المسؤولون الأمنيون في إسرائيل بأنه من بين 101 محتجز في غزة منذ أكثر من 400 يوم، لا يزال 51 منهم على قيد الحياة.
ومن المرجح أن تأتي الجهود المتجددة مع اقتراب فصل الشتاء وسط مخاوف من موت المزيد من المحتجزين في الأنفاق.
وتأتي هذه الجهود أيضًا نتيجة للتطورات الإقليمية وانتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية كرئيس للولايات المتحدة.