عندما قال كيسنجر: «أى شىء يتحرك»!
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
عندما قال كيسنجر: «أى شىء يتحرك»!
السيناتور برنى ساندرز قال ذات مرة إن كيسنجر مسؤول عن «أسوأ حملة إبادة جماعية فى تاريخ البشرية».
قام كيسنجر بدعم الانقلاب الدموي في الأرجنتين، والذى مارس الإخفاء القسرى وقتل عشرات الآلاف من المعارضين.
قال كيسنجر عبارته الشهيرة لإطلاق ذلك الدمار الشامل حول التدمير الشامل المطلوب لكمبوديا بقصف «أى شىء يطير.
. وأى شىء يتحرك».
رفض كيسنجر بعد حرب 1967، أى «اتفاق سلام شامل بين العرب وإسرائيل» يتضمن الانسحاب من كل الأرض التى احتلتها إسرائيل فى تلك الحرب.
بعد حرب أكتوبر اتخذ «منهج الخطوة خطوة» والهدف منه «كسر الجبهة العربية الموحدة»، بل «عزل الفلسطينيين عن باقى العرب»، وظل ينصح بذلك حتى مات.
بعد أن أنفقت المخابرات المركزية الملايين لخلق عدم استقرار لنظام الليندى في تشيلي، تمت الإطاحة به وقتله وأكثر من 40 ألف ضحية تعرضوا لتعذيب وقتل منظم.
لا مجال، عنده، لإقامة دولة فلسطينية! والحل عنده وضع الضفة الغربية تحت سيطرة الأردن. أما غزة فلم تسقط سهوًا من حواره بل أسقطها عمدًا، هو أو محاوره!
* * *
أبى هنرى كيسنجر أن يرحل دون أن يُخلّف وراءه مزيدًا من الضحايا، هذه المرة فى فلسطين! وكيسنجر، الذى كان مستشارًا للأمن القومى ووزيرًا للخارجية فى فترتى حكم نيكسون وفورد، مسؤول مسؤولية مباشرة عن جرائم بالجملة، بما فيها جرائم حرب.
فهو مسؤول عن توسيع نطاق حرب فيتنام سرًا لتشمل كمبوديا عام 1969 التى قُصفت وقتها بأكثر من 540 ألف طن من القنابل التى قتلت أكثر من 300 ألف مدنى وهجرت الملايين ودمرت أكثر من خُمس كمبوديا.
ووقتها قال كيسنجر عبارته الشهيرة، فعندما أعطى الأمر بإطلاق ذلك الدمار الشامل، قال لمرؤوسيه إن المطلوب تدمير شامل لكمبوديا بقصف «أى شىء يطير.. وأى شىء يتحرك».
وقد سمحت تبعات التدمير بوصول أكثر فصائل الخمير الحمر دموية للحكم، فنفذوا مذابح جماعية قُتل فيها 2 مليون مدنى آخر. والسيناتور برنى ساندرز قال ذات مرة إن كيسنجر مسؤول عن «أسوأ حملة إبادة جماعية فى تاريخ البشرية».
ثم أعطى كيسنجر فى عهد فورد الضوء الأخضر لسوهارتو، ديكتاتور إندونيسيا، بغزو تيمور الشرقية عام 1975، ولم ينصحه إلا بأن «ينجح» فيما سيفعل «بسرعة»! فكانت النتيجة مقتل 200 ألف مدنى. وكيسنجر مسؤول أيضًا عن قلب نظم حكم ديمقراطية. فهو كان وراء الإطاحة بحكومة الليندى فى تشيلى.
فبعد أن أنفقت المخابرات المركزية الملايين لخلق عدم استقرار لنظام الليندى، تمت الإطاحة به وقتله وتنصيب بينوشيه بدعم أمريكى كامل، فكان مسؤولًا عن أكثر من 40 ألف ضحية بين قتيل وسجين سياسى تعرضوا لتعذيب منظم. ثم فعل كيسنجر الشىء نفسه بدعم الانقلاب الدموى فى الأرجنتين، والذى مارس الإخفاء القسرى وقتل عشرات الآلاف من المعارضين.
وكان دوره محوريًا فيما عُرف بـ«عملية كوندور» بأمريكا اللاتينية، والتى تحالفت فيها نظم حكم يمينية، بدعم أمريكى، لاغتيال معارضيها وإخفائهم قسريًا. أما العالم العربى فقد خطط كيسنجر منذ البداية «لعزل الفلسطينيين عن باقى العرب».
فقد كشفت الوثائق أنه رفض، بعد حرب 1967، أى «اتفاق سلام شامل بين العرب وإسرائيل» يتضمن الانسحاب من كل الأرض التى احتلتها إسرائيل فى تلك الحرب، رغم التظاهر الدائم بأن ذلك كان الهدف النهائى. وأعلن وقتها ما يسمى «منهج الخطوة خطوة». وكان الهدف منه كما قال سرًا هو «كسر الجبهة العربية الموحدة»، بل «عزل الفلسطينيين عن باقى العرب»، وظل ينصح بذلك حتى مات.
ورغم كل ما تقدم، ظل كيسنجر حتى وفاته يدلى بدلوه ويلقى آذانًا صاغية «لنصائحه» بالأوساط السياسية ببلاده، بل ودوليًا للأسف. وهو لم يحرم العالم من شره حتى الرمق الأخير. فقد قال رأيه بعد العدوان على غزة، فقرر للعرب والفلسطينيين ما يفعلون!
فقد «نصح» بالتخلى عن حل الدولتين، وباقتصار أى مفاوضات مستقبلية على «الدول العربية وإسرائيل» بدلًا من «الفلسطينيين وإسرائيل»، مؤكدًا أنه لا أمل من أي مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين!
والحقيقة أن حل الدولتين لم يعد متاحًا بسبب الاستيطان الذى أتى على الأرض التى كان يُفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية.
لكن هذا لم يكن السبب وراء موقف كيسنجر. فالسبب عنده هو أن إسرائيل كانت قد «منحت» (لاحظ «منحت» تلك) غزة «استقلالًا نسبيًا» كاختبار (للفلسطينيين طبعًا) لإمكانية إقامة الدولة الفلسطينية.. لكن الأمور صارت أسوأ.
لذلك فلا مجال، عنده، لإقامة دولة فلسطينية! والحل عنده أن توضع الضفة الغربية تحت سيطرة الأردن. أما غزة نفسها فلا أظنها سقطت سهوًا من حواره وإنما أسقطها عمدًا، هو أو محاوره!
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي.
المصدر | المصري اليومالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا كيسنجر فيتنام كمبوديا تشيلي الأرجنتين العرب إسرائيل غزة فلسطين إبادة جماعية دولة فلسطينية أکثر من
إقرأ أيضاً:
الثكنة الأخيرة
بعض العسكريين لا مثيل لهم في التاريخ المدني والإنساني. الجنرال شارل ديغول في فرنسا، الجنرال دوايت آيزنهاور في الولايات المتحدة، الجنرال فؤاد شهاب في لبنان، الفريق سوار الذهب في السودان. ثمة كثيرون أيضاً، في طيات التاريخ أو في سطوعه.
الموقف ليس ضد العسكر في المطلق. الموقف هو من بعض العسكريين الذين لا يعرفون شيئاً عن الحياة المدنية، ولا يقبلون شيئاً سوى أوامر الثكنات.
قارن بين السودان الذي تركه سوار الذهب لأهله، وما ترك عمر البشير. قارن بين سوريا الاستقلال، وسوريا ما بعدها من ثورات وانقلابات ورؤساء يرسلون إلى السجن إلى الأبد. كم رئيساً في سوريا أدخل سجن الظلم والتوافه ومواضيع الإنشاء المدرسية المجترة.
لم يقدم كثير من عسكر العرب لشعوبهم أي شيء آخر. مثلهم مثل طغاة أميركا الجنوبية الذين ملأت بهم الـ«سي آي إيه» جمهوريات الموز. رجال بلا أي كفاءة سوى البطش وجنون العظمة.
ويجب أن نتذكر أن الديكتاتور الكوبي باتيستا كان رقيباً أول عندما وصل إلى الحكم في هافانا. لم يصل حتى إلى رتبة ملازم. وهي الرتبة التي كان عليها معمر القذافي عندما استولى على ليبيا لأربعين عاماً.
الغريب أن السمة المشتركة بين عسكر العرب، أنهم تركوا بلدانهم بلا جيوش. القذافي فكك الجيش الليبي خشية الانقلاب عليه، والفريق بشار الأسد رأى خلفه الضباط يخلعون البزة العسكرية كأنها تهمة على صاحبها.
لا ضرورة للتذكير بأن الجيش السوري كان في أسوأ حالات الجيوش. لو أبقى الأخ القائد على الجيش الذي خرج منه، لكان أبقى للجماهيرية إطاراً وطنياً يربطها، غير النظرة العالمية الثالثة.
معظم عسكر العرب بدأوا ضباطاً وانتهوا آلهة. كل واحد منهم كان يتمتع بمواهب خارقة وهالة قداسة. طلاب المدارس في سوريا كان عليهم الانحناء لدى سماع النشيد الوطني، أو ذكر اسم السيد الرئيس. لم تقم في العالم، في التاريخ، أعداد التماثيل التي أقيمت للرفيقين اللدودين حافظ الأسد وصدام حسين.
وكان التمثال أول ما يسقط. وإذ تتأمل الناس حولها وفي أحوالها، لا تجد شيئاً آخر سوى التمثال «المهجور». لا سدود، لا مشاريع، لا خزائن. مجرد أسماء تذكارية لثكنات كتب عليها فلسطين - وإلى اللقاء في القدس.
الشرق الأوسط