أكتب هذا الكلام قبل لقاء الرجلين الجنرال البرهان والجنرال حميدتي، قاصدا أن أسبقه وأناقش بعض المواقف من اللقاء التي عبر عنها أناس كثر، اتفق واختلف مع بعضهم، لكن ما ورد من أفكار وأسئلة يستحق النقاش
- هذا اللقاء مهم جدا، وهو أهم خطوة إيجابية نحو إيقاف الحرب منذ تفجرها في 15 أبريل الماضي، ليس لميزات تفضيلية للرجلين على غيرهم من الموجودين على الساحة السياسية والعسكرية، لكن لأنهما من أشعلا الحرب، ولأنهما قائدا الطرفين المتحاربين، وبالتالي هما من يستطيعان وقف الحرب الآن.
- صحيح أن هناك قوى موجودة عند الطرفين تعمل على إطالة أمد الحرب لمصالح تخصها، ولأنها موجودة داخل الطرفين فقد تكون شريكة في القرار السياسي، لكن طالما اتجه الطرفان نحو اللقاء فهذه خطوة تعني تقدم خيار إيقاف القتال، لأي سبب من الأسباب، وهو في كل الأحوال مكسب، ولو أدى الأمر لشقاق داخل الطرفين أو أحدهما، ففي ذلك مكسب أكبر.
- وقف الحرب أمر في غاية الأهمية ، فالمعاناة الإنسانية الآن في أقصى مراحلها ، نزح مئات الآلاف من المواطنين، راكبين وراجلين، بل وهم يحملون كبار السن على أكتافهم، فقدوا مساكنهم وسياراتهم وممتلكاتهم، وهم يكررون النزوح مرة واثنتين وربما ثلاث مرات. النازحون في مهاجرهم، ومراكز الإيواء، والصامدون الذين بقوا في مساكنهم، رغم كل ضروب المعاناة، يعانون من المرض والجوع، وكل الخدمات غائبة. فقد الناس أمنهم وسلامتهم وأهينت كرامتهم. لهذا فإن وقف الحرب هي الأولوية العظمى لالتقاط الأنفاس وعودة بعض مظاهر الحياة الضرورية حتى يستطيع الناس التفكير فيما بعد ذلك. من يحملون أي رؤى أو أفكار سياسية، العودة لمنصة الانتقال، بناء قاعدي، تغيير جذري لا يمكنهم الحوار المفتوح والتبشير بهذه الافكار في جو الحرب، وبالتالي فمن مصلحتهم جميعا وقف الحرب أولا، ومن ثم تأتي المراحل الأخرى.
- حتى تتضح نتائج اللقاء، فإن أهالي وسكان المناطق التي تحتلها قوات الدعم السريع الآن وتشهد انتهاكات واسعة وعمليات نهب وسرقة للسيارات والممتلكات " تحديدا مناطق ولايتي الجزيرة وسنار"، وتلك التي قد تنتقل لها الحرب، هم وحدهم أصحاب القرار في كيفية التعامل مع هذا الوضع وما ينتج عنه من معاناة إنسانية. هم أصحاب الوجعة وهم يدركون امكانياتهم وقدراتهم، ولا ينبغي المزايدة عليهم وفرض أي خيارات عليهم.
- هل هناك أية أوهام أن أحد الطرفين مع الديمقراطية والحكم المدني ينبغي دعمه وتأييده في مواجهة الطرف الثاني..؟ وهل يمثل أحدهما إرادة الشعب السوداني وسيادته الوطنية بينما الآخر عميل يرهن إرادته لطرف الأجنبي..؟ المؤكد أن الإجابة لا، فالجنرالين يبحثان مصلحتهما وخاضا الحرب للاستئثار بالسلطة وإن ناور أحدهما بشعارات الثورة في الانتقال الديمقراطي والحكم المدني، فهو يفعل ذلك للكسب الشعبي السياسي بينما التجارب تؤكد عكس ذلك، وإن رفع الطرف الآخر شعارات السيادة الوطنية فهو أول من باعها وفرط فيها ورهن نفسه وسيادة الوطن للأطراف والمحاور الأجنبية. ملخص الأمر أن الطرفين ضد الحكم الديمقراطي والدولة المدنية، والطرفان رهنا السيادة الوطنية وباعاها بثمن بخس. وبالتالي الموقف الوطني الصحيح ليس في الاصطفاف خلف أي منهما ، بل الاصطفاف خلف الشعارات والمواقف الصحيحة بعيدا عن الطرفين.
- هل سيقدم هذا اللقاء حلولا للأزمة السياسية التي أدت للحرب...؟ بالتأكيد لا، ولا ينبغي له ولا لهما، هذا اللقاء في أقصى نجاحاته يجب ان يؤدي لاتفاق لوقف اطلاق النار، إعادة تجميع القوات العسكرية خارج الأحياء والمناطق السكنية، وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية من الأغذية والأدوية للنازحين في كل ربوع السودان. هذا ما نريده من الجنرالين.
- وقف الحرب سيقلل من الانقسام الشديد والحاد في المجتمع السوداني، وسيعطي للناس الفرصة لتجديد الاصطفافات على أسس جديدة وبأولويات جديدة. من المفترض أن تكون هناك جولات تفاوض للقوى المدنية لتناقش مستقبل البلاد والعملية السياسية المطلوبة للعودة للانتقال الديمقراطي.
- هناك نقاط عديدة يحتاج الناس للوقوف عندها وتحديد المواقف منها: ما هو دور العسكر في المرحلة القادمة وهل يجب أن يكون لهم دور سياسي أم أن عملية عودة العسكر للثكنات يحب البدء فيها فورا..؟، كيف نستطيع التوصل لبناء مؤسسة عسكرية وطنية موحدة وقفل الباب أمام الميليشيات والحركات والأحزاب المسلحة؟ ما هو مصير المنتمين لقوات الدعم السريع وكيف يتم التعامل معهم..؟
- أكثر ما أضر بتجارب الانتقال السابقة هو عملية الاعفاء من المحاسبة والجرائم والانتهاكات، وهو أمر عليه إجماع كبير، لهذا هناك امكانية لتكوين جبهة واسعة من الداعين لمحاكمة كل من ساهم وشارك وأمر بارتكاب الانتهاكات التي تمت ، من قتل واغتصاب وسرقة ونهب وتدمير الممتلكات. ومن الواضح أن أجهزة العدالة المحلية من نيابة وشرطة وقضاء ستكون عاجزة تماما عن مساءلة ومحاكمة المتهمين لعجز بنيوي فيها وضعف الامكانيات المادية والبشرية والقانونية، وغياب ثقة المواطنين والضحايا. لهذا هناك حاجة لأن تتبنى هذه الجبهة، وبشكل واضح لا لبس فيه، الدعوة لمحاكمات دولية للمجرمين، وأن يكون هذا البند واحدا من النقاط المهمة التي يحملها ممثلو القوى المدنية في أي عملية تفاوضية.
- هناك حاجة حقيقية لتحديد وتعريف القوى المدنية وكيف سيتم تمثيلها في التفاوض، ومنذ الآن هناك خلافات معروفة وموجودة، ومن الأفضل التفكير منذ الآن بموضوعية في هذا الأمر، هناك تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" وهي تمثل جزءا معتبرا من القوى المدنية، ولكن هناك قوى مدنية خارج الجبهة وربنا لا تريد الانضمام لها، ومن حقها أن تكون موجودة لتطرح أفكارها و رؤاها. ليتنا جميعا نكون قد تعلمنا من تجربة الحرب، وبالتالي ننأى عن محاولات الاستئثار بالمنابر والإقصاء ونتجه نحو مرحلة جديدة تستوعب جميع من يرغبون في العمل المدني السلمي ويلتزمون بأسس المشاركة الشعبية الواسعة .
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: وقف الحرب
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: هناك ملائكة لم تذكر فى القرآن كـ ملك الرحم أو نفخ الروح
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن هناك أصناف من الملائكة جاء ذكرها في السنة النبوية الصحيحة، ولم تذكر في القرآن فيجب الإيمان بها كذلك ومنها «ملك الرحم أو نفخ الروح» فصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه في أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه، ويؤمر بأربع، يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها».
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه يجب الإيمان بالملائكة إجمالاً، ويجب الإيمان بما أعلمنا الله منهم تفصيلاً مما ذكر في النصوص السابقة وفي غيرها.
وللإيمان بالملائكة أثر عظيم في ترقية المؤمن للوصول إلى ربه، فشعوره بوجود خلق كريم حوله يجعله دائما على استحياء من إتيان المعاصي، ويجعل بالأنس والراحة والسكينة بمجاورتهم إياه فيزيد إقباله على ربه، ووجودهم بجوار المؤمن من باب عون الله له على طاعته، رزقنا الله ذلك العون دائما وجميع المسلمين. كان ذلك فيما يتعلق بالإيمان بالملائكة، وننتقل إلى الركن التالي.
الركن الخامس هو : الإيمان باليوم الآخر وهو يوم القيامة، وسمي يوم القيامة لقيام الناس فيه من موتهم لله رب العالمين يحاسبهم على أعمالهم، قال تعالى في الحديث عن المطففين مذكرًا لهم بذلك اليوم : ﴿أَلاَ يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ﴾ وهو يوم عظيم أقسم ربنا سبحانه وتعالى به فقال: ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ﴾ ، ويوم القيامة يجمع الله فيه عظام الموتى، ثم يكسوها لحمًا مرة أخرى، فتعود الأجساد كما كانت في الدنيا، ثم يلقي الله في تلك الأجساد الأرواح، فإذا هم قيام ينظرون.