الإمام الصادق المهدي: انحنا ما سحاسيح
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
(كان لمثل هذا اليوم من كل عام جمال الاحتفال بميلاد الإمام الصادق المهدي. وأخلا الموت يدنا من وقفة سنية في تكريم العمر في ثقافة تمر السنين عفواً على رجالها ونسائها. وأزعجني دائماً التربص بأقوال فصيحة منه تقع على آذان صماء من فرط ما تراكمت عليها لغة "صرف البركاوي" التي سادت فينا عقوداً. وكنت علقت يوماً على واقعة من هذا التربص جاء فيها الإمام بكلمة "سحاسيح".
انشغل بعض الناس بلياقة استخدام السيد الصادق المهدي لكلمة "سحاسيح" في نفي الشباب والدعة عن ذريته. وهما مما يجلب المفسدة في قول الشاعر. وقد صدق عندي. فما عرفت إلى يومنا هذا من في ملكة السيدة رباح الصادق في النفاذ الي المسألة والإحاطة بها من وجوهها وقرونها. وانشغلت مع ذلك بوجه آخر من مسالة سحاسيح. فقد بدا لي الإمام منها ابناً مخلصاً لجيل الخمسينات الذي سار فيه مصطلح "سحسوح" أو ساد. وربما أراح الصادق نفسه من عناء التفهيم لو قال بحكم الوقت إن أولادي ما حناكيش. وربما لم يكن المفهومان متطابقين ولكنهما قريبان في المعني العام.
وجد مصطلح سحسوح أفضل تعبير له في شخصية سحسوح الكاريكاتيرية التي اخترعها عمر الأمين شبر على صفحات مجلة "الحياة". وهي مجلة صدرت عن دار الأيام في نحو 1957 وحررها الأستاذ محجوب محمد صالح. وكان شبر حديث التخرج من كلية الفنون الجميلة بالمعهد الفني (كَي تي آي) الذي هو أساس جامعة السودان للتكنولجيا. وقد تلقينا منه درساً حياً عن سحسوح في عام 1957 ونحن في الصف الثاني من مدرسة عطبرة الثانوية. فقد زار شبر أهله في حلة المقرن وعرج على المدرسة يزور وداعة عابدين أستاذ الفنون بالمدرسة ويلتقي بأخيه ابوبكر شبر دفعتي وقسيمي في كتابة القصة القصيرة. وكان لوداعة زوار من الموهوبين. فقد زاره فيما أذكر بلبل المنلوجست المشهور أيامها. ونظمنا له حفلاً أمتعنا للغاية وخاصة بمنلوجه "سألوني عن المتنبي فأجبت بأن المتنبي كان في المهدية كهربجي" أو "لا تَمْحنا ولا تبلينا من شر سكك حديدك فينا" تلك التي يقال إنك كنت تضبط ساعتك عليها. يا للنوستالجيا.
انتهز وداعة فرصة حضور شبر وقدمه لنا في حصة الفنون. وأتجه شبر الي السبورة ورسم لنا صورة سحسوح. ثم واصل ورسم لنا شخصية "استيف" وهي عكس سحسوح لها عضل وفيها عنف. ولم تبرح ذاكرتي أبداً يد شبر الماهرة تستنزف الطباشيرة وتستنطق السبورة سحسوحاً واستيفاً. وربما أرد تعلقي بفن الكاريكاتير ردحاً من الزمن الي تلك الزيارة لشبر.
سيكون من متع الذهن أن ندرس البيئة الاجتماعية والثقافية التي ولدت لنا شخصية سحسوح في زمانها ومكانها في حد ذاتها وفي مقابل شخصية إستيف. فسحسوح في كل رسوم شبر على صورة أفندي انطبعت فيه بالتمام صورة ميوعة الأفندية المتوراثة للبسهم المنطلون، والقميص المكفكف مما يظهر ليون الذراع، وحلاقتهم الكاري، ولبس الساعة، وممارستهم عملاً غير يدوي للعيش. وكان الأفندية قد ابتعدوا عن العمل النقابي في أول الأمر. ولعمال عطبرة حكايات طريفة عن مظاهرة متخيلة لأفندية الهتاف فيها مائع تلويحاً بالمناديل. وقد استعارت صورة السحسوح تسريحة إبراهيم عوض التي "يخنفس" فيها شعره ويفرقه فيسيل الحسن منه. وقد سبت الشباب وأوغرت عليه صدور قوم محافظين.
ولو نظرنا لظرف صدور شخصية سحسوح فقد كان زمان بداية الاستقلال الذي ورث فيه سودانيون نعيم الإنجليز وأصبح بوسعهم تخميج اولادهم وبناتهم. كما قد يكشف التحليل ثقافة طاعمة طبعت العصر ولكنها من المصموت عليه. ويكفي دليلاً على ذلك الأغنية التي مبدأها "ياسحسوح جيناكا" التي يأتي فيها الفعل "يسحسح" بدلالة طاعمة دون شك. ولا ينصرف ذهننا الي مثل هذه الثقافة حين نقول حنكوش في أيامنا هذه. كما نقول الآن "حنكوشة" للبنت ولم نكن نقول "سحسوحة". فلربما كن هناك سحسوحات ولكن لم يرهن أحد في مدينة الخمسينات الظالمة لربات الخدور.
وسبق الإمام الصادق أستاذنا عبد الخالق محجوب إلى نفي السحسة عن رهطه في دفاعه إمام محكمة عسكرية في ١٩٥٩. فقال إن هناك من يرمي الشيوعيين بمفارقة التقاليد السودانية وهم سدنتها لأنهم فهموها في "حب الحرية والكرامة والصراحة والشهامة وفوق كل ذلك قولة الحق". واستنكر أن تغض الحكومة الطرف عن الانحلال الذي شاع في المدن لتتحفظ على الشيوعي متى عثروا على كتاب ماركسي بطرفه. فكأن لم يطرق أذنهم الغناء المائع بين الشباب: يا أستاذ، بالقزاز، وفي الدروس ما فيش ممتاز، والل يجينا نصيبو عكاز، ويا سحسوح جينكا.
وهذا من فتح السيد الصادق علينا رحمه الله.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
تفاصيل شخصية محمد سعد في فيلم الدشاش.. أزمة تقلب حياته رأسا على عقب
أيام قليلة تفصل الجمهور عن العودة القوية للفنان محمد سعد إلى شاشة السينما بعد غياب استمر لأكثر من خمس سنوات، ويعود «سعد» بفيلم «الدشاش» الذي يحمل طابعًا مختلفًا عن أعماله السابقة، حيث يتخلى عن عباءة الكوميديا المعتادة، ليقدم شخصية جديدة تكشف عن جوانب مختلفة من قدراته التمثيلية، وفق ما ظهر في البوسترات الرسمية التي طُرحت مؤخرًا.
شخص حليق الرأس يتواجد في ملهى ليلى، يدخل في عداوات عديدة ولا يخشى أحد، ولكنه يتعرض لأزمة تقلب حياته رأسا على عقب ويتحول بسببها إلى شخص آخر، تعتبر تلك الملامح الأولى لشخصية الدشاش التي يقدمها الفنان محمد سعد في فيلم بنفس الاسم من تأليف جوزيف فوزي وإخراج سامح عبد العزيز، ويضم في بطولته مجموعة كبيرة من نجوم السينما المصرية باسم سمرة، خالد الصاوي، زينة، نسرين أمين، أحمد الرافعي، نسرين طافش ومريم الجندي.
محمد سعد يكشف سبب غيابه عن السينما 5 سنواتسنوات عديدة استغرقها الفنان محمد سعد حتى استقر على فيلم الدشاش ليكون عنوان عودته إلى السينما، وهو الأمر الذي كشفه في لقاء سابق تحدث خلاله عن سبب غيابه عن السينما منذ عام 2019 الذي قدم فيه فيلمي «محمد حسن»، و«الكنز 2»، قائلا إنه بالرغم من عرض أفكار جيدة عليه ولكنه يفضل التأني في الاختيار بسبب ما وصفه بـ«البصمة» التي قدمها في فيلم الكنز بجزأيه مع الكاتب عبد الرحيم كمال والمخرج شريف عرفة، لذلك يجب أن تكون العودة على نفس المستوى وتليق بالجمهور الذي ينتظره.
الدشاش يجمع محمد سعد وسامح عبد العزيز للمرة الثالثةويعتبر التعاون بين محمد سعد والمخرج سامح عبد العزيز في فيلم الدشاش هو الثالث، بعد تعاونها الأول في فيلم تتح عام 2013، ومن بعده مسلسل «فيفا أطاطا» في موسم الدراما الرمضانية 2014، بالإضافة إلى برنامج «وش السعد» اللذان قدماه معا في عام 2016.