سودانايل:
2025-02-02@12:54:42 GMT

الإمام الصادق المهدي: انحنا ما سحاسيح

تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT

(كان لمثل هذا اليوم من كل عام جمال الاحتفال بميلاد الإمام الصادق المهدي. وأخلا الموت يدنا من وقفة سنية في تكريم العمر في ثقافة تمر السنين عفواً على رجالها ونسائها. وأزعجني دائماً التربص بأقوال فصيحة منه تقع على آذان صماء من فرط ما تراكمت عليها لغة "صرف البركاوي" التي سادت فينا عقوداً. وكنت علقت يوماً على واقعة من هذا التربص جاء فيها الإمام بكلمة "سحاسيح".

وشوف الهرج. فإلى الكلمة القديمة المحررة.
انشغل بعض الناس بلياقة استخدام السيد الصادق المهدي لكلمة "سحاسيح" في نفي الشباب والدعة عن ذريته. وهما مما يجلب المفسدة في قول الشاعر. وقد صدق عندي. فما عرفت إلى يومنا هذا من في ملكة السيدة رباح الصادق في النفاذ الي المسألة والإحاطة بها من وجوهها وقرونها. وانشغلت مع ذلك بوجه آخر من مسالة سحاسيح. فقد بدا لي الإمام منها ابناً مخلصاً لجيل الخمسينات الذي سار فيه مصطلح "سحسوح" أو ساد. وربما أراح الصادق نفسه من عناء التفهيم لو قال بحكم الوقت إن أولادي ما حناكيش. وربما لم يكن المفهومان متطابقين ولكنهما قريبان في المعني العام.
وجد مصطلح سحسوح أفضل تعبير له في شخصية سحسوح الكاريكاتيرية التي اخترعها عمر الأمين شبر على صفحات مجلة "الحياة". وهي مجلة صدرت عن دار الأيام في نحو 1957 وحررها الأستاذ محجوب محمد صالح. وكان شبر حديث التخرج من كلية الفنون الجميلة بالمعهد الفني (كَي تي آي) الذي هو أساس جامعة السودان للتكنولجيا. وقد تلقينا منه درساً حياً عن سحسوح في عام 1957 ونحن في الصف الثاني من مدرسة عطبرة الثانوية. فقد زار شبر أهله في حلة المقرن وعرج على المدرسة يزور وداعة عابدين أستاذ الفنون بالمدرسة ويلتقي بأخيه ابوبكر شبر دفعتي وقسيمي في كتابة القصة القصيرة. وكان لوداعة زوار من الموهوبين. فقد زاره فيما أذكر بلبل المنلوجست المشهور أيامها. ونظمنا له حفلاً أمتعنا للغاية وخاصة بمنلوجه "سألوني عن المتنبي فأجبت بأن المتنبي كان في المهدية كهربجي" أو "لا تَمْحنا ولا تبلينا من شر سكك حديدك فينا" تلك التي يقال إنك كنت تضبط ساعتك عليها. يا للنوستالجيا.
انتهز وداعة فرصة حضور شبر وقدمه لنا في حصة الفنون. وأتجه شبر الي السبورة ورسم لنا صورة سحسوح. ثم واصل ورسم لنا شخصية "استيف" وهي عكس سحسوح لها عضل وفيها عنف. ولم تبرح ذاكرتي أبداً يد شبر الماهرة تستنزف الطباشيرة وتستنطق السبورة سحسوحاً واستيفاً. وربما أرد تعلقي بفن الكاريكاتير ردحاً من الزمن الي تلك الزيارة لشبر.
سيكون من متع الذهن أن ندرس البيئة الاجتماعية والثقافية التي ولدت لنا شخصية سحسوح في زمانها ومكانها في حد ذاتها وفي مقابل شخصية إستيف. فسحسوح في كل رسوم شبر على صورة أفندي انطبعت فيه بالتمام صورة ميوعة الأفندية المتوراثة للبسهم المنطلون، والقميص المكفكف مما يظهر ليون الذراع، وحلاقتهم الكاري، ولبس الساعة، وممارستهم عملاً غير يدوي للعيش. وكان الأفندية قد ابتعدوا عن العمل النقابي في أول الأمر. ولعمال عطبرة حكايات طريفة عن مظاهرة متخيلة لأفندية الهتاف فيها مائع تلويحاً بالمناديل. وقد استعارت صورة السحسوح تسريحة إبراهيم عوض التي "يخنفس" فيها شعره ويفرقه فيسيل الحسن منه. وقد سبت الشباب وأوغرت عليه صدور قوم محافظين.
ولو نظرنا لظرف صدور شخصية سحسوح فقد كان زمان بداية الاستقلال الذي ورث فيه سودانيون نعيم الإنجليز وأصبح بوسعهم تخميج اولادهم وبناتهم. كما قد يكشف التحليل ثقافة طاعمة طبعت العصر ولكنها من المصموت عليه. ويكفي دليلاً على ذلك الأغنية التي مبدأها "ياسحسوح جيناكا" التي يأتي فيها الفعل "يسحسح" بدلالة طاعمة دون شك. ولا ينصرف ذهننا الي مثل هذه الثقافة حين نقول حنكوش في أيامنا هذه. كما نقول الآن "حنكوشة" للبنت ولم نكن نقول "سحسوحة". فلربما كن هناك سحسوحات ولكن لم يرهن أحد في مدينة الخمسينات الظالمة لربات الخدور.
وسبق الإمام الصادق أستاذنا عبد الخالق محجوب إلى نفي السحسة عن رهطه في دفاعه إمام محكمة عسكرية في ١٩٥٩. فقال إن هناك من يرمي الشيوعيين بمفارقة التقاليد السودانية وهم سدنتها لأنهم فهموها في "حب الحرية والكرامة والصراحة والشهامة وفوق كل ذلك قولة الحق". واستنكر أن تغض الحكومة الطرف عن الانحلال الذي شاع في المدن لتتحفظ على الشيوعي متى عثروا على كتاب ماركسي بطرفه. فكأن لم يطرق أذنهم الغناء المائع بين الشباب: يا أستاذ، بالقزاز، وفي الدروس ما فيش ممتاز، والل يجينا نصيبو عكاز، ويا سحسوح جينكا.
وهذا من فتح السيد الصادق علينا رحمه الله.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

ندوة بجناح الأزهر للتعريف بـ «الإمام البخاري وصحيحه»

يقدم جناح الأزهر الشريف، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 56 لزوَّاره كتاب «الإمام البخاري وصحيحه»، بقلم العالم الأصولي الفقيه الدكتور عبد الغني عبد الخالق رحمه الله المتوفى (1403هـ/ 1983م)، من إصدارات هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

غدًا.. انطلاق فعاليات المعسكر الشتوي للنانوتكنولوجي بجامعة الأزهر ركن الخط العربي في جناح الأزهر.. نافذة على الإبداع والجمال

إن مكانة الإمام البخاري لا تخفى لمنصف قرأ تاريخ المحدثين الثقات؛ فقد بذل الإمام البخاري جهدًا كبيرًا في خدمة السنة النبوية؛ حيث قام بانتخاب جملة كبيرة من أصح الأحاديث الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فأودعها في هذا المصنف البديع، 'الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه»، الذي جمع فيه من صنوف الأحاديث الصحيحة أنواعًا، تدل على براعته وتمكنه في علوم الحديث، وكيف لا، وقد أخذت خدمة الحديث الشريف جل وقته، ونفيس عمره، فأقضت مضجعه، وجعلته يسهر الليالي والأيام في تحرير تصانيفه، باحثًا عن مظان السنة الصحيحة، في بطون الأجزاء والكتب وأخذا عن الرواة الثقات من علماء الحديث والأثر في رحلات كثيرة، ومجالس علمية في مختلف البقاع والأصقاع.

وفي هذا الكتابِ يعرضُ المؤلفُ لجهودِ الإمام البخاري، الذي شهدَ له العلماءُ عبرَ العصورِ بالبراعةِ في بابي الرِّوايةِ والدِّرايةِ، وقدْ صدَّرَ المؤلِّفُ كتابَه هذا بالحديثِ عنِ الأدلَّةِ الشَّرعيةِ التي تأتي السُّنَّةُ تاليةً فيه للكتابِ المبين، ثمَّ تحدَّثَ عن حُجَّيَّةِ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ، وأنَّها تستقلُّ بالتَّشريعِ، وذلك منْ خلالِ سَوْقِ الأدلَّةِ الواضحةِ، والبراهينِ السَّاطعةِ بالمنقولِ والمعقولِ، ولمْ يغفلِ الشَّيخُ في كتابِه هذا الاستشهادَ بكلامِ علماءِ أصولِ الفقهِ  بجانبِ أقوالِ المحدِّثين،  فترى تقريراتِ  المؤلِّفِ تصلُ الفقهَ بالحديثِ، والرِّوايةَ بالدِّرايةِ، وذلكَ بأسلوبٍ سهلٍ، وعبارةٍ رائقةٍ، ثمَّ عرج الشَّيخُ إلى تلكَ المقولاتِ الظَّالمةِ للسُّنَّةِ، الَّتي أثارَتْ حولَها الشُّبهاتِ، فقامَ بالرَّدِّ على الطَّاعنين في كتابةِ السُّنَّةِ المطهَّرةِ؛ مُبيِّنًا وجهَ الجمعِ بينَ أدلَّةِ المنعِ والإباحةِ، بطريقةٍ علميَّةٍ منهجيَّةٍ بقوَّةِ الطَّرحِ، وإيرادِ الحججِ ، وذَكَرَ المصادرَ المطبوعةَ والمخطوطةَ.

ثم تحدَّثَ المؤلف عن بيتِ القصيدِ -وهو الإمامُ البخاريُّ- فعرَّفَنا بشمائلِه الزَّكيَّةِ، ومسيرتِه العلميَّةِ، واشتملَتْ على عيونٍ منْ فرائدِ النُّقولِ حولَ تكوينِه العلميِّ ورحلاتِه في طلبِ العلمِ وتعليمِه،  ثمَّ تحدَّثَ عنْ مزايا الجامعِ الصَّحيحِ، واستنباطاتِ البخاريِّ في جامعِه الصَّحيحِ، ثمَّ تحدَّثَ عنْ عنايةِ العلماءِ بصحيحِ البخاريِّ منْ مؤلَّفاتٍ ومصنَّفاتٍ، وقدْ أسعفَه في ذلك سَعَةُ اطِّلاعِه حيثُ حشدَ مِنَ الكتبِ المطبوعةِ والمخطوطةِ ما لا تجدُه في غيرِه منَ الكتبِ؛ فقد كانَتْ لدى المؤلِّفِ مكتبةٌ شخصيةٌ علميةٌ مرموقةٌ تُعدُّ منْ أفرادِ دورِ العِلْمِ في العالمِ الإسلاميِّ،  ساهمَتْ في إثراءِ كتابِه هذا بالنُّقولِ العزيزةِ، والفرائدِ النَّادرةِ، فالكتابُ مَعْلمةٌ بحقٍّ عنِ الإمامِ البخاريِّ، جمعَ صاحبُه فيه بينَ دقائقِ الأصولِ وصحيحِ المنقولِ.

وعن عناية المسلمين بالجامع الصحيح، واهتمامهم به، يذكر المؤلف أنه ليس من المبالغة في شيء إذا قلنا: إنَّ المسلمين - على اختلاف طبقاتهم، وتباين مذاهبهم - لم يعنوا بكتاب بعد كتاب الله عنايتهم بصحيح البخاري من حيث السماع والرواية، والضبط والكتابة، وشرح أحاديثه، وتبيين رجاله، واختصاره وتجريد أسانيده.

ويشارك الأزهر الشريف -للعام التاسع على التوالي- بجناحٍ خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56 وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبنَّاه طيلة أكثر من ألف عام.

ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.

 

مقالات مشابهة

  • حكم قول بلى بعد قراءة أليس الله بأحكم الحاكمين.. الإفتاء ترد
  • تنسيقية الرزيقي ومركز عنقرة -الصحافة والسياسة!
  • عبد الصادق يعلن تدشين جامعة القاهرة "قاموس القاهرة العصري للشباب العربي"
  • مسلسل “فهد البطل”.. Watch It تكشف عن شخصية “نادر” التي يجسدها حمزة العيلي
  • في كسروان.. اندلاع حريق كبير في منزل شخصية دينية
  • معنى الظلم في (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
  • أهكذا تحييون ذكرى الإمام الكاظم ؟
  • مسلسلات رمضان 2025.. شخصية صلاح عبد الله في «وتقابل حبيب» | صورة
  • ندوة بجناح الأزهر للتعريف بـ «الإمام البخاري وصحيحه»
  • شخصية سعودية ستزور لبنان