منظومة بريكس الجديدة.. هل توقف الهيمنة الاقتصادية للغرب الرأسمالي؟: ماهية تأثيرها على تجاذب التعددية القطبية الدولية، والمجموعة الأفرو-عربية «1- 3»

* د. محمد عبد الله تيراب

تلعب الدول النامية دوراً حاسماً في الاقتصاد العالمي، وكذا في ديناميكيات العلاقات الدولية، حيث تواجه هذه الدول التي تتسم كثيراً بانخفاض مستويات تنميتها الاقتصادية، وتصنيعها، تحديات جمة.

وفي الوقت ذاته تلوح أمامها فرصٌ فريدة في سعيها لتحقيق، النمو والاستقرار.

في السنوات الأخيرة، أضاف ظهور منظومة بريكس BRICS الناشئ عن تحالف كل من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، بعداً جديدا لديناميكية العلاقات الدولية، حيث قدم مجالات لإمكانية نهوض الدول النامية، وتجاوز اسئلتها الكبرى المتعولمة المتعلقة بتحقيق التوازن بين علاقاتها مع كل من الغرب والقوة الاقتصادية الناشئة لمجموعة البريكس.

اكتسب نظام بريكس مكانة بارزة على ساحة العلاقات الدولية، وأضاف بعض عناصر التعقيد للمشهد الاقتصادي والسياسي. فقد تحدت هذه الدول، باقتصاداتها المتنامية، ونفوذها المتزايد، النظام العالمي الأحادي القائم الذي تهيمن عليه القوى الغربية. كذلك أدى صعود منظومة البريكس إلى تحول في ميزان القوى، وبداية بروز تعدد الأقطاب في العلاقات الدولية ما أدى ذلك لخلق تأثير عميق على المشهد الاقتصادي، والسياسي الدوليين.

فالواقع أن دول البريكس مجتمعة تمثل حصة كبيرة من سكان العالم، وكتلة اليابسة، والناتج المحلي الإجمالي. وبانضمام ست دول جديدة، اعتبارا من العام المقبل، إلى نادي كبرى الاقتصادات الناشئة التي تضم أكبر التكتلات السكانية.  بريكس تسعى أيضاً إلى إعادة تشكيل النظام العالمي الأحادي القطب بشكل حتمي، وهناك كثير بوادر تشير إلى هذا التحول، كما أوردت في حلقات المقالات السابقة. فالتقديرات تشير إلى أنه، وبعد أن كان حجم اقتصاد مجموعة بريكس نحو  26 تريليون دولار – بما يمثل قرابة 25.6 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي في 2022- سيصبح بعد انضمام الدول الست الجديدة نحو 29 تريليون دولار، وهذا يعادل 29 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي.

وفي الحين ذاته، ومع ارتفاع عدد دول مجموعة بريكس إلى 11 دولة سيصبح مجموع سكان دول المجموعة ما يفوق ال 3 مليارات و670 مليون نسمة، أي ما يقارب نصف سكان العالم بينما كانت هذه النسبة عند نحو 40 بالمئة قبل انضمام هذه الدول.

إن نمو هذه المجموعة الاقتصادي السريع، والتصنيع، والتقدم التكنولوجي، قد وضعهم كلاعبين رئيسيين على ساحة العلاقات الدولية. لقد تمكنت دول البريكس من الاستفادة من مواردها الهائلة، وأسواقها الاستهلاكية الكبيرة، والقوى العاملة الماهرة، لدفع النمو الاقتصادي والتنمية. لقد تحدى نفوذهم المتزايد في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، ومجموعة الـ 20، ذات هيمنة القوى الغربية التقليدية.

المنظور التاريخي لعلاقات الدول النامية:

للدول النامية تاريخ طويل، ومعقد، شكل مركزها الحالي في الاقتصاد العالمي. إذ إن استيعاب هذا المنظور التاريخي أمر بالغ الأهمية من أجل فهم التحديات التي تواجهها هذه الدول في تحقيق التوازن في علاقاتها مع كل من الغرب، وكذا منظومة بريكس الناشئة. تعود جذور ارتباطات العلاقات الخارجية – كما هو معلوم – للدول النامية إلى عصر الاستعمار. فخلال تلك الفترة أنشأت القوى الأوروبية مستعمرات عدة في أجزاء مختلفة من العالم، مستغلة الموارد الطبيعية والبشرية لتلك المناطق لتحقيق مكاسب اقتصادية خاصة بها. وقد ترك هذا الاستغلال تأثيرا دائما على التنمية الاجتماعية، والاقتصادية، لهذه البلدان، حيث جُردت من مواردها الطبيعية، وخضعت لأنظمة حكم قمعية.

يأتي هذا التطور الاقتصادي الجديد في وقت ما يزال إرث الاستعمار يشكل أس العلاقة بين الدول النامية والغرب، ويشكل الإستغلال الاقتصادي والابتزاز السياسي وضعا قائماً حتى تاريخ اليوم برغم الاستقلال السياسي لهذه الدول. إذ لا تزال العديد من تلك الدول النامية تكافح في دفع شرّ تبعات الحكم الاستعماري، بما في ذلك التبعية الاقتصادية، وغياب الاستقرار السياسي، وعدم وجود المساواة الاجتماعية، وكذلك استمرار الدكتاتوريات في الحكم، واستمراء حفاظها على الأوضاع الاستبدادية. تساهم هذه العوامل مجتمعة في تعقيد، وتجذير، التحديات التي تواجهها الدول النامية في موازنة علاقاتهم مع الغرب لصالح المصالح الوطنية لها، وكذا الدفع نحو سعي الدول إلى نظام عالمي أكثر إنصافا.

لقد زادت حقبة الحرب الباردة الأولى من تعقيد ديناميكيات العلاقات الدولية للدول النامية، حيث تم تقسيم العالم إلى كتلتين أيديولوجيتين، حين قادت الولايات المتحدة الغرب الرأسمالي، و راد الاتحاد السوفيتي الشرق الشيوعي بقبضةٍ من حديد . فقد وجدت الدول النامية نفسها حينذاك عالقة في قلب عاصفة التجاذب، والابتزاز، وكذلك الضغط للتوافق مع إحدى القوى العظمى. وقد زادت حقبة الحرب الباردة من تعقيد مشهد العلاقات الدولية، وكذا أشكال العلاقات الخارجية للدول النامية، حيث أدى الانقسام الأيديولوجي بين الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي إلى ظهور صراعات بالوكالة في مناطق مختلفة، وبلغت تلك الصراعات مدىً متطرفاً. وغالبا ما كانت الدول النامية عالقة في وسط ذاك الصراع، والضحية الأولى فيه. وفي ذات السياق دعم الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، الأنظمة المناهضة للشيوعية وتدخل في الشؤون الداخلية للدول النامية لحماية مصالحها الاستراتيجية. كذلك كان بروز حركة عدم الانحياز هو ردة الفعل لذاك التجاذب، واستجابة معاكسة للضغط، وبرز الحراك كمنصة للبلدان النامية لتأكيد استقلالها، والسعي إلى تحقيق مصالحها الخاصة. وهدفت حركة عدم الانحياز إلى تعزيز التعاون بين الدول النامية ومقاومة نفوذ القوى العظمى. وتوفر منتدى لهذه الدول للتعبير عن شواغلها، والدعوة إلى نظام عالمي أكثر عدلا، وإنصافا لتلك الدول على الأقل.

وقد شهدت أواخر القرن ال 20 – بإنهيار المنظومة الاشتراكية ونهاية الحرب الباردة – شهد مسرح العلاقات الدولية تحولا نحو العولمة، وتحرير الاقتصاد في إطار الأحادية القطبية، مما أتاح فرصا وتحديات للدول النامية. فمن ناحية فتحت العولمة أسواقا، وبعضاً من الفرص الاستثمارية الجديدة التي مهدت لهذه الدول لتشهد نموا اقتصاديا سريعا. ومن ناحية أخرى، فإنها عرضتها أيضا لتزايد المنافسة، والتعرض للصدمات الخارجية حيث لم يخل ذلك من التحديات في كيفية إدارة علاقاتها الخارجية. وقد لعبت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، دورا مهما في تشكيل قواعد الاقتصاد العالمي خلال هذه الفترة. إذ عبر هذا النهج شرعت مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في ممارسة نفوذ كبير، وضغط على الدول النامية، وغالبا ما فُرضت برامج التكيف الهيكلي التي أعطت الأولوية للإصلاحات الموجهة نحو السوق وسياساتها.

* متخصص في العلاقات الدولية

السياسات العامة، وإدارة النزاعات

ميريلاند- الولايات المتحدة الأمريكية

الوسومإدارة النزاعات الاقتصاد العالمي الحرب الباردة الدول النامية المنظومة الاشتراكية الولايات المتحدة الامريكية بريكس محمد عبد الله تيراب ميريلاند

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إدارة النزاعات الاقتصاد العالمي الحرب الباردة الدول النامية الولايات المتحدة الامريكية بريكس ميريلاند الولایات المتحدة العلاقات الدولیة الاقتصاد العالمی للدول النامیة الدول النامیة الحرب الباردة هذه الدول

إقرأ أيضاً:

خبراء يكشفون الأسباب الحقيقية لرفض مصر دخول قواتها مع دول عربية إلى قطاع غزة

أكد خبراء عسكريون مصريون أن أسباب رفض القاهرة دخول قوات عربية إلى غزة راجع إلى "المساعي الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، وخوف الدول العربية أن تكون شريكا في هذه الجريمة".

وأوضح الخبير العسكري والمحلل الإستراتيجي المصري اللواء سمير فرج، أن "الولايات المتحدة تخطط لتشكيل قوة عربية مشتركة للدخول فى قطاع غزة، لأنها تريد وجود قوة أخرى بعد انسحاب إسرائيل من القطاع تضمن إجراء انتخابات مع استبعاد حركة حماس من الحكم".

إقرأ المزيد وسائل إعلام: القاهرة ترفض دخول أي قوات مصرية إلى داخل قطاع غزة

وأضاف: "في بادئ الأمر عرضت الولايات المتحدة على مصر إدارة قطاع غزة، لكن القاهرة رفضت نهائيا التواجد فى القطاع، كما رفضت وجود قوة عربية أو قوة أممية، وشددت على أنه لا وجود إلا للسلطة الفلسطينية وهي المسؤولة عن إدارة قطاع غزة".

وتابع: "في المقابل تسعى إسرائيل إلى التواجد في قطاع غزة والسيطرة على أجزاء منه، وإبعاد السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وتشكيل حكومة في القطاع من العشائر الموالية لها حتى تضمن تحقيق كل أهدافها والسيطرة على القطاع بشكل كامل، بينما تسعى السلطة الفلسطينية إلى التصدى لمخططات إسرائيل، وإعادة هيكلة بنائها الداخلي، ودمج باقي فصائل المقاومة وإنهاء الخلافات واتخاذ موقف موحد يصب في مصلحة القضية الفلسطينية".

وأكد الخبير أن "حركة حماس ما زالت متحفظة في الرد على مقترح القوة العربية ولكنها ترفض الخروج من المشهد السياسي فى قطاع غزة أو حتى فكرة إلقاء السلاح"، موضحا أن "إسرائيل تسعى إلى السيطرة على معبر رفح واحتلاله من الجانب الفلسطيني لفرض سياسة الأمر الواقع وإجبار مصر على التعامل معها في إدارة القطاع بعيدا عن السلطة الفلسطينية، لكن القاهرة رفضت تماما التنسيق مع حكومة الاحتلال وتشغيل معبر رفح، مشددة على أن معبر رفح الفلسطيني لا بد أن يعود العمل به كما كان قبل الحرب الإسرائيلية على غزة تحت إدارة السلطة الفلسطينية".

إقرأ المزيد "تايمز أوف إسرائيل": مصر والإمارات تستعدان لمشاركة مشروطة في القوة الأمنية بغزة بعد الحرب

وأشار الخبير إلى أن "مصر لن تقوم بالتنسيق أو التعاون مع أي قوات عربية أو دولية تتواجد في المعبر الفلسطيني، حيث يعد ذلك مخالفا لكافة الاتفاقات والتفاهمات السابقة".

هذا وقال الخبير الإستراتيجي والمحلل العسكري، اللواء محمد عبد الواحد، إن "مشاركة قوات عربية فى إدارة غزة موضوع في غاية الحساسية، ويتم مناقشته في الغرف المغلقة".

وأضاف: "سبق ورفضت الدول العربية خاصة البلدان التي لديها اتفاق سلام مع إسرائيل المشاركة في هذه القوة، لأنها قد تتسبب في خسائر كثيرة لهذه الدول، بسبب الانتقادات التي ستتعرض لها من شعوبها على خلفية مشاهد الدمار وجرائم القتل التي ارتكبتها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني".

وأكد عبد الواحد أن "إسرائيل ترغب في توريط الدول العربية بقطاع غزة بهدف الاستمرار في تنفيذ أجندتها السياسية والعسكرية تحت أعين القوات العربية لتلقي باللوم عليهم أمام العالم وشعوبهم، وتفلت من العقاب بجرائمها".

إقرأ المزيد إعلام عبري يكشف ملامح خطط إسرائيل على حدود مصر مع غزة (صورة)

كما أوضح قائلا: "من أسباب رفض الدول العربية المشاركة في القوة التي دعت إليها الولايات المتحدة هي المساعي الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، وخوف الدول العربية أن تكون شريكا في هذه الجريمة التي لن يغفرها التاريخ".

واختتم مؤكدا أن "إسرائيل ترغب في تقسيم قطاع غزة إلى أجزاء في وجود القوات العربية لتوهم العالم أن تحركاتها بمباركة العرب لتضفي الشرعية على جرائمها، ولن يحدث ذلك".

المصدر: RT + وسائل إعلام مصرية

مقالات مشابهة

  • «ديهاد + روما».. مبادرة عالمية تجمع قادة قطاع العمل الإنساني
  • مستقبل الأمن السيبراني على مائدة المؤتمر العالمي للجوال في شنغهاي
  • خبراء يكشفون الأسباب الحقيقية لرفض مصر دخول قواتها مع دول عربية إلى قطاع غزة
  • باحث في العلاقات الدولية: المملكة وضعت الأمور في نصابها الصحيح للضغط على الدول الصديقة للقيام بواجباتها تجاه فلسطين
  • أستاذ العلاقات الدولية: ثورة 30 يونيو أجهضت مخططات الإخوان للسيطرة على الدول العربية (فيديو)
  • صحيفة روسية: انضمام أصدقاء أميركا للبريكس يقلق الغرب
  • رئيسة المفوضية الأوروبية: مصر هي بوابة أوروبا لإفريقيا والشرق الأوسط
  • بث مباشر.. افتتاح مؤتمر الاستثمار "المصري - الأوروبي" بحضور السيسي
  • السيسي يصل مركز المنارة للمؤتمرات للمشاركة في مؤتمر الاستثمار المصري- الأوروبي
  • واشنطن تدعو وزراء من دول عربية والاحتلال الإسرائيلي لحضور قمة الناتو