بطريرك الأقباط الكاثوليك: نرفع صلواتنا من أجل وقف الحرب والدمار ونشر الأمل في بناء السلام
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
ترأس الأنبا إبراهيم إسحق بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك ورئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر، قداس عيد الميلاد المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء بمدينة نصر.
وخلال القداس ألقى غبطة البطريرك رسالته في عيد الميلاد المجيد وجاء فيها:
من البطريرك إبراهيم إسحق
بنعمة الله، بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسيّة للأقباط الكاثوليك، إلى إخوتنا المطارنة والأساقفة، وإلى أبنائنا الأعزّاء القمامصة والقسوس الرهبان والراهبات المكرسين والمكرسات والشمامسة، وجميع أبناء الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة في مصر وبلاد المهجر.
النعمة والسلام في ربّنا يسوع المسيح، مولود بيت لحم.
"ستجدون طفلًا ملفوفًا مضجعًا في مذود." لو 2: 12.
مقدّمة:
نحتفل اليوم بعيد الميلاد المجيد، ميلاد ربّنا يسوع المسيح، كلمة الله الذي تجسّد وصار بشرًا وعاش بيننا. أتينا في هذا المساء المبارك لنجدّد إيماننا بالمحبّة ونرفع صلواتنا من أجل وقف الحرب والدمار وتخفيف آلام ضحاياها ونشر الأمل في بناء السلام.
عندما نتأمّل مشهد عيد الميلاد، نحن مدعوون للانطلاق في الرحلة روحيّة، منجذبين إلى تواضع ذاك الذي صار إنسانًا للقاء كلّ إنسان. ونكتشف أنّه يحبّنا لدرجة أنّه يتّحد بنا، حتى نتمكّن نحن أيضًا من الاتّحاد به.
أوّلًا: الغنيّ الذي افتقر
"وُلد لكم اليوم مخلّص في مدينة داود وهو المسيح الربّ، وإليكم هذه العلامة:
ستجدون طفلًا ملفوفًا مضجعًا في مذود." (لو 2: 11-12)
علامة حضور المخلّص هي علامة بسيطة جدًّا "طفل في مذود" يأتينا أعزل دون سلاح، يأتي إلينا بكلّ تواضع ووداعة. الله يفاجئنا بحضوره الرائع والمحبّ في وقت لا ننتظره فيه، وفي وجه لا نتوقعه ولا يمكن تخيّله، وفي مكان لا نجرؤ على دخوله. وُلد يسوع وسط الليل طفلا في مذود وحتى اليوم وكلّ يوم سيبقى عمانوئيل أيّ الله معنا. ووداعة المسيح هذه ليست ضعفًا ولا سلبيّة ولكنّها تجرّد حرّ.
وفي عيد الميلاد يدعونا الربّ أن نتمثّل به. وأسلوبه هو لا يُعلن عن ذاته بوسائل القوة البشريّة ولا غنى العالم وإنّما بالحضور والتخلّي. فإنّ مجد الله وعظمته يتجلّى في تنازله وتخلّيه. هذا هو أسلوب يسوع المسيح الذي به خلّص العالم، وهكذا يواصل الله خلاص العالم. فيسوع المسيح يتخلّى فيتجلّى في الأسرار، في الكلمة المقدّسة، في شركة المؤمنين ليأخذ ضعفاتنا وخطايانا مانحًا إيّانا حبّ الله ورحمته اللا متناهية.
لذا فإنّ فقر المسيح هو أعظم من كلّ غنى عالمي. ولكنّ غنى الله هذا لا يمكن أبدًا أن يمرّ من خلال أشخاص مملوئين من ذواتهم، متكبّرين، وإنّما دومًا وفقط من خلال أشخاص عرفوا كيف يتجرّدون ويتخلّون بحريّة على المستوى الشخصيّ والجماعيّ، يحركهم روح المسيح.
ونحن عـلى مـثال مـعلمنا، مدعوين أن نـقتدي بمن خـلّصنا آتـيًا إلينا وشـاركـنا حياتنا "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له". أخذ طبيعتنا البشريّة ليرفعها ويشركنا في حياته الإلهيّة. يدعونا المسيح إلـي مـشاركـته والـتمثّل بـه فـي فـقره المُغْني، أن نشاركه روح البنوّة ونـصیر به ومعه أولاد الله.
ثانيًا: الفقير الذي يُغْني:
يقول بولس الرسول مخاطبًا أهل كورنثوس:
"أنتم تعلمون جود ربّنا يسوع المسيح، فقد افتقر لأجلكم
وهو الغنيّ لتغتنوا بفقره." (2 كور 8: 9)
الله الغنى، افتقر من أجلنا لكي بفقره يغنينا. اقترب من خليقته، ويدعونا أن نكون مشابهين له. ما سبب هذا التخلّي؟
هو الحبّ الإلهي الذي يرغب في التقرّب ولا يتردّد في أن يعطي ذاته ويبذلها من أجل أحبائه. والــمحبّة تــقوم فــي الــحضور ومــشاركــة الــمحبوب. فــالــحبّ الحقيقيّ یھــدم الأســوار والحواجز ویلغي المسافات ویبني الجسور.
والھـدف مـن ھـذا التخـلّي لـیس الـفقر فـي حـد ذاتـه. وإنّـما كـما یـقول بـولـس الرسول: "لكي تغتنوا أنتم بفقره". لیس الأمر تلاعبًا بالكلمات، ولكنّه منطق الله المحبّة، منطق العطاء والبذل.
ما ھو ھذا الفقر الذي یُغني؟ ھو حبّه لنا وقربه منّا. تمّ هذا كلّه في تجسّد كلمة الله. فالله قريب من البسطاء والصغار والضعاف لأنّهم قادرون أن يروه بعيون قلوبهم فيملأهم فرحًا ورجاء.
إنّ بساطة المسيح ووداعته ليست ضعفًا ولا سلبيّة، ولا يقوم غناه في استخدام الأسلحة البشريّة. فقد قال المسيح لبطرس الرسول أن يعيد السيف إلى غمده. كم من مرّة نأخذ نحن هذا السيف بأيدينا! ربّما ليس بالمعنى المادي للكلمة، فلدينا العديد من الأسلحة التي نستخدمها للدفاع ضدّ الآخرين: الثروة، اللغة، السلطة، أفكارنا، مشاعرنا، وربّما أحيانًا صمتنا السلبيّ.
دعونا نطلب من الله نعمة في هذا العيد أن يجرّدنا من أسلحتنا وأن يجعلنا قادرين على تركها ومستعدين للاستسلام لمحبّته. دعونا نصغي ونتأمّل فنغيّر ونجدّد مواقفنا.
خاتمة:
في الختام نرفع صلاتنا من أجل وقف الحرب والدمار والآلام في كلّ مكان. ونوجّه النداء إلى كلّ من يحمل أمانة المسؤولية في العالم إلى التحرّك بعزم لإرساء أسس السلام والعدالة وحماية حياة الناس وحفظ كرامتهم.
نوجّه الشكر إلى كلّ من مدّ يده للتخفيف عن معاناة كلّ المهجرين واللاجئين. وإلى كلّ من ساهم في نشر وتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر والاحترام المتبادل والتلاقي والتضامن في إطار من الوحدة والتنوّع لبناء أسس متينة لمجتمع مدنيّ يشرّف بلدنا ويخدم مواطنيه. تـتحوّل أمـانـة المسؤولية إلى رسـالـة تـعبّر عـن مشيئة الله لنا، وعـلینا تـفعیلھا بـفرح لتتحوّل إلى منبع خیر وسلام وازدهارها.
ختامًا:
نرفع صلاتنا متّحدين مع قداسة البابا فرنسيس وأصحاب الغبطة بطاركة الشرق الكاثوليك. نهنئ كل الذين يحتفلون بعيد الميلاد من اليوم وكلّ الأيام المقبلة متمنيين أن يغمر فرح المسيح قلب كلّ إنسان.
نصلّي من أجل وطننا الغالي مصر، ومن أجل رئيس الجمهوريّة عبد الفتاح السيسي وكلّ المعاونين له في خدمة الوطن، ونقدّم له التهاني باختيار الشعب له لخدمة جديدة من أجل مواصلة العمل لخير بلادنا العزيزة وازدهارها.
يا طفل بيت لحم، تعال إلى قلوبنا اليوم، أعنا مثل الرعاة الفقراء والبسطاء،
أن نكتشف حضورك ونسمع صوتك، ونستجيب لندائك بشجاعة وسرعة. آمين. كلّ عام وأنتم بخير.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الأنبا إبراهيم إسحق الكنيسة الكاثوليكية عيد الميلاد المجيد
إقرأ أيضاً:
الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟
اتفق محللان سياسيان على أن الصراع المستمر في السودان منذ أكثر من عامين قد وصل إلى مرحلة حرجة، حيث تتفاقم الكارثة الإنسانية وسط تدخلات خارجية معقدة وفشل واضح للمجتمع الدولي في تحقيق أي اختراق لوقف الحرب، في حين يشهد الميدان العسكري تغيرات متسارعة.
وحسب أستاذ الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أسامة عيدروس، فإن الحرب في السودان اتسمت منذ يومها الأول باستهداف مباشر للشعب السوداني، متهما الدعم السريع ومنذ بداية الحرب باقتحام بيوت المواطنين رفقة مليشيات مرتزقة، وتنفيذ "سلسلة ممنهجة من التهجير القسري واغتصاب النساء ونهب البيوت والمرافق الحكومية والبنوك".
ورأى عيدروس أن استهداف البنية التحتية كان مخططا له ومقصودا لجعل الحياة في العاصمة الخرطوم "غير ممكنة" ودفع سكانها قسرا للخروج منها، مؤكدا استمرار هذا النمط حتى الآن، ودلل على ذلك باستهداف الدعم السريع قبل 3 أيام محطات الكهرباء ومحطة المياه في نهر النيل في مدينة عطبرة وقبلها في سد مروي، وفي دنقلا في الولاية الشمالية، على حد ذكره.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أكد مؤخرا أن الحرب التي دخلت عامها الثالث قبل أيام قد جعلت السودان عالقا في أزمة ذات أبعاد كارثية يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى، ودعا لوقف الدعم الخارجي ومنع تدفق الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة.
إعلان
فشل أممي
وفي السياق نفسه أكد الكاتب والباحث السياسي، محمد تورشين، بأن الوضع الإنساني في السودان قد وصل إلى مستويات كارثية، مشيرا إلى وجود عدد كبير جدا من اللاجئين السودانيين في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا.
وانتقد تورشين فشل الأمم المتحدة في إيصال المساعدات، قائلا إن الأمم المتحدة ممثلة بالوكالات الإغاثية فشلت تماما في إيصال الاحتياجات والمساعدات لمن هم بحاجة إليها.
واتفق المحللان على وجود تدخل خارجي واضح في الصراع السوداني، وقال عيدروس إن الراعي الإقليمي للدعم السريع أمده بتقانات عسكرية متطورة خصوصا المسيرات ومنظومات الدفاع الجوي، مؤكدا أن الدعم السريع يفتقر إلى أي مشروع سياسي حقيقي، ما يعني أن ما يجري هو عبارة عن "مخطط مصنوع من الخارج" حسب رأيه.
وفيما يتعلق بالتطورات الميدانية على الأرض أوضح عيدروس أن الدعم السريع تمدد حتى وصل مدينة الدندر في الشرق، لكن الجيش السوداني تمكن مؤخرا من تحرير الدندر والسوكي وسنجة وولاية سنار وولاية الجزيرة، بالإضافة إلى تحرير ولاية الخرطوم كاملة وفتح الطريق إلى الأبيض مرورا بتحرير مدن أم روابة والرهد وغيرها.
وأكد أن القوة الصلبة للدعم السريع انكسرت، وقيادتهم تشتتت وليس لديهم سيطرة على قواتهم، مشيرا إلى أن قوات الدعم في كردفان تشتكي من أنها تركت تقاتل وحدها والجيش السوداني يتقدم في مساحات واسعة.
ومع أن تورشين رجح بأن تكون قوات الدعم السريع قد تلقت ضربات موجعة أضعفت مقدرتها العسكرية وتسببت بانسحابها من الكثير من المناطق، فإنه لم يستبعد أن تكون هذه القوات مازالت تمتلك العديد من القدرات والإمكانيات التي تمكنها من تهديد أمن واستقرار المناطق الآمنة.
واستبعد انتهاء الصراع المسلح قبل أن يتمكن الجيش من امتلاك آلة عسكرية أكثر تطورا من تلك التي بحوزة الدعم السريع، خصوصا المسيرات وأجهزة التشويش.
إعلان
الحل السياسي
وفيما يتعلق بالحل السياسي، رأى عيدروس أن السودان "يتعرض لعدوان" وأنه إذا لم يتم صد العدوان وتأمين المواطن السوداني في كل بقعة من بقاع السودان، فإنه لا يمكن الحديث عن مرحلة الحل السياسي. ووجه انتقادا للقوى السياسية السودانية، قائلا إنها استقالت من مهامها الحقيقية ولم تستطع تقديم توصيف حقيقي لما يجري على الأرض.
وشدد على أن الحكومة الحالية هي حكومة الأمر الواقع وأنها تملك فقط حق إدارة الأزمة الموجودة حاليا وليس من حقها التقرير نيابة عن الشعب السوداني في شأن مستقبلي.
أما تورشين، فرأى أن الحل السياسي يتمثل بدمج قوات الدعم السريع وكافة المليشيات الأخرى في جيش وطني واحد مع ضرورة إجراء عملية إصلاح واسعة بالبلاد، ثم البدء بحوار سوداني- سوداني بمشاركة كل الأطراف للاتفاق على مرحلة انتقالية بكافة تفاصيلها، محذرا من فكرة تكوين حكومة مدنية في الظروف الحالية، باعتبار "أن الأوضاع غير مواتية، وأنه لا صوت يعلو فوق صوت البندقية".
وتوقع المتحدث نفسه أن يشهد مستقبل السودان السياسي تغييرا جذريا، على يد شرائح كثيرة من الشباب السوداني الذين لديهم انتقادات كثيرة على أداء الإدارات السابقة، ويحلمون بإنشاء منظومات سياسية بأفكار جديدة.