يرحلون، ويتركون في القلوب غصّة، وفي الأماكن وحشة، يذهبون إلى حيث سيذهب الجميع في رحلتهم إلى دار الحق لا يأخذون معهم شيئاً، تاركين لنا الدموع والأوجاع والأشواق، وذكرياتهم وسجلّات حياتهم المكتنزة بالغزير من التفاصيل، نصيرُ نعود ُإلى الأيام الحلوة معهم، ونندم كثيراً على أننا ما عشناها وما شاركناهم تفاصيلها، وما عبّرنا لهم فيها عن مدى محبّتنا لهم، أخذتنا ثقافة الخجل عن البوح بمشاعرنا حتى أصبحنا نندم فيما بعد على أننا ما حرّرناها من أسرِ العيب والمجتمع والخجل.


يرحلون مطمئنين في رحلتهم الأخيرة، تلك التي يقال إنها تبدأ بخطوات أجمل بعدها، يذهبون ونبقى نلوك غصّة الرحيل، ونتساءل لماذا لم نلتصق بهم أكثر، لم نتعلّم، لم نقتنص فكرة، سلوكاً، طريقة حياة؟ لماذا لم نأخذ منهم ما نحتاجه من زادٍ إنساني في مسيرتنا نحو المستقبل؟ لماذا لم نلتقط صوراً ولم نوثّق لعلاقاتنا الخاصة معهم، بصرف النظر عن مدى ونوع وشكل العلاقة التي تربطنا بهم؟ 
في الشهور الماضية غادر دنيانا كثيرون من أقرباء، من أصدقاء، من معارف، كلّنا عشنا هذه الحالة، وبين الذين يرحلون هناك شخصيات مؤثرة في المجتمع، وأخرى في محيطها الصغير، وأكثر، هناك من وضع بصمة، لكنها لم تُسجّل ولم تُدوّن وفات ذاكرة الوطن أن تحفظها، ولم يتحرك أحد لالتقاط أجمل ما في حياة من رحل من مواقف وذكريات وسجّلات يحفظها في أرشيفه الخاص، ولكن لم ينقّب عنها أحد.
أكثر ما ندمتُ عليه في حياتي أن والدي الغالي رحل ولم أدوّن ذاكرته، وهو الرجل الذي لديه رصيدُ كبير من النجاحات، ومن التحديات، ومن الأعمال الكبيرة والجليلة سواء في تجارته، أم عمله الرسمي فيما بعد، أم علاقاته ابتداء من أول الخليج إلى سواحل أفريقيا، حيث كانوا يمتهنون التجارة في الخمسينيات وما قبلها وبعدها من زمنِ القرن الماضي، كنتُ أخاف لو أن ذهبتُ إلى التقاط ما عنده سيكون فألاً سيئاً فيرحل مبكراً، وقد رحل وما زال الشعر الأسود يجللّ هامته ولم ألتقط شيئاً من تلك الشخصية والذاكرة الخصبة الُمتّقدة، غفر الله له.
أقول ذلك لأنني اقرأ بين يوم وآخر رحيل شخصية من أبناء وطني، بخاصة في مدينة العين، يرحلون ولا أحد يوثق ما لديهم من مخزون معلوماتي، نخسرُ كثيراً لأن لا أحد دوّن ما تحمله تلك الذواكر من الكنوز البشرية التي يأخذني الندم كثيراً حينما أذهب لتأدية واجب العزاء في أحدهم لأنني لم أصل إليه، ولم أسجّل ما يحمل من معارف وخبرات، لكنني أعود لتعزية نفسي بأنني يد واحدة، واليد الواحدةُ لا تُصفق.

أخبار ذات صلة شيخة الجابري تكتب: شكراً.. خالد بن محمد بن زايد شيخة الجابري تكتب: الدخيل على مجتمعاتنا الخليجية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال

إقرأ أيضاً:

لماذا لم يترك نصرالله الضاحية قبل اغتياله؟

كثيرة هي التساؤلات التي طُرحت عن سبب وجود أمين عام "حزب الله" الشهيد السيّد حسن نصرالله داخل الضاحية الجنوبية لبيروت، رغم التهديدات الكبيرة بقصفها وإثر الاستهدافات العديدة التي طالتها قبل عملية اغتياله يوم الجمعة الماضي.
التحصينات الموجودة تحت المباني الـ6 التي قصفها العدو الاسرائيلي في الضاحية لم تمنح نصرالله الحماية الكاملة من الإستهداف ، علماً أن الأخير كان يعلم ومعه قادة "حزب الله"، أنّ لدى إسرائيل الكثير من القنابل التي تمكنها من اختراق التحصينات الخراسانية، وبالتالي الوصول إلى أيّ هدفٍ تحت الأرض.. فلماذا لم يترك نصرالله الضاحية وسط كل ذلك؟ وما الذي فرض عليه البقاء حتى تمكنت إسرائيل من اغتياله؟
في بادئ الأمر، كانت الخطيئة الأولى التي ربما ارتكبها "حزب الله" هي اعتبار الضاحية الجنوبية منطقة آمنة لنصرالله وسط كل التهديدات الإسرائيلية التي طالته، وبعد كل الاغتيالات التي حصلت في المنطقة ذاتها.
بالنسبة لمصادر معنية بالشأن العسكري، كان يُفترض على الحزب، ومنذ اغتيال القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري في كانون الثاني الماضي، أي قبل 10 أشهر من الآن، اللجوء إلى أماكن جديدة لنقل نصرالله إليها، وبالتالي تأمين حمايته كون الاستهدافات الإسرائيليّة باتت تطال منطقة قيادات مركزية.
رغم أن الخطر يُحيط بالضاحية، إلا أن مسألة إبقاء القيادات فيها لم يكن بالأمر السهل بينما البديل عن ذلك قد لا يكون متوافراً. السبب الأساس هو أن مسألة الانتقال في تلك المنطقة هي أسهل بكثير من الإنتقال ضمن جنوب لبنان، فقيادة "حزب الله" بقيت في الضاحية ولم تنتقل بأكملها إلى جنوب لبنان لتتحصن ضمن الأنفاق التي أسسها الحزب ومنها "عماد 4".
ضمنياً، فإن "حزب الله" كان يعرف تماماً ماهية أنفاق وأبنية الضاحية والتحصينات الموجودة فيها، ولهذا السبب كانت تعتبرُ مركز عمليات له من خلال مبانيها المحصنة والأنفاق المُجهزة والغرف التي لا يمكن لأحد الوصول إليها بسهولة طالما أنها مُحاطة بـ"حزام أمني" من "حزب الله".
كل هذه الأمور كانت تدفع بـ"الحزب" لإبقاء نصرالله ضمن الضاحية، وطالما أن القيادات الأخرى موجودة هناك وتحتاج لزيارة نصرالله باستمرار، فإنّ مسألة بقاء الأخير ضمن المنطقة تعتبرُ أمراً أساسياً لا يمكن تجاهله أو استبداله، والسبب هو أن وصول قيادات الحزب إلى نصرالله كان يُفترض أن يكون سهلاً ومؤمناً. أما في حال كان نصرالله في مكانٍ والقيادات في مكان، عندها فإنّ الإتصال سيكون أصعب كما أن قدرة الوصول الشخصي ستكون مهمة شبه مستحيلة في ظل الرقابة الأمنية الإسرائيلية والمتابعة الجوية التي تفرضها طائرات التجسس والاستطلاع.
الأمر الأبرز وراء ذلك هو أن نصرالله كان يحتاج إلى خطوط اتصالات آمنة وسلكية وبعيدة كل البعد عن أجهزة اللاسلكي و"البيجر" التي تمّ تفجيرها قبل نحو أسبوعين. في الواقع، فإن الضاحية الجنوبية لبيروت توفر لنصرالله شبكة الاتصالات التي يريدها، لاسيما أنَّ البنى التحتية لذلك موجودة هناك، ما يعني أن الانتقال إلى مكان آخر من دون وجود بنى تحتية للاتصالات، سيجعل من الصعب على نصرالله الاستمرار في قيادة "حزب الله" بسهولة، كما سيُصعب على القيادات الأخرى التواصل معه.
كل هذه الأمور تعتبرُ من العوامل الأساسية التي كانت تمنع نصرالله من الخروج باتجاه منطقة أخرى خارج الضاحية.. لكن السؤال الأبرز وراء كل ذلك هو التالي: هل سيعالج الأمين العام الجديد للحزب الثغرات الأمنية التي أحاطت بأمن نصرالله؟ هل سيبقى في الضاحية كما حصل مع الأمين العام الشهيد والقادة الآخرين؟
الأمور هذه برمتها يجب النظر إليها بعين الاعتبار، بينما الأمر الأهم هو أن البنية الاستخباراتية التي بناها الحزب في الضاحية ليست سهلة، فهي كانت صمام الأمان لنصرالله لكن الخرق الاستخباراتي الذي حصل أسس لتهديد نصرالله فعلياً وهذا ما حصل. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • لماذا يُريد حزب الله دخول إسرائيل إلى لبنان؟
  • أباعود: لماذا يتم جلب إسباني للإدارة القانونية في النصر.. فيديو
  • حرب مأساوية.. ودموع مُنهمرة
  • الخسائر بمليارات الدولارات.. قطاع تضرر كثيرا جراء القصف الإسرائيلي
  • لماذا اغتالوا (السيد) ولم يغتالوا ( السنوار) ؟!!
  • بن شيخة: “ارتكبنا العديد من الأخطاء و مستاؤون من الخسارة أمام المولودية
  • ملامح لا تشبهك.. لماذا لا نحب مظهرنا في الصور؟
  • كل أسبوع.. لماذا الطلاق بيد الرجل؟
  • بيغولا تودّع من ثمن النهائي وتشانغ تكتب التاريخ
  • لماذا لم يترك نصرالله الضاحية قبل اغتياله؟