كيف ينظر اليمنيون لاتفاق السلام المعلن من المبعوث الأممي؟
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
بين الحذر والتفاؤل ينظر اليمنيون إلى اتفاق السلام الذي أعلنه المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ مؤخرا، كخارطة طريق دون تزمين أو التزامات واضحة.
وأمس السبت، أعلن غروندبرغ، عن التزام الأطراف اليمنية بخريطة طريق أممية لحل الأزمة في اليمن تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار في عموم البلاد.
وأكد -في بيان صادر عن مكتبه- التزام الأطراف بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، مؤكدا أنه سيعمل مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خريطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها.
وأشار غروندبرغ إلى أن خريطة الطريق التي سترعاها الأمم المتحدة ستشمل، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى اليمن ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة. وأوضح كذلك أن خريطة الطريق ستنشئ أيضًا آليات للتنفيذ وستعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة.
أمل يشوبه الغموض
وفي السياق قال وزير الخارجية الأسبق الدكتور ابوبكر القربي، إن مستجد المبعوث الاممي يبعث الأمل ولكن يشوبه غموض يحتاج إلى توضيح حول إطاره العام وعلاقته بالتفاهمات السابقة بين السعودية وجماعة الحوثي.
وتساءل القربي بالقول: هل إعادة الملف إلى الامم المتحدة من أجل وضع آلية تنفيذية للتفاهمات تنهي الحرب، لأن اليمنيين يأملون أنهم على أبواب الحل وليس عودتهم إلى بداية الطريق؟
مرحلة جديدة من المعاناة
الكاتب الصحفي أحمد الشلفي توقع أن هذا الإعلان مجرد بيان سابق والحديث حول خارطة طريق لا يعني سوى مرحلة جديدة من المعاناة الداخلية.
وقال الشلفي "فور إعلانه التوصل إلى خارطة طريق بين الأطراف اليمنية لم أفهم تماما ماذا يعنيه المبعوث الأممي لليمن غروندبرغ بهذا الإعلان فقد أعلن عن خارطة طريق دون تزمين أو التزامات، فلنقل إنه إعلان مبادئ لخارطة طريق سيتم التفاوض حولها لاحقا، ويبدو أن هذا هو المقصود"، حد قوله.
ويرى أن هذا الإعلان هو مجرد إعلان تلا الاتفاق بين الحوثي والسعودية بحسب مصادر دبلوماسية تحدثت أن الإتفاق بين السعودية والحوثي قد تم إبرامه.
وقال إن "هذا الإعلان هو مجرد بيان سابق وأن الحديث حول خارطة طريق لا يعني سوى مرحلة جديدة من المعاناة الداخلية لكن هذه المرة ستكون بعيدا عن العامل الخارجي، وسيترك الأمر للأقوى كي يحسم أمره ويحكم".
ونقل الشلفي عن مصادر حكومية قولها إن الآلية سيطورها المبعوث وبحسب مصادر حوثية فإن السعودية ستهتم بأمر الآلية التنفيذية.
وختم الشلفي تغريدته بالقول "ثبت في كل زمن وأزمة أن الأمم المتحدة لا تملك من أمرها شيئا، وأن وقف الحرب والسلام يتوفر بإحدى طريقتين: أما السلام بين الأطراف اليمنية وهذا شبه مستحيل حاليا، وإما بحسم أحد الأطراف الوضع في الميدان".
مضيعة للوقت
الكاتب السعودي عبدالله آل هتيلة مساعد رئيس التحرير - صحيفة عكاظ- أكد أن "أي اتفاق لخارطة طريق لإهاء الحرب والانخراط في عملية سلام في اليمن إذا كان لا يفضي لدولة يمنية ذات سيادة بيدها السلاح المتوسط والثقيل بكل أنواعه ولها قرارها بعيدا عن الضغوط والوصاية فمن المفترض عدم الخوض في تفاصيله لأنه مضيعة للوقت".
وقال إن الخلاصة لا حزب في اليمن على غرار حزب الله في لبنان بيده السلاح ولا زعيم خارج عن طوع الدولة يعطل قرارتها كحسن نصرالله".
يضيف هتيلة "في تصوري أن الحوثيين لن يرتهنوا للسلام وإنما يسعون للمماطلة وكسب الوقت اعتقاداً منهم أنه يسير في صالحهم، بينما المعطيات تشير إلى أن أي حرب يمنية يمنية قادمة ستقضي على كل احلامهم غير المشروعة".
ترحيل للصراع
في حين اعتبر المحلل السياسي عبدالناصر المودع أن ما أعلنه المبعوث الأممي ليست اتفاقية سلام ولكنها تطوير للهدنة.
وقال المودع "يبدو أن بيان المبعوث الأممي هو الطريقة الوحيدة للإعلان بشكل رسمي عن الإتفاق السعودي الحوثي الذي طال الحديث عنه. فالحديث عن اتفاق يتم التوقيع عليه بين كل الأطراف اليمنية كان كلام غير واقعي.
وأضاف "فمن الصعوبة تحديد ماهية الأطراف، فالأطراف الفعلية التي تفاوضت على هذا الاتفاق كانت السعودية والحوثيين فقط بوساطة عمانية ظاهرة وأطراف أخرى غير ظاهرة منها إيران والصين وأمريكا".
وبحسب المودع "كان الحوثيون يصرون على أن يكون التوقيع بينهم وبين السعودية وهو ما ترفضه السعودية، لأنها لو قبلت بما يريده الحوثيون تكون قد اعترفت وقبلت بأنها في حالة حرب دولية مع اليمن الذي يمثلها الحوثي، ولهذا اصرت السعودية على أن الاتفاق ينبغي أن يتم التوقيع عليه بين الأطراف اليمنية وتكون هي وسلطنة عمان والأمم المتحدة الوسطاء والضمناء لهذا الاتفاق".
وأوضح أن "الحوثيين رفضوا ذلك ولا زالوا يرفضون، لأنهم لو قبلوا بأن يكون التوقيع بينهم وبين ما يسمى بمجلس القيادة الرئاسي، فإنهم بذلك يكونوا قد قبلوا بشرعية المجلس كممثل للسلطة الشرعية في اليمن، وأنهم عمليا متمردين".
وللخروج من هذه المعضلة يقول المودع "كانت هناك أفكار بأن يتم التوقيع على الاتفاق من قبل الأحزاب والقوى السياسية بدون مجلس القيادة الرئاسي، إلا أن هذه الفكرة لم يُتفق عليها من أطراف عديدة، لأن هكذا إجراء يعني بأن ما يسمى بالسلطة الشرعية أصبحت غير موجودة ولم تعد تمثل اليمن. ولهذا وكحل عملي لهذه التعقيدات كُلف المبعوث الأممي ليعلن الاتفاق بهذه الآلية، وهذه هي نفس الآلية التي تم بها إعلان الهدنة الأصلية والتمديدات اللاحقة".
وأكد أن الإعلان الحالي لن يغير من مشهد الوضع الحالي في اليمن كثيرآ، فهو عمليا بمثابة تطوير لاتفاقية الهدنة الأصلية، والنقاط التي تم الاتفاق عليها لن يتم تنفيذها بسهولة، لأن بعضها لا زال غير واضح مثل موضوع مطار صنعاء وميناء الحديدة، وكذلك آلية صرف الرواتب وموارد تصدير النفط وغيرها من النقاط مثل فتح الطرقات".
وقال المودع "الخلاصة أن المشكلة اليمنية لازالت في مكانها وهذا الإعلان لم يحركها إلى مربع جديد ناهيك عن حلها أو حتى رسم خارطة طريق للحل".
اتفاق وهمي وتمكين للحوثي
السياسي اليمني المنشق عن جماعة الحوثي، علي البخيتي، قال "ما أعلن عنه المبعوث الدولي من اتفاق بين اليمنيين ترسيخ للواقع على الأرض، الحوثيون لهم دويلتهم في صنعاء والمناطق التي تحت سيطرتهم (جمهورية أرض الحوثيين على شاكلة جمهورية أرض الصومال)، وبقية الأطراف لهم دويلاتهم".
وأضاف "لن يتم شيء من صرف المرتبات ولا رفع الحصار عن تعز ولا فتح الطرقات ولا حتى بعد سنتين من الآن، وما ذِكر المرتبات وغيرها مما يهم العامة إلا للضحك على المواطنين وبيعهم أملًا كاذبًا ليكونوا في صف هذه الاتفاقات الوهمية التي لم يوقعها أحد بل ولم يلتقي المعنيين ويتفاوضوا عليها -لو كانت جدية ومثمرة- ولم تعلن عنها أطراف النزاع ولا يوجد لها برنامج زمني ولا آلية تنفيذية".
ويرى أن ما حدث مجرد مراسلات -أوراق ومشاريع ومسودات لا قيمة عملية لها ولن تغير شيء من الواقع على الأرض ولا من أحوال المواطنين السيئة- بين السفير السعودي محمد آل جابر والمبعوث الدولي ومحمد عبدالسلام "ناطق الحوثيين"، مشيرا إلى أن الشرعية لا علم لها ولم يتم إشراكها في هذه المهزلة- ليُظهر كل طرف لليمنيين والعالم أن هناك إنجاز حدث في الملف اليمني، حد قوله.
وأكد البخيتي أن الهدف الخفي والحقيقي من الإعلان هو ذكر اسم السعودية كوسيط لا كطرف في الحرب، وترسيخ تلك الصفة في أذهان اليمنيين والمجتمع الدولي، بهدف التنصل التدريجي من دفع تعويضات حرب هي من فجرها مع الإمارات، ولم تثمر إلا دمارًا وخرابًا لمنازلهم وبنية دولتهم التحتية ومؤسساتها وقتلًا وجرحًا وتهجيرًا لملايين اليمنيين، وفي الأخير وبعد خراب مالطا ذهبت الرياض للحوار مع الحوثيين -في طهران وبكين وصنعاء- واكتشفت أنهم أشقاء وجزء من الشعب اليمني ولم يعودوا ذراعًا لإيران ولا إرهابيين ولا مجوس.
وطبقا للبخيتي تهدف السعودية، مستخدمة الشرعية -رشاد العليمي ومجلسه ومعين عبدالملك وحكومته- وبالتواطؤ مع الحوثيين وموافقتهم للتنصل التدريجي من المسؤولية الأخلاقية وما يتبعها من مسؤولية إنسانية واقتصادية وتعويضات هائلة تستحقها اليمن والمواطنين اليمنيين بسبب تدخلها الفاشل الذي لم يزد الحوثيين إلا قوة، وجعلهم اليوم رقم صعب في المنطقة والعالم، وباتوا يهددون الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
وقال إن الحوثيين يهدفون من قبولهم بتلك الإعلانات الفارغة من أي فوائد للمواطن العادي -عدى ترسيخ حالة من اللاحرب واللاسلم- شرعنة وجودهم بالتدريج وكسب مزيد من الوقت لاستكمال مشروعهم الكبير، والبند الثاني فيه استكمال سيطرتهم على ما تبقى من الأرض اليمنية -مراهنين أن كل الأطراف (خصومهم) ستنهار بمجرد وقف الدعم الخليجي لهم وبسبب خلافاتهم وفسادهم وتعدد مشاريعهم وأهدافهم- وصولًا إلى المهرة على حدود سلطنة عمان".
وتابع البخيتي "ثم الانطلاق ولو بعد عقد أو عقدين أو أكثر للسعودية عندما تأتِ الفرصة التاريخية (مستخدمين إستراتيجية وطول نفس حائك السجاد الإيراني)، وتحديدًا مكة والمدينة، التي يحلم عبدالملك الحوثي -باعتباره قرين القرآن وعَلَمْ الأمة وولي الله على الأرض- بدخولهما يومًا أو أحد أبنائه ولو على ناقة، ليحقق هدفهم الذي أعلنوه مرارًا في ملازم ومحاضرات الراحل حسين الحوثي، وفي الندوات والدورات التي يعقدونها حتى هذه اللحظة، والتي يرضعون أطفالهم عصير أفكارها التوسعية والشمولية، والتي لا يريد صانع السياسة السعودية رؤيتها ويتغابى عنها جبرًا بعد فشله الذريع، وهو تحرير مكة -من عملاء أمريكا وإسرائيل (آل سعود)- مهبط الوحي ومكان ولادة جده رسول الله".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن السعودية المبعوث الأممي الحوثي الأطراف الیمنیة المبعوث الأممی الأمم المتحدة هذا الإعلان خارطة طریق فی الیمن
إقرأ أيضاً:
على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي من الآلات الزراعية: “صنع في اليمن” ابتكارات زراعية يمنية لتحسين الإنتاجية والأمن الغذائي
وزير الزراعة :
هذه المعدات تمثل جزءًا من جهود العمل والتعاون المشترك بين الحكومة والمجتمع لتفعيل الورش الزراعية
محافظ صنعاء:
الهدف هو تحقيق اكتفاء محلي بنسبة 100% من الآلات والتقنيات الزراعية التي يحتاجها المزارع اليمني
المشرقي:
قمنا بتدشين خط الإنتاج الأول لصناعة الحصادات المحلية في عام 2023
الفضيل:
هذه الآلات باتت تلبي بعضا من احتياجات المزارع اليمني، وتسهم في تقليل تكاليف الإنتاج
الموسمي:
حريصون على تنفيذ التوجيهات القيادية في تصنيع ما هو مستحيل لتحقيق الاكتفاء الذاتي
الآلات المحلية بدأت تلبي احتياجاتنا بشكل ملحوظ
الثورة/ يحيى الربيعي
المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب ومؤسسة بنيان التنموية انتجتا عدداً من الآلات الزراعية التي تبرز الابتكار والإبداع للعقل اليمني. وتهدف المؤسستان من خلال تقديم المنتجات إلى تلبية بعضا من احتياجات المزارعين من هذه المدخلات في تحسين جودة وإنتاجية محاصيلهم. فضلا عما يحتله شعار “صنع في اليمن” من رمزية ودلالة قوية على بدء الهوية والانتماء في لعب دورها المحوري الهام في اكتشاف وتأهيل وتفعيل الجهود والطاقات الإبداعية على مسار عملي يهتم بتطوير الصناعات المحلية.
في هذا الاستطلاع نستكشف معًا بعضا من مميزات هذه الابتكارات الزراعية ومدى تكييفها مع احتياجات المزارعين، ولنسلط الضوء على نجاحات المشاريع الزراعية المحلية، وخاصة في جانب الإبداعات الصناعية، وكيف يمكن لها أن تسهم في تحسين الأمن الغذائي في اليمن. وذلك من خلال الالتقاء بقيادات في المؤسستين وكذا المختصين في المجال الزراعي والمستفيدين من المزارعين ومشاركة آرائهم وتجاربهم حول خلفيات فكرة المشروع وما حققه من إنجازات على طريق توفير بعض الآلات الزراعية.
الإبداع المحلي في تعزيز الاقتصاد الزراعي
في مطلع العام 2025م، دشن وزير الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، الدكتور رضوان الرباعي، معرض الصناعات المحلية للآلات الزراعية (النسخة الثانية)، والذي يهدف لتعزيز قدرات الإنتاج المحلي للآلات الزراعية. جاء ذلك في إطار استجابة واضحة لتوجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وتوصيات فخامة رئيس المجلس السياسي الأعلى، المشير مهدي المشاط، حول أهمية تطوير القطاع الزراعي.
وفي تصريحات له، قال الرباعي: “دشنا هذا العام النسخة الثانية من حصادات القمح التي يحتاجها المزارعون في حصاد محصول القمح، بالإضافة إلى مجموعة من فرامات وفراطات محصول الذرة الشامية. هذه المعدات تمثل جزءًا من جهود العمل والتعاون المشترك بين الحكومي والمجتمعي لتفعيل الورش الزراعية وإنتاج المعدات التي تسهم في تلبية احتياجات المزارعين من المعدات والآلات الزراعية، وخاصة في مجال الحبوب”.
وأكد الوزير على أهمية هذه التقنيات في التخفيف من تكاليف الإنتاج، مشيرًا إلى دورها في رفع مستويات الإنتاجية وجودة المحاصيل. وقال: “تعتبر الزراعة أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، وبرزت الابتكارات في مجال الآلات الزراعية بوصفها أداة فعالة لتعزيز الإنتاجية والاعتماد على الذات. وقد أظهرت اليمن قدرة ملحوظة على تصنيع مدخلات زراعية محلية ذات جودة عالية، مما يسهم بشكل كبير في تحقيق الاكتفاء الذاتي”.
وأشار الوزير إلى الدور المهم للتعاون المشترك بين مؤسسة بنيان التنموية والمؤسسة العامة لإنتاج الحبوب في اكتشاف ورعاية المبدعين وتجهيز خطوط الصناعي في ورش محلية، حيث أصبح بإمكان المزارعين اليمنيين الوصول إلى مجموعة متنوعة من الآلات الزراعية المصنعة محليًا. وقال: “هذا التحول يساهم في تحسين جودة الإنتاج ويعزز من خلق فرص عمل جديدة، مما يحفز الاقتصاد المحلي”.
التزام القيادة بتطوير الابتكار الزراعي
تلك الجهود عبرت عن رؤية وطنية متكاملة تهدف إلى النهوض بالقطاع الزراعي، ومن المتوقع أن تسهم هذه المبادرات الابتكارية في تغيير ملامح الزراعة في اليمن وتعزيز الاستثمار في هذا المجال الحيوي. مع انطلاق العام الجديد، تتحقق الآمال في بناء مستقبل زراعي مستدام يعتمد على الابتكار والإبداع، مما يؤكد أن اليمن يخطو خطوات جادة نحو الاكتفاء الذاتي في مجمل احتياجاته الزراعية، مما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية المستدامة.
وفي هذا السياق، أكد محافظ محافظة صنعاء، عبدالباسط الهادي، أن القيادة الثورية والسياسية حريصة على تشجيع وتنمية الموارد البشرية واكتشاف المواهب والمبدعين من الشباب والعاملين في المجالات الإبداعية. وأوضح الهادي: “تسعى هذه الموجهات إلى التقليل من كلفة الإنتاج على المزارعين، وتهدف إلى العمل على نقلها إلى حيز التطبيق العملي من خلال التعاون التكاملي بين كافة الجهات المعنية، سواء الرسمية أو المجتمعية”.
وأكد المحافظ أن الهدف هو تحقيق اكتفاء محلي بنسبة 100 % من الآلات والتقنيات الزراعية التي يحتاجها المزارع اليمني، بحيث يتاح له القدرة على إنتاج كافة احتياجاته من الآلات محليًا دون الاعتماد على الاستيراد.
كما أشاد المحافظ الهادي بدور مؤسسة بنيان التنموية والمشروع الخاص بالمؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب دور ملحوظ فيما قدمته المؤسستان خلال معرضهما للمرة الثانية، حيث تم عرض الآلات الزراعية التي تم إنتاجها خلال مرحلة “طوفان الأقصى”. وأوضح أن هذه الآلات قد تم توزيعها على المزارعين، مما يسهم بدوره في تسهيل عملية جني وحصاد الحبوب بمختلف أصنافها وأشكالها، وبتلك الجهود المبذولة، تسعى الحكومة والمجتمع المحلي للحد من الاعتماد على الآلات المستوردة، وزيادة الفائدة الاقتصادية للمزارعين، مما يعزز من قدرة القطاع الزراعي على الاستدامة وتحقيق الرخاء للمجتمع بأسره.
إن التوجه نحو الابتكار وإنتاج الآلات الزراعية محليًا مشروع اقتصادي يستثمر في صناعة مستقبل مشرق لليمن زراعيا. مع استمرار هذه الجهود تصبح الزراعة اليمنية رافدًا قويًا للأمن الغذائي والتنمية المستدامة، بالإضافة إلى الإسهام في تحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي للبلاد.
إنتاج الحبوب: تجربة محلية نحو الاكتفاء
أكد القائم بأعمال المدير العام التنفيذي للمؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب، المهندس صلاح المشرقي أن تجربة المؤسسة في مجال الصناعات الزراعية تأتي في إطار الاستجابة لموجهات القيادة الثورية والسياسية، مشيرا إلى أهمية تصنيع الآلات الزراعية محليا. وقال: “قمنا بتدشين خط الإنتاج الأول لصناعة الحصادات المحلية في عام 2023. ولله الحمد، تم الانتهاء من تصنيع 12 حصادة وتجريبها في عدة محافظات، وقد أثبتت نجاحا وكفاءة وجودة عالية مقارنة بالآلات المستوردة”.
انتقلت المؤسسة إلى المرحلة الثانية من الإنتاج، حيث تبدأ في تصنيع المزيد من الحصادات لهذا العام، مع خطط مستدامة لاستمرار الإنتاج خلال عامي 2025 و2026. وسيتم توزيع الحصادات عبر الجمعيات الزراعية، مما سيساهم في خفض تكاليف الإنتاج للمزارعين.
وأشار المهندس المشرقي إلى أن الحصادات المحلية تتميز بعدة مواصفات، منها الجودة العالية والمتانة والسرعة في الأداء، حيث يمكن للحصادة المحلية إنتاج 40 إلى 45 كيسًا في الساعة، مقارنة بالحصادة التركية التي تنتج حوالي 30 كيسًا فقط. كما أن عمر الحصادات المحلية الافتراضي يصل إلى 30 سنة بفضل التصميم الدقيق للمكونات من قبل مهندسين متخصصين.
وإلى جانب الحصادات، قامت المؤسسة بتصنيع نموذج أولي لغربال محلي للحبوب والبقوليات، الذي تم بناؤه بتمويل من صندوق تشجيع الإنتاج الزراعي والسمكي. هذا النموذج أثبت نجاحه، مما دفع المؤسسة لفتح خط إنتاج جديد للغرابيل لتلبية احتياجات المزارعين من حيث تنقية وغربلة المحاصيل.
كما أعلن أن المؤسسة ستقوم، في عام 2025، بفتح خطوط إنتاج جديدة لتصنيع الحصادات والغرابيل، بالإضافة إلى تصنيع خمسة نماذج مختلفة من الآلات الزراعية المتعددة. وستمكن هذه الخطط المزارعين والجمعيات في مختلف المحافظات من الحصول على المعدات التي يحتاجونها بسهولة ويسر.
مؤكدا “بهذه الجهود، تسعى المؤسسة العامة لإنتاج الحبوب لدعم القطاع الزراعي في اليمن، وتمكين المزارعين من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحسين جودة الإنتاج الزراعي المحلي”.
احتواء المبدعين والشباب
أوضح نائب المدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية، المهندس علي ماهر أن المؤسسة بدأت بتبني المبدعين والمبتكرين من خلال إطلاق “برنامج الإبداع والابتكار”. هذا البرنامج، الذي بدأ بإمكانيات بسيطة، استهدف استقطاب الشباب المبدع من تخصصات مثل الميكاترونكس، وبدأت المساهمة في انطلاق مشروع تصنيع الآلات الزراعية.
وأشار ماهر إلى أهمية احتواء المبدعين والطلاب الخريجين من الجامعات لتطبيق دراساتهم في الورش الخاصة بالمؤسسة، مما يعزز تفاعلهم مع المجتمع الزراعي وتلبية احتياجاته. ونتيجة لذلك، صممت العديد من الآلات مثل الحصادات والفرامات بناءً على احتياجات المزارعين في الميدان.
ووصف نائب المدير التنفيذي كيف أن هناك توسعًا في عمل المؤسسة، حيث بدأت في إنتاج آلات متنوعة مثل فرامات الأعلاف وفراطة الذرة الشامية. كما تم التخطيط لإنتاج آلات متنوعة مثل فراطات البقوليات والغرابيل التي تساعد المزارعين في فرز البذور الجيدة.
وأكد أن هذه الجهود تأتي في إطار توجيهات القيادة بالاهتمام بالتصنيع الزراعي والتركيز على الإبداع والمبدعين ورعاية المبتكرين، وهذا متفق مع الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات.
كما ذكر أن المنتجات المحلية ستساعد في تحسين سلسلة القيمة الزراعية وتسهيل العمليات الزراعية للمزارعين. وتهدف المؤسسة بالتنسيق والتعاون مع الشركاء في المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب والجهات ذات الصلة بالجانب الفني والإبداعي كالجامعات والمعاهد وصناديق التمويل والاتحاد التعاوني الزراعي والجمعيات الزراعية إلى توفير أساليب صيانة قريبة من مزارع المزارعين لضمان استدامة الإنتاج المحلي.
وأشار نائب المدير التنفيذي إلى أهمية التعاون مع الشركاء في مجال توفير المدخلات الزراعية، مشددًا على أن دعم الصناعات المحلية سيؤدي إلى استقرار الاقتصاد ويساهم في تحقيق السيادة الاقتصادية للبلد.
وذكر المهندس ماهر أن المؤسسة قامت بتصنيع ما بين 17 إلى 20 آلة جاهزة للإنتاج، بما في ذلك آلات متعلقة بإنتاج العسل ومعدات زراعية أخرى، مما يوضح التنوع في المشاريع الصناعية التي تهدف إلى دعم الزراعة.
كما أعلن عن التعاقد مع وحدات التمويل في محافظة الحديدة لتوزيع فراطات الذرة الشامية، مشيرًا إلى أن هذه الآلات تأتي بعد تجارب متقدمة وتعديلات بناءً على ملاحظات المزارعين، مما يجعلها أكثر ملاءمة لاحتياجاتهم.
وأوضح نائب المدير التنفيذي أن الطموحات المستقبلية للمؤسسة تتضمن تفعيل المبدعين في جميع أنحاء اليمن، وتطوير المواهب المتاحة. كما أكد على أهمية التنسيق بين مختلف الشركاء والجهات التي تعمل في مجال التصنيع المدني، من أجل توحيد الجهود وتحسين جودة المنتجات.
وشدد على أهمية تفعيل الجمعيات التعاونية الزراعية والمبدعين في الميدان، مشيرًا إلى أن هناك ورش تصنيع موجودة في كل مديرية، يمكن أن تسهم في تطوير المعدات الزراعية. وأكد على وجود مبدعين بالفطرة، لم يتخرجوا من جامعات، ولكن لديهم مهارات فطرية يجب استغلالها.
وأضاف نائب المدير التنفيذي أن تقريب المسافة بين المزارعين والورش التصنيعية مهم جدًا، حيث يمكن للمزارعين الحصول على منتجات صناعية مناسبة بسهولة. هذا سيساعد على تخفيف العبء عنهم وتسهيل عمليات الزراعة.
وفي ختام حديثه، أشار إلى أن مؤسسة بنيان والمؤسسة العامة للحبوب تلعبان دورًا رئيسيًا في إنتاج المدخلات الزراعية، بما يسهل ويساعد المزارعين في الحصول على احتياجاتهم من الآلات الزراعية. الهدف هو تحسين الجودة وتقليل الاعتماد على الطرق التقليدية التي كانت مستخدمة سابقًا. مؤكدا أن مؤسسة بنيان تسعى إلى تعزيز جهود التعاون والتنسيق بين جميع الفاعلين في مجال التصنيع الزراعي، مما يسهم في تطوير الصناعة المحلية وتلبية احتياجات المزارعين اليمنيين من المدخلات الزراعية اللازمة.
التكامل مع شركاء التنمية
رشاد الفضيل – مدير البرامج المركزية بمؤسسة بنيان التنموية، استعرض تجربة المؤسسة في مجال الإنتاج والتصنيع المدني. وأكد الفضيل أن العمل بدأ عبر فريق الإبداع والابتكار بالمؤسسة، الذي قام بالنزول إلى الميدان لتفقد احتياجات المزارعين ومشاكلهم، وتم جمع معلومات قيمة حول العوائق التي تؤثر على جودة الإنتاج اليمني.
بناءً على هذه المعلومات، شرع الفريق في إعداد التصاميم الهندسية والدراسات الكهربائية والميكانيكية لتصنيع نماذج أولية من الآلات. وأوضح الفضيل: “هذه الآلات باتت تلبي بعضا من احتياجات المزارع اليمني، وتسهم في تقليل تكاليف الإنتاج، مما يعود بالأثر الإيجابي على جودة المنتجات”. وبتلك الجهود، أصبح الإقبال من المزارعين والجمعيات على هذه الآلات مرتفعاً جداً، حيث تم تصميمها بناءً على احتياجات الميدان.
وأشار الفضيل إلى أهمية الشراكة والتكامل بين المزارعين ومؤسسة بنيان والمؤسسة العامة للحبوب وشركاء التنمية الآخرين، مؤكدا أن المزارعين يمثلون القوة الدافعة الأساسية نحو الاكتفاء الذاتي. وأضاف: “إن تكامل الأدوار بين الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني من شأنه تقديم الحلول والإجراءات اللازمة للتغلب على المشكلات التي تعوق الوصول للاكتفاء الذاتي”.
الفضيل أشار أيضًا إلى أن العمل التشاركي والتكاملي سيتيح للجميع فرصاً كبيرة لتحقيق أهدافهم، بل والسعي للوصول إلى مرحلة التصدير للأسواق العالمية وعبّر عن أهمية عدم وجود مساحة للتنافس حاليًا، داعيا إلى وجوب تكريس الجهود لتكوين شراكات تعزز من فرص نمو مصانع استثمارية في مجال الصناعات الزراعية المتاحة والتوسع في ابتكار كل جديد.
وأشاد بدور الشراكة بين المؤسستين (بنيان والحبوب)، التي كانت لها مساهمة كبيرة في المرحلة الثانية لصناعة هذه الآلات. بفضل هذه الجهود، يمكن للقطاع الزراعي أن يحقق نقلة نوعية نحو الاكتفاء الذاتي وتلبية احتياجات السوق.
تطلعات مستقبلية وطموحات التصنيع
أكد المهندس إبراهيم يحيى الموسمي، رئيس قسم الإنتاج بالورش الصناعية، على أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال توفير متطلبات المزارعين اليمنيين من الآلات الزراعية، وأعلن أنه تم تنفيذ مشروع صناعة آلات الحصادة محلية الصنع كجزء من جهود التصنيع في البلاد، معتبرًا ذلك دفعة تنموية موازية لانتصارات معركة طوفان الأقصى، حيث يُظهر ذلك التوجه الجدّي لسكان اليمن للتزاوج بين الجبهتين الزراعية والعسكرية.
وذكر الموسمي أن المرحلة الأولى من المشروع شهدت صناعة حوالي عشر حصادات تم توزيعها بالفعل وفقًا لاحتياجات المزارعين عبر الجمعيات الزراعية المنتشرة في المحافظات اليمنية، مما يسهل عملية حصاد محصول الحبوب بشكل فعّال.
وأشار إلى أن الحصادات الجديدة مصممة لتكون متعددة الاستخدامات، حيث يمكن استخدامها لحصد جميع أنواع الحبوب، مثل البر والذرة الشامية. وقال: “نحن حريصون على تنفيذ التوجيهات القيادية في تصنيع ما هو مستحيل لتحقيق الاكتفاء الذاتي”، مضيفًا أن هدف الورشة الصناعية يكمن في أن تكون اليمن غير معتمدة على الاستيراد الخارجي.
تم تدشين أول خطوط إنتاج لآلات فرامة الأعلاف وفراطة الذرة الشامية، التي تعمل بالطاقة الشمسية والكهربائية. وذكر الموسمي أن فرامة الأعلاف صممت للأسر المنتجة التي تعمل في تربية الحيوانات، كما تم تلبية احتياجات المزارع المتوسطة والكبيرة. أما بالنسبة لفراطة الذرة الشامية، فقد أشار الموسمي إلى أنها تسهم في تحسين عملية تفريض الذرة الشامية بشكل سلس، مما يساعد المزارعين في تحسين جودة منتجاتهم.
أكد الموسمي على أهمية التعاون مع المؤسستين بنيان والعامة لإنتاج الحبوب والهيئات العلمية والتقنية والجامعات والمعاهد، مبينًا أن العمل المشترك بينهم يساهم في تطوير الآلات الزراعية الحديثة التي تتناسب مع الظروف البيئية في اليمن. وبهذا، يؤكد المهندس الموسمي أن جميع هذه الجهود تتضافر في “الجبهة الزراعية التنموية”، معبرًا عن التفاؤل بالمستقبل وبقدرة اليمن على تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاع الزراعي.
انطباعات المستفيدين
في استطلاع لآراء مجموعة من زوار المعرض الذي أقامته المؤسستان (بنيان التنموية والعامة لتنمية وإنتاج الحبوب) في ساحة ميدان السبعين، أعرب عدد من المزارعين والمهتمين بالجانب الزراعي عن تفاؤلهم بما رأوه: “ما شاهدناه في المعرض يمثل بداية عظيمة ومبشرة بمستقبل مشرق”. وأكدوا أن صناعة هذه الآلات تُعد خطوة جبارة نحو النهوض بالقطاع الزراعي، وخصوصًا في ظل الحاجة الملحة لتلك الآلات المحلية.
وأشار الزوار إلى أن المجتمع الزراعي كان يعاني من نقص في تواجد هذه الآلات، حيث كان يتم الاعتماد على الاستيراد من الخارج. وعندما كانت تتوفر الآلات، كانت جودتها وصناعتها المحلية لا تلبي احتياجات المزارعين. وعزا الزوار ذلك إلى غياب الدعم والرعاية من الجهات الرسمية للابتكار والإبداع من قبل حكومات ما قبل 21 سبتمبر 20214م، في هذا المجال وغيره من المجالات التنموية.
وعبّر الزوار عن تقديرهم للجهود المبذولة من المسيرة القرآنية والتوجيهات القيادية لصناعة الحصادات والدراسات لتلبية احتياجات المزارعين. وأوضحوا أنهم قاموا بمقارنة الآلات المحلية مع المنتجات الخارجية، ولاحظوا أن الآلات المحلية بدأت تلبي احتياجاتهم بشكل ملحوظ.
وأبدى زوار المعرض رضاهم عن التفاعل الذي حصل مع المعنيين حول ملاحظاتهم. حيث تم استقبال أفكارهم، وتم إدخال العديد من التعديلات والتطويرات على الآلات في موديلات التالية لما تم إبداء الملاحظات عليها، وهو ما يساهم في تحسين الكفاءة والجودة لزيادة الإنتاج.
بشكل عام، يعكس استطلاع الآراء رؤية إيجابية نحو مستقبل الزراعة في اليمن، مع أهمية المحافظة على التطوير المستمر في تصنيع الآلات المحلية لتلبية احتياجات المزارعين بشكل أفضل. فقد رُكز على أهمية الكفاءة والجودة في تصميم الحصادات، إذ يجب أن يكون بإمكان المزارع استخدامها بشكل فعال لحصاد القمح وغيره من الحبوب بسهولة ويسر، مؤكدين أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى زيادة الإنتاجية.
وأفاد المسؤولون في المؤسستين بأنه تم توزيع الحصادات على الجمعيات التابعة للمؤسسة في محافظة الجوف ومحافظات يمنية أخرى لتصل إلى جميع المزارعين. ومن أجل تحسين جودة المنتجات، سيتم إجراء استطلاعات دورية للمزارعين لجمع آرائهم حول الآلات واحتياجاتهم. كما أوضح المختصون أن هذه المرحلة ستكون حيوية في تعديل وتطوير الدفعات التالية من الإنتاج بناءً على ملاحظات المزارعين.