الحوثيون في مواجهة أكبر من حجمهم بكثير
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
هل ستكتفي الإدارة الأمريكية بعملية محدودة لتأمين حركة السفن التجارية العاملة في البحر الأحمر والخليج من هجمات الحوثيين أم أن إطلاق عملية "حارس الرخاء" ستكون بمثابة الخطوة الأولى في طريق اليمن الجديد؟
التهديد القادم من اليمن إلى إسرائيل ليس وليد حرب غزة. سنة 2019 هدد الحوثيون بضرب عمق إسرائيل وأعلنوا أنهم يملكون الترسانة الصاروخية التي تمكنهم من ذلك.
حملت إسرائيل تلك التحذيرات محمل الجد ونفذت ضربة عسكرية على اليمن خلال العملية العسكرية ضد الجهاد الإسلامي سنة 2022، شملت موقعاً قرب صنعاء، يتم فيه تصنيع تلك الصواريخ وتطويرها من قبل وحدة 340 التابعة لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
لم ترد جماعة "أنصارالله" آنذاك على تلك العملية، واستمرت حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب من دون أن تتعرض السفن المتجهة نحو ميناء إيلات لأيّ مضايقات تذكر.
مع تصعيد إسرائيل نطاق عمليتها العسكرية في قطاع غزة، حاولت إيران لعب ورقة جديدة بعد أن سقط من حساباتها خيار توسيع الجبهة في جنوب لبنان، وذلك من خلال نقل التصعيد إلى مضيق باب المندب والتشويش على المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة بغية دفعها إلى مراجعة حساباتها وتعديل موقفها الذي سيحسم مسألة الحرب وما بعد الحرب.
هذا التصعيد فيه أيضا إشارات ورسائل لدول المنطقة ولكل من يستشرف وضعا مغايرا لقطاع غزة بعد الحرب تكون فيه حركة حماس خارج المعادلة.
وإن صح القول فإن إيران تربط مصير حركة الملاحة في البحر الأحمر بمصير حماس في غزة، وفي نفس الوقت ترى في هذه الحرب فرصة لممارسة ضغوط من خلال وكلائها في اليمن تسمح بالحصول على المزيد من أصولها المجمدة، وهو ما نقله الحوثيون إلى الوسطاء في سلطنة عمان كأحد الشروط التي ستساهم في وقف أعمالهم التصعيدية في باب المندب في حال تمت تلبيتها.
يقتصر دور عملية "حارس الرخاء" على تأمين حرية الملاحة والشحن في البحر الأحمر وخليج عدن وهو دور ضروري لاستعادة ثقة شركات الشحن الكبرى، كما أنه يضمن نوعاً من الاستقرار لأسواق النفط. لكنه لا يعني ضمان الاستقرار طويل الأمد مع الفشل الذي تعرفه التسوية السياسية في اليمن.
وبما أن حرب غزة تشكل فرصة للحوثيين في تعزيز نفوذهم المالي وتحسين صورتهم في العالم العربي، فإن التصعيد في مضيق باب المندب سيستمر لوقت أطول وهو ما تتخذ منه إيران وروسيا أفضل فرصة للتداول على إزعاج مصالح الغرب الاقتصادية.
فبعد أن وظفتهم إيران في صراعها مع دول الخليج، يتم توظيف الحوثيين اليوم في صراع أكبر من حجمهم بكثير بزجهم في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة ستقود المكابرة والعناد فيها بلا شك إلى ابتلاع اليمن بمن فيه.
ومع ذلك يبدو الحوثيون غير مدركين لخطورة الموقف ولما ستقود إليه أعمالهم التصعيدية في البحر الأحمر بإعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية وربما قد تفتح الباب لاحقا لتتخذ واشنطن من عملية تحرير اليمن من الإرهاب سبباً قويا لتعزيز وجودها البري في منطقة الخليج بغية قطع الطريق أمام أيّ محاولة روسية أو صينية للتغلغل في هذه المنطقة الإستراتيجية.
أمام حقيقة أن الإدارة الأمريكية تدفع اليوم ثمن الأخطاء القديمة في الشرق الأوسط وثمن إدارة ظهرها للتحالف العربي في اليمن إلى أن انقلب السحر عليها، أضحت معالجة المعضلة اليمنية ضرورة تقتضيها المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية في آن واحد.
لكن التوقيت والسياق الدولي من شأنهما أن يطرحا مشكلة وجهة إدارة بايدن المنغمسة في مشاكل تمويل حرب أوكرانيا واستحقاق 2024 الرئاسي.
ولهذا فإنه من الصعب جدا أن تمتد عملية "حارس الرخاء" إلى أبعد من الهدف المعلن.
ومع أن ذلك كاف في الوقت الحالي إلا أنه ومع مرور الوقت سيكون مقدمة لمشروع آت لا محالة، سينتقل فيه الدفاع عن المصالح التجارية إلى هجوم تسوّق له أمريكا وتقوده إسرائيل من خلف الستار بغية تحقيق أبعادها الجيوستراتيجية في المنطقة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل اليمن فی البحر الأحمر باب المندب
إقرأ أيضاً:
هل تخلت إسرائيل عن ضرب منشآت إيران النووية بسبب ترامب؟
في ظل المحادثات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران حول الاتفاق النووي، يبدو أن إسرائيل غيرت موقفها من شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، بعد دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فثمة تحول في الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث تفضل الآن الطريق الدبلوماسي على الخيار العسكري.
هكذا يعتقد المحلل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، إيتمار آيخنر، ففي تقرير له يذكّر بأن إسرائيل عارضت لسنوات طويلة أي اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، معتبرة أن طهران تسعى إلى تطوير أسلحة نووية تحت غطاء برنامجها النووي السلمي.
وقد قدمت إسرائيل أدلة ووثائق، مثل ما أسماه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "الأرشيف النووي"، لتأكيد انتهاكات إيران للاتفاق النووي الموقع في 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018 تحت إدارة ترامب الأولى.
دبلوماسية بديلا للتهديدويقول آيخنر إن إسرائيل كانت دائما تفضل خيار الضربات العسكرية كوسيلة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. ومع ذلك، يبدو أن التهديدات المتكررة بشن هجوم مشترك مع الولايات المتحدة قد تراجعت في ظل التطورات الأخيرة، خاصة بعد أن بدأت إدارة ترامب محادثات مع طهران.
إعلانفمع عودة ترامب إلى السلطة، بدأت الولايات المتحدة في إجراء محادثات مع إيران عبر وسيط سويسري، مما أدى إلى تغيير في حسابات إسرائيل.
ووفقا للتقرير، فإن إسرائيل، التي كانت تعارض أي اتفاق مع إيران، أصبحت الآن أكثر انفتاحا على الخيار الدبلوماسي، شريطة أن يمنع الاتفاق إيران من الحصول على أسلحة نووية.
وقد أعلن ترامب مؤخرا أنه أرسل رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يدعوه فيها إلى التفاوض على اتفاق نووي جديد. وقال ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز "آمل أن تجري مفاوضات، لأنها ستكون أفضل بكثير لإيران". هذه الخطوة جاءت بعد أن اتصلت إيران بالولايات المتحدة عبر سويسرا لاستكشاف إمكانية إجراء محادثات.
كما واصل ترامب تهديداته ضد إيران، حيث قال في تصريحات صحفية "نحن في المراحل النهائية مع إيران، سيكون الأمر مثيرا للاهتمام، نحن في اللحظات الأخيرة.. على أي حال، ستكون مشكلة كبيرة. إنه وقت مثير للاهتمام في تاريخ العالم، ولكن هناك وضع مع إيران أن شيئا ما سيحدث قريبا، قريبا جدا".
خيارات إسرائيلووفقا للمحلل السياسي، فإن إسرائيل تدرس في الوقت الحالي عدة خيارات للتعامل مع الملف النووي الإيراني، بما في ذلك فرض عقوبات أكثر صرامة، والحفاظ على خيار عسكري ذي مصداقية، ودعم المحادثات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران.
ويضيف "وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تثق تماما في إيران، إلا أنها لا تستبعد إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد إذا كان ذلك سيحقق الهدف الأساسي المتمثل في منع طهران من امتلاك أسلحة نووية".
ويلفت في هذا السياق إلى تصريح مسؤول إسرائيلي لصحيفة واشنطن بوست بأن إسرائيل كانت قد صاغت خططا لهجوم مشترك مع الولايات المتحدة ضد المنشآت النووية الإيرانية بعد هجوم أكتوبر الأخير. ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى أن إسرائيل تفضل الآن المسار الدبلوماسي، خاصة في ظل التنسيق الكبير بين واشنطن وتل أبيب فيما يتعلق بالتعامل مع إيران.
إعلانويقول المحلل السياسي إنه على الرغم من التحول نحو الدبلوماسية، فإن إسرائيل لا تزال تحتفظ بخيار الضربة العسكرية كاحتمال قائم، مشيرا في هذا السياق إلى أن إسرائيل أجرت مؤخرا مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة، حيث شاركت طائرات مقاتلة إسرائيلية مع قاذفات أميركية.
ويؤكد أن "هذه المناورات، التي تحدث في ظل إدارة ترامب، تهدف إلى إرسال رسالة واضحة إلى إيران مفادها أن الدولتين منسقتان وتريدان تحقيق نفس الهدف، بغض النظر عن الطريق الذي سيتم اختياره".
ويسلط آيخنر الضوء على التصريحات الإيرانية المضادة، ومنها تصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لوكالة الأنباء الفرنسية، حينما قال إن برنامج إيران النووي لا يمكن تدميره بعمل عسكري، مشيرا إلى أن إيران لن تتردد في الرد بشكل حاسم إذا تعرضت منشآتها النووية للهجوم، وأن أي هجوم إسرائيلي على إيران سيؤدي إلى اندلاع حريق واسع في الشرق الأوسط.
ويلفت إلى رغبة إيران الحقيقية في التوصل لاتفاق نووي مع الغرب، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى رفع العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.
ولكن آيخنر الذي يرى أن "الثقة بين الطرفين لا تزال في أدنى مستوياتها، مما يجعل أي تقدم نحو اتفاق نووي جديد تحديا كبيرا"، يؤكد أن الخيارات مفتوحة، سواء كانت دبلوماسية أو عسكرية بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
ويختم المحلل السياسي تقريره، قائلا "مع استمرار المحادثات والتهديدات يبقى مستقبل العلاقات بين هذه الأطراف غير مؤكد، لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الدبلوماسية قد تكون الطريق الأفضل لتحقيق الاستقرار في المنطقة".