ابنة الشاعر صلاح جاهين: ورثت عنه «حب الأكل».. وسؤال بريء سبب قصيدة «ربنا»
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
لم يكن ينصح «ابنته الصغرى» حتى يُبحّ صوته، يكفي أن يسايرها ويدخل إلى عقلها بحيلة الأطفال، وروح المشاكسة واللعب، هو «طفل» في عيون الكبار، والرفيق والونس في قلب صغيرته، دفء السنوات القليلة التي قضتها معه كفيل أن يطرد برد الرحيل، وظلت صورة «الأب الحنون» رمز المشاعر وأصدقها، وظلت حية في ذاكرتها، تمنحها القوة لمواصلة مسيرتها بعد رحيله، ومصدر إلهام للفن الساكن أعماقها.
وفي حوار مع سامية جاهين، ألقت الضوء على جوانب من حياته وتأثيره على أسرته، وأكدت أن طفولتها مع والدها الشاعر صلاح جاهين كانت مليئة بالبهجة والحنان، وقالت لـ«الوطن» كنت استيقظ كل صباح على أصوات العود والموسيقى التي يعزفها أصدقاؤه الملحنون والموسيقيون في مكتبه، والذي يفصله عن غرفتي جدار، كان يسمح لي وحدي بدخول مكتبه في أي وقت والجلوس معه على الأرض للرسم، لم أعرف الحزن أو العقاب معه، وكنت في أواخر أيامه أرى معه الموسيقار الراحل إبراهيم رجب.
وإلى نص الحوار:
* ما الذكريات التي لا تُنسى عن والدك؟
- هناك مواقف لا تزال حيَّة في ذاكرتي، إذ ما زال صوت والدي يتردد في أذني، فبعد أن عاقبتني والدتي بالحبس في غرفتي لتصرف خاطئ صدر عني فأغضبها، كنت أبكي بشدة، فجاء إلي وهمس بصوت منخفض عندما طلبت منه والدتي عدم إطلاق سراحي، قائلاً: «معلش يا سامية، متعمليش حاجة غلط تاني».
* ما أبرز الصفات التي ورثتِها عن والدك؟
- لا أستطيع تحديد الصفات التي ورثتها بدقة، فالناس هم مَن يحكمون على ذلك، ولكنى أحببت الفنون بمختلف أنواعها مثل الموسيقى والتمثيل والشعر والغناء، وأتمنى أكون ورثت عن والدي إحساسه الإنساني وتعاطفه مع المظلومين واهتمامه بقضايا الأمة العربية.
ولعل أبرز ما يشبهنى بوالدي هو حبنا الشديد للطعام، فكان أصدقاؤه يروون لي أنه كان عاشقاً للأكل، وذات مرة دخل المطبخ مع صديق له، وكان يتغزل برغيف العيش، قائلاً: «انظر كيف هو يضحك لنا».
* كيف تنظرين إلى تأثير والدك على الثقافة المصرية والعربية؟
- كان لوالدي تأثير كبير وإسهام فريد في الثقافة المصرية والعربية، من خلال موهبته الفذة في الجمع بين مختلف الفنون في أعماله بشكل مبتكر، فقد كتب الشعر العامي، والفصيح، والمسرحيات، والسيناريوهات، والأغاني، والكاريكاتير، موظِفاً موهبته في كل تلك المجالات، كما أحدَث مع الشاعر الكبير فؤاد حداد ثورة في الشعر العامي وتبعهما جيل كامل من الشعراء.
* ما أهم النصائح التي تعلمتِها من والدك ومسيرته الفنية؟
- لقد علمتني مسيرة والدي الفنية الكثير من القيم والمبادئ، فكأنه كتب لي خطة الحياة، ومن أهم ما تعلمت: الشجاعة في قول الحق، ونبذ الظلم ونصرة المظلومين، وعدم الفصل بين الحياة الشخصية والقضايا العامة، والإخلاص في العمل، والسعي وراء الإبداع المستمر بغض النظر عن الشهرة، وكل هذه القيم مستمدة من أعمال والدي ومواقفه في الحياة، فصلاح جاهين كتاب مفتوح سطَّر أحلامه وأهدافه في مؤلفاته.
* هل كان لوالدك مشاريع فنية لم يكتب لها الإنجاز؟
- أعتقد أن والدي كان يخطط للمزيد من الأعمال المسرحية والغنائية قبل وفاته، إذ كانت لديه أفكار عديدة حول المسرح الغنائي، وكان مفتوناً بسيد درويش وبالمسرح الغنائي بشكل عام، ولم يتسنَّ له التعمق في هذا المجال الفني قبل وفاته.
* هل تفضلين أعمالاً فنية للراحل عن غيرها؟
- لا توجد مجموعة أعمال محددة مفضلة، لكن في مرحلة ما في بداية مراهقتي ارتبطت بالرباعيات، وفي مراحل أخرى ارتبطت بأعمال أخرى، إذ كان والدي دائماً ما يقول لنفسه إن الناس ستتذكره عبر الرباعيات، ولا أعتقد أنه كان سعيداً بذلك لأن مسيرته الشعرية أكبر وأشمل من مجرد رباعيات.
* ما أكبر أثر تركه والدك على حياتك الشخصية؟
- لعل أكبر أثر تركه والدي على حياتى هو تمسكي بمبادئي وقيمي الإنسانية والوطنية التي غرسها فيّ والتزامي بنبذ الظلم وقول الحق دائماً، كما أن حبي للفنون وسعيي نحو الإبداع متأصل من والدي، إنه بمثابة المعلم والقدوة الذي ما زلت استمد منه الهدى والإلهام.
والدي كان لا يفصل شخصيته عن العالم، وتعلمت منه أن ما يؤثر في حياتنا العامة يؤثر على حياتنا الخاصة، فهناك كاريكاتير في جريدة الأهرام من 56 سنة عن عيد الميلاد والأماكن المقدسة تحت الاحتلال الإسرائيلى، موضحاً خلاله أن السيد المسيح لا يريد عيد الميلاد غير لما بيته يرجع.
* حدثينا عن كواليس قصيدة «ربنا» آخر ما كتب؟
- تعود ذاكرتي إلى لحظة جميلة جمعتني مع والدي الراحل، عندما سألته وأنا طفلة صغيرة عن الله ومكانه وشكله، فبروحه المرحة أجاب عن تساؤلاتى بطريقة بسيطة فهمتها، واستلهم من حوارنا تلك القصيدة الرائعة «ربنا» التي وجَّهها للأطفال، معبراً بأسلوب شاعرى بديع عن مفهوم الإيمان بالله، للأسف لم تأخذ القصيدة حقها، إلا أنني غنيتها في الثامنة من عمري أثناء حفل تأبين والدي، فكانت لحظة مؤثرة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: صلاح جاهين
إقرأ أيضاً:
أدباء فقراء (1)
هناك أمثلة عديدة على أدباء وكتاب ومثقفين عاشوا الفقر على أصوله رغم أنهم أنتجوا أفضل الإبداعات الأدبية للبشرية التي أسعدت الناس، لكنهم عاشوا الشقاء الحقيقي عبر بوابة الفقر والحاجة، ولم يلتفت إليهم أحد؛ فبعضهم لم يُطبع نتاجه إلا بعد وفاته، حيث حققت كتبهم حينها أرباحًا كبيرة، وبعضهم طُبعت كتبه، لكنها لم تحقق الربح المأمول إلا بعد وفاته، وآخرون غمطت حقهم دار نشر أكلت القسم الأكبر من الكعكة.
ونظرًا إلى كثرة هذه النماذج، أسماها بعضهم آفة، في حين أطلق البعض على هذا الصنف من الناس، مقولة: (أدركته حِرفة الأدب)؛ بدءًا من الجاحظ، الذي عاش فقيرًا، ينام في محل بيع الكتب حارسًا، أو كان- كما قيل- يستأجره في الليل، حتى يقرأ فيه بعض الكتب إلى الصباح، حتى أصاب عينيه الجحوظ كما قيل؛ إلى أبي حيان التوحيدي، الذي كان لا يأكل سوى أسوأ المأكولات وأرخصها، ويلبس الثياب المرقعة، حتى قال: غدا شبابي هربًا من الفقر، والقبر عندي خير من الفقر؛ إلى الشاعر الكبير أمل دنقل الذي كان لا يجد ما يأكله، وكان يشك أن باستطاعته أن يتزوج من الصحفية عبلة الرويني، التي تعدّ من طبقة اجتماعية أخرى، لكنها أحبته وأصرّت على الزواج به متحملة فقره.
وكان الشاعر المصري المعروف بيرم التونسي، الذي كتب أجمل القصائد، والذي طُرد من مصر، وتشرد في عدد من البلدان، قد عانى الجوع والتشرد قبل أن يصدر عفو عنه ويعود إلى مصر.
حتى الكاتب الشهير عباس محمود العقاد، الذي اكتسب مكانة كبيرة حتى بين أدباء عصره مثل طه حسين والرافعي، عاش ومات فقيرًا.
وهذا ما دفع البعض إلى الوقوع في فخ التعميم بالقول: إن الفقر قدر محتوم على الأدباء، حتى قال الشاعر المصري محمود غنيم لصديقه:
هوّن عليك وجفّف دمعك الغالي *** لا يجمع الله بين الشعر والمال
ولا بد أن نختم هنا بالقول: إن هناك نماذج كثيرة لأدباء حققوا ثروات كبيرة، إمّا من أدبهم، أو من مصادر أخرى، لهم قصة أخرى يجب أن تروى.