موقع النيلين:
2025-03-06@21:03:54 GMT

عادل عسوم: نوال وعوالم الدراويش

تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT


لقد أيقنت بأن هؤلاء الدراويش ماخلقهم الله الا لخير فيهم يفيض على من حولهم، ولغاية يعلمها هو جل في علاه!…
إذ لا اخال قرية أو مدينة؛ الا وفيها درويش…
كم لهذه الشخصية من بصمات في وجدان الناس!…
وكنت خلال صباي أظن السبب في وجود الدراويش انتفاء العناية الطبية، لكنني أستبعدت ذلك لاحقا عندما وجدت ذات الشخصية في العديد من دول العالم التي زرتها، وما كانت تفتقر إلى عناية الطبية، فتبين لي بأن الأمر ماهو إلا قدر مقدور من رب العباد…
ما كان مني إلا أن جلست أسائل نفسي بين يدي حديثٍ شريف لنبينا صلى الله عليه وسلم يفيد بأن الله لأرأف بعبده من الشاة بوليدها، فامتلأتُ يقينا بأن هؤلاء الدراويش أحبابٌ للّه، وفيهم من الأسرار والخبايا ما الله به عليم.


لقد قرأت في صباي كتابا وجدته في مكتبة الوالد رحمه الله لجان بول سارتر، إسمه (عبيط القرية)، يتحدث الكتاب عن رجل مفعم بالروحانية، تجد الإيجاب في كل حراك يقوم به وهو يتفاعل مع الناس من حوله، ثم قرأت زين طيبنا الصالح رحمه الله في روايته (عرس الزين)، الزين الذي ما ان تقع عيناه علي صبية من صبايا القرية إلا ويُلقي الله حبها في قلوب الشباب، فينفتح لها باب الزواج علي مصراعيه!…
واذا بي من بعد ذلك كلما قرأت سورة الكهف، ومررت على قصة الرجل الصالح وموسي عليهما السلام؛ أتوقف مَلِيّا بين يدي أفعال الخضر عليه السلام؛ من خرق للسفينة، وقتل للغلام، ثم إقامة للجدار!، بالرغم من يقيني بأنها تحكي عن تفاصيل القضاء والقدر والفرق بينهما؛ إلا إنني تبينت في ثناياها أسرارا ممتدة، وعوالم من أنوار ترفرف في فضاءاتها الأرواح، ارتقاء في درب مدارج السالكين…
واسمحوا لي بأن أحكي لكم عن قصة نوال وجعفر الدريويش، إنها قصة حدثت في إحدى القرى التي تقع على شاطئ النيل في اتجاه الشمال من قريتي البركل.
نوال هي الثانية من بعد شقيق يكبرها، وتليها شقيقات خمس،
وآخر العنقود جعفر، خرج إلى الدنيا بضمور في المخ ليعتاد الناس على تسميته بالدريويش منذ طفولته.
نشأت الأسرة كسواها من الأسر في شمالنا الحبيب على الكفاف، ولم يكن مصير نوال بأفضل عن العديد من بنات جيلها خلال السبعينات ممن تركن الدراسة في مراحلها المختلفة، أو لم يدرسن منذ البدء، فهي إن تساوت معهن في سمت المسغبة؛ إلا إنها تزيد عليهن بطول ملازمتها لأمها طريحة الفراش جرّاء مرض عضال، وما لبث أن سافر شقيقها الأكبر إلى ليبيا وانقطعت أخباره، وعندما طالبتها أدراة المدرسة الثانوية إيفاء مصاريف الجلوس لامتحانات الشهادة الثانوية (على قلتها)؛ لم تستطع لذلك سبيلا، فأخوها الأكبر -قبيل سفره- لم يدع لهم شيئا ليباع ويُنتفع بثمنه، وما بقي بيد والدها من مال لم يعد يكفي قيمة الدواء الذي يبتاعونه كل شهر لأمها…
في ذلك اليوم بكت نوال ما شاء الله لها أن تبكي، فإذا بالدريويش ينظر إليها في محبة مواسيا ويقول:
– ماتبكي يانوال، الله في…
وظل يهزج بها:
اللّه فيه …
اللّه فيه…
اللّه فيه…
أراح ذلك ذلك نوال كثيرا، فظلت تردد (اللّه في)، إلى أن نامت.
نوال كانت قد منّت نفسها بأن تصبح يوما معلمة تنير عقول النشئ، ثم تستعين بما تتحصل عليه من مال لرفعة شأن أسرتها، لكن ذهب كل ذلك ادراج الرياح، ومات الأمل، وتراجعت الميم لتذيّل وتقبر الأمل إلى الأبد…
قالت لها أمها يوما:
جعفر دا مااااا تستهونوا بيهوا يانوال يابتي، جعفر دا فيهو سر كبيييير والله!…
وَدّعت نوال المدرسة مكرهة لتتفرغ لأشغال البيت، ولم تكلّ أو تملّ، بقيت كالشمعة تذوب لتضئ لبقية أفراد الأسرة حياتهم، وانشغلت بممارضة والدتها المصابة بالسرطان، ولم تألُ جهدا في تلبية احتياجات والدها السبعيني، والذي ظل يعمل في أرضه الصغيرة التي بقيت، تناست نوال نفسها مع حراك حياة شقيقاتها الخمس، يضاف إلى ذلك إهتمامها بحياة شقيقها الأصغر جعفر الدريويش، فكانت تحرص على البحث عنه كل مساء لضمان مبيته في المنزل، ظلت تفعل كل ذلك بقلب محب ورؤوم…
وما أن مر عام حتي تزوجت شقيقاتها الخمس، ولكن شاب الأفراح شئ من حزن برحيل والدها.
وانتقلت شقيقاتها مع أزواجهن إلى مناطق أخرى في أرجاء السودان،
ولم تسع نوال إلى الاثقال على شقيقاتها للصرف على المنزل وقد اعتدن إنجاب التوائم، ولم يكن ازواجهن ميسوري الحال.
سعت نوال للبحثت عن عمل للصرف على نفسها وأمها وجعفر، فوجدت ضالتها في نسج الطواقي وعمل السلال والبروش من سعف النخيل، تعينها والدتها طريحة الفراش بالتوجيه، وشرعت كذلك في صنع الطعمية والزلابية لبيعها لطلبة مجمع المدارس القريب، وساعدها أهل القرية بابتياع مستلزمات العمل، ووجدت صبيا من الأعراب الوافدين للإهتمام بالأرض الصغيرة، وظل جعفر بجوارها يعينها بهمة ونشاط، وانفرج الحال قليلا، فامتدت هبات نوال وعطاياها إلى شقيقاتها الخمس من خبيز وتمور واحتياجات رمضان كل عام، أصبحت لهم أُمًَّا كي لا تشعرهن بمنقصة دون الأخريات، وبقيت أها ترقب كل ذلك وهي على فراشها غترفع يديها تدعو الله لها بظهر الغيب، وبرغم كل هذا الجهد والحراك لم تكن الأبتسامة تغادر وجه نوال، وعندما يأتي الليل تنشغل نوال بامها المريضة، فلاتنام إلا النذر اليسير منه، قال لها جعفر يوما وهو يهزج:
نومك قليل…
نومك قليل…
نومك قليل…
فسألته، لكن أسوي شنو ياجعفر؟!
أشار بيده إلى منزل شيخ وراق المجاور، والذي اعتاد قيام الليل والتلاوة، حيث يصلهم صوته قبيل الفجر.
بدأت تقيم الليل وتقرأ صفحة من كتاب الله كل ليلة، ثم تدعو الله ماشاء لها من دعاء وهي تبلل حِجْرها بدموع الرجاء، وظل الدريويش يرصدها من تحت غطائه وهو يشارك أمه الفراش…
وأكملت نوال حفظ كتاب الله خلال سنوات ثلاث، وجاء رمضان الرابع فتفيئت كما اعتادت ظلال العشر الأواخر منه تزيد من عبادتها وتلاوتها، وفي ليلةٍ وترٍ من لياليه العشر؛ إذا بها ترى كل شئ يخر ساجدا لله، والملائكة تُحَوِّم داخل الغرفة يقرأون سورة الرحمن! …
هتف بها هاتف:
– يانوال، يانوال…
هذه ليلة القدر، ادعي الله بماشئت.
فاشتد وجيب قلبها، وتعالت منها الأنفاس وكأنها هاجر تهرول المسافات الطوال بين الصفا والمروة، وتلعثم منها اللسان، فإذا بصوت الدريويش يأتيها من عَلٍ:
– نوال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، فرددت من خلفه ذلك مرات ثلاث، ونظرت إلى فراش امها فإذا هي نائمة لوحدها، ولم يكن للدريويش من أثر!
قفذت نوال وجِلَة إلى خارج الغرفة، فإذا به يرتفع عن الارض على مستوى بصر الرائي، وقد اعتمر له جناحين!..
ياللنور الباهر الذي يشع من وجه شقيقها جعفر!، وياااااللابتسامة الوضيئة التي ترتسم على شفتيه!…
قال لها جعفر -من علٍ- بلغة فصحى لم يعتد الحديث بها وهو يرفرف بجناحيه:
– يانوال، أنا ذاهب إلى ربي لأجاور الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في أعالي الجنان، وقد سبقتني أمنا قبل قليل، فلا تحزني ياأختاه…
فصاحت به:
– سوقوني معاكم…
قال لها وقد تهلل وجهه أكثر:
– لا تحزني يانوال، أدعي الله ياشقيقتي، فإن الله قد كتب لك الرضى والسعادة في الدارين.
فأجابته وهي تبكي:
– لكن حتخلوني براي؟!
– لا لن تصبحي وحيدة، ستتزوجين بإذن الله، وستنجيبين البنين والبنات، ولكن عديني بأن لا تنسين تسمية ابنك البكر باسمي، ثم علا واختفى…
عادت نوال مهرولة إلى الغرفة لتجد والدتها فارقت الحياة، فثقل خطوها، وسقطت على الأرض ترتعش من هول الموقف، وتذكرت الدعاء الذي أوصاها به الدرويش، فدعت الله به مرارا، واظلمت الدنيا في عينيها…
فتحت نوال عينيها فوجدت نفسها طريحة الفراش وحولها بعض نساء الحي:
– أنا وين؟!
فأجبنها بأنها في مستشفى كريمة، وأن الله كتب لها عمرا جديدا بعد أن بقيت غائبة عن الوعي لأيام، وقمن بتعزيتها لوفاة أمها، ثم سمعت بهن يتهامسن بان الناس قرروا أن لايخبروها بالدريويش الذي أختفى ولا يجدون له أثر، فلم تعر ذلك اهتماما، فهي تعلم مكانه يقينا…
واجتمع شملها بشقيقاتها الخمس اللائي جئن لتلقي العزاء ومواساتها في وفاة أمهن،
ثم أقبل عيد الفطر…
وقبل أن تسافر شقيقاتها تقدم لها قريب لهم يعيش في بورتسودان قد توفيت زوجه قبل عام…
قال (فيصل) الذي قُدِّر له أن يكون زوجا لنوال:
– والله منذ أول ليلة أفضيت فيها إلى نوال؛ بارك الله لي في كل شئ!!!…
كان لي كشك صغير فقط، فأصبح لي من المحال التجارية ثلاثا، وما شرعت في صفقة الاّ وبارك الله لي فيها أضعافا مضاعفة!!…
أصبحت نوال زوجا لأغنى تجار بورتسودان، وأنجبت العديد من الأبناء والبنات، ولم تنس أن تسمي أولهم بأسم جعفر…
ومافتئت يدها ندية بالعطايا إلى شقيقاتها، بل إلى أهل القرية قاطبة.

عادل عسوم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الل ه فی

إقرأ أيضاً:

أغاني رمضان 2025.. حسن فؤاد يطرح "في كل بيت"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

طرح الفنان حسن فؤاد أغنية جديدة تحت عنوان "في كل بيت"، بعد غياب سنوات عن الساحة الفنية، عبر موقع الفيديوهات "يوتيوب"، والمنصات الرقمية الموسيقية.

أغنية “في كل بيت” من كلمات عادل حراز، ألحان وتوزيع أحمد بدوي، وإنتاج ريتشارد الحاج.


وتقول كلمات أغنية "في كل بيت": من كل بيت حنلم فلوس، ونعلق كعبه ونور وفانوس، ونمد السلك لآخر الشارع، والنور حيلعلع نازل طالع وحندى للدنيا ندرس، حلو الشارع لما، يبقى منور بينا، عاملين زيطه ولما،  لما نقول اسامينا بسم الله على أحلى سحور،قبل الفجر ما ييجى بنور".


وفي بيان صحفي يقول حسن فؤاد عن الأغنية: "غبت لسنوات من ترتيب ربنا، وطوال هذه الفترة حفظت القرآن كاملا، والتحقت بمعهد القراءات، وحصلت على إجازة في القرآن برواية حفص عن عاصم، وبعدها استمررت كإمام مسجد لمدة 10 سنوات، كانت أسعد سنوات حياتي، واخترت العودة بغنوة في هذا التوقيت لأنني ابن رمضان، كما لقبني عمار الشريعي بأيوب الغناء المصري، غنيت أرابيسك، وعلي يا علي، الوتد، سعد اليتيم، كانت كلها في رمضان، عمرو دياب نفسه قدم 4 تترات مسلسلات ولم تنجح، أن أنجح في ظل وجود ملوك التترات علي الحجار ومحمد الحلو كان كرم من الله، ولهذا قررت أن تكون عودتي في رمضان بغنوة تمس الناس". 
وتابع حسن: “تواصل معي الملحن أحمد بدوي وعرض علي كلمات أغنية في كل بيت،  وقلت له، إيه الكلام الحلو دة، وأخبرني أنها من تأليف عادل حراز، وتحمست لها جدًا، وأتمنى أن تلقى إعجاب الناس لأنها عودة للأغنية الرمضانية كما يجب أن تكون”.
واستطرد فؤاد: “أحضر لأكثر من أغنية للشاعر ماجد ميخائيل، المحب لمصر ومفرداته مختلفة، قدمنا معًا أغنية الطاقة الإيجابية مع مايكل عياد وبيتر فرح، وأتعاون مع الملحن أحمد بدوي في أغنية "من كل بيت” ونحضر لرباعيات يومية، وأغاني للأطفال، كلمات عادل حراز الذي اعتبره ريحة مصر، يذكرني بجمال سيد حجاب والأبنودي وعبد السلام أمين وفؤاد حديد".


واختتم حسن فؤاد حديثه وقال: "معايير نجاح أي أغنية دون غيرها اختلفت مع الزمن، لكن تظل الكلمة هي الأساس وهي التي تبقى وتعيش، لن يبقى إلا اللحن الجيد والكلمة الحلوة، ما دون ذلك سوف يختفي مع الأيام".

https://www.youtube.com/watch?v=gwSI_U2a-xo

مقالات مشابهة

  • حسام حبيب: انا الي دمرت شيرين عبدالوهاب.. ونوال الزغبي تدعم صديقتها
  • متضامنة مع صاحبتها.. رامز جلال: نوال الزغبي بتسلم على حسام حبيب بقرف
  • أغاني رمضان 2025.. حسن فؤاد يطرح "في كل بيت"
  • مات في بيت الله.. تشييع جثمان موظف توفي أثناء صلاة التراويح بالقليوبية.
  • بروفسيور نوال خضر الامين تكتب: عذرا د. حمدوك .. (انت خارج الشبكة) ..!!
  • نجم الزمالك يكسب ثقة بيسيرو في أول ظهور له
  • نوال الزغبي حديث الجمهور.. “الحبايب” ترند
  • عادل الجبير يستقبل السفير المصري المعين لدى المملكة
  • سوريا: القبض على مسؤول حاجز المليون "أبو جعفر مخابرات"
  • نوال الزغبي تستقبل رمضان مع “الحبايب”.. دفء وحنين بلمسة ذهبية