كشف عدد من الخبراء والمحللين السياسيين، أسباب الأزمة في السودان وذلك بسبب وجود سلطتين عسكريتين في بلد واحد، وهو خطأ استراتيجي مكلف، وقد دفع الجميع ثمنه، 
ومنذ اليوم الأول للازمة ومصر تعمل بالدبلوماسية السليمة لإطفاء حرائق الخلافات والبدء في وضع حل منطقي مستدام.

الدكتورة نادية حلمي تتساءل: كيف ستنعكس اتفاقيات القوى الإقليمية على مسار الحرب في السودان؟الدكتورة نادية حلمي 

في هذا السياق قالت الدكتورة نادية حلمي، الخبيرة في الشؤون السياسية الصينية والآسيوية، وأستاذة العلوم السياسية، في تحليلها للوضع السياسي الحالي في السودان، بأن تكاتف كل القوى السياسية داخل البلاد وخارجها لإشعال الصراع الداخلي يأتي نتيجة للموقع الحيوي الذي يتمتع به السودان على الصعيدين الدولي والإقليمي.


وأشارت في تصريح خاص لـ "الفجر" إلى أن السودان تُعَد واحدة من أهم نقاط التنافس الدولي في إفريقيا والمنطقة العربية بفضل موقعها الجيواستراتيجي الحيوي. تحظى البلاد بموقع استراتيجي كجزء من منطقتين حيويتين هما بحر الأحمر والقرن الأفريقي، مما يمنحها وزنًا كبيرًا في الساحة الإقليمية والدولية، وتعتبر قربها من مضيق باب المندب، الواقع في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وقناة السويس في الشمال، عاملًا إضافيًا يزيد من أهميتها الاستراتيجية.

وتابعت: أن هذا الموقع يمنح السودان دورًا بارزًا في السياسة الإقليمية والدولية، حيث يجعلها عنصرًا حيويًا في التوازنات والتحالفات الإقليمية، ويزيد من تأثيرها في القرارات الدولية ذات الصلة بالمنطقة.


وأوضحت أستاذة العلوم السياسية أن الأهمية الاستراتيجية للسودان تتجلى أيضًا في وجودها في مناطق حيوية مثل شرق إفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي، موضحه أن موقع السودان القريب من حدود أثيوبيا، وتمركزها بين منطقتي الساحل والصحراء، يعزز من أهميتها الإستراتيجية، كما أن موقع السودان يعتبر مهمًا في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، فضلًا عن تواجدها البارز في المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، وهذا يجعل السودان مدخلًا مناسبًا لإفريقيا جنوب الصحراء، وتكون لها دورًا حيويًا كحلقة وصل تربط بين شمال وجنوب القارة الأفريقية، بالإضافة إلى ذلك يعزز دور السودان كبوابة مركزية لشرق ووسط وغرب إفريقيا، خاصةً أنها تحدها دول ذات أهمية كبيرة في المنطقة، مثل مصر وليبيا وإثيوبيا وجنوب السودان، مما يعزز مكانتها كلاعب رئيسي في تلك الديناميات الإقليمية.


ولفتت أستاذة العلوم السياسية، الدكتورة نادية حلمي، أن الأزمة الحالية تأتي في سياق تنافس بين القوى العظمى، مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها في الغرب. يظهر ذلك بشكل خاص في ظل تخوف الصين وروسيا من توجه القيادة الانتقالية السودانية لتعزيز العلاقات والتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية، بقيادة القوى السياسية المدنية السودانية.


وأشارت إلى اهتمام الصين خاصةً بتطورات المشهد السياسي في السودان، حيث قامت بتعيين "شيويه بينغ" كمبعوث خاص للسلام في منطقة القرن الإفريقي في فبراير ٢٠٢٢. كما أكدت دورها كراعية للسلام من خلال عقد المؤتمر الأول حول "السلام والحوكمة والتنمية بين الصين والقرن الأفريقي" في يونيو ٢٠٢٣ بأديس أبابا، وقد قوّت الصين ركائز خطابها السياسي والدولي حيال السودان، مع إعلان رفضها للتدخلات الخارجية واستعدادها للوساطة بين دول المنطقة، لافته إلى استعدادها لتقديم التكامل الاقتصادي الإقليمي كجزء من مشروعاتها للحزام والطريق، كوسيلة مستدامة لبناء السلام في السودان والمنطقة.


ونوهت إلى مخاوف الصين من التقارب بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد التقارب الذي حدث بين السودان والولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي السابق "ترامب"، وفي هذا السياق، أظهرت مخاوف الصين تحولات في التوازنات السياسية في المنطقة. 

وأشارت إلى جهود روسيا في تعزيز حضورها في السودان، في إطار استراتيجيتها للتمدد من ليبيا وصولًا إلى السودان، ومن هنا يعتبر الصراع الحالي في السودان نقطة اتصال إقليمية ودولية ملتهبة، حيث تتقاطع مصالح الدول الكبرى وتتشابك في هذه المنطقة المهمة.


وألقت أستاذة العلوم السياسية، الضوء على التحليلات الجادة التي أثارتها الأزمة السياسية الراهنة في السودان على الصعيدين العسكري والمدني، مما يعزز أهمية فهم توازنات القوى في البلاد ومستقبل الدولة السودانية،  يظهر أن السودان يمثل نموذجًا يعكس تحديات بناء الدولة التي واجهت العديد من الدول الأفريقية والعربية، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، وتفجرت الأزمة السودانية على وجه الخصوص مشكلة بناء الدولة، وزادت الشكوك حول مدى تأثير الصراع الحالي، سواء كان داخليًا أو خارجيًا، على مسألة الموارد، أو إذا كان هناك محاولات غربية أمريكية أخرى لإعادة هندسة المنطقة.

 

لقاء حمديتي والبرهان

وتعبر أستاذة العلوم السياسية عن مخاوف دول المنطقة وشركائها الاستراتيجيين، مثل روسيا والصين، من التأثيرات المحتملة للتقارب بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية، وأنه بعد لقاء القوتين الرئيسيتين في النزاع السوداني، حميدتي والبرهان، حيث تطرح تساؤلًا حول كيف ستنعكس اتفاقيات أو تنافسيات القوى الإقليمية على مسار الحرب في السودان، كما أن اندلاع الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع داخل السودان، والتدخلات الدولية المصاحبة، قد قلل من فرص نجاح أي جهود للوساطة أو وقف إطلاق النار، مع تشديد كل طرف على استخدام القوة بدلًا من البحث عن حلول تسوية، ويعزز هذا الوضع من تعقيد الصراع ويجعله مأزومًا، حيث تقف الوساطة الإقليمية والدولية بوجهه.

 


الدكتور ضياء حلمي: الخطأ الأساسي يعود إلى وجود سلطتين عسكريتين في بلد واحدالدكتور ضياء حلمي 

من جانبه قال الدكتور ضياء حلمي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن تصاعد الأزمة السودانية بشكل كبير في البداية قد أعطى انطباعًا بأنها وصلت إلى طريق مسدود بين حمديتي والبرهان.


واضاف في تصريح خاص لـ "الفجر": الحقيقة أن هذه الأزمة، التي تلقت ظلالًا رمادية على المنطقة ودول الجوار، ستجد طريقها إلى الحل قريبًا، خاصة بعد أن أدرك الطرفان أنه لن يكون من الممكن الاستمرار بهذا الشكل لفترة أطول، معربًا عن تفاؤله بالتوصل إلى حلول للأزمة السودانية، متوقعًا أن يدرك الأطراف المتصارعة خطورة الوضع وضرورة البحث عن حلول تسهم في تخفيف التوتر وتحقيق استقرار المنطقة.


وأشار إلى أن الإحصاءات الدولية الرسمية أظهرت أن الأزمة السودانية تسببت في تشريد ما يقرب من 7 مليون لاجئ سوداني، الذين اضطروا للجوء إلى دول الجوار، بالإضافة إلى ذلك يعاني الاقتصاد السوداني من حالة انهيار تام، ومن ثم، يبدو أن الخيار الوحيد المتاح هو التفاوض المباشر بين الأطراف النافذة في النزاع.


وعن تحليل أسباب الأزمة في السودان، قال: إن الخطأ الأساسي يعود إلى وجود سلطتين عسكريتين في بلد واحد، وهو خطأ استراتيجي مكلف، تكبد الجميع ثمنه، فمنذ بداية الأزمة اتخذت مصر نهجًا دبلوماسيًا صحيحًا لتهدئة حدة الخلافات والسعي إلى وضع حل منطقي ومستدام، معتقدا أن هذا قد يصبح وشيكًا، وربما خلال عام 2024، حيث نقترب من إيجاد حلًا للأوضاع الراهنة.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الازمة السودانية الازمة في السودان السودان ازمة السودان أستاذة العلوم السیاسیة والولایات المتحدة المتحدة الأمریکیة الأزمة السودانیة فی السودان

إقرأ أيضاً:

تاح تاح تاح تحسك بالسلاح”: الأغنية السياسية في الحرب (2-2)

ملخص
جاء الغناء عن حب الوطن في السودان مدراراً ومن بابين، الأول هو حب مطلق مثل “أمتي يا أمة الأمجاد والماضي العتيق”، أما الثاني فهو ما نعى فيه المغنيون غربتهم عن الوطن في المهاجر وذاع ذيوعاً كبيراً خلال أيامنا في واقع النزوح الاستثنائي المأسوي بعد الحرب.
أما سيدة الأغنية السياسية ليومنا للقوات المسلحة فهي الفنانة ندى القلعة. فلا يمر يوم إلا ولها عبارة عن طبيعة الجيش من جهة خوضه الحرب العادلة ومؤسسيته مقارنة بـ”الدعم السريع”، أو جغرافيا المعارك وانتصارات الجيش. فميزت القوات المسلحة بميلادها في شرعية الدولة وتخرج ضباطها في الكلية الحربية “مصنع الرجال” في قولهم، واستحقوا صفة “جنابو” بخلاف ضباط “الدعم السريع” الذين نالوا رتبهم كفاحاً بما عرف بـ”رتب الخلاء”:
حبابو
القالو ليهو جنابو
حباب القوة الجايا بالشرعية
حباب الكاكي الدخلو ليه الكلية
وتطرق الفنانة ندى باب التاريخ الوطني لتضع انتصارات القوات المسلحة في سياقها، بل لترد على مزاعم “الدعم السريع” مثل أنه خرج ليقضي على دولة 56 التي ظلمت هامش السودان ظلماً كثيراً، فقالت:
ستة وخمسين دحرنا ظلم وحقب
العلم رفرف وأزهرينا خطب
و”أزهرينا” هو الزعيم إسماعيل الأزهري أول رئيس لوزراء السودان خلال الفترة الانتقالية 1954-1956، والذي اشتهر بأنه رافع علم استقلال السودان. ثم جاءت بواقعتين من نضال السودانيين ضد القوى الأجنبية، فكانت الأولى هي اغتيال المك نمر زعيم شعب الجعليين على النيل الأوسط، لإسماعيل باشا نجل الخديوي محمد علي باشا في 1822. فكان إسماعيل بعد غزو السودان التقى بالمك وطالبه بضرائب أثقلت عليه، ولما احتج رمى إسماعيل بغليونه على وجه المك فأضمرها المك وقبل بدفع ما عليه. وليرضى عنه إسماعيل دعاه لتناول العشاء بداره، وأحسن الطعام لهم والشراب، وكان قومه يزربون ديوانه بالحطب في هذا الأثناء، وبإشارة منه أشعلوا النار فيها لتحرق إسماعيل ومن معه. فقالت ندى “حرقناه فحم”.
أما إشارتها الثانية فكانت إلى مستر هارولد ماكمايكل مفتش شمال مديرية كردفان خلال العشرينيات والسكرتير الإداري للحاكم العام الإنجليزي لاحقاً، الذي أمضى أمراً أغضب الناظر عبدالله وجاد الله، زعيم شعب الكواهلة والمقاتل تحت راية مهدي السودان، فنزع قلم المفتش من يده وكسره. وصار الناظر يعرف بـ”كسار قلم مكميك” (ماكمايكل). وفي فروسيته نظمت مستورة بت كوكو أغنية لا تزال موضع إعجاب كثير. وقالت ندى القلعة عنه “رايو مكملو كسار قلم مكميك”. وللأغنية مطلع:
احترامو وجب
دا شعب صعب
رغم أنو عظيم إلا غضبو كعب (كأب، قبيح).
مين بيقدرنا، “أفارقة زنج عرب”
وتعقد ندى القلعة فتوح القوات المسلحة عقداً في غنائها. فلها أغنية تبدأ بـ”العصا” (أي المطلع) التقليدي لأغنية الفروسية:
أنا يا ليل هوي الليلة
وهي التي يرقص الرجال “العرضة” على وحي حماستها رقصة يبدون فيها على مشية الصقر الفخور.
وتحصي في أغنياتها المدن التي استردها الجيش من “الدعم السريع” كل بصفتها، فأم درمان مثلاً “بناسها مركز الفراسة”. وقالت عن مدينة مدني، خشو (أي “الدعم السريع”) مدني غلطة وكانت أكبر ورطة.
وتعود في أخرى لتطلع فيها بـ”عزة تفخر بأولادها”، و”عزة” هذه عائدة إلى شاعر الحركة الوطنية خليل فرح الذي تقدم ذكره، فـ”عزة” عنده هي الوطن. ومضت ندى القلعة تعدد متحركات القوات المسلحة الأخيرة التي فكت الحصار عن معسكرات القوات المسلحة، فتذكر أنه بفضل هذه المتحركات “الإشارة (سلاح) قالدت القيادة”. ونوهت بتسلم الجيش لمصفى الجيلي. وتذكر أسلحة الجيش واحداً بعد واحد، المدفعية والعمل الخاص وأمن يا جن (هكذا يصف أفراد جهاز الأمن والاستخبارات مؤسستهم). ووثقت لاندياح الجيش شمال مدينة الخرطوم بحري:
شرق النيل دي بجيها جية
بخش الشمس حية
دي بحري بجيها جية
شمبات دي بجيها جية
وللدعامة غرزة وكية
وتتسرب عبارات القوات المسلحة إلى غنائها، فذاع في أوقات حصول الجيش على تسليح أحدث جاء في وقته عرف بـ”العدة الجديدة”، فقالت ندى:
أديك النجيضة
وكلو بالعدة الجديدة
بل وتتوقف عند لحظات درامية في المعركة. فكان الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقف في فيديو راج عند كبري بيكة بمدينة مدني، وقال إنه قال للطيار إن كان بوسعه أن يرسل صاروخاً يدخل في فجوة في الجسر اختفى فيها جماعة من “الدعم السريع”، ففعل. فقالت ندى:
طيارنا سويت البدع
صاروخك بالملي بيقع
سوخوينا (السوخوي) والميج الطلع
الدعامي من صوتو اتخلع
لا أعتقد أن مساعي المجتمع الدولي لإيقاف الحرب في السودان عدت هذه الأغاني السياسية التي تغذي الحرب باستنفار بوسيط الإبداع لقيم الفروسية في المحاربين وغير المحاربين. وليست هذه التعبئة قاصرة على القوات المسلحة. فبين قوات “الدعم السريع” جنس من غناء الفروسية تضطلع بها نساء عرفن بـ”الحكامات” (مفردها حكامة). بل ذاع قبل مدة أن واحدة منهن خلعت لباسها وقالت إنها لن ترتديه إلا حين يأتي لها فرسانها وعليهم غار النصر. بل كان أول الالتفات لدور هؤلاء الحكامات خلال نزاع دارفور في العقد الأول من هذا القرن. فعادة ما حملت مقررات مجالس الصلح التي سعت إلى طي الخلاف توصية بإقناعهن بالتوقف عن تلك الحماسة الضارة للرجال. فالحرب لا تخاض في ميدانها، إنها تخاض غناء كذلك. فلهؤلاء الفنانات قول حتى في أدق دقائق الحرب. فلما حمل المجتمع الدولي على القوات المسلحة لتفاوض خرجت الفنانة ميادة قمر الدين بأغنية “ملوك القل”:
تاح تاح تاح تحسم بالسلاح
ما في مفاوضات ودا الكلام الصاح
للحرب القائمة في السودان ثقافة، وهي ثقافة للحماسة واستحقار الموت للقضية. فترى جنود القوات المسلحة والمستنفرين والجمهور “يعرضون” على وقعها متشربين معانيها ريثما يعودون للميدان من جديد. وهي ثقافة محجوبة عن “المبعوث الخاص” الذي يعتقد أنه يعرف كيف يطوي صفحة حربنا بأمر تكليفه العالي.

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع طنين من التمر في محلية مدني الكبرى بولاية الجزيرة السودانية
  • مدير الأمن الداخلي بجوبا: سنلتزم بالاتفاق الذي وقعناه بمراقبة من الحكومة السودانية
  • ننشر تفاصيل الاتفاق السلام بين حكومة جوبا والمعارضة السياسية
  • خبراء المركز المصري يحذرون من التحولات السياسية في الشرق الأوسط وعودة صعود التنظيمات الإرهابية
  • ما وراء زيارة نتنياهو إلى أمريكا؟.. خبراء يجيبون
  • تاح تاح تاح تحسك بالسلاح”: الأغنية السياسية في الحرب (2-2)
  • خبراء: المنطقة مقبلة على لي أذرع في إطار مساعي إسرائيل لضم الضفة
  • الكشف عن أسباب تدهور الاقتصاد والمسرحيات السياسية في مناطق سيطرة العدوان
  • اشتباكات في السفارة السودانية بجوبا بسبب أزمة وثائق السفر
  • البراءة من الدماء ورفض الوحشية- الحرب السودانية وصراع المصالح