إنها الأعياد أشتاقها وأهابها، فهي وعاء الذكريات ودفتر الحكايات، وكل حكاية عرضة للسهو أو الخطأ إلا حكايات رأس السنة لا تقبل الخطأ، فهي مُعنوَنة بأرقامها، مثبتة في أوراق أعمارنا بالدقيقة والثانية، مؤرِخة للحظات انتصارنا وشاهدة على أوقات انكسارنا، فهي الكراسة التي رسمنا فيها ضحكاتنا واللوحة التي علقنا بها دموعنا، والصفحة التي أغلقناها لنستكمل على ظهرها ما بقي من أعمارنا.

اشتاق للأيام التي كنت فيها طفلة تنتظر الساعة الثانية عشر في صباح اليوم الأول من كل عام جديد، ليمر على بابها سانتا كلوز ويمطرها بالحلويات والألعاب والبلالين وحضن كبير، أعلم من الذي كان يتنكر في زي سانتا، ولكنه لم يكن لي في تلك اللحظة إلا سانتا كلوز الذي جاء من أقصى جبال الثليج على حيوان الرنة اللطيف، تسبقه الأجراس ويعلن عن قدومه هذا الصخب والأفراح، وتلك الزينة والماسكات البلاستيكية الرخيصة التي كنا نبتاعها من رجل على باب الله بجوار سور المدرسة، أو امرأة حكايتها على من خلقها تفترش الرصيف ببعض أقنعة، ومعها صافرات وبالونات لجل العيال تهيص، ولا يعلم كلاهما أنهما بائعا البهجة وذلك البصيص بعام قادم نأمل خيره وأخر راحل كنا في ذلك الوقت نشعر بالحيرة ونحن على وشك الموعد مع غيره، فلم تكن كل الأيام إلا مشاريع أحلام والشهور والسنوات هي متسع للأمنيات.

في مخيلتي كطفلة أن سانتا خاض الرحلة ليرسم على وجهي البسمة، ويطمأنني أن الدنيا كرحلته، محطاتها السعادة واستراحاتها الفرج واليُسر والفرح وتلك لها عادة. 


ولكن تمضي الأيام فأصبح أنا سانتا الذي يستقبل رسائل ابنائي والتي كنت أصر على أن تكون أحلاما مكتوبة وليست أمنيات شفهية مرسلة، ربما هي محاولة أن أعلمهم أن الآمال يجب أن تكون محسوبة، وقطعاً كانت تحايلاً أن احتفظ بوثيقة موقعة بأياديهم الرقيقة لأحتفظ بتلك الدقيقة في علبة الذكرى الرفيقة.

اعتدت أن أحضُر الهدايا وأتركها مع رسائل ممهورة بالحب دوماً وبأمنية معروفة لهم مسبقاً، على شاكلة ذاكر أكتر، أعتذر لمدرسك، اهتم بالتمرين، بطل شيكولاتة، أغسل أسنانك بضمير وغيرها من أمنيات هذا الزمن الجميل..


أضع الهدايا على باب البيت وأدق الجرس خلسة، وأعود أدراجي حتى لا يكتشف أحدهم أمري بغتة.. وببراءة أهرول معهم للباب لأسبهل من المفاجأة. 


والمفاجأة إنني كنت أتفاجأ بالفعل، وكأنني لم أمضي كل هذا الوقت في البحث والشراء والتحضير، ولا كل هذا المجهود في التخطيط والتفكير لأنفذ مخططي ولا ينكشف أمري ويعرف ابنائي إنني العميل السري لسانتا.

 

ولعلي لازلت متفاجئة كيف لمشاعري أن تكون واحدة في كلا الموقفين، وكأنها البارحة نفس الشغف والفرح والتصديق والانتظار لسانتا حتى وإن كان أنا!
فمتعة شراء هدايا الكريسماس لا يضاهيها جمالاً إلا الأمنيات التي تحملها تلك الهدايا.

 

واليوم بعد أن هرِم الكبار وكَبِر الصغار ولم يعد سانتا إلا ذكرى تحملها صوت سيناترا وشجن فيروز ورائحة بسكويت الجنزبيل والشيكولاتة الساخنة، وتلك الرسائل التي كان يكتبها أبنائي والمكدسة في علبة الحنين أقرأها واشتاق لذكراها من حين إلى حين، أضع العلبة تحت  شجرة تقاوم أن تكون بائسة فالكل مشغول عن تزيينها بعد أن كان الكل يتقاتل من أجلها، ولكن لم يشغلها هذا الانصراف فهي تقاوم لتؤدي دورها.

أتذكر طفولتي والتي كان فيها سانتا حاضراً لكن ربما لم تكن الشجرة فيها متاحة مثل طفولة أبنائي، كانت نبتة بنت القنصل هي البطل ولازلت أذكر فرحة أمي عندما يطرق بابنا الجنايني في نهايات نوفمبر محملاً بعدد من الأصائص بها أجود النباتات التي طلبها خصيصاً لها، وفي طرفة عين يكتسي المنزل بالنبتة الحمراء، وتقوم أمي احتفالاً بقدومها بتغيير مفارش الطاولات لتلك التي تحمل رسم المربعات الخضراء والبيضاء، وتزينها بالشموع الذهبية والفضية، وتعلق في غرفة المعيشة شراب سانتا الأحمر الكبير مصحوباً بالكثير من كلمات التحذير بعدم المساس بمحتوياته، فإذا أوشك العام على الانقضاء بدأنا الانقضاض على كل ما في جعبة هذا الشراب من حلوى وشيكولاتات.

ومرت السنوات وبدأت شجرة الأروكاريا أو شجرة الميلاد المخروطية أن تعرف طريقها للسوق المصري وتكون متاحة بكل أشكالها وأحجامها وأيضاً بتعدد ألوانها، وتزامن ذلك مع مولد أبنائي، فوجدتها سبيلي لأصنع لهم حقيبة ذكرياتي الخاصة التي سأتركها لهم يوماً، ليبحثوا عني فيها دوماً، عندما يحل ذلك العام الذي ستكون فيه الشجرة حاضرة.. أما أنا فلا..

لذا كانت العادة تزيين الشجرة من نصف ديسمبر بسعادة، في اليوم الأخير من امتحانات نصف العام نبدأ الاحتفال ونقضي ساعات وساعات نتشارك ونتعارك حول ترتيب الكور وتنظيم الألوان ومواضع القطن وخط سير حبل النور، ومع كل زينة تمتد بها أيادينا كنت أسألهم الدعاء لرب السماء أن يكون عاماً مليئاً بالستر والحب والرخاء، وأن نستودع الله العام الذي يمضي ونسأل الله برحمته أن يستودعنا للعام القادم فلا نخرج منه خائبين أو محرومين ولا مجروحين.

ولكن عندما كبر الصغار وأنشغل كل منهم بالحياة، وبدأت تسرقهم دوامات المسئوليات، ولم يعد لديهم من الوقت متسع من الساعات لنلتقي حول الشجرة وننثر الأمنيات، صدقاً أصابني الفزع فكيف للشجرة إن لم تتزين  أن تحمل الأمنيات للعام القادم لعله يكون عام تحقيق الأحلام وإن بدا الأمر كله مجرد تخاريف وأوهام، فهي عادة ولحظات سعادة نقضيها في الدعاء واليقين وكليهما عبادة.

بدأت كتابة سطور هذا المقال كمنشور حزين كنت أنتوى نشره على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لأشارك أصدقائي لحظات الحنين والأنين، ولكن تزاحمت الكلمات وطالت السطور والقصاصات ولم أشعر بالوقت ولا الزمن في صخب الذكريات ومن وسط صور الأمس الذي فات، إلا وابني أمامي يحمل سلة الزينة والكور ويستدعيني أنا وأخته لنقوم بتزيين الشجرة، ونتقاتل على ترتيبها، ونتسابق في تخيل أحلامنا وكأنها حقيقة ونرفع دعواتنا لله بكل الرجاء لجل المدد ما ينهمر من السماء.

ستظل الذكريات المعطرة بالحنين والأمنيات المحملة باليقين، وحضن دافئ من ابنائي الغاليين عشية رأس السنة التي نتشاركها مهما كانوا منشغلين، برفقة التكنولوجيا التي تجمع شمل المسافرين والغائبين، نتشارك الليلة على ضوء الشجرة التي في نهاية الأمر سيكون نورها هو حلقة الوصل بين عام مضى وآخر آت..

وليبدل الله أحوالنا بفرح وطمأنينة على قدر قدرِه وبعظيم جبره، وبثقة فيما تذللنا له طوال العام من دعوات أن يجعله عام تتحقق فيه تلك الأمنيات التي انهكت في سبيلها قلباً وأزهقت خلفها سنوات مضت من العمر سهواً..

وكل عام ونحن ومن نحب طيبين، وهؤلاء القاسية قلوبهم قادر الله أن يجعلهم لينين ويهدي الظلمة لما فيه الخير للبشر آجمعين، ويحقن الدماء والدموع في كل أرجاء الأرض رددوا معي آمين.. 
وبحوله وقوته ينام الكوكب الحزين ليصحو على موكب من الأفراح وبلا أتراح ويصبح مكاناً لائقاً لكل من يرجو الله أن يمضي على الأرض بعض وقت يكون فيه المرء مرتاح، وتصدح أجراس السلام في نفوس تاقت للعدل الذي غاب عن الأنام وأن يكون العام القادم عنوانه الأمان وأحلامنا وآمالنا يأذن لها الله بأن تمضي للأمام، وإذا كان مامضى عنوانه الصبر فيا الله أجعل ما يأتي اسمه الجبر.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: أن تکون

إقرأ أيضاً:

لازم تقيف ..طالما استخدمت قحتقدم هذا الشعار بالتزامن والتناسق مع الإرهاب الذي يمارسه حلفاؤهم

٪؜٪؜٪؜٪؜٪؜٪؜٪؜٪؜٪؜
لازم تقيف ..
٪؜٪؜٪؜٪؜٪؜٪؜٪؜٪؜٪؜
لطالما استخدمت قحتقدم هذا الشعار بالتزامن والتناسق مع الإرهاب الذي يمارسه حلفاؤهم في الميليشيا على المواطنين؛
– تسمعوا الكلام وللاااا ????؟
دي فحوى رسالة الابتزاز البيرسّلوها مع بعض؛
وفي كلّ مرّة بيتقّلوا العيار أكتر؛
ما بين القتل والسحل والاغتصاب وجر اللحى في المناطق التي تصلها قوّاتهم، وبين القصف بالمدافع والمسيّرات للمناطق الآمنة البعيدة عن متناولهم؛
لحدّي ما وصلنا مرحلة “عنف عنف عنف” البشّرونا بيها؛
وراح ضحيّتها مئات الشهداء الأبرياء في الهلاليّة وما حولها من مدن وقرى شرق الجزيرة؛
وتجاوزناها بحمد الله، وبعزيمة جيشنا والقوّات المقاتلة في صفّه؛
لــــــــــــكـــــــــــن؛
لسّة ما وصلنا برّ الأمان؛
فبالأمس القريب تجدّد القصف على أحياء أم درمان؛
وفي الفترة الأخيرة دخلنا مرحلة المسيّرات العابرة للحدود التي تستهدف محطّات الكهرباء والمرافق الحيويّة؛
يعني الجنجويد هزمناهم، بحمد الله، لكن لسّة ما سلمنا من أذاهم؛
ما يثير تساؤلاً مشروعاً وموضوعياً حول كيفيّة “إنهاء الحرب”؛
أترانا؛
بعد كلّ النصر الحقّقناه، والملاحم السطّرناها بدماء شهدانا الأبرار؛
أترانا ح نلف ونرجع لمائدة التفاوض، زي ما كانوا بيقولوا لينا الجماعة؟
طبعاً الخوف من شماتة القحّاتة ما بمنعنا من اختيار الصواب؛
لكن المانعنا اليوم ياهو المنعنا من البداية، وهو وعينا الكامل بأنّه دا ما الصواب: لا أمان بوجود الدعم السريع؛
لكن طيّب دي يحلّوها كيف؟
يعني إلّا نقرضهم عديل، ما يفضل فيهم نفر، زي ما كان بينادوا الناس المحتجّين على هروب الجنجويد أحياء من مدني وبحري وغيرها؟
الكابوس دا بنتهي كيف؟!
الإجابة على السؤال دا قد ما تلقاها في أدبيّات العمل السياسي المعاصر، لخلّوه من حروب تأسيسيّة متل اللتنا دي؛
لكن، بخلاف ما قد تتوقّع، بتلقى إجابة في أدبيّات أخواننا السلفيّين، في عبارتهم المتواترة:
– من غلب، واستتبّ له الأمر، وجبت له الطاعة.
ورغم اختلافي كتير معاهم حول “دين الله”، لكن يمكن أقدر أشهد ليهم بالفقه في “دين المَلِك” الذي ما كان ليوسف، نبي الله، أن يتعدّى حدوده؛
والعبارة القاعدة تتقال كقاعدة تشريعيّة دي، لو أعدت النظر ليها بتجريد، يمكن تلمس فيها فلسفة سياسيّة وتاريخيّة عميقة، بعيداً عن أيّ قدسيّات: دا ياهو البحصل على كلّ حال، بعيداً عن مباركتنا أو رفضنا ليه!
نجرّد العبارة يللا من حمولتها الدينيّة، ونحاول نسقطها على واقعنا السياسي، على أمل نشوف الأمور ممكن تمشي كيف؛
– الانتشار لا يعني السيطرة!
عبارة اتقالت كتير خلال فترة الحرب دي، ودارت حولها نقاشات وجدالات مستفيضة في قروبات الواتساب؛
بدون الوصول لاتّفاق حولها؛
لكن لو عرضناها على فلسفة السلفيّين المتوارثة دي، يمكن يسهل شرحها؛
مربط الفرس في “استتبّ له الأمر” دي؛
فالدعم السريع “غلب” في بداية الحرب دي؛
لكن ما استتبّ ليه الأمر؛
وبالمقابل، فالأمر “استتب تب” لما يطلقون عليه “حكومة بورتسودان”؛
وقصاد كلّ غلبة سعى لها الجنجويد، وهلّل لها أولياؤهم، كانت سلطة الأمر الواقع في بورتسودان بتخطو خطوات نحو استتباب الأمر؛
– تشغيل مطبعة الجوازات؛
سخروا من الخطوة دي زمان، ولحدّي ندوة سلك مؤخّراً في لندن هو بلوك في حنك تشجيع الخروج من البلد، لكن الموضوع متعلّق بالسيادة والهويّة الانت بتقول بقن مافي!!
– مخاطبة الأمم المتّحدة: حجز مقعد السيادة!
وممكن بعد كدا تتذكّر الجقلبة الحصلت بهناك؛
– صيانة وتشغيل المطارات المدنيّة في كسلا ودنقلا؛
في مقابل تحويل مطار نيالا لمطار عسكري على الجانب الآخر
– إقامة امتحانات الشهادة السودانيّة؛
الخطوة دي وجدت ممانعة شرسة جدّا بهناك، لو بتتذكّروا، بمستوى منع الطلاب عديل من الوصول لمراكز الامتحانات في مناطق الدعم السريع في السودان وفي الدول الموالية؛
الممانعة دي كانت سياسيّة متوارية ورا غطاء إنساني، لأنّه الشهادة “السودانيّة” دي هويّة، زي جواز السفر:
– تغيير العملة؛
والعملة هويّة تالتة، زي جواز السفر والشهادة الثانوية؛
بل في الحقيقة العملة ممكن تكون هي الهويّة الأولى في فقه الدول؛
ممكن نواصل تعديد الأمثلة في التعليقات؛
لكن الخلاصة إنّه الدعم السريع فشل في تتبيب أمره في مناطق سيطرته: لا حكومة لا عملة لا شهادة لا سجم رماد؛
لا وكمان شنو، قال ح نعتمد الدولار ????؛
بعدين قاموا وقعدوا وطاروا وركّوا، وقال الذين غلبوا على أمرهم لنعلنّن حكومة في مناطق سيطرتنا من العاصمة الخرطوم؛
وقبل ما يجي الموعد الضربوه، فقدوا القصر الرئاسي!!
ودي كانت رسالة الفشل الكامل للدعم السريع: غلبت سيطرته على القصر الرئاسي والمطار الرئيسي والإذاعة القوميّة، ومعاه جمهرة التنظيمات السياسيّة، وفشلوا في تحويل الغلبة دي لواقع سياسي مستدام؛
وفي المقابل، نجحت سلطة بورتسودان في تتبيب أمرها كممثّل لجمهوريّة السودان؛
وحصلت على اعتراف الدول، برغم جعّير حميدتي والمعاه؛
فاستتبّ الأمر لعبد الوهاب، وفضل ليه الغلبة؛
واهو، الغلبة بدت تحصل بعد داك أسرع ممّا أكبر متفائل كان يتصوّر!
أها وبعد داك؟
سوووو وات؟
الحرب بتنتهي كيف؟
لسّة ما جاوبنا على السؤال دا!
في مستوى عالي من التجريد، فكلّ واحد من “طرفي النزاع” ديل عبارة عن تحالف سياسي عريض؛
حلفنا نحن بيتصدّره الجيش القومي الشرعي، لكن بيضم تحته تحالف عريض من الجماعات المسلّحة، التشكيلات القبليّة، غالبيّة موظّفي الخدمة المدنيّة، طيف من ثوّار ديسمبر، طيف من الفنّانين والشخصيّات العامّة ورموز المجتمع، الخ الخ، بالإضافة لتكوينات سياسيّة “محلولة” رسميّا لكن مازالت موجودة، وأخرى قائمة؛
الحلف البهناك، رغم الثقل الافتراضي لواجهته السياسيّة، والثقل العسكري الفيه، لكن بفتقر للتنوّع العندنا دا؛
لست بصدد المقارنة هنا، لسّة عندنا سؤال راجينا نجاوبه؛
بس ممكن نلخّص إنّه بي جاي فيه كلّ المكوّنات المطلوبة لقيام دولة جمهوريّة، وبهناك تشكيلة بتاعة مغامرين قامروا على مشروع تأسيس دولة، وفشلوا فشل ذريع؛
كلّ النجحوا فيه هو تهديد وجود الدولة القائمة؛
وفشلوا في نهاية العرض!
أها الحرب بتنتهي كيف؟!
العرض الأجبرنا على تقديمه دا كان بمشاركة دول المنطقة الأفريقيّة والعربيّة الحولنا، وبتشاهده القوى الاقتصاديّة العظمى حول العالم؛
الدول دي ما بس ما ح تسمح بي فوضى شاملة في المنطقة، بل في الحقيقة عندها استثمارات متوقّفة في انتظار نهاية العرض دا، واختيار من يستتب له الأمر عشان يبدا التعامل معاه؛
مشروع الدعم السريع مشروع فاشل في جوهره، لأنّه قايم على بنية عشائريّة بدويّة عابرة للحدود، ما ح يستتب ليها أمر جوّة عين كلّ التركيبة الديموقرافيّة الحضريّة الفي بلد عريق زي السودان؛
لكن حظّنا وقدرنا في وجود أطراف إقليميّة نافذة مستعدّة تجرّب في لحمنا، ووجود نخبة متواطية بتسمسر فينا، وسط تجاهل بقيّة العالم؛
المهم؛
التجربة فشلت؛
ما لأنّه الدعم السريع فشل عسكريّاً، وإنّما لأنّه الحلف ككل فشل تماماً في استعراض قدرته على تأسيس دولة مستقرّة؛
غلب، ولكن لم يستتبّ له الأمر، ولذلك لم تجب له الطاعة!
في مقابل نجاح مقنع للطرف الآخر، الـ incumbent، يعني سيد البلد، في إثبات مرونته في إدارة الدولة في ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد؛
فباختصار كدا، التحالف القومي، بقيادة عبد الوهاب، نجح في إثبات جدارته كشريك يعتمد عليه في مشاريع مستقبليّة؛
البحصل بعد كدا هو إنّه ح يبدا فتح باب العطاءات في مشروع “إعادة إعمار السودان”؛
تتسابق فيه الشركات صينيّة والروسيّة مع الأمريكيّة والأوربيّة؛
وتتضخّ فيه الاستثمارات الخليجيّة؛
وما تركّز كتير مع تصريحات العطا وشوشرة المصباح والقصص دي؛
فيه سماسرة وديبلوماسيّين شغلهم يصلّحوا العلاقات، زي ما حصل بين السودان والكويت بعد الجفوة الحصلت في حرب الخليج؛
وهنا بتظهر أهمّيّة شخصيّات زي مو إبراهيم وآل داود وآل حجّار وغيرهم في توفير دور الضامن لاستقطاب الاستثمار العالمي؛
وبيظهر ليك كذلك سبب نقمة حميدتي عليهم وتعريضه بيهم؛
وهنا كذلك بتظهر ليك قيمة التحالف العريض القلنا عليه قبيل؛
حيث تظهر آلاف الفرص ليغتنمها الناس؛
من أصغر بنّا وللا صنايعي بشتغل على إعادة ترميم البيوت؛
لأكبر مقاول بيقدّم في عطاءات الطرق والمطارات؛
فرص للمدرّسين، للتجّار، للمصدّرين والمورّدين، …
وأقلّاها ياخ، ما ح تلقى ليك عبد الله جعفر شغّال بهناك يطمّن في الناس ويبشّرهم بالفرص؛
كلّ البتلقاه هناك هو التخويف؛
لأنّه الفرص حصريّة هناك للأسرة المالكة!
أها والحرب بتقيف كييييف؟
لو السرد الفوق دا كان مقنع بالنسبة ليك، ف ح تلقى الإجابة في المقطع المرفق [١] من فيلم Inception؛
في المقطع دا بيظهر بطل الفيلم، دي كابريو، في مطاردة في أحد الشوارع في مومباسا، اللي هي أنا ذاتي ما عارفها وين؛
وفي عز زنقته دي بتقيف ليه عربيّة فخيمة مصفّحة؛
ولمن يركب بيسأل الملياردير العارض عليه شغل: الجابك مومباسا شنو؟
فبيقول ليه أنا هنا عشان احمي استثماراتي؛
الخلفيّة إنّه دا زول هو داير منّو شغل معيّن مهم بالنسبة ليه، فبيوفّر ليه حماية لامن يقضي ليه غرضه!
يللا لو استتب الأمر لعبد الوهاب وشركاه، بمن فيهم نحن كلّنا كشعب يعني، في إدارة شئون السودان، في مقابل العرض الكان مقدّمه حميدتي وأوليائه؛
ف بعد كدا الدول المستثمرة، والشركات البحجم الدول، بتعرف كيف تحمي استثماراتها؛
الموضوع ما بكلّف أكتر من تلفونين، ويتوقّف الدعم عن الدعم!
#حميدتي_انتهى
—————————

عبد الله جعفر

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • شبيه النبي الذي رآه ليلة الإسراء والمعراج وأوصاه بـ 5 كلمات
  • سر الشجرة المضيئة في غابات الأمازون.. تتحول إلى لوحة فنية في الليل
  • لازم تقيف ..طالما استخدمت قحتقدم هذا الشعار بالتزامن والتناسق مع الإرهاب الذي يمارسه حلفاؤهم
  • عازف الربابة راشد المشايخي يحمل حنين البداوة على أوتار الربابة
  • شوقي علام : الجماعات المتشددة ساهمت فى انتشار الإلحاد
  • شوقي علام: الجماعات المتشددة ساهمت فى انتشار الإلحاد
  • دراسة تربط بين الذكريات وزيادة الوزن وتفتح الباب لمعالجة السمنة
  • خير صديق (2).. فاطمة بارودي تكتب: ماذا قرأ الناطقون بالفرنسية العام الماضى؟
  • ماتت فى سبيل الله.. وسط دموع المحافظ ووزير الأوقاف تكريم الأسرة القرآنية التي فقدت متسابقة ووالدتها فى المسابقه
  • دعاء أول ليلة في شعبان مستجاب.. ردد أفضل 50 دعوة فيها العجب وتحقق الأمنيات