الاقتصاد الإسلامي والأمن الغذائي
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
ديسمبر 25, 2023آخر تحديث: ديسمبر 25, 2023
الدكتور محمود عبد العال فراج
ظلت قضية الفقر وعدم كفاية الغذاء في العالم واحدة من أهم المشاكل التي واجهت العالم والبشرية على مدى عصور طويلة. ذلك، ولا زلنا نذكر موجات المجاعة التي ضربت العديد من أنحاء العالم في فترات سابقة، وكيف تضامن العالم مع القارة الأفريقية تحديداً في منتصف الثمانينات عندما ضربت المجاعة وبقوة بلاد شرق ووسط افريقيا، كما لا زلنا نستحضر ما سببته الحروب والصراعات الدموية والكوارث الطبيعية التي حدثت في أصقاع العالم المختلفة من نقص حاد في الغذاء في تلك الفترة، وما نراه من تحذيرات من منظمة الأمم المتحدة والمنظمات العالمية والإقليمية وتحذيراتها عن مشاكل الجوع والفقر ونقص التغذية بسبب عدم وجود مخزون كافٍ من الغذاء في تلك المناطق ودعواتها المتكررة إلى ضرورة الاهتمام بقضايا الأمن الغذائي والجوع والفقر في العالم ، فالفقر والجوع كانا من أهم المشكلات والتحديات التي واجهتها البشرية على مدى أزمان وعصور متعددة، وكان ناتج تلك التحديات اهتمام القادة والشعوب بقضية تأمين الغذاء والأمن الغذائي لأنها تعتبر قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية لها دلالات عميقة، كما أن لها تأصيلًا دينيًا كما جاء في قوله تعالى (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِير)ٌ الآية رقم (65) سورة يوسف، وجاء تفسير كلمة “نمير” ضمن السياق أنها والقول على لسان إخوة يوسف: إننا نطلب لأهلنا طعامًا فنشتريه لهم أي إنه بمنزلة تأمين مخزون استراتيجي لأهل قبيلتهم أو كما يقال أيضاً ” مارَ فلانٌ أهلهَ يميرهم مَيْرًا “،أي إنه أمن غذاءهم ، وكذلك قول الشاعر:
بَعَثْتُــكَ مَــائِرًا فَمَكَــثْتَ حَـوْلا
مَتَــى يَــأْتِي غِيَـاثُكَ مَـنْ تُغِيـثُ
إن تعريف الأمن الغذائي بحسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) أنه توفير الغذاء ﻟﺠﻤﻴﻊ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﻜﻤﻴﺔ والنوعية اﻟﻼزﻣﺘﻴﻦ ﻟﻠﻮﻓﺎء ﺑﺎﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﻢ بصورة مستمرة ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻴﺎة ﺻﺤﻴﺔ ، أي إنه يشير إلى حالة توفر كميات كافية ومستدامة من الطعام الصحي والمغذي لضمان تلبية الاحتياجات الغذائية اليومية، ويعتمد هذا المفهوم والاصطلاح على عوامل متعددة منها إنتاج الطعام، وتوزيعه، وكيفية وصوله إلى الأفراد، وقدرتهم على تحمل تكلفته، وهو يعتبر هدفاً مهماً للدول والمنظمات الدولية على اختلافها لضمان تغذية صحية للسكان، والحد من الجوع والفقر الغذائي، فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، ارتفعت معدلات الفقر في البلدان الفقيرة، حيث بلغ عدد الأفراد الإضافيين الذين يعيشون على أقل من 3.
إن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب مجموعة من الجهود والتدابير التي يمكن تلخيصها في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين إدارة الموارد الطبيعية من خلال الحفاظ على التربة والمياه والموارد الطبيعية الأخرى التي تلعب دوراً مهماً في تحقيق ذلك الهدف ، إضافة إلى أن تعزيز البنية التحتية للزراعة وتحسين البنية التحتية الريفية والنقل والتخزين يمكن أن يزيد من كفاءة إنتاج وتوزيع الطعام، فضلًا عن تحسين التغذية والوعي الغذائي: توعية الناس بأهمية التغذية السليمة وتحسين السلوكيات الغذائية يمكن أن يقلل من نسبة سوء التغذية ، كما يجب تنفيذ سياسات لمكافحة الفقر وتنظيم الأسعار ومكافحة التضخم أضف إلى ذلك أن التعاون بين الدول والمنظمات الدولية يلعب دوراً حاسماً في تحقيق الأمن الغذائي على مستوى عالمي.
وإضافة إلى ما ذكر، فإن الأمر يتطلب أيضاً تنفيذ استراتيجيات متعددة ومتكاملة للتعامل مع تحديات الأمن الغذائي على المستوى العالمي والمحلي من خلال زيادة وتنويع الإنتاج الزراعي وتحسين التكنولوجيا الزراعية وكذلك تحسين الإدارة المستدامة وكذلك دعم البحث والتطوير في مجال الزراعة وتطوير أصناف جديدة وتقنيات فعالة وتحسين نظم التخزين والتوزيع وتوفير التعليم والتدريب للمزارعين حول أفضل الممارسات في الزراعة وإدارة المزارع وكذلك توجيه الدعم المالي والموارد للمناطق والفئات الأكثر احتياجاً إضافة إلى مراقبة ومكافحة الأمراض التي تؤثر في النباتات والحيوانات الزراعية ، ويختلف تنفيذ هذه الاستراتيجيات بناء على ظروف الدولة المعنية التي قد تحتاج إلى تطبيق واحدة من تلك الاستراتيجيات أو تطبيقها جميعًا أو مجموعة منها، وهو أمر يتوقف على مقدرات الدولة وظروفها الاقتصادية وتعاون مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع للتجاوب مع خطة العمل التي تنوي الدولة تنفيذها في سبيل تحقيق هدف الأمن الغذائي، وكما اسلفنا فإن الدين الإسلامي يولي مسائل الأمن الغذائي اهتمامًا كبيرًا، ويشجع على مبادئ وأسس تعزز من تحقيق هذا الأمن من خلال حفظ الغذاء وتجنب الفاقد وهدر الطعام والمبالغة والإسراف فيه ، كما أن الإسلام يشجع على توزيع الثروة بشكل عادل والمساهمة في تلبية احتياجات الفقراء والمحتاجين، بما في ذلك الغذاء ويشجع على التصدق ومساعدة المحتاجين ويعزز من الأخلاق والسلوك الغذائي الصحي، ويحث على تجنب الإسراف في تناول الطعام والالتزام بتناول الأطعمة النقية والصحية ويشجع على التجارة العادلة ويدين الاحتكار والاحتكار غير الأخلاقي للطعام، و الإسلام يعترف بأهمية الزراعة والإنتاج الغذائي ويشجع على تطوير هذه القطاعات بشكل يضمن توفير الغذاء للجميع بشكل عام، و يمكن القول إن الإسلام يشجع على مفهوم الأمن الغذائي ويعزز من المساهمة الإيجابية في تلبية احتياجات الغذاء للأفراد والمجتمعات.
إن الاقتصاد الإسلامي يتميز بمبادئ وأسس خاصة تعتبر مهمة في تحقيق الأمن الغذائي، حيث يشجع على تبني العدالة الاقتصادية فالاقتصاد الإسلامي يحث على توزيع الثروة بشكل عادل، ما يعني توفير فرص متساوية للجميع للمشاركة في الاقتصاد، وهذا من شأنه أن يعزز الوصول إلى الغذاء ويقلل من الفقر والعوز إضافة إلى أن الاقتصاد الإسلامي يشجع على التضامن الاجتماعي والمساعدة المتبادلة بين الأفراد والمجتمعات، ويمكن أن يكون ذلك مفيدًا في مساعدة الأشخاص الذين يعانون نقص الغذاء إضافة إلى انه يشجع على المشاركة الفعالة للأفراد والجماعات في عمليات الاقتصاد، وهذا يمكن أن يشجع على تطوير الزراعة المحلية وتعزيز إنتاج الطعام كما انه يؤكد على المسؤولية البيئية وحماية الموارد الطبيعية، وهذا يساهم في الحفاظ على التربة والمياه والنباتات والحيوانات التي تلعب دورًا حاسمًا في الإنتاج الغذائي كما أن الاقتصاد الإسلامي يتبني قضية عدالة التجارة، حيث يشجع الاقتصاد الإسلامي على التجارة العادلة والعلاقات التجارية النزيهة وهذا من شأنه المساهمة في توزيع الغذاء بشكل أكثر عدالة في الأسواق العالمية.
على الرغم من أن هذه المبادئ تلعب دورًا مهمًا في تحقيق الأمن الغذائي في الاقتصاد الإسلامي، فإن النجاح يعتمد على تنفيذها بفعالية من خلال سياسات حكومية واقتصادية مناسبة وتعاون دولي.
830 مليون جائع في العالم:
تمثِّل مشكلة الفقر واحدةً من أهم وأخطر المشكلات التي تُواجه البشر، فحسب تعريف الأمم المتحدة للفقر يعيش حوالي نصف سكان العالم – أي: حوالي ثلاثة مليارات نسمة تحت خط الفقر، وهم الذين يَحصلون على أقل من دولارَين يوميًّا، كما أن ما يزيد على مليار شخص مِن بين هؤلاء يقلُّ دخلهم اليومي عن دولار واحد، وتشير إحصاءات منظَّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” إلى أن 830 مليون شخص – أي: ما يوازي 14% من جملة سكان العالم – انحدرت أحوالهم في السنوات الأخيرة من الفقر إلى الجوع والمرض بسبب غول العَولَمة وقِلَّة المساعدات الدولية ، فأين دور الاقتصاد الإسلامي في هذا؟ وما هي الأدوات المالية الإسلامية التي يمكن ان تساهم في التخفيف من حدة الفقر في العالم؟
الإجابة بكل وضوح أن الدين الإسلامي يحث ويحمل الجميع أفراداً ودول مسؤولية الخروج من قضية الفقر والجوع لأنها مسئولية مجتمعية جماعية وليست مشكلة خاصة ، لذا نجد ان تعاليم الإسلام تنص ان تتكفل المجتمعات الإسلامية بحياة حرة شريفة لأفرادها ، فلا يضيع فقير لفَقرِه، ولا تُهدر كرامة مسكين لبُؤسه، ولا يهلك جائع لفاقته وغيره شبعان ، ومن هنا كانت الزكاة في الإسلام ركيزة من ركائزه، وعمادًا من عمُدِه التي بيَّنها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((بُني الإسلام على خمس؛ على أن يوحَّد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج)).
وحينما فرَضَ الإسلام الزكاة لم يكن بذلك جائرًا على الأغنياء أو متحيِّزًا إلى الفقراء، بل أمر بها لبناء مجتمع سليم، يشعر فيه الغني بأخيه الفقير فيُطعمه من ماله، ويَكفيه مؤونة الجوع والتشرُّد، فينال بذلك الثمار في ماله: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39]، ويَنال الغنيُّ بذلك المثوبة من الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110].
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: تحقیق الأمن الغذائی الاقتصاد الإسلامی الأمم المتحدة إضافة إلى ویشجع على فی العالم فی تحقیق یشجع على یمکن أن على مدى من خلال التی ت کما أن
إقرأ أيضاً:
النائب حازم الجندي: مشاركة مصر بقمة العشرين تؤكد دورها الريادي لتعزيز الأمن الغذائي العالمي
قال النائب المهندس حازم الجندي، عضو اللجنة العامة بمجلس الشيوخ، وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الجلسة الأولى لقمة مجموعة العشرين، استعرضت الجهود المصرية المبذولة من اجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتؤكد التزامها بدورها الإقليمي والدولي.
وأكد الجندي، في بيان له، أن الرئيس عبد الفتاح السيسى تناول في كلمته التحديات الكبرى التي تواجه العالم اليوم، مثل تفاقم الصراعات، وتزايد الفجوات التنموية، ونقص التمويل، ومعضلة الديون التي تثقل كاهل الدول النامية، كما لفت الانتباه إلى عدم الوفاء بالتزامات تمويل التنمية والمناخ، وهو ما يشير إلى الحاجة الملحة لإعادة النظر في النهج الدولي الحالي.
ولفت النائب حازم الجندي أن الدعوة إلى حشد الإرادة السياسية وتجديد الالتزام بأهداف التنمية المستدامة تأتي في وقت تحتاج فيه المجتمعات إلى حلول مبتكرة لتحقيق هذه الأهداف، مع ضرورة التركيز على شراكات عادلة بين الدول النامية والمتقدمة.
وأشار أن مصر، كما أوضح الرئيس، ترى أن مكافحة الجوع والفقر وتحقيق التنمية المستدامة لن يتم إلا من خلال شراكات دولية تقوم على توفير التمويل الميسر ونقل التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهذا الطرح يعكس رؤية مصرية متقدمة تسعى إلى الاستفادة من التطورات التكنولوجية لتسريع عجلة التنمية، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية تحقيق الأمن الغذائي كعنصر رئيسي في مواجهة تحديات الجوع والفقر.
وأضاف عضو مجلس الشيوخ، أن الدعوة إلى تدشين مركز عالمي لتخزين وتوزيع الحبوب على أرض مصر تعكس طموحًا كبيرًا في أن تكون القاهرة لاعبًا أساسيًا في تعزيز الأمن الغذائي العالمي، مستندة إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي وقدراتها اللوجستية.