لدى خبر قديم أود إذاعته، هو أننا ميتون نوشك أن نصل مبتغانا. نتنفس شهيقا ليس لدينا النبأ اليقين بخروجه زفيرا، وكل أحوالنا على الأرض مؤقتة.
أنا كاتب مؤقت، وهذا شاعر مؤقت، وهذه فنانة مؤقتة، وهذا ناقد مؤقت، وذاك مسئول مؤقت، وجميع مَن نشاهدهم منتفخين، متضخمين، مترفعين على البشر، وناظرين من علٍ يعيشون أحوالا مؤقتة.
أذكركم بعد نفسى أن نفكر دوما فى كل فعل وحركة وقول. ما يصح وما لا يصح. ما ينفع وما يضُر. ما يُمثل قيمة، وما يُعد عبثا. ما يدفع أذى، وما يجلبه. ما يُنصف مقهورا، وما يشارك فى ظلم. ما ينير عتمات، وما يهدم قصور مجد.
كلما عبرت السنوات، واقتربت النهايات، أزداد اندهاشا من رؤية أى مشهد تملق، أنفر من متابعة بروتوكول رسمى يسمح بمذلة إنسان لآخر. أحزن كثيرا إن شهدت كبيرا، مبدعا أو صاحب علم وقيمة يُداهن. أنزعج من وصلة نفاق زاعقة، وأغضب جدا من سماع كلمة ليست لوجه الله تعالى.
فكما قال الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور معرفا الكلمة «أتعرف ما معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة فى كلمة، ودخول النار على كلمة، وقضاء الله هو الكلمة». ونصيحتى لنفسى ولك، إن سمح لك القدر أن تبُوح بكلمة أمام كبير، فلا توظفها إلا لنفع الناس وإسعادهم.
قُل خيرا أو لتصمت، والأفضل ألا تصمت. فليس هناك ما يمنعك أن تُنصف مَن يستحق الإنصاف؟ وتحفظ لذاتك عزتها وكرامتها فى الوقت نفسه.
لقد كان الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت يقول لشعبه «إن أخوف ما أخاف عليكم هو الخوف نفسه»، ونحن تربينا على الخوف من كل شيء، وأى شيء. نخاف من المعلوم والمجهول. نخاف من الخوف نفسه. نخاف ونحن ندرك أن الخوف مقبرة الحياة، ومقصلة التطور، فالذين يخافون لا يصنعون مجدا ولا انتصارا.
نخاف نخاف.. فلِمَ نستغرب سوء الحال، وضعف الأمل، وتردى القيم؟ كيف نُصلح الغد ونحن نخاف؟ وكيف نحل مشكلات تلو مشكلات ونحن نخاف؟ كيف نتقدم للأمام؟ وكيف ننتصر ونحن نخاف؟
يقول الشاعر محمد الماغوط، كرم الله ذكره، موصيا الإنسان العربى فى كل زمان ومكان:
« لا تحنِ رأسك لأحد أبدا، لا تحنِ رأسك مهما ظننت أن الأمر ضروري، لا تحنِ رأسك، فقد لا تواتيك الفرصة لتنهض مرة أخرى».
وقد فعلها يوما الموسيقار العالمى لودفيج فان بيتهوفن، عندما أخبروه بأن الحاكم سيحضر احتفالا يخصه، ثُم طلبوا منه قبيل الاحتفال أن ينحنى للحاكم وهو يصافحه، لكنه رفض وأصر أن يقف مرفوع الجبين، ونقلوا عنه قوله « سيأتى مئات الملوك، وبعد مئتى عام لن يذكر أحد هؤلاء ولا كيف كانوا، لكنهم سيتذكروننا: نحن المبدعين».
والله أعلم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد
إقرأ أيضاً:
نص كلمة الفنان فاروق حسني الموجهة للمشاركين والفائزين بجوائز الفنون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نشر الفنان فاروق حسنى، رئيس مجلس أمناء مؤسسة فاروق حسنى للثقافة والفنون، كلمة موجهة للفنانين المشاركون فى جوائز الفنون هذا العام.
وجاء نص الكلمة كالتالى: حينما أنظر إلى الأعمال المقدّمة للفوز بجوائز المؤسسة هذا العام، أشعر بالفخر.
وأضاف: “فقد تلقينا ما يقرب من 2200 عمل قدّمه ما يقرب من 1200 فنان ومعماري وناقد. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي شواهد على إبداع شباب مصر وأحلامهم التي تبشر بمستقبل مشرق للفن والثقافة. أراها مشاريع كبرى تحمل بصمات صاعدة تروي الذكريات الجميلة وتُخلدها في تاريخ مصر الفني”.
وتابع: أتخيل هذا اليوم وكأنه عرس للفن والفنانين، يوم يحتل مكانة خاصة في قلوبنا جميعاً. فما أعظم سعادتي وأنا أشاهد معكم اليوم هذه الأشجار الطيبة وهي تنمو وتثمر في حقل الوطن.
وأردف رئيس مجلس الامناء: ما نراه اليوم، ونحن نحتفل بالدورة السادسة من جوائز الفنون لمؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون، ليس ثمرة مجهود عام واحد، بل هو نتاج سنوات طويلة من العمل المشترك والحلم المستمر. وأتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى مجلس الأمناء الحالم، الذين شاركونا هذا الطريق منذ البداية. كما أشكر وزارة الثقافة لدعمها المتواصل، وأثمن جهود الفنانين والأساتذة الكبار الذين أبدوا تفانياً كبيراً في لجان التحكيم.
واستكمل: ولا أنسى دور الإعلام التقليدي والحديث، الذي ساهم في تسليط الضوء على أنشطة المؤسسة والتبشير بجيل جديد من الفن والفنانين.
واختتم الفنان فاروق حسنى كلمته قائلا: ما أعظم فخري ونحن نرى اليوم إبداعات هؤلاء الشباب، متأكدين أنهم، في المستقبل القريب، سيصبحون أعلاماً يُشار إليهم بالبنان، وسيضمنون لمصر مكانة متقدمة بين الأمم المتحضرة المبدعة.
الجدير بالذكر أنه سوف يفتتح معرض جوائز الفنون ٢٠٢٥، بعد قليل، بمركز الجزيرة للفنون.