ضربات نوعية وتكتيكات.. حزب الله وإسرائيل إلى أين؟
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
بيروت- توصف المواجهة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي بـ"حرب التكتيكات والضربات النوعية"، وتزداد سخونة يوما بعد يوم منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين أعلن حزب الله أن معركته ضمن إطار جبهة المساندة لقطاع غزة.
ومع مواصلة إسرائيل لغاراتها على المنطقة الحدودية والمنشآت المدنية، بعمق بلغ قرى بقضاء جزين وإقليم التفاح هذا الأسبوع، استخدم الحزب أسلحة جديدة من نوع الصواريخ الحارقة أطلقها على أحراج مستعمرة "برانيت" كرد على إحراقها الأحراج اللبنانية، وسجل إطلاق 3 مسيّرات انقضاضية على تجمعات مستحدثة خلف مواقع إسرائيلية بمزارع شبعا اللبنانية المحتلة.
ومقابل استهداف حزب الله -الأحد- مرابض مدفعية لإسرائيل في "ديشون" بالصواريخ، تصعّد إسرائيل عبر ضرب المنازل والأحياء السكنية الحدودية، حيث أغارت طائراتها على أهداف عسكرية لحزب الله، شملت بنى تحتية ومباني عسكرية ومواقع إطلاق قذائف.
وكما الحال في غزة، تخفي إسرائيل حجم خسائرها بالجبهة الشمالية، بشريا ولوجستيا وعسكريا، بالمقابل، بلغت حصيلة حزب الله نحو 120 شهيدا وفق بياناته المتتابعة، فيما استشهد نحو 23 مدنيا جنوب لبنان.
ومنذ اندلاع المواجهة، تعرضت نحو 91 قرية في جنوب لبنان لنحو ألف و768 هجوما، وسجلت القرى الحدودية والجنوبية نزوح أكثر من 64 ألف شخص من سكانها، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
سياسيا، تتحدث صحف أميركية عن مساع تقودها واشنطن مع إسرائيل ولبنان، لضبط التوترات واستعادة هدوء مستدام على الحدود، وتواصل باريس مدعومة من واشنطن مسعاها لتطبيق لبنان القرار 1701، على قاعدة انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني وإنشاء منطقة عازلة؛ ما دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، للقول إن لبنان مستعد لتطبيق القرار شرط انسحاب إسرائيل من أراضيه المحتلة.
لقراءة وتحليل التداعيات والسيناريوهات المرتقبة للتصعيد بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلية، تستضيف الجزيرة نت كلا من الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب، والباحث الخبير بالعلاقات الدولية علي فضل الله، والخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد هشام جابر…
دلالات التصعيديجد الخبير العسكري هشام جابر أن حزب الله يرد على محاولات إسرائيل استدراجه للحرب، عبر قتلها للمدنيين وتوسيع العمليات لنطاق أوسع من 5 كيلومترات، لكن إسرائيل تدرك أن كسرها لقواعد الاشتباك كليا مع حزب الله، يحتاج لمساندة أميركية عسكرية مباشرة، بينما سلوك الحزب لا يمنحها فرصة إجبار واشنطن على التدخل.
فيما يعتبر خبير العلاقات الدولية علي فضل الله، أن ما يحدث عبارة عن حرب تكتيك بين حزب الله وإسرائيل. أما المحلل السياسي حسين أيوب فيجد أن كل طرف يحاول إنتاج معادلات لا تخل بالمعادلة الكبرى، طالما أن قواعد الاشتباك الفعلية المعمول بها قبل 8 أكتوبر، نُسفت كليا، وفق مؤشرين:
إسرائيل تعطي إشارات بأن يدها هي الطولى بالميدان. حزب الله يعطي إشارات لإسرائيل بأنه بلغ من الاستعداد ما يجعله قادرا على تقديم العديد من المفاجآت بالميدان.ويجزم حسين أيوب أن لا مصلحة لإسرائيل بالتصعيد، ويرجح ميلها لإخماد الجبهة كليا، في حين يوجه حزب الله رسالة لإسرائيل مفادها "الأمر لي وليس لك، وإذا أردت أن تتوقف هذه الجبهة، يجب وقف إطلاق النار بغزة، كهدف أساسي لمعركة جبهات إسناد غزة".
الجنوب وسوريامن جانب آخر، يعتبر المحلل السياسي حسين أيوب أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول الاستفادة من عناصر ميدانية عديدة، "عندما كان يسقط قتلى لحزب الله بسوريا بالغارات الإسرائيلية قبل حرب طوفان الأقصى، كان الحزب يرد بالجبهة الشمالية، وهذا لسان حاله بالسنوات الأخيرة التي أعقبت انخراطه بالحرب السورية".
أما اليوم، فيستفيد الإسرائيلي وفق المحلل ذاته، من واقع الاشتباك الحدودي حتى تكون يده رخوة في سوريا، وبالتالي سقط حتى الآن أكثر من 10 قتلى للحزب بسوريا، ولذلك، كان رد الحزب جزءًا من الاشتباك القائم، بحسب المتحدث نفسه، الذي يوضح الأمر بافتقاد حزب الله لعنصر المبادرة، بينما استفاد الإسرائيلي من معادلة كرسها حزب الله سابقا، ليحاول النيل من عناصر الحزب في سوريا، عبر توسيع ميدان الاشتباك ومعادلاته.
رسائل سياسية وعسكريةومن جهة أخرى، يعتبر الخبير العسكري هشام جابر أن حزب الله بدّل تكتيكه باستعمال أسلحة جديدة ومسيّرات وصواريخ موجهة وأسلحة الدفاع الجوي، خصوصا "أن أكثر ما يزعج إسرائيل هو الصواريخ المضادة للدروع التي يطلقها على مستوطناتها الشمالية".
وسياسيا، يجد حسين أيوب أن لا قيمة لما يحكى عن القرار 1701 والمنطقة العازلة، وأن المساعي لا تتعدى حدود التطوع الفرنسي بنقل رسائل إسرائيلية. ويقول إن "المناخ الدولي والإقليمي يشي بأن لا حديث جديا بأي معادلة قبل انتهاء حرب غزة لبناء المقتضى على ضوء نتائجها".
من جانبه، يجد علي فضل الله، أن تصعيد حزب الله بنوعية عملياته، يؤكد أن مساعي ضبط الجبهة وفق معادلة انسحابه من جنوب الليطاني غير معني بها، على قاعدة بأن ما لم تحققه "حرب تموز 2006″، لن تحققه إسرائيل بمعركة 2023.
ويعتبر خبير العلاقات الدولية أن ما يستوقف حزب الله، هو موقف فرنسا الداعم لإسرائيل، بعدما كانت تحاول أن تلتقي مع حزب الله بمنتصف الطريق وأن تحقق شروطه ومطالبه، عبر دعمها السابق لمرشحه للرئاسة اللبنانية سليمان فرنجية.
ويستدرك فضل الله في السياق ذاته "بعدما تحولت حرب غزة لصراع إقليمي، دخلت باريس معركة المزايدة دعما للمصالح الإسرائيلية، ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمرة الأولى بالإعلام حزب الله بالمجموعة الإرهابية، بعد نحو عامين من سعيه مع إدارته لمحاباة الحزب على حساب الأطراف اللبنانية الأخرى".
سيناريوهات التصعيدوعن اتجاه التصعيد يربط هشام جابر مصير الجنوب اللبناني بحرب غزة، وبما سيترتب الشهر المقبل كفرصة قد تكون أخيرة منحتها واشنطن لإسرائيل لتحقيق انتصار عسكري.
ويرجح الخبير ذاته ألا تتعدى المواجهة بين الحزب وإسرائيل السقف القائم، "لأن ما لم تحققه إسرائيل عسكريا ضد حماس بغزة، لن تحققه ضد حزب الله في لبنان".
أما علي فضل الله، فيجد أن قرار الحرب والسلم لدى أميركا وإسرائيل، ويقول: "احتمال بقاء المواجهة ضمن قواعد الاشتباك الحالية، يوازي بنسبته احتمال اشتعال الحرب، التي يجهز لها الطرفان لوجستيا وعسكريا كما لو أنها ستقع غدا".
لكن حزب الله برأي علي فضل الله، لا يتعاطى مع المعركة بوصفها حربا تحريرية، بعدما أرست حماس معادلة "تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين"، رغم نتائجها الإستراتيجية والإقليمية.
بالمقابل، يرجح حسين أيوب أن يتخذ الواقع الميداني طابعا أكثر حرارة بالأسابيع المقبلة، التي قد تسبق التوصل لوقف إطلاق النار، ويقول "سيحاول الجانب الإسرائيلي تقديم صورة وظيفتها الأساسية إحباط معنويات اللبنانيين، بمعنى القدرة على التدمير كما يفعل بغزة".
وسيحدث -كما يضيف- "خصوصا في قرى الحافة الحدودية اللبنانية الأمامية المقابلة للشريط الحدودي، ولأنه يتصرف هناك على قاعدة أن 90% من الموجودين فيها هم أهداف عسكرية، فيبدي استعداده لتحمل أعباء الاستهداف الذي قد يطال الأهداف المدنية".
أما أبعد من قرى الحافة الحدودية، فستكون إسرائيل حذرة للغاية برأي المتحدث ذاته "لأنها لا تريد للحرب أن تتدحرج أكثر بظل القيود الأميركية عليها".
كما يعتبر المحلل نفسه أن نتنياهو منذ اليوم الأول للحرب، يطمع ويطمح بتفويض أميركي لتأديب حزب الله بلبنان والحوثيين باليمن، "لكن الأميركي يصر على عدم توسيع المعركة وخروجها عن قواعدها الحالية".
ويخلص المحلل السياسي إلى أن سيناريو الإشغال سيستمر، مع قدرة لجم منعا لاحتمال الحرب الكبرى التي لا يريدها الأميركي والإيراني حتى الآن.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المحلل السیاسی علی فضل الله حزب الله
إقرأ أيضاً:
نزع سلاح حزب الله ضرورة لقيام دولة لبنان
آخر تحديث: 22 أبريل 2025 - 10:13 صبقلم: فاروق يوسف كشف الموقف الذي أعلن عنه مؤخرا الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في ما يتعلق بنزع سلاح الحزب وإنهاء حالة الطوارئ التي يعيشها لبنان بسبب ذلك السلاح عن حجم البلاء الذي ابتلي به لبنان. فحين يقول قاسم “سنواجه مَن يعتدي على المقاومة ويريد نزع سلاحنا وننصح بألا يلعب معنا أحد هذه اللعبة” فذلك معناه أن كل التوقعات التي كانت تحذر من أن البندقية المرفوعة باسم المقاومة يمكنها أن تستدير إلى الوراء لتوجه رصاصها إلى اللبنانيين بغض النظر عن مستوى ولائهم الوطني كانت صحيحة. كل اللبنانيين مستهدفون ويمكن أن يتعرضوا للخطر إذا ما تساءلوا عن معنى أن يستمر الحزب حاملا سلاحه في ظل متغيرات كثيرة، دولية وإقليمية ومحلية كلها تدعو إلى ضرورة أن يحظى اللبنانيون بدولة تحفظ لهم كرامتهم وتبعد عنهم شبح الفقر والاستلاب ومصادرة الحريات وتخطط لمستقبلهم على أساس حق المواطنة. واقعيا لم يكن لبنان في حاجة إلى مقاومة تحمل السلاح قبل أن تحل الكارثة به وبالمقاومة معا. لقد أُتخم حزب الله بالسلاح القادم من إيران حتى فاض عن حاجته فصار عليه أن يقاتل في سوريا وفي العراق ليمارس دور الوكيل الإقليمي بدلا من أن ينحصر دوره في لبنان وعلى مساحة محدودة هي الجنوب اللبناني الذي لم يعد محتلا منذ عام 2000. لقد تأكد قياديو حزب الله أن هيمنة دولتهم على الدولة اللبنانية صارت بحكم الأمر الواقع، فهم الذين يعيّنون رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وهم الذين يسنّون القوانين وصار في إمكانهم طرد القضاة واللعب بالعدالة بطريقة تمنعها من المرور بالضاحية الجنوبية. كل الذين قتلهم حزب الله حُفظت قضاياهم أما انفجار مرفأ بيروت نهاية عام 2020 الذي أدى إلى محو نصف الجزء التاريخي من العاصمة اللبنانية فإن مسؤولية الحزب عنه كانت واضحة وأكدتها كل الوقائع كما أن القضاء سمّى الجناة، ولكن أحدا لم يجرؤا على القبض عليهم لأنهم في حماية الحزب. كان سلاح حزب الله هو السبب الذي أدى إلى انفجار مرفأ بيروت. وسلاح حزب الله هو السبب في أن يكون لبنان طرفا في حرب لم يقرر خوضها فلم يكن مضطرا لذلك وليست له مصلحة فيها. تلك حرب إيران التي خاضها حزب الله تحت شعار “وحدة الجبهات” الذي رفعته طهران ودفعت وكلاءها وفي مقدمتهم حزب الله لتطبيقه عمليا من أجل إزعاج إسرائيل ودفعها إلى التقرب منها. لم تكن غزة إلا موقدا رمت إيران أتباعها حطبا فيه وعينها ترنو إلى مكان آخر. كانت قيادة حزب تنفذ التعليمات الإيرانية بطريقة عمياء ولا قيمة لمصلحة لبنان لديها. “أنا جندي لدى الولي الفقيه” جملة لطالما قالها حسن نصرالله متفاخرا. لم يكن لبنان حاضرا في حسابات زعامة حزب الله وهي تقرر الدخول في حرب ضد إسرائيل، تحت شعار “نصرة غزة”. كان في إمكان لبنان أن ينصر غزة من غير أن يمر بالخراب الذي تعرض له بسبب إصرار حزب الله على أن يكون طرفا في حرب عبثية. إذا ما جئنا إلى الوضع من نهاياته، كان لا بد أن يُهزم حزب الله لكي يتنفس لبنان هواء حقيقته. ذلك لأن دولة لبنان لا يمكنها أن تستعيد وجودها في ظل هيمنة سلاح الحزب الذي احتواها بعد أن ابتلاها بالمقاومة التي هي ليست في حاجة إليها. فقد اللبنانيون دولتهم ولم يستفيدوا من المقاومة شيئا. حل عبث المقاومة وهو شأن إيراني محل قيم الدولة المدنية التي خسرت الكثير من وقتها من أجل لا شيء. الآن هُزم حزب الله وقُتلت كل قياداته العسكرية والسياسية وانقطعت سبل الإمداد الإيراني غير أن الحزب لا يزال عبارة عن كتلة بشرية ضخمة لا يجيد أفرادها القيام بأي شيء سوى استعمال السلاح. هل سيكون على الدولة اللبنانية التي تحررت لأول مرة منذ خمسين سنة من ضغوط السلاح أن تقبل بأن يستمر حملة السلاح غير القانوني في ممارسة حرفتهم الوحيدة؟كان من الطبيعي أن يرفض رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي كان قائدا للجيش خيارا من ذلك النوع. فمجرد وصول الرجل إلى قصر بعبدا كان إيذانا بانتهاء حقبة حزب الله. وهو ما يعني أن نزع سلاح الحزب لم يعد مجرد مطلب شعبي لبعض الفئات كما ادعى نعيم قاسم، بل هو ضرورة لقيام دولة ذات سيادة على أراضيها. دولة مستقلة اسمها لبنان.