حروب بالوكالة أم دكاكين سياسية أم اتحاد مصالح؟
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
24 ديسمبر، 2023
بغداد/المسلة الحدث:
“محور المقاومة”.. حروب بالوكالة أم دكاكين سياسية أم اتحاد مصالح؟
محمد صالح صدقيان
مع كل أزمة إقليمية، تُثار أسئلة بشأن طبيعة العلاقة بين إيران وأصدقائها في المنطقة وتحديداً أولئك المنضوين في إطار “محور المقاومة” الذي تتزعمه إيران في مواجهة مشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة ومشروع الإحتلال للعديد من الأراضي العربية ولا سيما أرض فلسطين؛ وثمة قراءة إيرانية تعتبر أن لا هدف يتقدم أمريكيا على هدف حماية مصالح واشنطن وبينها دعم إسرائيل وحماية أمنها القومي بعيداً عن كل مُسميات أمن المنطقة ومصالح شعوبها.
هذه الأسئلة كانت أكثر دقة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر علی خلفية عملية “طوفان الأقصی” في غلاف غزة، وما رافقها من حراك عسكري لفصائل المقاومة في كل من لبنان والعراق واليمن وسوريا.
فهل تتحرك هذه الفصائل بأمر من طهران؟
هل أنها تُحارب بالوكالة؟
هل هي مجرد أذرع لطهران تُحرّكها متی تشاء إستناداً إلی مصالحها وعلاقاتها مع الإقليم والغرب؟
هل هذه الفصائل مجرد “دكاكين إيرانية” تفتح متی شاء صاحب البازار لعرض بضائع جديدة أو خدمات مدفوعة الثمن؟
الأجوبة علی هذه الأسئلة وغيرها تكون عادة بـ”نعم كبيرة” لدى الأوساط التي تختلف مع “المشروع الإيراني” ومشروع “محور المقاومة”؛
وهي عند هذه الأوساط من المسلمات التي لا تقبل القسمة علی اثنين. لكن ما يتحدث به أصحاب الشأن من الإيرانيين ومن قيادات المقاومة يُفضي إلى تقديم صورة مختلفة لتلك الصورة النمطية حول علاقة طهران بحلفائها في المنطقة.
هذه الاشكالية، وإن كانت الإجابة عليها معقدة، إلا أنها لا تمنع من محاولة طرح السؤال على “أهل الدار”. وللمناسبة، فإن مصدري ليس شخصية عابرة أو متطفلة بل شخصية مطلعة ومنخرطة في هذا “المحور” منذ عقود، وأثق بمعلوماته لقربه من قيادات هذا “المحور”.
سألته أولاً عن موقع “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني من هذا المحور؟ أجاب بكل وضوح؛ أن “الفيلق” هو الجهة الرسمية التي أنيطت بها إيرانياً مهمة تنظيم العلاقة مع عناصر “المحور”؛ وهذا “الفيلق” هو رأس حربة مواجهة الإحتلال الإسرائيلي ومواجهة التواجد الأجنبي في المنطقة، وتحديداً الأمريكي الذي لا ينظر إلى مصالح دول وشعوب هذه المنطقة إلا من خلال العين الإسرائيلية؛ ولذلك – يُضيف مُحدّثي – “نحن نعمل من أجل أمن واستقرار هذه المنطقة ولا نستحي من أحد عندما نقول إننا نريد شرق أوسط جديد يستند علی مصالح شعوب ودول هذه المنطقة؛ ونعتقد أن وجود كيان الاحتلال لا يخدم الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الغنية بالموارد البشرية والمالية والعوامل الجيوسياسية والجيوستراتيجية”.
شكرتُه علی هذه الصراحة والشفافية قبل أن أقول له إن مثل هذا الطريق مكلفٌ ومتعبٌ وتنتابه عديد المخاطر، وقد لا يصل بالضرورة إلى نتيجة تخدم شعوب هذه المنطقة ناهيك عن إيران ذاتها!
قال مُحدّثي “نعم، هذا صحيح وإيران دفعت وما زالت تدفع ضريبة باهظة الثمن لتحقيق أهدافها”.
قاطعته بالسؤال عن مصير شعوب المنطقة التي اختارت السير في هذا الطريق؟ أجابني “أين أخطأت إيران عندما دعمت المقاومة اللبنانية لتحرير أرضها من الإحتلال الإسرائيلي؟ وأين أخطأت إيران عندما دعمت الشعبين العراقي والسوري في مواجهة الحركات الإرهابية والتكفيرية التي كانت تنشر القتل والدمار والتقسيم والفوضی في المنطقة؟ وأين أخطأت إيران عندما دعمت اليمنيين لنيل حقوقهم والدفاع عن أرضهم وعودة الهدوء والاستقرار إلى بلدهم”؟
قلت لمُحدّثي “هذه الأفكار التي تطرحها ربما يكون مُختلفاً عليها في الدول التي ذكرتها تحديداً”.
قال لي “أبداً.. شعوب وحكومات هذه الدول هي التي دعتنا للتواجد معها في الميدان من أجل مواجهة التحديات الإستراتيجية التي تواجهها.
تصوّر ما الذي كان ليحدث لو أن تنظيم “داعش” الإرهابي يُسيطر علی سوريا والعراق وجزء من شرق لبنان بدعم إقليمي ودولي؟ ما هي انعكاسات ذلك علی دول المنطقة.. لبنان.. إيران.. تركيا وحتی الأردن وكل الدول الخليجية؟ ألم تُشكّل الولايات المتحدة ما يُسمى “التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب”؟ ما الذي فعله الشهيد قاسم سليماني غير ذلك؟ ألم يُحارب الإرهاب؟ لماذا تم استهدافه؟ لأنه وبكلام مختصر أراد مواجهة الإرهاب وحماية مصالح أهل المنطقة لكن ليس وفق المقاسات الأمريكية”!
وماذا عن العلاقة بين “محور المقاومة” وتحديداً العلاقة بين إيران وأصدقائها في هذا “المحور”؟ أجابني قبل أن ينتهي وقت اللقاء “سأكون واضحاً في جوابي لاعتبارات متعددة ترتبط بالوضعين الاقليمي والدولي”؛ وزاد قائلاً إن هذه العلاقة تعتمد علی الأسس الآتية:
أولاً؛ هي ليست علاقة سياسية بل علاقة أيديولوجية فكرية عقائدية يختلط فيها الديني بالسياسي والحضاري.
ثانياً؛ أولوية مواجهة إسرائيل والسياسات الأمريكية في المنطقة، وهذه المنطقة (الشرق الأوسط) تعاني كما نعاني نحن من هذه السياسات منذ عقود ولربما قبل أن تولد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام 1979.
ثالثاً؛ طبيعة هذه العلاقة ليست علاقة رئيس ومرؤوس؛ ولا علاقة قائد عسكري بعسكره علی قاعدة “نفذ ثم اعترض أو ناقش”؛ كما أنها ليست علاقة مصالح شخصية أو حزبية أو فئوية. إنها علاقة إستراتيجية وفق منظومة مصالح تخضع للأهداف العليا في المنطقة؛ وتستند علی قاعدة دراسة “تقدير الموقف” الذي ينسجم مع طبيعة الميدان الذي يخص كل عنصر من عناصر المحور الذي يتخذ بموجبه القرار الذي يخدم وضعه الميداني ويخدم الأهداف العليا التي تخص المحور.
كيف يكون التحرك؟ ما هي أهدافه؟ بأي مستوی؟ هذه القضايا وغيرها متروكة لكل فصيل يعمل وفق ما يراه مناسباً، وفق “تقدير الموقف” الذي يرسمه لتحركه الميداني.
هذا هو الإطار الذي نتحرك جميعاً في داخله لتحقيق أهدافنا المشروعة في المنطقة”.
وجدتُ مُحدّثي هذه المرة منشرحاً أكثر مما كنتُ أتوقع لكنني أعتقد أنني استطعت أن آخذ منه ما يستطيع ان يخدم فكرة الفهم المشترك للعلاقات بين أهل هذا “المحور” في منطقتنا، وبالتالي توضيحها عند الأوساط الأخرى التي لا تتفق مع رؤية “المحور”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: محور المقاومة هذه المنطقة فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
هل تكون جزيرة غرينلاند شرارة حروب ترامب؟
أثارت مكالمة -الأسبوع الماضي وصفت بالنارية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيسة وزراء الدانمارك ميتي فريدريكسن- الرعب في الأوساط الدانماركية، ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن مصادر أوروبية رفيعة أن ترامب عندما ردت عليه فريدريكسن برفض التنازل عن غرينلاند أطلق وابلا من الشتائم والتهديدات.
فهل ينفذ ترامب تهديده بالسيطرة على الجزيرة ولو بالقوة؟ وهل تكون غرينلاند الشرارة الأولى لحروب ترامب؟
وقبل تناول ما حصلنا عليه من معلومات ودراسات تستجلي جوانب هذه القضية وتستشرف مآلاتها، سنعرج قليلا على تاريخ أميركا في التعامل مع جزر القطب الشمالي وكيف استولت من قبل على جزر مماثلة عبر صفقات مع دول بما فيها الدانمارك نفسها، مع معطيات مختصرة عن جزيرة غرينلاند.
أميركا والاستحواذ على الجزر الدانماركيةيؤكد أستاذ القانون في جامعة هارفارد جاك لاندمان غولد سميث -في دراسة نشرها المعهد الأميركي لدراسات القطب الشمالي منتصف يناير/كانون الثاني الجاري- أن هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الولايات المتحدة إلى الاستحواذ على جزيرة من الدانمارك لما تسميه "أغراض الأمن القومي".
ويضيف سميث أن أحد الأسباب التي تجعل ترامب يريد غرينلاند هو منع الدول الأخرى من الهيمنة عليها، فقد صرح متحدثا عن الجزيرة "إنك تنظر منها إلى الخارج -ولا تحتاج حتى إلى منظارـ وترى السفن الصينية في كل مكان، والسفن الروسية في كل مكان، ولن نسمح باستمرار ذلك".
إعلانوكان قلق مماثل قد دفع الرئيس الأميركي الأسبق أبراهام لينكولن للسعي للاستحواذ على جزر الهند الغربية الدانماركية، حيث اعتبر أنها عُرضة لخطط الاستحواذ عليها من دول أوروبية خصوصا بريطانيا العظمى والنمسا، لكن اغتيال لينكولن 1865 أخر عملية الاستحواذ قبل أن يتجدد الاهتمام الأميركي بالجزر فجر الحرب العالمية الأولى مع افتتاح قناة بنما عام 1914 وخشية استيلاء ألمانيا عليها.
وزير خارجية الولايات المتحدة لانسينغ (الثاني من اليمين) يسلّم الوزير الدانماركي برون مسودة بقيمة 25 مليون دولار لشراء جزر الهند الغربية الدانماركية عام 1917 (غيتي)وهكذا وبحلول يناير/كانون الثاني 1917 تنازلت الدانمارك عن جزر الهند الغربية المعروفة اليوم بسانت توماس وسانت جون وسانت كروا للولايات المتحدة مقابل 25 مليون دولار.
ويخلص الأستاذ سميث إلى إن أوجه التشابه بين "معركة" الاستحواذ على جزر الهند الغربية الدانماركية ومقامرة ترامب للحصول على غرينلاند ملحوظة، فلدى ترامب مخاوف إستراتيجية بشأن نفوذ الصين وروسيا في المنطقة، ويسعى لإبراز القوة العسكرية والاقتصادية لأميركا تطبيقا لشعاره "أميركا أولا".
وتعد جزيرة غرينلاند التي ينصب عليها اهتمام ترامب حاليا أكبر جزيرة في العالم مع موقع إستراتيجي وثروة غير مستغلة من المعادن والنفط، وهي تابعة للدانمارك لكنها تتمتع بحكم ذاتي وتغطي الثلوج نحو 80% من مساحتها، بينما يسكن المساحة المتبقية 57 ألف نسمة.
رسم يوضح ميناء وأحواض بناء السفن في كريستيانستيد في سانت كروا في جزر الهند الغربية عام 2002 (غيتي) ذعر في الدانماركاعتبرت رئيسة الوزراء الدانماركية ميتي فريدريكسن في رسالة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تزامنا مع أداء الرئيس الأميركي الجديد اليمين الدستورية أنه: "من المرجح أن نواجه فترة طويلة وصعبة.. وأتوقع أننا نحن الأوروبيين سوف نضطر إلى التعامل مع واقع جديد".
إعلانويؤكد تقرير لمراسلة راديو كندا في كوبنهاغن الصحفية تمارا ألتيريسكو أن رسالة فريدريكسن هذه تكشف صدمتها من محادثة أجراها معها الأسبوع الماضي دونالد ترامب، وكرر خلالها تهديداته بشن حرب تجارية إذا لم تسلم له الدانمارك جزيرة غرينلاند، كما رفض ترامب خلال المحادثة سحب تصريحه الذي أدلى به في 7 يناير/كانون الثاني بعدم استبعاده إمكانية استخدام القوة لضم الجزيرة.
ونقل مراسلو فايننشال تايمز عن مسؤولين أوروبيين كبار قولهم إن المكالمة لم تسر على ما يرام، وإن ترامب كان عدوانيًا تجاه نظيرته الدانماركية، حيث قال أحد المسؤولين "لقد كان الأمر مروعًا"، وقال آخر: "لقد كان حازمًا للغاية.. فقبل المكالمة كان من الصعب أخذ الأمر على محمل الجد، لكنني أعتقد الآن أنه أمر خطير للغاية".
وقال المسؤولون الذين تم إطلاعهم على فحوى المكالمة "إن رئيسة الحكومة الدانماركية عرضت المزيد من التعاون بشأن القواعد العسكرية واستغلال المعادن، لكن ترامب كان مصرًا على أنه يريد الاستحواذ على الإقليم، لقد كانت نيته واضحة للغاية".
وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة نيوزويك الأميركية تقريرا لمراسلها السياسي دان غودينغ تحت عنوان "حليف الناتو مذعور تمامًا بعد مكالمة دونالد ترامب"، مؤكدا أن ما دار خلال المكالمة التي جرت قبل 5 أيام من تنصيب ترامب وضع الدانمارك في أزمة.
وأضاف تقرير نيوزويك أن هذه الأزمة تأتي رغم أن الدانمارك حليف مهم لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأرسلت قوات للقتال إلى جانب الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان.
فريدريكسن تلقت تهديدات من ترامب بشن حرب تجارية إذا لم تسلم له الدانمارك جزيرة غرينلاند (الأوروبية) عملية ابتزازيؤكد تقرير ألتيريسكو وجود حالة استنفار سياسي في العاصمة الدانماركية، فالاجتماعات الطارئة تتزايد هذه الأيام بين الطبقة السياسية ورجال الأعمال، والسؤال الذي يطارد الجميع ويبقى دون إجابة حاسمة: إلى أي مدى سيذهب ترامب في تهديداته للاستيلاء على غرينلاند؟
إعلانورغم أن ترامب لم يذكر غرينلاند في خطاب التنصيب لكن بمجرد وصوله إلى المكتب البيضاوي في المساء، أكد للصحفيين اهتمامه بالمنطقة الشمالية، كما كرر من قبل، وقال: "غرينلاند مكان رائع ونحن بحاجة إليه لأسباب أمنية، وأنا مقتنع أن الدانمارك سوف تقبل (التنازل) في نهاية المطاف".
وينقل تقرير إذاعة كندا عن وزير الخارجية الدانماركية اعترافه أن "حكومة بلاده تستعد الآن لأي احتمال، فعملية الابتزاز بدأت للتو"، محذرا من أنه لا يمكن أن يسمح النظام العالمي لدولة ـ بمجرد أن تكون قويةـ أن تتصرف كما تشاء.
ويورد التقرير أيضا أن النائب الجمهوري المقرب من ترامب آندي أوجلز أعلن نيته تقديم مشروع قانون يطلب من الكونغرس دعم المفاوضات بين ترامب والدانمارك بشأن الاستحواذ الفوري على غرينلاند.
من جانبه، أصدر عضو البرلمان الأوروبي الدانماركي أندرس فيستيسن تحذيرا أكثر وضوحا في البرلمان الأوروبي، مما أدى إلى مطالبته بالانضباط والالتزام بالنظام، حيث قال "عزيزي الرئيس ترامب، استمع بعناية شديدة: لقد كانت غرينلاند جزءًا من المملكة الدانماركية لمدة 800 عام فهي جزء لا يتجزأ من بلدنا وليست للبيع، دعني أقولها لك بكلمات يمكنك فهمها: السيد ترامب، اذهب إلى الجحيم!".
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة (@aljazeera)
سيناريوهات محتملةانطلاقا من رصدنا للتقارير والدراسات التي تناولت الموضوع، نستطيع توقع 4 سيناريوهات يمكن أن تتطور إليها هذه الأزمة الناجمة عن الرغبة الجامحة لترامب في الاستيلاء على غرينلاند:
أولا: اجتياح عسكري أميركيفي تقرير نشرته صحيفة بوليتيكو الأميركية في 10 يناير/كانون الثاني الجاري بعنوان "غزو ترامب لغرينلاند سيكون أقصر حرب في العالم"، اعتبرت الصحيفة أن الرئيس الأميركي الجديد أحدث صدمة في أوروبا عندما رفض استبعاد استخدام القوة العسكرية لضم جزيرة غرينلاند.
إعلانوتعتبر الصحيفة أن المعطيات لا تترك الشك في تحديد من سيفوز في هذه المعركة، إذا نفذ ترامب تهديده بضم غرينلاند بالقوة، فإن هذه ستكون أقصر حرب في العالم نظرا لفارق القوة العسكرية بين الطرفين، فلا توجد قدرة دفاعية لدى الدانمارك لصد أي هجوم أميركي، وإن كانت بعض سفن خفر السواحل الدانماركية تتردد على جنوب شرق غرينلاند، لكن الصحافة الدانماركية ذكرت أنه حتى البرنامج اللازم لإطلاق النار على الأهداف لم يتم أصلا شراؤه لتثبيته على تلك السفن.
وتضيف الصحيفة أنه بموجب اتفاقية عام 1951 بين الدانمارك والولايات المتحدة تكفلت الأخيرة بالدفاع ضد أي هجوم على جزيرة غرينلاند، نظرا لعدم قدرة الدانمارك على ذلك، وبالتالي، فإذا حاول ترامب الاستيلاء على المنطقة بالقوة، "فالسؤال هو: من سيقاتل الأميركيين، فليس هناك بالفعل إلا الجيش الأميركي؟!!"
وتوضح بوليتيكو أن الولايات المتحدة قلصت بشكل كبير وجودها العسكري على الجزيرة بعد انتهاء الحرب الباردة، ولكن محطة رادار الإنذار المبكر ما تزال قائمة في قاعدة بيتوفيك الفضائية في شمال غرب غرينلاند، وهي من أهم محطات رصد المركبات الفضائية والصواريخ الباليستية، بما في ذلك الرؤوس الحربية النووية المحتملة التي تطلقها موسكو.
ورأت الصحيفة أن الدانمارك قد تطلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي، وقد أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن الاتحاد الأوروبي لن يسمح بحدوث الاستيلاء على الأراضي التابعة له، ولكن من غير الواضح ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادرا بالفعل على تقديم المساعدة العسكرية للدانمارك في هذه القضية.
وحسب بوليتيكو فإن الدانمارك تستطيع أيضا الاستعانة بالناتو بناء على المادة الخامسة من ميثاق الحلف التي تكفل الدفاع المتبادل بين أعضائه، وإن كان الأمر معقدا هذه المرة حيث إن مصدر التهديد عضو أيضا في الحلف، وهو ما وصفته المكلفة بالسياسات العامة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أجاثي ديماريس "بالأمر المحير والمجهول التبعات، وعندما تفكر فيه تجد أن لا معنى له على الإطلاق".
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، قال ردا على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بعد تهديده بالسيطرة على جزيرة غرينلاند، إن الاتحاد الأوروبي لن يسمح لدول أخرى بمهاجمة حدوده
للمزيد: https://t.co/76txX1n44X pic.twitter.com/mm98slWe4l
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) January 8, 2025
ثانيا: حرب تجارية وضغوط اقتصادية إعلانحسب تقرير مشترك لصحفييْ البي بي سي لورا جوزي من كوبنهاغن وروبرت غرينال فإن الحرب التجارية والضغط الاقتصادي يمثلان التهديد الأكبر المحتمل للدانمارك، حيث سيقوم ترامب بزيادة التعريفات الجمركية بشكل كبير على البضائع الدانماركية والأوروبية، مما قد يجبر الدانمارك على التنازل عن غرينلاند.
وقد هدد ترامب بفرض رسوم جمركية عالمية بنسبة 10% على جميع الواردات الأميركية، مما قد يؤدي إلى تعطيل النمو الأوروبي بشكل كبير.
وحسب تقرير البي بي سي فإن من بين الصناعات الدانماركية الرئيسية التي من المرجح أن تتأثر بهذا الإجراء صناعة الأدوية، حيث تحصل الولايات المتحدة من الدانمارك على منتجات مثل أجهزة السمع ومعظم الأنسولين الذي تحتاجه، فضلا عن دواء السكري أوزيمبيك، الذي تنتجه شركة نوفو نورديسك الدانماركية.
ثالثا: أن يصرف ترامب اهتمامه عن الموضوعينقل أستاذ هارفارد غولد سميث في دراسته عن السفير الأميركي السابق في بولندا دانييل فريد أن "تهديدات ترامب ضد غرينلاند قد تكون مجرد استفزاز.. فترامب يستمتع بقول أشياء تجعل الناس يهرعون ويثرثرون ويعبرون عن الغضب".
وحسب تقرير البي بي سي فإن البعض يرى أن الخطوة التي اتخذها ترامب قد تكون مجرد استعراض وتهدف إلى دفع الدانمارك إلى تعزيز أمن غرينلاند في مواجهة التهديدات من روسيا والصين اللتين تسعيان إلى تعزيز نفوذهما في المنطقة.
والشهر الماضي، أعلنت الدانمارك بالفعل عن برنامج عسكري جديد بقيمة 1.5 مليار دولار لمنطقة القطب الشمالي.
وتقول إليزابيث سفين، المراسل السياسي الرئيسي لصحيفة بوليتيكن: "ما كان مهمًا في كلمات ترامب هو أن الدانمارك يجب أن تفي بالتزاماتها في القطب الشمالي أو تترك الولايات المتحدة تفعل ذلك".
رابعا: استقلال غرينلاند وعلاقات أوثق مع أميركايؤكد تقرير البي بي سي أن الإجماع منعقد لدى شعب غرينلاند بأن الاستقلال سوف يحدث في نهاية المطاف، وإذا صوت الشعب لصالح الاستقلال فإن الدانمارك سوف تقبله.
إعلانونقلت صحيفة "ذا هيل" الأميركية عن الباحث الرئيسي في المعهد الدانماركي للدراسات الدولية أولريك جاد أن رئيس وزراء غرينلاند قد يكون غاضبا من الدانمارك ومتحمسا لإجراء استفتاء لاستقلال الجزيرة لكن عليه أن يبحث عن طريقة لإنقاذ اقتصاد غرينلاند الذي كانت تموله الدانمارك، مضيفا أن إقامة شراكة وتعاون مع الولايات المتحدة قد تكون الحل الأمثل.
ويعتبر الباحث جاد أنه حتى لو تمكنت غرينلاند من التخلص من الدانمارك، فلن تستطيع التخلص من الولايات المتحدة، فمنذ سيطرتهم عليها خلال الحرب العالمية الثانية، لم يغادر الأميركيون الجزيرة قط ويعتبرونها حيوية لأمن الولايات المتحدة الأميركية.