یُعتبر الاقتصاد الرقمي فرعًا جدیدًا من فروع العلوم الاقتصادية، ظهر في الآونة الأخیرة، ویقوم على فهم جدید وأكثر عمقًا لدور تكنولوچیا الاتصالات والمعلومات، لكونه الاقتصاد الذي یحقق استخدامًا فعالًا للمعرفة من أجل تحقیق التنمیة الاقتصادية والاجتماعیة. ویُعتبر رأس المال البشري جوهرَ الاقتصاد الرقمي، وذلك من خلال التعلیم والتدریب على خلق قوة عاملة مؤهلة ومتخصصة تسهم في تحویل النشاط الاقتصادي من الإنتاج السلعي إلى الإنتاج الرقمي، وبالتالي التحوُّل من التركیز على عناصر المیزة التنافسیة التقلیدیة إلى الاهتمام برأس المال البشري بوصفه أحد محددات المیزة التنافسیة في عصر الاقتصاد الرقمي.

وهو الأمر الذي دفع العدیدَ من الدول إلى التركیز على تأهیل وتنمیة قدرات رأس المال البشري، وذلك اعترافًا بأهمیة رأس المال البشرى في التجدید والابتكار ودوره في استیعاب التكنولوچیا الجدیدة، وإسهامه في تحوُّل العدید من الدول النامیة إلى مصاف الدول المتقدمة مثل سنغافورة وكوریا ومالیزیا والهند وتایوان. وتعاني اقتصاديات الدول النامية العدیدَ من المشكلات التي أدت إلى الانخفاض الكبیر في القدرات البشریة المؤهَلة والمدرَّبة، ومن هذه المشكلات: ضعف التمویل المخصص للتعلیم وقلة مصادره، انخفاض معدل الالتحاق بالتعلیم العام، انخفاض جودة العملیة التعلیمیة، عدم الاهتمام بالتدریب والبحوث والتطویر. وقد ترتب على ذلك انخفاض كفاءة رأس المال البشري، ویتضح ذلك من انخفاض مؤشر رأس المال البشري الذي بدوره أدى إلى انخفاض نسبة صادرات تكنولوچیا الاتصالات والمعلومات من إجمالي الصادرات الصناعیة. وتُعتبر التجربة المالیزیة أحدث تجارب الدول النامیة في التوجه نحو الاقتصاد الرقمي، حیث استطاعت مالیزیا التحوُّل من اقتصاد معتمد على إنتاج وتصدیر المواد الأولیة مثل المطاط والقصدیر إلى الاقتصاد الرقمي، وذلك من خلال وضع خطة للتنمیة في عام 1991 عُرفت برؤیة 2020، استهدفت تحقیق الاقتصاد المالیزي نموًّا سنويًّا بنسبة 7% حتى عام 2020. وقد ارتكزتِ الرؤیة على أن یصبح الاقتصاد المالیزي اقتصادًا قائمًا على المعرفة من خلال زیادة نسبة الصادرات كثیفة التكنولوچیا في الناتج المحلي الإجمالي المالیزي، بالتركیز على تنمیة رأس المال البشري كأحد المقومات الرئیسیة للتوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة وذلك عن طریق: تحسین مستوى جودة العملیة التعلیمیة بدءًا من التعلیم الابتدائي حتى التعلیم الجامعي، وخفض نسبة الأمیة، وزیادة معدلات الالتحاق بالمدارس (انطلاقًا من أن التعلیم یُعتبر المحورَ الأساسي في تنمیة رأس المال البشري، حیث یسهم في اكتساب المهارات والمعارف اللازمة للتوجه نحو الاقتصاد الرقمي)، والاهتمام بنظام التعلُّم مدى الحیاة لتنمیة مهارات الأفراد (وذلك من خلال زیادة حجم الإنفاق على التعلیم لیصل إلى 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015)، والاهتمام بتدریب القوى البشریة لتحسین مستوى المهارات التكنولوچية لدى هذه القوة بما یتناسب مع التطورات التكنولوچية في الأسواق العالمیة (وذلك من خلال: إنشاء صندوق تنمیة الموارد البشریة لتمویل البرامج التدریبیة، وزیادة الإنفاق على البحوث والتطویر كأحد المتطلبات الأساسیة للتوجه نحو الاقتصاد الرقمي لیصل إلى 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي). وقد ترتب على هذه الإجراءات حدوث تحُّسن في ترتیب مالیزیا في مؤشر التنمیة البشریة لتحتل المرتبة 42 عالمیًّا عام 2015، هذا إلى جانب تحسُّن مستوى جودة العملیة التعلیمیة في مالیزیا لتحتل المرتبة الخامسة عالمیًّا عام 2015. وقد انعكست كل هذه المؤشرات في تحسُّن أداء الاقتصاد الرقمي المالیزي لتحتل مالیزیا المرتبة 31 عالمیًّا من حیث مؤشر جاهزیة الشبكة الرقمیة، وزیادة حجم الصادرات كثیفة التكنولوچیا ليصل إلى 43% من إجمالى الصادرات المصنَّعة. كما بلغت مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي المالیزي حوالى 200% عام 2020.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: رأس المال البشری الاقتصاد الرقمی الناتج المحلی نحو الاقتصاد وذلک من خلال

إقرأ أيضاً:

كيف نعرف الصحفي ودوره بالمجتمع؟

آخر تحديث: 12 نونبر 2024 - 10:46 صبقلم: أحمد صبري وصفُ الصحفي في بُلدان عدَّة بأنَّه شريكٌ وقائد بالمُجتمع، وهذه المقولة عبَّرت عن الدَّوْر الَّذي يضطلع به الصحفي من حيث المهام والتَّأثير والرِّسالة الموَجَّهة للجمهور، بمقابل هذا التَّوصيف نجد الكثير من وسائل الإعلام تخلَّت عن دَوْرها ومهامِّها. فبدلًا من أن تكُونَ عونًا للجمهور في مواجهةِ التَّحدِّيات تحوَّلتْ إلى عبءٍ، ما وضعَ الجمهور والصحفي في خانق باتَ من الصَّعب التَّفكير بكيفيَّة الخروج مِنْه، فخسر الطَّرفان. وباتَتْ مصداقيَّة الإعلام على المحكِّ والَّتي أثَّرتْ كثيرًا على المعايير الصحفيَّة، وجعلتْها تبتعد عن المصداقيَّة؛ لأنَّنا في سُوق يعجُّ بالبضائع المتنوِّعة والمشاهد، والقارئ هو الهدف. وكُلَّما كنتَ صادقًا وقريبًا من نبضِ الشَّارع اتَّسعَتْ شهرتُكَ وتأثيرك. وأعزو غياب المعايير الصحفيَّة إلى الدّخلاء وأنصاف الصحفيِّين وشراء الذِّمم والمال السِّياسي الَّتي تُسقط الصحفي في المحظور، وتحوَّلتْ إلى فَوضى إعلاميَّة ما زلنا نُعاني مِنْها؛ لأنَّها خارج سياقات المعايير الوطنيَّة الَّتي ينبغي أن تضطلعَ بها وسائل الإعلام. فبدلًا من أن تكُونَ صَوتًا للشَّعب وتطلُّعاته تحوَّلتْ إلى بُوق يُروِّج لهذا الحزب أو ذلك، ويُلمِّع صورة رموزه، ويُبرز أهدافه السياسيَّة. والسُّؤال: هل التَّطوُّر التكنولوجي السَّريع في نقلِ المعلومات والأخبار ومواكَبَتِها أثَّر على الصّحافة الورقيَّة؟ والجواب: رغم ما أصابَ الصّحافة الورقيَّة من تغوُّل التكنولوجيا على مستقبلِها إلَّا أنَّها تُقاوم هذا التَّحدِّي بالانتقال من الأساليب القديمة إلى أساليب مبتكرة وحديثة؛ لمواجهةِ سُرعةِ انتقالِ الخبر والحدَث لحظةَ وقوعِه عَبْرَ استقصاء الخبر والحدَث وتحليلِه، والانتقال بالصّحافة الورقيَّة إلى مرحلةٍ جديدة في عَرض بضاعتها للقارئ وتجربة المذياع (الراديو) أمامَنا صمدتْ عِندما ظهرَ التلفزيون ولم تندثرْ. وفي العراق رغم مرور (21) عامًا على غزوِه واحتلالِه ما زالتِ التَّجربة الصحفيَّة تُعاني من أمراض الاحتلال ومشروعِه، ما أضاع دورَها الرَّقابي في مواجهةِ الفساد، والحفاظ على المال العامِّ، وتعبئة الجمهور والتَّحدِّيات الَّتي تواجِه المُجتمع لا سِيَّما البطالة والفساد والمخدِّرات والعُنف الطَّائفي ما انعكسَ سلبًا على مزاج الجمهور واهتماماته. وهُنَا نتساءل: كيف يُمكِن للصحفي أن ينهضَ بِدَوْره ويجسِّدَه على أرض الواقع؟ نقول: المدخل هي الفكرة وبلْوَرتِها وتجسيدها على الواقعِ المعاش هي من اشتراطات المدخل للكِتابة، فمن دُونِ تحديد بوصلتِها لا يُمكِن للصحفي أن يُظهرَ مهارتَه، ويبسطَ الفكرة والضَّوء عَلَيْها ويعرضها للجمهور. رغم مَن يقول إنَّ الموهبةَ والذَّكاء من أهمِّ صِفات الصحفي النَّاجح.. نَعم هذا صحيح، ولكن يُضاف إِلَيْها الخبرة والمعرفة وعلاقاته واندماجه بالمُجتمع ومصادره وتنوُّعها لِتكُونَ معينًا له في مَسيرته الصحفيَّة. لقد واكبتِ الصّحافةُ العراقيَّة قَبل الاحتلال وبعدَه كيف يُمكِن أن نقارنَ بَيْنَ الحقبتَيْنِ من حيث الحُريَّة والانفتاح والدَّوْر؟ – حقبتانِ مختلفتانِ من حيثُ المهامُّ والدَّوْر والوسائل. فالحقبة الَّتي سبقَتِ الاحتلال كانتْ وسائل الإعلام فيها مركزيَّة ولهَا مهام التَّعبئة لمواجهةِ الأخطار الَّتي كانتْ تحيقُ بالعراق، لا سِيَّما مخاطر استمرار الحصار، وإبراز مخاطر التَّهديدات الَّتي كانتْ تواجِه العراق ومستقبله. وصحيح أنَّ سقفَ الحُريَّات في الحقبة الأولى كان محدودًا، والسَّبب يَعُودُ إلى أنَّ الصّحافة كانتْ حكوميَّة ومموَّلة من الدَّولة، إلَّا أنَّها اضطلعتْ بِدَوْرٍ وطني دفاعًا عن العراق ومستقبله. أمَّا حقبة ما بعدَ الاحتلال فإنَّها تختلف رغم تمتُّعِها بسقفِ الحُريَّات والانفتاح، فتحوَّلتْ هذه الحقبة إلى سُوق لعَرضِ البضاعة من أيِّ مكانٍ ويشتريها أيُّ إنسانٍ، فحوَّلَها المال السِّياسي إلى صحافة استرزاق غابتْ عَنْها المعايير المهنيَّة واستدارتْ عن الفاسدين ومُبدِّدي المال العامِّ. ونخلص إلى القول: أي الحقبتين أفضل من حيث المهامُّ والأهداف والدَّوْر والمرتكزات؟

مقالات مشابهة

  • كيف نعرف الصحفي ودوره بالمجتمع؟
  • هل أرباح شهادات الاستثمار وودائع البنوك ربا.. الإفتاء ترد بالدليل
  • تفاصيل خطة استثمار العنصر البشري وتطوير العملية التعليمية بمجلس الشيوخ
  • وكيل الشيوخ يعرض خطة لاستثمار العنصر البشري وتطوير العملية التعليمية
  • اقتصادي يكشف مكاسب تمديد العمل بقانون إنهاء المنازعات الضريبية: يحفز الاستثمار
  • عضو بالشيوخ يستعرض أهمية بناء وتطوير قدرات رأس المال البشري المصري
  • "أبوشقة" يعرض على "الشيوخ" خطة لاستثمار العنصر البشري وتطوير العملية التعليمية
  • أبوشقة يعرض خطة لاستثمار العنصر البشري وتطوير العملية التعليمية على "الشيوخ"
  • أبو شقة يعرض خطة لاستثمار العنصر البشري وتطوير العملية التعليمية على "الشيوخ"
  • عضو بـ"الشيوخ": بناء قدرات رأس المال البشري من الركائز الأساسية لدفع عجلة الاقتصاد