لا يمكن اختزال الحرب التي تشنها إسرائيل على شعبنا في غزة بمساعدات، ومن المعيب على مجلس الأمن أن يختزل دوره في الدعوة لإدخال مساعدات إنسانية لنا في غزة بدلاً من أن يدعو لوقف الحرب ولوقف الإبادة التي يتعرض لها شعبنا أمام مسمع ومرأى من العالم.
القرار الأممي قبل يومين يشكل إدانة جديدة لصمت العالم وعجزه عن الوقوف أمام مسؤولياته، ويكشف أكثر كيف تثبت المنظمات الدولية أنها أداة بيد القوى المهيمنة وأنها لم تكن بالأساس إلا نتاج هيمنة هذه القوى على العالم بعد حروب الغرب الفتاكة التي دفع العالم ثمنها، وكانت حصتنا فيها كبيرة بمنح بلادنا للأغيار للتكفير عن أخطاء تاريخ ليس لنا علاقة بها.
هذه ليست قضية إنسانية، وما نتعرض له ليس فقط واقعاً إنسانياً صعباً وبؤساً لا حدود له، بل قضيتنا قضية شعب يتعرض للإبادة، وكل يوم يذهب المئات ضحية القصف والتدمير وعليه فهي ليست قضية شاحنة طعام تدخل من هنا أو من هناك أو هي شاحنة حطب (هل لاحظت) يتم التبرع بها من أجل أن نوقد ناراً ونحن في الخيام.
القصة أن هذه الخيام يجب أن يتم نزعها عن الأرض ورميها ويعود الناس لبيوتهم بعد أن تهدأ الحرب.
من لا يرى ذلك فهو بالتأكيد شريك في كل تلك الجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء.
قضيتنا ليست قضية إنسانية رغم أن الإنسان هو ضحيتها الأولى، بل هي قضية سياسية بامتياز فهذا شعب يريد حريته فيما الاحتلال يواصل قتله وتدميره وتهجيره.
هل ثمة أبسط من هذا! القصة ليست بحاجة لمداولات وليست بحاجة لنقاشات ولا صفقات بين الدول الكبرى بل هي بحاجة لأن يكون الإنسان إنساناً وربما أن من يحتاج لمساعدات إنسانية هي تلك الدول التي تدعم الاحتلال، فهي بحاجة لمساعدات إنسانية حتى تعود لإنسانيتها، وهي بحاجة لمن يذكرها أن البشر في نهاية المطاف بشر وليسوا مجرد مادة للقتل ولشهوة التدمير.
قضيتنا بحاجة لمعالجة إنسانية تنتصر للإنسان في وجه القتلة وفي وجه من يدعم الشر وقواه الظالمة والمظلمة.
من لا يرى ذلك بالتأكيد أعمى، ومن لا يريد أن يرى ذلك هو شريك في الجريمة.
وللأسف منذ اليوم الأول بدا واضحاً أن حرب الإبادة التي تشنها تل أبيب على شعبنا هي حرب بالشراكة مع قوى مختلفة في العالم، وأن الكثير من الدول ما زالت تصفق لإسرائيل وهي تواصل قتلها لشعبنا، بل إن أبعد ما قد يذهب له البعض هو القول: «اقتلوا برأفة ولا تقتلوا الكثير كل يوم حتى لا تلفتوا الانتباه».
للأسف العالم يرى بعيون واشنطن وتل أبيب والقرار الأممي قبل يومين قال ذلك بوضوح. هو العالم الذي جاء زعماء بلدانه الكبرى يحجون في تل أبيب وهم يمنحونها الضوء الأخضر للمزيد من العمليات ضدنا.
بل إن منظمات دولية سارعت في نفس اليوم للحديث عن الوضع الإنساني المزري في قطاع غزة وعن بعض الحقائق حول الحياة المعيشية هنا، من حيث معاناة الناس من الجوع ومن الجوع الشديد ومن نقص المياه ومن ما يتعرض له السكان من حرمان من أبسط أنواع الطعام.
وهي كلها معلومات حقيقية ولكنها تأتي فقط من أجل التركيز على أن ما يمكن أن يقوم به العالم في هذه اللحظة هو أن يرسل لنا الطعام حتى نأكل فتقتلنا إسرائيل في اليوم التالي، وبالتالي تغذية الحرب وليس تغذية الإنسان لأن العالم غير قادر على قول الحقيقة والوقوف في وجه آلة الحرب لأن بعضاً من قواه الكبرى تريدها.
ما فائدة الطعام إذا استمرت الحرب؟ وكيف يمكن للطعام أن يساعد في صمود الناس إذا كان ما يريدونه هو أن يبقوا أحياء وألا يموتوا، ولا الطعام ولا كل شاحنات المساعدات يمكن أن توفر لهم ذلك.
هم بحاجة لأن يصمدوا فقط إذا انتهت الحرب وإذا توقف القتل وإذا شعروا بأنهم نجوا.
ما يجري في غزة حرب إبادة تطال البشر والشجر والحجر وكل شيء.
ما جرى في غزة هو تدمير كامل للقطاع بحيث بعض المناطق لم تبقَ فيها بناية واحدة ويتم استهداف كل شيء يتحرك حتى الطير.
إسرائيل تريد أن تترك غزة خرابة لا يمكن العيش فيها. وإذا كان المجتمع الدولي قلقاً فعلاً على الوضع الإنساني في غزة فعليه أن يمتلك الجرأة ليقول الحقيقة بأن إسرائيل تخترق القانون الدولي وتقتل المدنيين وتدمر الأماكن المدنية والأثرية والمقدسة من أجل أن تواصل عدوانها على شعبنا.
والوضع الإنساني لا يمكن أن يتحسن طالما بقيت الحرب، فالقصة ليست أن تدخل ألف أو مليون شاحنة لأنه مهما دخل من شاحنات فإن الواقع الإنساني لن يتحسن ببساطة لأنه لا توجد كهرباء عند الناس.
هناك من لا يتذكر أن دولة الاحتلال قطعت الكهرباء منذ أكثر من سبعين يوماً وأن الماء شيء نادر في غزة وأن البنية التحتية الأساسية غير موجودة.
وأمام كل هذا الواقع كيف يمكن للمواطنين أن ينتعشوا ويعيشوا حتى لو دخل لهم كل شيء.
وبالإشارة لما دخل خلال فترة التهدئة وما بعدها فهو لم يلبِ أكثر من 5 بالمائة من احتياجات السكان لأن الأصل ألا يتوقف أي شيء، وطالما أن الدبابات تقوم باعتداءاتها والطائرات تقصف في كل اتجاه فإن كل ما يدخل لن يشكل فارقاً حقيقياً في حياة الناس. المطلوب هو أن تنتهي هذه الحرب ويعود النازحون إلى بيوتهم ويتم وضع حل سياسي لغزة يضمن شمولها في الحل السياسي العام الذي يتشكل وفقه مصير الشعب الفلسطيني والجغرافيا الفلسطينية، ما عدا ذلك فإن الأفضل للعالم أن يظل صامتاً.
(الأيام الفلسطينية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة مساعدات غزة مساعدات عدوان مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة
إقرأ أيضاً:
الخديعة الكبرى التي اجتاحت العالم .. شحوم المواشي علاج للبشر ام كارثة على البشرية
ثمة «ثورة» تجتاح العالم الآن بعد نشر أبحاث تقول بأن الأمراض التي ضربت البشرية خلال سبعة عقود كانت نتاج كذبة كبيرة سوّقت لها شركات الغذاء الكبرى والتي اعتمدت على الانتاج الصناعي ومنها «الزيوت المهدرجة والسكر الصناعي» واعتمدت على أبحاث طبية مزيفة للتخويف من الأغذية الطبيعية، والترويج لأخرى صناعية، والهدف اقتصادي؟
الأطباء الذين بدأوا يرفعون الصوت عالياً أن الدهون الطبيعية خطر على الحياة وأنها سبب رئيس للكوليسترول، كذبة كبيرة، فالدهون أساس طبيعي للبقاء في الحياة، وأن ما يمنعونك عنه يتوازع في كل جسمك بما فيه المخ، وأن ما قيل عن خطر الدهون المشبّعة كانت نتاج نقل عن بحث لبرفيسور أمريكي كتبه في نهاية الخمسينيات، حيث عملت الشركات الغذائية الكبرى على سدّ الحاجات البشرية من الغذاء بعد أنّ حصل نقص كبير في الثروة الحيوانية بعد الحرب العالمية الثانية، ولهذا تمّ تلفيق هذه الكذبة الكبيرة، وقد مُنع الصوت الآخر، بل وصل الأمر كما يقول الأطباء المخدوعون: إنهم كانوا يدرسون ذلك كحقيقة علمية، بل إنّهم لا يتوارون عن تحذير مرضاهم من الدهون الطبيعية، في حين أنّ الأمراض التي ضربت البشرية خلال العقود السابقة كانت نتيجة الزيوت المهدرجة، والسكر الصناعي، والوجبات السريعة..
والحل الطبيعي بإيقاف تلك الأطعمة الصناعية، ومنتجات تلك الشركات، والعودة للغذاء الطبيعي، وتناول الدهون الطبيعية بكل أنواعها والإقلال من الخبز والنشويات، ويضيف المختصون : أنّ جسد الإنسان مصمم لعلاج أي خلل يصيبه ذاتيًا، ولكنّ جشع الإنسان في البحث عن الأرباح الهائلة دفع البشرية إلى حافة الهاوية، فكانت متلازمة المال «الغذاء والدواء» والاحتكار لهما، وهكذا مضى العالم إلى أن القوى العظمى من تحوز على احتكار وتجارة ثلاثة أمور وجعل بقية العالم مستهلكاً أو نصف مستهلك أو سوقاً رخيصة للإنتاج، وهي الدواء والغذاء والسلاح، فضلاً عن مصادر الطاقة، ولعل ذلك بات ممثلاً بالشركات عابرة القومية بديلاً عن السيطرة المباشرة من الدول العظمى!
ثمة تخويف للعالم من الكوليسترول، وما يسببه من جلطات وسكر، تخويف ساهم الإعلام فيه، حيث استخدم الإعلام « السلاح الخفي للشركات العملاقة» لتكريس الكذبة بوصفها حقيقة، وهناك من استخدم الإعلام للترويج للزيوت المهدرجة والمشروبات الغازية، على أنّها فتح للبشرية، دون أن يعلم خطورتها، فقد ارتبط بقاء الإعلام بالدعاية للشركات الكبرى حتى يستطيع القائمون عليه تمويله، وبدل أن يقوم الإعلام بكشف تلك الكذبة باتت الشركات الكبرى تفرض عقوبات على كل من لا يغني على هواها بأن تحرم تلك الوسيلة وغيرها من مدخول الإعلان الهائل فيؤدي ذلك لإفلاسها وإغلاقها!
قبل سنوات، وفي مؤتمر عالمي للقلب في الإحساء في المملكة العربية السعودية، قال البرفيسور بول روش إن الكوليسترول أكبر خدعة في القرن العشرين، أو كما يقول د. خالد عبد الله النمر في مقال له بجريدة الرياض في 31 ديسمبر 2014 :
(في مؤتمر عالمي للقلب بالأحساء بالسعودية نظمه مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز لأمراض القلب فجّر الدكتور الأمريكي بول روش رئيس المعهد الأمريكي لأبحاث التوتر العصبي بواشنطن مفاجأة حيث أعلن أن الكولسترول أكبر خدعة في القرن الماضي والحقيقة: أن الطعام الدسم بشحوم الأغنام وتناول دهون الأبقار (سمن البقر) هو الذي يقوم بإخراج السموم من الجسم وإعطاء الليونة والمرونة للشرايين والجلد وتغذية الكبد والأمعاء وكافة الأجهزة بالجسم والدفع بالطاقة لأعلى مستوياتها وهو بريء من كولسترول الدم أو الإصابة بالنوبات القلبية والمتهم الحقيقي هو الزيوت المهدرجة دوار الشمس والذرة وغيرهم والسمن الصناعي من: المارجرين وغيره)
فهل نحن أمام خديعة كبرى قتلت ومازالت ملايين البشر؟ ولصالح من؟ وهل كانت قيادة الإنسان الغربي للبشرية قيادة صالحة وإنسانية أم إن ما قاله العلامة الهندي أبو الحسن الندوي قبل خمسة وسبعين عاماً مازال القاعدة وليس الاستثناء. يقول الندوي: «إنّ الغرب جحد جميع نواحي الحياة البشرية غير الناحية الاقتصادية، ولم يعر غيرها شيئاً من العناية، وجعل كل شيء يحارب من أجله اقتصادياً!» وقد شهد شاهد من أهله إذا يذكر إدوارد بيرنيس أخطر المتلاعبين بالعقل البشري في عام 1928 في كتابه الشهير «بروبوغندا» ما يؤكد ما ذهب إليه الندوي. وكان بيرنيس المستشار الإعلامي للعديد من الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين، وهو من أحد أقرباء عالم النفس الشهير سيغموند فرويد. ويتباهى بيرنيس في مقدمة كتابه الشهير ويعترف فيه بأن الحكومات الخفية تتحكم بكل تصرفات البشر بطريقة ذكية للغاية دون أن يدري أحد أنه مجرد رقم في قطيع كبير من الناس يفعلون كل ما تريده منهم الحكومة الخفية بكامل إرادتهم. ويذكر بيرنيس كيف نجح مثلاً في دفع الأمريكيين ومن بعدهم الأوربيين إلى تناول لحم الخنزير قبل حوالي قرن من الزمان. وهنا يقول إن تجارة الخنازير في أمريكا كانت ضعيفة جداً، وكان مربو الخنازير يشكون من قلة بيع اللحوم، فعرض عليهم بيرنيس خطة جهنمية لترويج لحوم الخنازير. ويذكر الكاتب أنه اتصل بمئات الأطباء والباحثين وأقنعهم بأن يكتبوا بحوثاً تثبت أن الفطور التقليدي للأمريكيين وهو الحبوب والحليب ليس صحياً ولا مغذياً، وبالتالي لا بد من استبداله بفطور جديد يقوم على تناول لحوم الخنزير بأشكالها كافة. وفعلاً نشر بيرنيس كل البحوث التي طلبها من الأطباء والباحثين في معظم الصحف الأمريكية في ذلك الوقت، وبعد فترة بدأ الناس يتهافتون على شراء لحم الخنزير ليصبح فيما بعد المادة الرئيسية في فطور الأمريكيين ومن بعدهم الأوربيين بشكل عام. وقد ازدهرت تجارة الخنازير فيما بعد في الغرب لتصبح في المقدمة بعد أن اكتسحت لحوم الخنازير المحلات التجارية وموائد الغربيين.
هل كانت نصيحة بيرنيس للأمريكيين بتناول لحم الخنزير من أجل تحسين صحة البشر فعلاً أم من أجل تسمين جيوب التجار والمزارعين وقتها؟ وإذا كان الغرب الرأسمالي يتلاعب بعقول وصحة الغربيين أنفسهم، فما بالك ببقية البشرية؟