أعربت دول غربية عدة عن قلقها إزاء "المخالفات" المبلغ عنها في هذه الانتخابات، كما ندد فريق من المراقبين الدوليين، بينهم ممثلون عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بتجاوزات تشمل "شراء الأصوات" و"حشو صناديق الاقتراع".

اعلان

تعهدت زعيمة المعارضة الصربية مارينيكا تيبيتش بمواصلة إضرابها عن الطعام داخل مبنى البرلمان، الذي بدأته قبيل أسبوع احتجاجا على "تزوير الانتخابات" على حد زعمها.

وتطالب السيدة البالغة 49 عاما بإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية والمحلية التي أُجريت في صربيا في 17 كانون الأول/ديسمبر وحقق فيها حزب الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش فوزا كبيرا.

وتيبيتش ليست وحدها، وإنما هي واحدة من سبعة أشخاص في معسكر المعارضة الرئيسي، المنضوي تحت شعار "صربيا ضد العنف" بدأوا إضرابا عن الطعام احتجاجا على النتائج.

وأعربت دول غربية عدة عن قلقها إزاء "المخالفات" المبلغ عنها في هذه الانتخابات، كما ندد فريق من المراقبين الدوليين، بينهم ممثلون عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بتجاوزات تشمل "شراء الأصوات" و"حشو صناديق الاقتراع".

ومنذ السبت، تتلقى تيبيتش سوائل عن طريق الوريد يوميا، لكنها ترفض تناول الطعام. وقالت لوكالة فرانس "الأطباء... يحاولون الحفاظ على هذا الوضع لأطول فترة ممكنة، لأنه ليس لدي أي نية للاستسلام حتى يتم إلغاء الانتخابات المزورة".

ووصفت ألمانيا المخالفات المبلغ عنها بأنها "غير مقبولة" بالنسبة لدولة تأمل بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ودعت الولايات المتحدة بلغراد إلى معالجة "مخاوف" مراقبي الانتخابات، في حين قال الاتحاد الأوروبي إن "العملية الانتخابية بصربيا تتطلب تحسينا ملموسا ومزيدا من الإصلاح".

زعيمة المعارضة الصربية مارينيكا تيبيتشOLIVER BUNIC/AFP or licensors

وطلب الادعاء العام في صربيا السبت من الشرطة التحقيق في مزاعم التزوير. وقالت الشرطة الصربية الأحد إن إجمالي 344 شكوى قُدمت يوم الانتخابات، وتم العثور على عناصر "إجرامية" في 18 منها.

وشدد المراقبون الدوليون على مزاعم "تنظيم الحزب الحاكم نقل ناخبين يعيشون في الخارج بالحافلات للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية في بلغراد".

واتهمت تيبيتش الرئيس فوتشيتش بالإشراف على هذا المخطط. ولكن فوتشيتش نفى هذه الاتهامات، وخاصة تلك المتعلقة بمسألة نقل الناخبين من البوسنة المجاورة للإدلاء بأصواتهم، وحض نواب المعارضة على إيجاد طرق أخرى للاحتجاج. وأضاف عبر خطاب متلفز الأحد "أود أن أطلب من جميع المضربين عن الطعام عدم الاستمرار في ذلك ... يمكنهم تنظيم احتجاجات كل يوم. أنا معتاد على الاحتجاجات".

التوتر بين كوسوفو وصربيا يهدد محاولات ألمانيا لتقريب دول البلقانصربيا تجري انتخابات برلمانية ومحلية تشكل استفتاءً على حكم الرئيس الشعبوي فوتشيتش

لكن تيبيتش أكدت عزمها على الاستمرار وقالت "مرّ وقت طويل منذ أن استمعت إلى ما يقوله ألكسندر فوتشيتش، أو على الأقل منذ أخذته على محمل الجد، لأنه عندما يفتح فمه، فإنه ينتهك القانون ويخدع ويكذب ويشتري الوقت ويتلاعب".

وتعترف تيبيتش بأنها تدرك تماما عواقب أفعالها، قائلة "أحاول ألا أفكر في ذلك (الموت). لا أرى في ذلك تضحية. بل نضالا وطريقة تبقيني على قيد الحياة".

متظاهرون يقتحمون مبنى مجلس مدينة بلغرادDarko Vojinovic/Copyright 2023 The AP. All rights reserved

وفي سياق متصل، هاجم متظاهرون يعترضون على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في صربيا، الأحد مبنى بلدية بلغراد وحطموا نوافذ بالحجارة، قبل أن تتصدى لهم الشرطة.

وألقى المتظاهرون الحجارة والعصي والبيض على المبنى، ما أدى إلى تحطم نوافذ، وحاولوا دخوله عنوة لكن قوات الشرطة منعتهم. وانتشرت قوات الشرطة أمام المدخل الرئيسي لمبنى البلدية واستخدمت خصوصا رذاذ الفلفل. وبحلول الساعة العاشرة مساء بالتوقيت المحلي، تم تفريق المتظاهرين.

من جهته، أكد الرئيس ألكسندر فوتشيتش الذي فاز حزبه في الانتخابات التشريعية في 17 كانون الأول/ديسمبر، إصابة شرطيين "بجروح خطيرة" خلال التظاهرة وتوقيف أكثر من 35 شخصا.

ووصف الأحداث بأنها محاولة "للسيطرة بالقوة على مؤسسات الدولة"، مضيفا أن لديه "أدلة قوية" على أن "كل شيء كان معدا سلفا". وتابع فوتشيتش في تصريحات بثتها قناة "بينك تي في" الموالية للحكومة "لا يحق لأحد أن يدمر منزلنا، أو يدمر ممتلكات بلدنا ومواطنينا، أو أن يتسبب في إصابة شرطيينا بجروح خطيرة". وكان قد أكد قبلها أن السلطات "ستكون قادرة" على توقيف المسؤولين عن هذه الأحداث وتقديمهم للمحاكمة.

وأضاف عبر نفس القناة أن "هذه المشاهد مأسوية (...) لكن لا توجد ثورة جارية والمتظاهرون لن تكون لهم الغلبة".

ودعت وزارة الداخلية الصربية في بيان المتظاهرين إلى عدم اللجوء إلى العنف، مؤكدة أن ممثلي المعارضة قدموا "ضمانات بعدم وقوع مثل هذه الأحداث".

أثار الاقتراع انتقادات واسعة النطاق بعد أن دان فريق من المراقبين الدوليين حدوث عدد من "المخالفات"، من بينها "شراء أصوات".

اعلان

ويتظاهر المئات يوميا أمام مقر اللجنة الانتخابية الصربية فيما تتوالى الإدانات الدولية.

المصادر الإضافية • أ ف ب

شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية مقتل ثلاثة مهاجرين في إطلاق نار قرب الحدود بين صربيا والمجر خلال قمة البلقان.. الأوروبيون يحثون صربيا وكوسوفو على الحوار صربيا تعلن خفض عدد جنودها على الحدود مع كوسوفو إلى الوضع "الطبيعي" وواشنطن ترحب برلمان انتخابات احتجاجات صربيا- سياسة صربيا معارضة اعلانالاكثر قراءة تغطية مستمرة: أكثر من 60 قتيلًا بقصف إسرائيلي على مخيم المغازي في قطاع غزة دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل يساهم في عزل واشنطن دولياً رئيس شركة إنيوس جيم راتكليف يستحوذ على 25% من أسهم مانشستر يونايتد 13 قتيلاً على الأقل و39 جريحاً في انفجار مصنع لمعالجة النيكل في إندونيسيا حزن يلف بيت لحم.. رسالة من أهالي المدينة للعالم: أطفال غزة يستحقون أن يكونوا أحرارًا اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next تستمر التغطية| مقتل 70 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على مخيم المغازي في قطاع غزة يعرض الآن Next شاهد: غزة تستفيق على "50 غارة" إسرائيلية في صباح عيد الميلاد يعرض الآن Next شاهد: زينة وإضاءة أشجار في باريس احتفالًا بعيد الميلاد يعرض الآن Next شاهد: قداس عيد الميلاد على أنقاض كنيسة دمرها الزلزال في أنطاليا يعرض الآن Next شاهد: "ميلاد تحت الأنقاض".. زينة مختلفة في بيت لحم تضامنًا مع قطاع غزة

LoaderSearchابحث مفاتيح اليوم روسيا إسرائيل غزة فلاديمير بوتين عيد الميلاد حركة حماس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تركيا الضفة الغربية أعياد مسيحية فلسطين Themes My EuropeالعالمBusinessرياضةGreenNextسفرثقافةفيديوبرامج Servicesمباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Games Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعونا النشرة الإخبارية Copyright © euronews 2023 - العربية EnglishFrançaisDeutschItalianoEspañolPortuguêsРусскийTürkçeΕλληνικάMagyarفارسیالعربيةShqipRomânăქართულიбългарскиSrpskiLoaderSearch أهم الأخبار روسيا إسرائيل غزة فلاديمير بوتين عيد الميلاد حركة حماس My Europe العالم Business رياضة Green Next سفر ثقافة فيديو كل البرامج Here we grow: Spain Discover Türkiye Discover Sharjah From Qatar أزمة المناخ Destination Dubai Explore Azerbaijan مباشرالنشرة الإخباريةAll viewsنشرة الأخبارجدول زمني الطقسGames English Français Deutsch Italiano Español Português Русский Türkçe Ελληνικά Magyar فارسی العربية Shqip Română ქართული български Srpski

المصدر: euronews

كلمات دلالية: برلمان انتخابات احتجاجات صربيا سياسة صربيا معارضة روسيا إسرائيل غزة فلاديمير بوتين عيد الميلاد حركة حماس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تركيا الضفة الغربية فلسطين روسيا إسرائيل غزة فلاديمير بوتين عيد الميلاد حركة حماس یعرض الآن Next شاهد عید المیلاد عن الطعام فی صربیا

إقرأ أيضاً:

ماذا تفعل المعارضة في تونس؟

الطرف الآخر لمعادلة الحكم في تونس، إلى جانب سلطة الأمر الواقع للرئيس قيس سعيد ومنظومته، هو المنتظم السياسي، ويهمّنا منه جانبه المعارض؛ لأن جانبه المساند أو الموالي هو جزءٌ من منظومة الحكم حتى وإن اضطرته الظروف والسياقات لإظهار بعض النقد الذي لم يغيّر ولن يغيّر في المعادلة شيئًا.

كلّ العائلات السياسية المعارضة؛ (الإسلامية، اليسارية، الديمقراطية) أقدم من قيس سعيد وحكمه. كلّهم حضروا، بدرجات متفاوتة، في المحطات والمفاصل الكبرى للتاريخ السياسي والنضالي التونسي، منذ بداية دولة الاستقلال مع بورقيبة (1957)، إلى سقوط نظام بن علي وقيام ثورة الحرية والكرامة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 – 14 يناير/ كانون الثاني 2011، بينما غاب عنها كلّها قيس سعيد الذي كان قريبًا من منظومة حكم بن علي وناشطًًا في دوائرها، ومفتيًا قانونيًا لتعديل دستورها تحت طلب بن علي ورغبته في تمديد حكمه خارج الآجال الدستورية التي وضعها بن علي بنفسه وعلى مقاسه.

المعارضة والفرص المهدَرة

عرف المشهد السياسي التونسي بعد الثورة (2011) وإلى غاية الانقلاب على التجربة الديمقراطية في 25 يوليو/ تموز 2021 طفرة في عدد الأحزاب السياسية. ما يهمّنا من هذه الأحزاب فقط التي شاركت في الانتخابات التي انتظمت في عشرية الانتقال الديمقراطي وعددها ستة، هي التأسيسية في 2011 والتشريعية والرئاسية في 2014 و2019 والبلدية في 2018.

إعلان

لئن بقيت العائلات السياسية هي نفسها لم تتغيّر؛ (الإسلامية، اليسارية، الديمقراطية، القومية، الدستورية)، فقد غيّرت الثورة أحجامها وخريطتها وموازين القوة بينها، وهو ما ترجمته نتائج الانتخابات التي شهد الجميع بنزاهتها وديمقراطيتها وتمثيليتها، عندما كانت تشرف عليها هيئة مستقلة منتخبة من السلطة التشريعية، وتحت رقابة الملاحظين والمراقبين المحليين والدوليين.

فقد أثبتت كل المحطات الانتخابية تقريبًا زمن الانتقال الديمقراطي قوة العائلة الإسلامية؛ (الأولى في انتخابات 2011 و2019 التشريعية، و2018 البلدية، والثانية في تشريعيات 2014، والثالثة في الانتخابات الرئاسية 2019).

في مقابل ذلك، وباستثناء فوز نداء تونس؛ (خليط بين القديم وروافد يسارية ونقابية وغيرها معارضة لحركة النهضة) أولًا في تشريعيات ورئاسيات 2014، وإحراز حزب قلب تونس؛ (نفس تركيبة حزب نداء تونس ويمكن اعتباره وريثًا له) المرتبة الثانية في تشريعيات ورئاسيات 2019، فقد حافظت بقية العائلات السياسية؛ (اليسارية والقومية والديمقراطية) على أوزان ضعيفة نسبيًّا، تتقدم حينًا، وتتأخر حينًا آخر دون أن يمنعها ذلك من المشاركة في الحكم ولعب أدوار سياسية مؤثرة.

إلى جانب الاختلاف الواضح في الأحجام والأوزان الانتخابية، تميّزت الحالة الحزبية والسياسية في عشرية الانتقال الديمقراطي بخاصيات عديدة، كانت لها آثارها البيّنة على التجربة الديمقراطية، وتسرّب من خلالها الانقلاب.

فقد اتَّسمت الحالة الحزبية في عمومها بضعف ساهم في قيام مشهد سياسي فيه الكثير من الهشاشة؛ تسرّبت منه أجندات تعفين المشهد السياسي وخروجه عن وظائفه الأساسية في تعبئة المواطنين وإدماجهم في الشأن العام، وتقديم العروض السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمنافسة الديمقراطية في الانتخابات؛ لقيادة الحكم أو المشاركة فيه، أو معارضته على أساس جملة من القيم والمبادئ المشتركة.

إعلان

من الأسباب الرئيسية التي أنتجت مشهدًا حزبيًا وسياسيًا هشًا وهزيلًا بقي في عمومه على هامش سياق الانتقال الديمقراطي واستحقاقاته، يمكن أن نتوقف عند:

الفشل الانتخابي المتكرر للعديد من الأحزاب، ما حوّل مشروعها السياسي إلى مجرّد استثمار في خطاب الكراهية والصراع الصفري، وإستراتيجية لتعطيل مسار الانتقال الديمقراطي واستهداف الفاعلين فيه. ضعف البنى التنظيمية وانحسار التوزع الجغرافي والفئوي للعديد من الأحزاب جعل قدراتها محدودة في التعبئة والإقناع، والاستمرار في مشهد سياسي انتقالي متحرك. كثرة الانشقاقات على أساس خلافات تنظيمية حول التموقع وتوزيع النفوذ وبعيدًا عن الخلافات الفكرية العميقة التي تثري التجربة، وتستجيب للتحولات الكبرى في الواقع. لم تبقَ النهضة، أكبر الأحزاب السياسية وأقدمها وأكثرها تنظّمًا، في مأمن من الانقسام بعد أن استقال منها عدد غير قليل من القيادات والأعضاء منفردين أو مجتمعين، اتجه بعضهم إلى تكوين حزب سياسي منافس. غياب العروض السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجادة والجاذبة نتيجة انشغال الأحزاب في اليومي وفي الصراعات الجانبية، وفي المعارك الإعلامية المفتعلة، جعل الخطاب السياسي فاقدًا لجمل سياسية بنّاءة وبعيدًا عن واقع التونسيين ومطالبهم. ويبدو تواضع العروض السياسية والاقتصادية للأحزاب واضحًا في نتائج الانتخابات العامة التي شهدتها البلاد في 2014 و2019، مرورًا بالانتخابات المحلية في 2018 التي فاز المستقلون بأغلبية مقاعدها. ضدية حادة وصفرية تجاه حركة النهضة ومشروعها السياسي والمجتمعي تنبع من موقف أيديولوجي متصلب لا يعترف بالنهضة وبحقها في تمثيل جزء غير قليل من التونسيين، ويرفض التقارب معها ويسعى إلى عزلها واستئصالها وإقصائها من المشهد السياسي وإخراجها من الفضاء العام بعد تحميلها كل مساوئ المرحلة وغمط كل نجاحاتها. إعلان

إلى جانب كل ما تقدّم ذكره، يمكن إضافة سببين آخرين مهمّين من خارج المنظومة الحزبية يتعلّق الأول بقصور المنظومة القانونية المنظمة للأحزاب السياسية (المرسوم عدد 87 المؤرخ في سنة 2011)، وضعف التمويل العمومي لها حتى الفائزة منها في الانتخابات، ما حرم الأحزاب من أدوات وآليات تطوير بنيتها التنظيمية، وبلورة عرضها السياسي وضمان استقرارها وديمومتها ومساهمتها في بناء حالة حزبية متطورة، ومتجددة وجاذبة لقوى التغيير من الشباب والنساء والكفاءات. كان انخرام التوازن الحزبي لصالح النهضة وراء منع تمرير قانون تمويل الأحزاب؛ لأن النهضة كانت ستكون أكبر المستفيدين من ذلك.

ويتعلّق الأمر الثاني بالتدخل الخارجي للتأثير سلبًا في المشهد السياسي ومساراته منعًا للتجربة من النجاح ودعمًا للثورة المضادة ولعودة المنظومة القديمة. تبدو آثار هذا التدخل واضحة في برامج بعض الأحزاب السياسية وفي الخط التحريري لعدد من المؤسسات الإعلامية وفي مقايضة التونسيين بين التمسك بالثورة، وما قد يجلبه ذلك عليهم من أزمات وصلت إلى حدّ الإرهاب والاغتيال السياسي والاحتقان الاجتماعي، وبين التخلي عن الثورة مقابل الوعد بإغداق الأموال عليهم، وهو ما لم يحصل بعد الانقلاب.

توازن الضعف بين السلطة والمعارضة

ما نشاهده اليوم، بعد قرابة أربع سنوات من انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021، من ضعف المعارضة وتشتتها، رغم أن جميعها يعيش تحت سقف الانقلاب والاستبداد، دليل على أنها لا تزال تستصحب أثقالًا قديمة جعلت أغلبها أداة وظيفية، من حيث تدري أو لا تدري، من أدوات تعطيل الانتقال الديمقراطي، وفسح المجال واسعًا للانقلاب لإيقاف التجربة وتصفية إرثها.

رغم ما تعيشه السلطة من أزمات وما تواجهه من مخاطر لا تنفك تتعاظم، لم تقطع المعارضة أي خطوات مقدّرة تجعلها تغادر وضعها القديم وتنخرط في ديناميكية جديدة لبناء حالة سياسية جديدة تؤهّلها لمواجهة الانقلاب وتقرّبها لاستعادة حالة ديمقراطية خالية من أعطاب التجربة السابقة.

إعلان

ما يميّز المشهد السياسي العام في تونس هو توازن الضعف بين السلطة والمعارضة، وهي حالة قد تطول بذاتها أو بإرادة جهة أو جهات لها مصلحة في هذا الضعف المتبادل بين السلطة والمعارضة؛ لتمرير أجنداتها وخدمة مصالحها. عندها تكون المعارضة بصدد القيام بخطيئة ثانية هي المساهمة في إضعاف تونس وفتحها للتدخل الخارجي "المقنّع" حينًا والمفضوح حينًا آخر بعد أن ارتكب أغلبها خطيئته الأولى، وهي تعويق الانتقال الديمقراطي.

لا تزال أثقال الماضي مستحكمة في أغلب الطيف السياسي، ولا تزال الجملة السياسية لأغلب رموز وتيارات المعارضة عاجزة عن استيعاب التطورات وقاصرة عن اجتراح المواقف الوطنية الكبرى الجامعة رغم بعض "المبادرات" المحتشمة، ورغم ما وفّرته الانتخابات الرئاسية الأخيرة (أكتوبر/ تشرين الأول 2024) من فرص هامة للمعارضة للانطلاق في بناء أرضية سياسية جديدة تقطع مع الماضي.

الطريق إلى الديمقراطية

لا يختلف اثنان أن المعارضة في وضع التوقف أو في أحسن الحالات التقدم ببطء شديد لا تدركه العين المجردة، لا يمكن أن يفتح على المستقبل قريبًا. فخطّ سير المعارضة إن تواصل على ما هو عليه فإنه لا أفق واضحًا له والأرجح أنه سيظلّ يراوح مكانه، يستنزف أوقاتًا ثمينة وطاقات هائلة في معارك انتفت تقريبًا مبرراتها وانتهت مدّة صلاحيتها وتقلّصت دائرة المعنيين بها إلى حدود كبرى حتى إنها لم تعد تعني القطاع الأوسع من الشعب بل حتى من المنتسبين لجلّ أحزاب المعارضة وخاصة شبابها.

في المقابل، فإن الطريق إلى الديمقراطية واضحة وجلية، أوضحت ملامحها التجربة التونسية والتجارب المقارنة والشبيهة. الطريق إلى الديمقراطية طريق سريعة وسالكة، وأكثر أمانًا وأقل خطرًا؛ لأنها معبّدة بإسمنت مسلّح هو تركيب محكم ومتين بين مكونات عديدة لازمة منها:

الموقف من الديمقراطية موقف مبدئي غير قابل للتجزئة أو المساومة أو المقايضة؛ لأن بناء حالة ديمقراطية يستلزم ضرورة بناء ثقافة ديمقراطية ووجود ديمقراطيين يجتمعون حول فكرة ميثاق أو بيان أو عهد ديمقراطي معلن وملزم. الموقف من الحريات موقف مبدئي لا يتغيّر ولا يتحدّد بحسب لون الضحية وانتمائها السياسي أو الفكري. يمكن أن يكون باب الحقوق والحريات في دستور الثورة (2014) أرضية جامعة يلتقي عليها الجميع بطريقة صريحة ومعلنة، خاصة أنه جاء بطريقة توافقية بعد مسار طويل وواسع من التداول السياسي والمدني. التصدّي لأجندات التعفين السياسي والممارسات السياسية الطفيلية بوضع التشريعات اللازمة لمنع ذلك ومحاسبة من يحاول تلويث الحياة العامة والسياسية وترذيل الديمقراطية والالتفاف عليها وتمجيد الاستبداد. التنافس في تقديم العروض السياسية عبر خطاب سياسي بنّاء يتمحور حول الوطن والمواطن من خلال تقديم أفكار ومشاريع بعيدًا عن استهداف الأشخاص أو الكيانات. الاعتراف المتبادل بين الجميع على أساس المواطنة والحق في التنظم والتعبير والالتزام الجماعي؛ لبناء مقومات العيش المشترك بين كل التعبيرات السياسية على اختلافها. مدنية الدولة وسلمية التداول على السلطة عبر انتخابات حرة، نزيهة وشفافة وتعدّدية تنظمها وتشرف عليها هيئة مستقلة تحت رقابة المجتمع المدني. القبول بنتائج الصندوق وحق الفائز في تولي السلطة وإدارة الحكم بكل أدواته كما حق الآخرين في المعارضة والمنافسة. الديمقراطية الحزبية التي تسمح بالتداول القيادي بين الأجيال وتجديد الأفكار وتغذية المشهد السياسي العام بقوى جديدة، فالديمقراطية لا تبنيها إلا أحزاب ديمقراطية. إعلان

كما تبدو طريق الديمقراطية خالية من الحواجز المانعة للتقدم والذهاب بعيدًا من أجل استعادة الديمقراطية. من هذه الحواجز:

التنافي والإقصاء والصراعات الصفرية بين مختلف الفاعليين السياسيين مهما كانت درجة الاختلاف معهم في الخلفية الفكرية أو في الخيارات والعروض. الصراع على أساس الهوية باعتبار أن دستور الثورة (2014) قد حسمه وثبّت أن تونس دولة عربية دينها الإسلام، كما ثبّت حرية المعتقد وحرية الضمير وملّك المجتمع المدني الأدوات التي تجعل من تونس مجتمعًا آمنًا، منسجمًا يدير اختلافاته بالقانون بعيدًا عن هيمنة الدولة أو أي طرف آخر. التداخل بين الفضاءات المختلفة، كالتداخل بين السياسي والمدني والسياسي والديني والسياسي والمالي اعتبارًا لكل فضاء طبيعته وأدواره، وأن كل الفضاءات تتكامل في خدمة المصلحة الوطنية كل من مجاله وضمن حدوده بعيدًا عن التوظيف والتمترس. العلاقة بالخارج وخاصة الدول والدوائر المشبوهة لخدمة أجندات ضد المصالح العليا لتونس. علاقات الأحزاب السياسية لا تكون إلا مع أحزاب سياسية ديمقراطية، أو مع هيئات مدنية دولية تعمل في مجالات تستفيد منها تونس دون تدخل في قراراتها أو تكييف لها. الإعلام المنحاز الفاقد لقواعد المهنية والحرفية المخترق بالمال السياسي من الداخل والخارج والذي تسرّب له أشخاص لا علاقة لهم بالعمل الإعلامي والصحفي المهني انتدبوا لتلويث المشهد الإعلامي وتعفين السياسي وترذيل العملية السياسية والسياسيين ونشر التفاهة وضرب الذائقة العامة.

ربّما تشتدّ قبضة السلطة على البلاد والعباد فيضيق مجال الحقوق والحريات أكثر مما هو ضيّق الآن إذا ما بقيت المعارضة حبيسة أقفاص الماضي وتحت أثقاله. لن تخرج المعارضة والبلاد من ضيق الاستبداد إلى سعة الحرية والديمقراطية إلا بإحداث نقلة نوعية وعميقة في الثقافة السياسية تقوم على ما ذكرنا أعلاه من نقاط.

إعلان

ومثلما أن التاريخ والذاكرة لن يسقطا ما قام به الانقلاب ولا يزال من كوارث تأخرت بتونس عقودًا إلى الوراء وصادرت مستقبلها، فإن التاريخ والذاكرة لن يعفيا أيضًا وربما بدرجة أكبر المعارضة من مسؤوليتها في التفويت في الثورة والانتقال الديمقراطي والوصول بالبلاد إلى الانقلاب، ومن مسؤوليتها أيضًا في إعادة تأهيل نفسها كما يجب لتقوم بما يلزم لإنقاذ تونس ووضعها من جديد على سكة الحرية والديمقراطية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ماذا تفعل المعارضة في تونس؟
  • الإدارة السورية تتعهد بإنهاء حكم الفرد.. ماذا قال الشيباني؟
  • واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
  • "أوبن أيه.آي" تتعهد بحرية التعبير في نماذجها للذكاء الاصطناعي
  • مجموعة السبع تتعهد بمواصلة العمل للتوصل إلى اتفاق سلام دائم في أوكرانيا
  • البرازيل تتعهد بالرد على الرسوم الجمركية الأميركية
  • جلالة السلطان يهنئ رئيس صربيا
  • إعلام إسرائيلي: المعارضة ستحصد 60 مقعدًا والائتلاف 50 إذا جرت الانتخابات الآن
  • إعلام عبري: 51% من الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو يهتم بالحفاظ على ائتلافه
  • إعلام إسرائيلي: المعارضة تحصل على 60 مقعدا والائتلاف على 50 لو أجريت الانتخابات الآن