أهذا هو المستقبل الذي كنا نحلم به ؟
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
آخر تحديث: 25 دجنبر 2023 - 9:47 صبقلم:كامل سلمان أحياناً ينتابني إحساس أن ما يحدث في العالم من فوضى وحروب وأوبئة ومجاعات وصراعات سياسية وتطرف وعنصرية في كل مكان ، كأنه حلم وليس حقيقة ، فليس من المعقول أن نرى هذا التطور العلمي الهائل يصاحبه هذا التخلف الاجتماعي والدمار الهائل . نقيضان يلتقيان على باب حياة الإنسان ، التطور والهلاك ، فكلما تفجر التطور التكنلوجي كلما تفجرت المهالك وأزدادت المتاعب .
بعد الحرب العالمية الثانية أتجهت المجتمعات التي أنهكتها هذه الحرب وخرجت تواً من مصائب الحرب وويلاتها ، أتجهت إلى الإعمار والبناء والتطور والأهتمام بالزراعة والصناعة والتربية والتعليم والتصالح بين الدول والشعوب وتفعيل دور المنظمات الدولية وحقوق الإنسان وإنهاء عصر الفصل العنصري الذي صنعته الثورة الصناعية في اوربا ، وقد توج نهاية الفصل العنصري بأطلاق سراح نيلسون مانديلا الزعيم الأفريقي الأسود وخروجه من السجن وإستلامه رئاسة دولة جنوب أفريقيا وإعلانه أمام العالم توجيه الضربة القاضية للتمييز العرقي في بقايا أركان الأرض ، فكل شيء في العالم كان يتجه نحو السلام والانفتاح وإنحسار الحروب وأنقراض أكثر الأمراض الوبائية، مثل السل والجدري والكوليرا وغيرها ، وكانت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وسيلة لمد الجسور بين مختلف دول العالم وتسابق نحو العلم ، وأستمر الحال حتى دخلنا الالفية الثالثة ، وياليتنا لم ندخلها ، دخلنها ونحن نادمون مصدومون مما يخفيه لنا القدر ، كل شيء انقلب رأس على عقب ، الحروب عادت من جديد في كل مكان من العالم ، الأوبئة عادت من جديد وبشكل مرعب والأمراض أخذت تفتك بالملايين ، امراض واؤبئة لم نسمع لها من قبل سميا ، العنصرية والكراهية عادت إلى أوج حالاتها ، ظهرت لنا حالات مصاصي الدماء الذين أختفوا في القرون الوسطى ، ظهروا لنا هؤلاء المصاصين بثوب جديد بثوب الدين ، وثوب الأحزاب السياسية العقائدية ، ظهروا إلى الوجود من جديد ، الحركات الدينية وصكوك الغفران ونزول رجال الدين إلى الساحات السياسية والساحات القتالية والساحات التجارية والتربوية والإعلامية كأنهم جراد منتشر ، عازمون على تصفية الحسابات التأريخية وأخذ الثأر لموتاهم قبل الاف السنين ، عادوا بعد أن تقوقعوا في دهاليز الظلام لأكثر من قرن من الزمان عادوا ليخرجوا إلى عالمنا بعد أن حل الظلام في هذا العالم ، يا إلهي ماذا يحدث ؟ كأن العالم أختار طريق العودة إلى الماضي السحيق ؟ هل هذه حقيقة أم حلم ؟ الجهل والتخلف والأمية والفقر أخذت تنتشر بشكل مخيف ، العنصرية أصبحت ظاهرة حياتية عند الشعوب والأقوام والديانات ، هل كل ذلك يحدث صدفة ؟ أم أننا لم ندرس المستقبل بشكل صحيح عندما كنا صغاراً ، وكان ظننا بأنا مدركون ولكن عقولنا مغطاة بالجهالة والسذاجة ؟ المستقبل دائماً يعني الأمل ، فكيف انقلب المستقبل إلى اليأس ؟ هل علينا أن لا نثق بشيء أسمه المستقبل بعد اليوم ؟ يبدو كذلك . ولماذا أصبح المستقبل الآن بهذا الشكل السيء ؟ قد يجد كل واحد منا أسباباً لما يحدث من سوء . الإنسان المؤمن بالمبادىء الدينية يذهب إلى الاعتقاد بأن انحراف الإنسان عن مبادىء الدين وابتعاده عن الله هو السبب وراء ما يصيب العالم من آلام . المثقف العلماني يذهب إلى الاعتقاد بأن الجهل والتخلف هو السبب وراء معاناتنا نحن البشر . المحلل السياسي يذهب إلى الاعتقاد بأن مصالح الدول والأفراد المصحوبة بالجشع هي السبب . بعض الفلاسفة يفسرون الأمور والأحوال السيئة بأنها نتائج الأخطاء التي ارتكبها الإنسان ، وبعضهم يعتقد بأن صراعات الاديان والقوميات والأفكار هي السبب . أنا أرى كل الاسباب التي تم ذكرها صحيحة ولكن السبب الاهم فوق كل الاسباب هو قدرة الأشرار الذين تلوثت سرائرهم في الأصلاب من إعتلاء سلم المسؤولية في كل مكان وأصبحوا يديرون شؤون الحياة ، وهؤلاء السيئون ساعدتهم ظروف المجتمعات الصعبة من فقر وفاقة وجهل مكنتهم من سرقة مواقع السلطة بدهائهم وجسارتهم وانعدام الرحمة في قلوبهم ، وكذلك ساعدتهم التكنلوجيا التي وقعت بأيديهم فعرفوا كيف يستثمرونها ، رجل الدين والواعظ الذي كان مجلسه لا يتعدى الحضور فيه العشرات من الاشخاص في افضل الاحوال ، أصبح يصغي اليه بل ويقدسه الملايين بفضل التكنلوجيا ، التاجر الذي كان يروج لبضاعته الجيدة من خلال الناس الطيبين المعدودين ، أصبح الآن يروج لبضاعته السيئة من خلال شركات الدجل الإعلانية ومن خلال النساء الجميلات فينبهر الناس فيصدقون الترويج . انظروا إلى معظم القادة والأحزاب في مختلف بقاع الارض ستجدونهم عبارة عن كتلة من الإجرام ، هؤلاء يتحكمون بدول وشعوب كبيرة ، هؤلاء أوجدوا مفهوماً جديداً لم يكن له وجود حتى عند أسوأ الأقوام في التأريخ ، مفهوم الإنسان المقدس ، ، هؤلاء السيئون يسعون لسن قوانين جديدة للحياة ، فإذا ما نجحت مساعيهم فأكتب على الدنيا السلام .
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
غزة… شخصية عام 2024
جرت العادة في نهاية كل عام أن تختار مجلة «تايم» الأمريكية ومطبوعات أخرى مثل «الفايننشال تايمز» البريطانية، ما يطلق عليه «شخصية العام»، على أساس عمق وانتشار تأثير هذه الشخصية في العالم، سواء بالخير أو بالشر. وكثيرا ما اختارت مجلة «تايم» منذ عام 1927 شخصية العام بما يتفق مع قيمة إنسانية عليا، وعطاء إنساني لفائدة البشرية.
ومع أنها اختارت في معظم الأحيان شخصيات أمريكية وغربية، فإنها في عدة مرات اختارت شخصيات تعبر عن تحولات في تاريخ المجتمعات، أو تاريخ الحضارة البشرية. المرة الأخيرة التي احتفلت فيها مجلة «تايم» بالتغيير في العالم كانت عام 2011 عندما اختارت صورة «المُحتَج» ليتصدر غلافها، تعبيرا عن انحيازها لحركة الاحتجاج التي اجتاحت العالم، من الربيع العربي في الشرق الأوسط إلى حركة «احتلوا وول ستريت» في الولايات المتحدة.
في العام الحالي جرى الاختيار من قائمة قصيرة ضمت ثلاثة أسماء هي كامالا هاريس، التي خسرت سباق الرئاسة الأمريكية، ودونالد ترامب الذي فاز بالسباق، وكان الثالث هو اسم مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، المتهم بقيادة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة.
وفي التصويت النهائي فاز دونالد ترامب، الذي لم يقدم للعالم خلال فترة رئاسته السابقة (2017 – 2021) غير صب الزيت على نيران الشعبوية القومية المتطرفة التي تهدد العالم، والاستهتار بالقانون، والعمل على تقويض النظام العالمي المتعدد الأطراف.
كما إنه في نهاية فترة رئاسته السابقة (يناير 2021) قاد عن بُعد محاولة بربرية قام بها أنصاره لاقتحام الكونغرس بالقوة، ومنع تنصيب الرئيس المنتخب.
وقال سام جاكوبز رئيس تحرير مجلة «تايم»، إن ترامب «سيعود إلى المكتب البيضاوي بنوايا واضحة: فرض الرسوم الجمركية على الواردات، وترحيل الملايين، وتهديد الصحافة. ووضع روبرت كينيدي الإبن المعادي للقاحات، مسؤولاً عن اللقاحات. وحرب محتملة مع إيران. أي شيء يمكن أن يحدث».
لم يقدم ترامب للعالم ولا يبشر في فترة رئاسته الجديدة بما يمكن الاحتفال به وتخليده، بل إن المكان الذي يليق به هو مزبلة السياسة والتاريخ. الأغرب من ذلك كان وجود اسم بنيامين نتنياهو، المتهم مع وزير دفاعه يوآف غالانت من قبل المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت أمرا بالقبض عليه الشهر الماضي.
كما قررت محكمة العدل الدولية أن سياساته ضد الفلسطينيين تمثل جرائم حرب، وطالبت بسحب قواته من غزة والضفة والقدس الشرقية، ووقف إقامة المستوطنات على الأرض المحتلة بعد 1967 باعتبارها غير قانونية.
عندما نتحدث عن غزة فإننا نتحدث عن أبرز وأهم تجليات المقاومة الفلسطينية في القرن الحالي، وهناك على أطلال غزة حيث قتلت إسرائيل في حرب إبادة الفلسطينيين أكثر من 50 ألفا من أهلها، وأصابت ما يقرب من 10 أضعاف هذا العدد، وهدمت أكثر من ثلاثة أرباع بناياتها، سينحني التاريخ إجلالا واحتراما لأرواح الشهداء، الذين تجاوزوا مرتبة الشهادة كما نعرفها. كما سينحني التاريخ أمام صمود الأحياء الذين لم تهزم إرادتهم القوة الوحشية الإسرائيلية.
غزة بصمودها تستحق أن تكون شخصية عام 2024
غزة بصمودها تستحق أن تكون شخصية عام 2024 بكل ما قدمته وما تزال تقدمه. غزة أسقطت قدرة إسرائيل على الردع، ونقلت الحرب إلى داخلها للمرة الأولى، وأعادت القضية الفلسطينية على المسار السياسي الهادف إلى إقامة دولة مستقلة غير منقوصة السيادة للشعب الفلسطيني.
صمود غزة هو أحد تجليات صمود الشعب الفلسطيني. هذا الصمود أكبر بكثير من الخلاف السياسي أو الأيديولوجي مع «حماس»، أو غيرها من منظمات المقاومة؛ فالدم الفلسطيني واحد لا يتجزأ، ولا يقبل التصنيفات السياسية والأيديولوجية. والأرض الفلسطينية المحتلة واحدة، يشارك في مسؤولية حمايتها وضمان السيادة عليها كل فلسطيني على قيد الحياة.
الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، قدم نموذجا ملهما لكل شعوب العالم، في الدفاع عن الحق والحرية والتضحية بأغلى ما يملك، من أجل إعلاء القيم الإنسانية النبيلة في التحرر، وتأكيد حق تقرير المصير والنضال من أجل إقامة دولة مستقلة غير منقوصة السيادة.
إن الموت في سبيل الحرية ليس غاية، وإنما تحقيق الحرية هو الغاية. والموت نتيجة التشبث بالأرض ليس غاية، وإنما الغاية هي تحرير الأرض وتطهيرها من الدنس.
إن ما تجسده المقاومة الفلسطينية يتجاوز حدود الانحيازات السياسية والأيديولوجية، ويسمو فوقها إلى تجسيد القيم الإنسانية العظمى التي قامت على أساسها وتطورت الحضارة البشرية. وتحاول أجهزة الدعاية الإسرائيلية بكل قوة تشويه السردية التاريخية التي تجسدها المقاومة في غزة، وتقديم سردية مزيفة تمهد الطريق إلى «شيطنة» الصمود الفلسطيني منذ أدرك الفلسطينيون حقيقة مخطط سلب وطنهم وإبادة هويتهم.
وتنطلق سردية إسرائيل لتزييف الحقائق من خمس فرضيات، يتم طرحها كمسلمات لا تخضع للمناقشة. الفرضية الأولى هي اعتبار أن تاريخ الصراع بدأ في 7 أكتوبر 2023، وتجاهل كل ما كان قبل ذلك، بما فيه حرب إسرائيل على المخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية في صيف العام نفسه. الفرضية الثانية تزعم أن إسرائيل ليست قوة احتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة بعد يونيو 1967، وأن هذه الأرض هي مناطق متنازع عليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتزعم أن «أرض إسرائيل» هي منحة تاريخية من «الرب» لكل يهود العالم.
الفرضية الثالثة تزعم أن إسرائيل تشن حربها على الفلسطينيين دفاعا عن النفس، وتعتبر أن ذلك حقها القانوني. الفرضية الرابعة تزعم أن الفلسطينيين إرهابيون، تعمل إسرائيل على التخلص من شرورهم التي تهدد العالم كله، وأن إسرائيل تتحمل ما تتحمله من أعباء الحرب نيابة عن العالم، وأنها تستحق الشكر على ذلك، وليس المساءلة أو المطاردة بقرارات دولية، مثل أمر القبض على رئيس الوزراء ووزير دفاعه السابق.
أما الفرضية الخامسة والأخيرة فتزعم أن إسرائيل تواجه ظلما تاريخيا بسبب تجذر ثقافة «معاداة السامية» في العالم. وعليه فإنها تتهم كل من لا يؤيدون سياسة العدوان على الفلسطينيين بأنهم معادون للسامية، وتطاردهم في كل مكان، حتى يتم فصلهم من وظائفهم أو طردهم من مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات.
عندما انفجرت الحرب عبر السور الذي يفصل غزة عن نقب فلسطين، عمدت إسرائيل إلى فصل هذه الحرب عن سياقها التاريخي، بما في ذلك حربها على الفلسطينيين التي تهدف إلى تهويد الضفة الغربية والقدس الشرقية، وزعمت أن يوم 7 أكتوبر 2023 هو تاريخ بداية الصراع في الشرق الأوسط، واعتبرها نتنياهو حربا ضد محور الشر والهمجية البربرية لصالح البشرية المتحضرة.
وشاع في الخطاب السياسي الإسرائيلي وصف «الحيوانات البشرية» على الفلسطينيين! ومع أن الرأي العام العالمي، خصوصا «الجيل زد» في عواصم العالم المختلفة وقف إلى جانب الفلسطينيين، فإن الإعلام الغربي الرسمي باستثناءات محدودة تبنى مفردات ومضمون الخطاب السياسي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وكأن الذئب هو الضحية والجلاد هو الحمل.
وراحت الولايات المتحدة وحلفاؤها والمتواطئون معها يعملون ليلا ونهارا على ترويج فكرة مفادها، أن إسرائيل هي الضحية، وأن من حقها أن تدافع عن نفسها، حتى إن كان ذلك خارج نطاق القانون الدولي، وانتهاكا لقواعده وأحكامه. الأكثر من ذلك أن أجهزة الإعلام الرسمي في الدول الغربية خضعت لقيود شديدة في تغطية الحرب على الجانب الفلسطيني.
لم تكن إسرائيل تسمح إلا بالتغطية من داخلها، ومنعت دخول الصحافيين الأجانب إلى غزة. وبعد أسابيع تم منع التغطية من الضفة الغربية المحتلة. وبعدما اتسع نطاق الحرب خارج غزة، تحولت أجهزة الإعلام عن أخبار الحرب الوحشية في غزة إلى أخبار الحرب على بيروت وجنوب لبنان. وانتقلت أخبار غزة إلى ذيل نشرات الأخبار.
كما تحولت تغطية ما يحدث في غزة للتركيز على إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، مع تجاهل ربط ذلك مع وقف الحرب. وكأن حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني قد طويت. وبعدما هرب الطاغية بشار الأسد من سوريا، أصبحت قصة سقوط الحكم في دمشق هي مركز الخطاب الإعلامي، الذي يتناول شؤون الشرق الأوسط.
وكأن حرب غزة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء لم تقع. هذا التجاهل من جانب أجهزة الإعلام الرسمي الخاضعة للنفوذ المباشر وغير المباشر للصهيونية الدينية المتطرفة في العالم، يخفي وراءه هلع الخوف من غزة العزة، التي ما تزال صامدة حتى اليوم، رغم عمق الجراح، ويتجلى في هذا الصمود إصرار شعب مظلوم على القتال من أجل حريته وحقه في تقرير المصير، الذي حرمته منه قوى الاستعمار والصهيونية العالمية منذ أكثر من 100 عام.
المقاومة واجب حتى يزول الاحتلال، ويحصل الشعب الفلسطيني على حقه في حريته وتقرير مصيره. وفي هذا فإن غزة تستحق لقب «شخصية العام».
القدس العربي